ما هو الدور الأمريكي في الهجوم الإسرائيلي على أصفهان بإيران، وهل سيتكرر مثل هذا الهجوم، وكيف سترد إيران، وهل نحن أمام بداية حرب إيرانية إسرائيلية، أم مجرد غارات متبادلة؟. أسئلة كثيرة يثيرها هذا الهجوم الغامض، الذي يعد الأول في عهد حكومة نتنياهو الجديدة.
وقصفت طائرات مسيّرة انتحارية، مساء السبت الماضي، مصنعاً للصواريخ في أصفهان بوسط إيران متسببة في حريق هائل بوسط المدينة الرئيسية.
وأصفهان هي موقع لأربع منشآت أبحاث نووية صغيرة، قدمتها الصين لإيران منذ سنوات عديدة. لكن المنشأة التي قصفت يوم السبت كانت في وسط المدينة ولا يبدو أنها ذات صلة بالأسلحة النووية.
وأكد مسؤولو استخبارات أمريكيون مطلعون أن هجوم الطائرة المسيرة على منشأة إيران العسكرية بالقرب من مدينة أصفهان من تنفيذ جهاز الموساد الإسرائيلي، وأنه أسفر عن انفجار كبير في وسط مدينة أصفهان، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
لم تبذل إيران أي جهد لإخفاء حقيقة وقوع هجوم، لكنها قالت إنه لم يُلحق أضراراً تذكر، وأكد مسؤولون إيرانيون كبار أن الطائرات المسيّرة التي يبدو أنها رباعية، وهي نوع من الطائرات بأربع مراوح منفصلة، قد تم إسقاطها جميعاً.
وبينما تحاول أمريكا التبرؤ من الهجوم الإسرائيلي على أصفهان بإيران الذي نفذ بواسطة طائرة مسيرة، فإنه من الواضح أن علاقة أمريكا بمثل هذه الهجمات أكبر مما يبدو.
ثلاث هجمات وليس هجوماً واحداً
الهجوم الإسرائيلي على أصفهان، وُصف بأنه متطور من قبل صحيفة Haaretz الإسرائيلية، ويفترض أنه يتطلب "أقداماً على الأرض".
ولكن عكس الشائع فإنه لم يكن الهجوم الوحيد.
فقد وقعت ثلاث غارات جوية مؤخراً ضد أهداف إيرانية في أقل من 48 ساعة ونُسبت جميعها إلى إسرائيل.
الأولى الهجوم الإسرائيلي على أصفهان.
بعد ذلك، تعرضت قوافل أسلحة قادمة من إيران للهجوم مرتين، على الجانب السوري من الحدود السورية العراقية.
وركّز معظم اهتمام وسائل الإعلام على الهجوم على الأراضي الإيرانية؛ حيث تم استخدام طائرات بدون طيار (كاميكازي) ذاتية التفجير. لكن الضربتين الجويتين الهائلتين على قوافل الأسلحة تظهران أن إسرائيل تكثف نشاطها ضد إيران، والذي لا يقتصر على محاربة البرنامج النووي ولا يركز على أراضي دولة معينة في المنطقة.
بناءً على الهجمات السابقة في المنطقة، يمكن عمل افتراضين؛ الأول، أن الهدف هو منع تهريب الأسلحة الذي وجهته النهائية بشكل أساسي حزب الله في لبنان، الذي يحتاج إلى صواريخ دقيقة التوجيه وأنظمة دفاع جوي متطورة من إيران.
وثانياً، أنه تم اتخاذ القرار بسرعة في إسرائيل ولمرتين، بمجرد وجود معلومات استخباراتية موثوقة حول موقع الشاحنات.
في الوقت نفسه، تحاول إسرائيل إرسال رسالة إلى إيران بأنها لا تخشى توسيع وتكثيف الاحتكاك العسكري.
الهجوم الإسرائيلي على أصفهان هو الأول منذ تولي نتنياهو السلطة
وهذا الهجوم أول هجوم إسرائيلي معروف داخل إيران منذ عاد نتنياهو لمنصبه على رأس حكومة توصف بالأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، ولعله يشير إلى أنه يتبنى الاستراتيجية نفسها التي تشكلت تحت حكم سلفيه ومنافسيه السياسيين، نفتالي بينيت، ويائير لابيد، اللذين توسعا في الهجمات الإسرائيلية داخل إيران، حسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
والمسيرات الرباعية أصبحت سمة مميزة لهذه العمليات.
ومؤخراً، كشفت شركة Elbit Systems الإسرائيلية عن طائرة بدون طيار قتالية ذكية عالية الاستقلالية يمكنها إعادة كتابة قواعد حرب المدن.
ففي أغسطس/آب عام 2019، أرسلت إسرائيل مسيرة رباعية متفجرة إلى قلب حي يهيمن عليه حزب الله في مدينة بيروت اللبنانية لتدمير ما وصفه المسؤولون الإسرائيليون بأنه ماكينة حيوية لإنتاج صواريخ دقيقة التوجيه.
وفي يونيو/حزيران عام 2021، انفجرت مسيرات رباعية في أحد مراكز التصنيع الرئيسية لأجهزة الطرد المركزي في إيران، التي تنقي اليورانيوم في منشأتي تخصيب اليورانيوم الرئيسيتين في البلاد، فوردو ونطنز. وهذا الهجوم وقع في مقاطعة كرج بضواحي طهران. وزعمت إيران أن هذا الهجوم لم يحدث ضرراً بالغاً، لكن صور الأقمار الصناعية أظهرت وقوع أضرار كبيرة.
وقبل عام، انفجرت ست مسيرات رباعية في كرمانشاه، المصنع الرئيسي لتصنيع وتخزين الطائرات العسكرية المسيرة في إيران.
وفي مايو/أيار عام 2022، استهدفت طائرة مسيرة موقعاً عسكرياً شديد الحساسية في محيط طهران، تعمل فيه إيران على تطوير صواريخ مسيرات وتكنولوجيا نووية.
وهذه الأهداف- التي تشمل المنشأة العسكرية في أصفهان- اختيرت جزئياً لزعزعة القيادة الإيرانية، لأنها تُظهر توفر معلومات أمنية عن مواقع حيوية، حتى تلك المخفاة في وسط المدن.
لكن هذه الضربات تعكس أيضاً التغيير الذي حل بالاستراتيجية الإسرائيلية بعد أن أصبح بينيت رئيساً للوزراء في يونيو/حزيران عام 2021.
يقول بينيت، في مقطع فيديو سيُنشر قريباً على موقع يوتيوب، واطلعت عليه صحيفة The New York Times، إنه قرر "أن يضع ثمناً" لأي هجوم على إسرائيليين أو يهود حول العالم ويضرب داخل إيران. ويقول بينيت في المقابلة التي أنتجها بنفسه: "الإيرانيون يضربوننا، وجنودنا يموتون على الحدود، فيما يجلس القادة الإيرانيون بهدوء في طهران ولا نفعل لهم شيئاً".
ولم يكن هذا الثمن هجمات المسيرات الرباعية فقط.
إذ قال بينيت إنه بعد أن "حاولت إيران قتل إسرائيليين في قبرص، وفي تركيا، تمت تصفية قائد فيلق الحرس الثوري المسؤول عن هذه المحاولات في طهران"، في إشارة إلى اغتيال صياد خدايي، الذي زعمت إسرائيل أنه قائد وحدة سرية مسؤولة عن اختطاف وقتل إسرائيليين وأجانب آخرين حول العالم.
هل تنفذ إسرائيل هذه الهجمات دون إبلاغ أمريكا حقاً؟
وقال بينيت في المقطع إنه بعد أن تبنّت إسرائيل هذه الإستراتيجية الجديدة، قدم بايدن "طلباً شديد اللهجة" بإبلاغ الولايات المتحدة مسبقاً "بأي إجراء نتخذه في إيران".
لكن بينيت قال إنه رفض ذلك.
وذكر أنه قال للرئيس الأمريكي: "هناك أشياء من الأفضل ألا تعرفها قبل أن تحدث".
ونشب خلاف بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية حول هذه القضية في أبريل/نيسان عام 2021 بعد عملية نفّذها الموساد في منشأة نطنز فاجأت الولايات المتحدة.
واتصل بيرنز بنظيره في الموساد آنذاك، يوسي كوهين، للتعبير عن قلقه من هذا التجاهل. وقال كوهين إنهم تأخروا في إبلاغ الولايات المتحدة بسبب قيود التنظيم وعدم تأكدهم من موعد تنفيذ عملية نطنز.
في بعض الأحيان، تعطي إسرائيل للولايات المتحدة تحذيراً مسبقاً بشن هجوم أو تبلغ المسؤولين الأمريكيين أثناء بدء العملية ليس من الواضح ما حدث في هذه الحالة، حسب الصحيفة الأمريكية.
وبينما يُلمح تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية إلى أن إسرائيل نفذت الضربة بدون موافقة أو علم الولايات المتحدة أو يعطي إيحاء بذلك، فإن صحيفة Haaretz الإسرائيلية تلمح إلى أن الأمر تم بالتنسيق مع واشنطن.
الضربات تمت بالتزامن مع زيارة وزير خارجية أمريكا ورئيس مخابراتها
وقعت الضربتان الأوليان أثناء وجود رئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز في إسرائيل. والثالثة حدثت قبل وقت قصير من وصول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. عندما سأله الصحفيون عن الهجمات بعد هبوطه، قال بلينكن إنه ليس لديه ما يضيفه. لكنه شدد على التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل.
في حين أن الولايات المتحدة لم تنفذ الضربات؛ حيث حرصت المصادر في واشنطن على توضيح ذلك في تسريبات لوسائل الإعلام الأمريكية، فإنه من الصعب تصديق أن الحكومة الجديدة في إسرائيل كانت ستخاطر بإحراج ضيوفها الأمريكيين بقصف أهداف إيرانية دون تنسيق مسبق. معهم، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
ولا بد من القول إن الضربات الثلاث جاءت بعد أيام قليلة من انتهاء مناورة جوية مشتركة شاركت فيها أعداد كبيرة من القوات الأمريكية، بعضها منتشر في الأراضي الإسرائيلية.
تشير كل هذه التحركات لإيران إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تنسقان معاً إلى حد كبير.
ولكنها لا تُنذر بهجوم أمريكي إسرائيلي وشيك على المواقع النووية الإيرانية، حيث لا يوجد اتفاق على هذا، وإسرائيل ليست جاهزة عملياً بعد، حسب Haaretz.
لكن الاستعداد الأمريكي للتدريب مع الجيش الإسرائيلي، ورفض الضربات الإسرائيلية علناً في الوقت ذاته يعكس الموقف الحالي لإدارة بايدن بأنها تريد الإمساك بإسرائيل، على أمل ألا تجر أمريكا إلى مغامرات غير ضرورية، مع إبداء الصبر على الهجمات الإسرائيلية لأنها باتت مفيدة في إرسال رسائل حازمة لإيران.
وأصبح التفهم لموقف إيران والرغبة في التفاهم معها أقل ما يمكن في الغرب، خاصة في الأشهر الأخيرة مع رفضها الانضمام إلى الاتفاقية النووية، وقمع احتجاجات الحجاب؛ أما أكثر ما أغضب الغرب، فهو زيادة مساعدتها لروسيا على شكل طائرات بدون طيار للحرب في أوكرانيا.
هل قدم الإسرائيليون خدمة هذه المرة للأمريكيين وليس العكس؟
لم يكن الغرض من المنشأة التي أصيبت في الهجوم الإسرائيلي أصفهان واضحاً، وكذلك حجم الضرر الذي تسببت فيه الضربة. لكن أصفهان هي مركز رئيسي للبحث وتطوير وإنتاج الصواريخ في إيران، بما في ذلك تجميع العديد من صواريخ شهاب متوسطة المدى، والتي يمكن أن تصل إلى إسرائيل وخارجها.
قبل أسابيع، حدد المسؤولون الأمريكيون علناً إيران باعتبارها المورد الرئيسي للطائرات المسيرة إلى روسيا لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا، وقالوا إنهم يعتقدون أن روسيا كانت تحاول أيضاً الحصول على صواريخ إيرانية لاستخدامها في الصراع.
لكن المسؤولين الأمريكيين بدوا يحاولون أن ينأوا بأنفسهم عن الهجوم في محاولة لعدم الربط بينه وبين جهودهم لمنع الدعم الإيراني لموسكو؛ حيث قالوا -وفقاً لتقرير نيويورك تايمز- إنهم يعتقدون أن هذه الضربة كانت مدفوعة بمخاوف إسرائيل بشأن أمنها، وليس احتمال تصدير الصواريخ إلى روسيا.
يأتي ذلك فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، إنه يدرس إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، مبدياً أيضاً استعداده للعب دور الوسيط في النزاع، بعد دعوات أميركية لمزيد من المشاركة النشطة.
وإذا ثبت أن هذا الهجوم يستهدف مصنعاً للصواريخ التي تعتزم طهران إرسالها لروسيا، فسيكون نقطة تقاطع نادرة بين مصالح إسرائيل الرافضة للتورط في النزاع الأوكراني ومخاصمة روسيا، وبين كل الولايات المتحدة وأوكرانيا الغاضبتين بدرجات متفاوتة من الحياد الإسرائيلي في الأزمة الأوكرانية.
وكان لافتاً في هذا الصدد قول ميخايلو بودولياك، المستشار بارز للرئيس الأوكراني إن ما حدث في إيران له صلة مباشرة بالحرب في بلاده.
وكتب المستشار الأوكراني في تغريدة: "ليلة متفجرة في إيران- إنتاج مسيرات وصواريخ ومصافٍ للنفط"، مضيفاً أن "أوكرانيا حذرتكم". وأشار إلى أن "منطق الحرب… يجعل المرتكبين والمتواطئين يدفعون الثمن".
وكان بودولياك قد نشر تغريدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حذّر فيها إيران من تفاقم التوترات بسبب تزويد روسيا بالمسيرات.
واحتجّت طهران على تصريحات المسؤول الأوكراني باستدعاء القائم بالأعمال الأوكراني، ووصفت الخارجية الإيرانية في بيان موقف المستشار بأنه "غريب ومنحاز"، مطالبة "بتفسير رسمي وفوري من الحكومة الأوكرانية" بشأن هذا التصريح، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
كيف سيكون الرد الإيراني؟
وزادت إيران، التي ألقت باللوم على إسرائيل في الهجمات الأخيرة، تهديدها بالانتقام، وتطرقت على وجه التحديد إلى إمكانية إصابة سفن إسرائيلية.
هذا ليس من قبيل الصدفة: قبل حوالي ثلاث سنوات، كانت هناك تقارير عن سلسلة هجمات إسرائيلية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ألحقت أضراراً بالسفن الإيرانية التي كانت تحاول تهريب الوقود إلى سوريا، بهدف تحويل أرباح الصفقات إلى حزب الله.
ردت إيران بعدة ضربات على سفن مدنية بملكية إسرائيلية جزئية في الخليج الفارسي والمحيط الهندي. بعد الهجمات الانتقامية، نشأ الانطباع بأن إسرائيل أعادت النظر في تحركاتها وأنهت ضرباتها على السفن الإيرانية.
على أي حال، تقول Haaretz "إنه من الواضح أن إيران تعتزم الرد على الهجمات الأخيرة. وستستمر هذه الحرب، على جبهات مختلفة وبوسائل مختلفة، ولكن في الوقت الحالي بكثافة منخفضة إلى حد ما".