لم تمض 48 ساعة على استشهاد 9 فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، حتى جاء الرد سريعاً في القدس، حيث قُتل 7 إسرائيليين، وأُصيب آخرون في عمليتي إطلاق نار بمدينة القدس، نفذهما فلسطينيان.
وحملت العملية الأولى توقيع الشهيد خيري علقم ابن 21 عاماً في حي "نفيه يعقوب" شمال القدس المحتلة، مساء الجمعة، 27 يناير/كانون الثاني 2023. أما الثانية والتي وقعت صباح السبت، فقد نفذها الفتى ابن الـ13 ربيعاً محمد عليوات، والذي تم اعتقاله بعد أن أطلق الرصاص على مستوطنين إسرائيليين وأصابهما بجروح بالغة.
فشل أمني كبير وصدمة إسرائيلية
"الحرفية العالية" التي تمتع بها الشهيد خيري علقم خلال تنفيذه العملية، في مستوطنة "النبي يعقوب"، أثارت قلقاً عالياً في المنظومة الأمنية في دولة الاحتلال، وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية.
ويقول المراسل العسكري في القناة "14" العبرية، هالل روزن، إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في دولة الاحتلال تؤكد أن الشهيد علقم أوقع عدداً كبيراً من القتلى وإصابات دقيقة في صفوف المستوطنين، باستخدام مسدس واحد فقط، وهو ما يشير إلى أنه قد يكون أجرى تدريبات مسبقة عليه.
وتشير التقديرات الأمنية في دولة الاحتلال إلى أن الشهيد علقم أجرى جولة استكشافية في المنطقة، قبل يومين من العملية، على الأقل. وذكر المراسل العسكري الإسرائيلي أن الشهيد كان يعمل كهربائياً، ولم يعتقل سابقاً، ولم تتوفر لدى أجهزة الاحتلال معلومات استخباراتية حول نيته تنفيذ عملية فدائية.
وبعد العملية، أجرى رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، جولة في مكان العملية، وقد ظهرت عليه علامات الصدمة والشحوب، وهاجم مستوطنون وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بعد زيارته للموقع واتهموه بالفشل.
ويرى خبراء فلسطينيون أن من دلالات عمليتي القدس إمكانية الوصول لأهداف إسرائيلية والرد على عملياتها وإيقاع قتلى بأقل الإمكانات، ما يؤشر لفشل العمليات والإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
قوة جيش الاحتلال وتطرف حكومة نتنياهو لم يمنعا وقوع العمليات الفدائية
يقول خبراء فلسطينيون إن سيناريوهات عديدة متوقعة للرد الإسرائيلي تتراوح بين الإجراءات الميدانية بالتضييق على الفلسطينيين، أو بتعجيل طرح قوانين في الكنيست، وخاصة ما يسمى "قانون الإعدام للأسرى"، أو تعزيز الاستيطان وإطلاق يد الجيش.
ويرى الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي صالح النعامي، أن أبرز دلالات عمليتي القدس "فشل الإجراءات العسكرية الإسرائيلية مهما بلغت من القوة في منع استهداف الإسرائيليين". وأضاف في تصريح لوكالة الأناضول: "جاءت العمليتان في ظل نشر قوات إضافية للجيش، وفي أوج الاستنفار الإسرائيلي وفي منطقة خاضعة لسيطرته، ولا وجود للسلطة الفلسطينية فيها".
مشيراً إلى أن "طابع العمليتين فردي، وبالتالي لا يمكن للاستخبارات الحصول على معلومات مسبقة لمنعها، وليس هناك بنية تنظيمية يمكن استهدافها إما استباقياً أو كردة فعل".
ما الخيارات المطروحة أمام نتنياهو الآن؟
عن سيناريوهات الرد الإسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها القدس، فيرى النعامي أن الرد يتأثر بثلاثة عوامل: الحضور القوي لليمين الإسرائيلي في الحكومة، وتأثير العمليتين على الرأي العام الإسرائيلي، وتوجهات البيئة الدولية. وقال إن "وجود اليمين داخل الحكومة الإسرائيلية، يساعده في فرض مزيد من التوسع الاستيطاني بالضفة، وإضفاء شرعية على بؤر استيطانية توصف بأنها غير قانونية".
إضافة إلى سيناريو تعزيز الاستيطان، يقول الخبير الفلسطيني، إن المنطقة "ج" والتي تشكل قرابة 60% من الضفة وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، قد تشهد "تغولاً إسرائيلياً وتدمير الوجود الفلسطيني فيها"، سيما منطقة الخان الأحمر المقرر إخلاؤها شرقي القدس، ومسافر يطا (جنوب) ومنطقة الأغوار (شمال).
ووفق اتفاقية "أوسلو 2" لعام 1995، صنفت أراضي الضفة إلى 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، إضافة إلى المنطقة "ج".
وعن سيناريوهات الميدان، قال النعامي إن من الخيارات المطروحة "تطبيق خطة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الهادفة لتغيير أوامر إطلاق النار "بما يمنح حرية مطلقة لعناصر الشرطة والجيش في استهداف الفلسطينيين، مع منح حصانة للجنود في قتل الفلسطينيين، وإعفائهم من المحاكمة على أفعالهم".
يرى المحلل الفلسطيني أن "نشر أي قوات جديدة لن يمنع العمليات، لكن في نفس الوقت يتوقع المزيد من الإجراءات، وخاصة تقييد حركة الفلسطينيين في الضفة وعزل مناطق عن بعضها".
وعلى الصعيد التشريعي قال النعامي إن "قانون الإعدام"، والذي يستهدف أسرى فلسطينيين قتلوا إسرائيليين قد يعود إلى الواجهة مجدداً، رغم معارضته من الدوائر الأمنية له.
التصعيد يقابله تصعيد
بدوره، يقول المحلل السياسي الفلسطيني سامر عنبتاوي، إن ما قامت به الحكومة الإسرائيلية في جنين و"ذهابها إلى مربع الأمن بالعنف والتهديدات كانت نتيجته عملية في القدس".
وأضاف أنه "بعد شهداء جنين، كان من المتوقع ردود فعل فلسطينية بمستوى الأحداث التي حصلت، في دلالة على أن القمع لن يثني الشعب الفلسطيني عن مقاومة الاحتلال".
ويرى عنبتاوي أن عملية القدس، الجمعة، كانت "نوعية وأثرت بشكل كبير على خطط وتوجهات الحكومة الإسرائيلية، وأعادت الحسابات داخل المنظومة الأمنية والسياسية فيما يتعلق بالمستقبل". وخلص إلى أن أهم دلالة لأحداث الساعات الأخيرة هو أن "التصعيد الإسرائيلي يقابله موقف نضالي وتصعيد فلسطيني".
أما الخيارات التي أمام نتنياهو، فهي بحسب عنبتاوي "استمرار مداهمة مناطق الضفة والمواجهات بنفس الوتيرة، أو محاولة تحسين العلاقة مع السلطة وعدم الذهاب إلى التصعيد مع محاولة التهدئة".
أما الخيار الثالث، فهو "الذهاب إلى أعلى مراحل التصعيد بدخول مواجهات عنيفة في كل المنطقة، وتنفيذ المخططات الإسرائيلية واستدراج المزيد من العمليات الفلسطينية".
ويعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حصاراً سياسياً داخل حكومته من متطرفيها، ومعارضة متصاعدة خارجها، إضافة إلى عدم الرضا الدولي عن حكومته، لذلك سيحاول نتنياهو الخروج من المأزق، لكن الأمور ستتفاقم أكثر في الداخل الإسرائيلي، وتشهد حكومته مزيداً من الحصار والعزلة.