سافر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، إلى إسرائيل والضفة الغربية المحتلة مؤخراً، ليشارك في أرفع محادثات منذ تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل، التي توصف بأنها الأكثر يمينية وتطرفاً على الإطلاق. وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن سوليفان أكد مجدداً في تقرير للبيت الأبيض عن الزيارة "اهتمام الإدارة الأمريكية بتعزيز التواصل مع السلطة الفلسطينية، وتعميق العلاقات مع الشعب الفلسطيني"، والاستمرار في دعم حل الدولتين.
غير أن عديداً من خبراء السياسة الفلسطينيين لم يعولوا كثيراً على هذه الزيارة، قائلين إن إدارة بايدن ونهجها تجاه الفلسطينيين لم يؤدِّ إلا إلى زيادة تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فلماذا لن يتغير الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية رغم سياسات حكومة نتنياهو المتطرفة؟
جهود إدارة بايدن لن تحسّن حياة الفلسطينيين
يقول طارق كيني الشوا، الباحث الأمريكي الفلسطيني لموقع Middle East Eye البريطاني، إن "زيارة جيك سوليفان لإسرائيل لا تهدف إلى تحسين حياة الفلسطينيين أو دعم عملية السلام بأي طريقة مجدية".
وأضاف الشوا: "إدارة بايدن قالت بوضوح إن القيادة الإسرائيلية الجديدة، التي دعت علناً إلى التطهير العرقي للفلسطينيين، لا تؤثر على "العلاقة المميزة" بينهما، ومن مصلحة واشنطن أن تحافظ على صمتها الذي سيسمح لإسرائيل بمواصلة قمع الفلسطينيين دون جذب انتباه المجتمع الدولي".
تأتي زيارة سوليفان الأخيرة لإسرائيل في الوقت الذي أعرب فيه البيت الأبيض عن قلقه من سياسات الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، التي من بينها خطط توسيع المستوطنات غير القانونية، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية وضم الأراضي.
وخلال الزيارة، قال السفير الأمريكي في إسرائيل توم نيدز إن الولايات المتحدة ستربط قبول إسرائيل في برنامج الإعفاء من التأشيرة برفع إسرائيل للقيود المفروضة على سفر الأمريكيين من إسرائيل وإليها.
وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت تراجعا عن إجراء فني لتقسيم جزء من مستوطنة قائمة في الضفة الغربية إلى مجلس محلي منفصل، خشية أن يغضب ذلك الولايات المتحدة.
على أن خبراء فلسطينيين ونشطاء حقوقيين اعتبروا هذه التحركات غير مهمة كثيراً، وأشاروا إلى أن العام الماضي كان أحد أعنف الأعوام التي عاشها الفلسطينيون في العقود الماضية.
الاستيطان لم يتوقف ولن يتوقف الآن
وعلى مدى العامين الماضيين، لم تتوقف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة عن الانتشار. ففي مايو/أيار عام 2022، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن خطة لإنشاء 4000 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية.
وقال أسامة أبو أرشيد، المدير التنفيذي لمنظمة "مسلمون أمريكيون من أجل فلسطين" لموقع Middle East Eye: "زيارة سوليفان قد تكون مصحوبة بتحسينات تجميلية ظاهرية في أحسن الأحوال"، لكن أبو أرشيد يرى أن المشكلة أعمق بكثير.
وقال: "التطرف المتنامي المعادي للفلسطينيين الذي نراه يترسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي يتجه في مسار سيفاقم معاناة الفلسطينيين بدرجة أكبر بكثير".
وحين بات معروفاً أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستكون الأكثر يمينية في التاريخ، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن واشنطن ستحكم على هذه الحكومة بناءً على سياساتها، وهي تصريحات ندد بها الفلسطينيون والأصوات اليهودية التقدمية التي حذرت من الحكومة الجديدة.
وقال أبو أرشيد: "من حيث المبدأ، إدارة بايدن قادرة بكل تأكيد على تحقيق شيء إيجابي للحقوق الفلسطينية. والمشكلة ليست في القدرة، وإنما في غياب الإرادة السياسية".
وأضاف أن "إدارة بايدن تبدو للأسف مستسلمة للأفكار القديمة، فهي تقدم دعماً غير مشروط لإسرائيل حتى في الوقت الذي يعارض فيه غالبية الديمقراطيين هذه السياسة". ويسمي أبو أرشيد هذا بـ"الانفصال الصارخ" بين إدارة بايدن وإرادة الشعب الأمريكي، ولا سيما قاعدة بايدن الديمقراطية.
الأمريكيون يرون في إسرائيل دولة فصل عنصري
تقول لورا البسط، كبيرة محرري الاستراتيجية الرقمية والاتصالات في معهد الدراسات الفلسطينية بالولايات المتحدة، إنه بينما واصلت الإدارة الأمريكية دعمها غير المشروط لإسرائيل، فنهج الحكومة الحالية تجاه إسرائيل لا يعكس موقف معظم الشباب الأمريكي.
فخلال السنوات الماضية، ساهمت استطلاعات الرأي في الكشف عن الهوة التي تزداد اتساعاً بين هذا الدعم المخلص من الساسة الديمقراطيين والمواقف التي يتبناها الموالون للحزب الديمقراطي من القضية الإسرائيلية الفلسطينية.
فعام 2021، أفادت منظمة بيانات من أجل التقدم Data For Progress أن 72% من الديمقراطيين وافقوا على مقترح قانون قدمته عضوة الكونغرس بيتي ماكولوم لتقييد التمويل الأمريكي لإسرائيل، الذي يستخدم لاحتجاز الأطفال الفلسطينيين أو لهدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وفي القدس الشرقية.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في مايو/أيار الماضي أن غالبية البالغين الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً (61%) يؤيدون موقف الشعب الفلسطيني.
وأظهر استطلاع آخر أجري في أبريل/نيسان عام 2022 أن أقل من 1% من الناخبين الديمقراطيين ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها واحدة من أكبر حلفاء واشنطن.
وازداد انتقاد اليهود الأمريكيين أيضاً لإسرائيل في السنوات الأخيرة، إذ اتفق 25% من الناخبين اليهود الأمريكيين مع عبارة "إسرائيل دولة فصل عنصري"، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد الناخبين اليهود في يوليو/تموز عام 2021.
وقالت لورا: "الناخبون الديمقراطيون الذين أفاقوا مؤخراً على الجرائم الإسرائيلية وسلبية الحكومة الأمريكية في السياسة الخارجية، ليس عليهم انتخاب أعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ فقط، وإنما أيضاً دعم مرشحي الرئاسة الذين يمكنهم التخلص من المؤسسة الديمقراطية الحالية مثل بايدن الذي، تماماً مثل الجمهوريين، يأخذ أوامره من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)".