على مراحل متصاعدة، قدم الغرب أسلحة متنوعة إلى أوكرانيا، منذ بدأت الحرب قبل نحو عام، فما تفاصيل تلك الأسلحة؟ وما ترتيب قائمة الدول المانحة؟ ولماذا تتعرض ألمانيا تحديداً للانتقادات والضغوط؟
كانت روسيا قد شنت الهجوم، الذي تصفه بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، أواخر فبراير/شباط 2022، لتخرج الأزمة الأوكرانية الجيوسياسية عن السيطرة وتتحول إلى الحرب الأكبر في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
وشهدت الحرب حتى الآن تطورات لافتة ومراحل كبرى، سواء من جانب روسيا أو من جانب الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وفي القلب من هذه التحولات تأتي تطورات تقديم الأسلحة الغربية إلى كييف، فما هي قائمة تلك الأسلحة وأبرز الدول التي قدمتها؟ والأهم هو ما تعنيه تلك الأسلحة لمسار الحرب، التي ستدخل عامها الثاني قريباً دون مؤشرات على قرب نهايتها؟
قائمة الدول الداعمة لأوكرانيا، ما ترتيب ألمانيا؟
تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الداعمة لأوكرانيا بفارق شاسع عن باقي الحلفاء، حيث قدمت إدارة الرئيس جو بايدن أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 22,9 مليار يورو خلال عام 2022 فقط.
وهذه الأرقام لا تشمل أوجه الدعم الأخرى التي قدمتها واشنطن إلى أوكرانيا، من معلومات استخباراتية وتدريب عسكري وغيرهما، كما لا تشمل أيضاً المساعدات الإنسانية المتنوعة، وإجمالاً قدمت واشنطن لإدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حزم مساعدات قيمتها أكثر من 50 مليار دولار، كما تمت الموافقة على حزمة أخرى بقيمة أكثر من 48 مليار دولار.
وبشكل عام، قدمت الولايات المتحدة جميع أنواع الأسلحة تقريباً كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، ومن أبرز الأسلحة الثقيلة راجمات صواريخ هيمارس وأنظمة دفاع جوي ومدافع ومروحيات ومسيَّرات وناقلات جند مدرعة من طراز برادلي وغيرها، إضافة إلى الموافقة مؤخراً على تقديم أنظمة باتريوت للدفاع الجوي الصاروخي.
وبعد الولايات المتحدة، تأتي بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة حلفاء أوكرانيا، حيث قدمت لها خلال عام 2022 مساعدات عسكرية بقيمة 4,1 مليار يورو. ومن أبرز الأسلحة التي قدمتها لندن لكييف راجمات صواريخ من طراز M270، وأسلحة مضادة للدروع، ومئات الصواريخ قصيرة المدى وأنظمة دفاع جوي وناقلات جند مدرعة.
ثم تأتي ألمانيا في المرتبة الثالثة، حيث قدمت مساعدات عسكرية لأوكرانيا خلال العام الماضي بقيمة 2,3 مليار يورو، وهو ما يمثل مفاجأة للمتابعين للحرب بين روسيا وأوكرانيا، نظراً للضغوط الهائلة التي تتعرض لها برلين والاتهامات بأنها لا تقدم مساعدات عسكرية حقيقية إلى كييف، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.
ومن بين أبرز الأسلحة الثقيلة التي قدمتها ألمانيا إلى أوكرانيا، راجمات صواريخ وأنظمة دفاع جوي، أهمها Iris-T ومدافع هاوبتس 2000 المدرعة المتحركة ومدافع غيبارد ذاتية الدفع المضادة للطيران.
كما قدمت ألمانيا لأوكرانيا نظام الدفاع الجوي الصاروخي الأمريكي باتريوت وناقلات جند مدرعة من طراز ماردر، وبالإضافة إلى ذلك قدمت برلين شاحنات عسكرية وكاسحات ألغام وقذائف وطلقات من مختلف الأنواع والأعيرة، وغير ذلك من العتاد والمعدات للجيش الأوكراني.
وفي المركز الرابع جاءت بولندا، التي قدمت لجارتها أوكرانيا دعماً عسكرياً خلال عام 2022 بقيمة 1,8 مليار يورو، وكانت دبابات T72 وناقلة الجند المدرعة BMP السوفييتية الصنع من أبرز الأسلحة والمعدات التي قدمتها وارسو لكييف.
بينما وصل حجم المساعدات العسكرية الكندية لأوكرانيا إلى 1,4 مليار يورو في العام الماضي لتحتل بذلك المرتبة الخامسة بين داعمي كييف، وتعتبر مدافع الميدان M-777 من أبرز ما قدمته كندا بالإضافة إلى راجمات صواريخ وقنابل يدوية وذخيرة.
وحصلت أوكرانيا على مساعدات عسكرية بقيمة 600 مليون دولار من النرويج، وهي سادس أكبر دولة داعمة لأوكرانيا، ومن بين أبرز الأسلحة التي قدمتها أوسلو لكييف مدافع هاوبتس المتحركة من طراز M109 وقذائف وقطع غيار، بالإضافة إلى صواريخ أرض – جو مضاد للطيران من طراز Mistral وأخرى مضادة للدروع.
وفي المرتبة السابعة جاءت فرنسا، حيث وصلت قيمة مساعداتها العسكرية لأوكرانيا إلى 500 مليون يورو خلال العام الماضي، ومن أبرز الأسلحة التي قدمتها كانت مدافع سيزر وصواريخ ميلان المضادة للدروع وصواريخ أرض – جو من طراز ميسترال.
كيف تطورت أسلحة الغرب المقدمة إلى أوكرانيا؟
عندما بدأت الحرب، كان هناك إحجام واضح من الغرب عن تقديم أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا خشية تحول الحرب إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو، بقيادة واشنطن، لكن شيئاً فشيئاً بدأت الأمور تتطور، وبصفة خاصة كلما اقتربت موسكو من تحقيق أهدافها المعلنة من تلك "العملية العسكرية الخاصة"، كما يصر الكرملين على وصفها.
ففي البداية، تمكنت القوات الروسية من فرض حصار شامل حول جميع المدن الأوكرانية الكبرى، ومنها العاصمة كييف، واستولت موسكو بشكل كامل على إقليم خيرسون الجنوبي، وفرضت سيطرة شبه مطلقة على الأجواء الأوكرانية. واشتكى زيلينسكي كثيراً من عدم وقوف الغرب بجانب كييف، وقال في بداية الحرب إن "بلاده تقف وحيدة في مواجهة روسيا".
ثم أعلنت، خلال أبريل/نيسان الماضي، روسيا انتهاء المرحلة الأولى من "عمليتها العسكرية"، وسحبت قواتها من الأقاليم الغربية لأوكرانيا؛ لتركز على الاستيلاء على الأقاليم الشرقية والجنوبية، وبخاصة إقليم دونباس، الذي يضم لوغانسيك ودونيتسك. وتزامن ذلك مع مفاوضات بين موسكو وكييف، في إسطنبول، للتوصل إلى اتفاق سلام يُنهي الحرب.
توصل الطرفان بالفعل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب، لكنَّ قادة غربيين، على رأسهم بايدن ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق بوريس جونسون، أقنعوا زيلينسكي بمواصلة الحرب ورفض تقديم أي "تنازلات" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتبدأ مرحلة جديدة ومختلفة تماماً من الحرب.
بدأت واشنطن تتخلى عن محاذيرها تدريجياً، من رفض تزويد كييف بأي أسلحة ثقيلة كالمسيرات والطائرات والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة، إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن من ضخ جميع أنواع الأسلحة تقريباً، وهو ما أدى إلى تحوُّل واضح في مسار الحرب من جهة، وفي طريقة إدارتها من جانب روسيا من جهة أخرى.
لكن قبل الوصول إلى رصد نتائج وتداعيات ذلك التحول، من المهم التوقف عند نوعية الأسلحة الثقيلة التي قرر الغرب مؤخراً المخاطرة بإرسالها إلى كييف. فقد قال مسؤولان أمريكيان لرويترز، الثلاثاء 24 يناير/كانون الثاني، إن الولايات المتحدة تستعد فيما يبدو لبدء عملية تفضي إلى إرسال العشرات من دبابات (إم. وان أبرامز) إلى أوكرانيا.
ويأتي هذا القرار، في حال اتخاذه، بعد أيام فقط من إبداء واشنطن معارضة لإرسال هذه الدبابات رغم مطالب كييف والضغط العام من برلين التي تواجه دعوات لإرسال دبابات ليوبارد الألمانية الصنع.
وقال المسؤولان، اللذان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، إن إعلاناً بهذا الصدد ربما يصدر هذا الأسبوع. وأضافا أنه من المرجح شراء دبابات أبرامز من خلال صندوق يُعرف باسم مبادرة المساعدة الأمنية الأوكرانية التي تسمح لإدارة بايدن بالحصول على أسلحة من صناعة الدفاع لا من مخزونات الأسلحة الأمريكية الحالية.
وأوضح أحد المسؤولين أنه من الممكن أن تستخدم إدارة بايدن المبادرة لشراء دبابات أبرامز من حلفاء يمتلكونها، ومن ثم تجديدها وإرسالها إلى أوكرانيا، ويمكن أن تستغرق هذه العملية شهوراً بل سنوات، فإلى متى تخطط واشنطن لاستمرار حرب أوكرانيا؟
إذ جاء الكشف عن تغير موقف الولايات المتحدة في اليوم نفسه الذي قال فيه مصدران إن ألمانيا سترسل دبابات (ليوبارد 2) إلى أوكرانيا للمساعدة في مواجهة الهجوم الروسي والسماح لدول أخرى مثل بولندا بالقيام بالأمر ذاته.
كيف تطورت الحرب من جانب روسيا إذاً؟
في البداية، وعلى الرغم من اجتياح القوات الروسية لجميع الأراضي الأوكرانية خلال أقل من أسبوع، وفرض حصار على المدن الكبرى، كان واضحاً أن هناك تركيزاً روسياً على تجنب سقوط مدنيين قدر المستطاع، فالاستهداف الجوي والصاروخي تركز على المنشآت والقواعد العسكرية وتحييد الدفاعات الجوية.
استمر هذا التوجه، الذي يناقض تماماً الاستراتيجية العسكرية الروسية التي تعرف عالمياً باسم "الأرض المحروقة"، حتى الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2022، عندما بدأت روسيا في استهداف البنية التحتية الأوكرانية من خلال أعنف هجمات صاروخية وجوية بالمسيَّرات على الإطلاق.
هذا التحول الروسي جاء في أعقاب التفجير الذي استهدف جسر القرم الاستراتيجي، الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو رسمياً منذ عام 2014، وهو التفجير الذي وصفه الكرملين بالإرهابي، ونتج عنه اتخاذ الحرب منحى جديداً يتمثل في إطلاق روسيا حملة ضربات جوية هي الأعنف على الإطلاق، ولا تزال مستمرة.
تم تدمير أغلب محطات توليد الطاقة ومياه الشرب في أوكرانيا/ كما استهدفت البنية التحتية المدنية دون هوادة، وهو ما كانت روسيا تتجنبه على ما يبدو منذ بدأت الحرب، وعلى مدى ما يزيد عن 7 أشهر.
والواضح هو أن روسيا كانت تتجنب اتباع سياسة "الأرض المحروقة" على أساس أن أهدافها من الحرب ليست تدمير أوكرانيا أو قتل شعبها، الذي يصفه بوتين وكبار مسؤوليه بأنهم "إخوة للروس"، لكن تدفق الأسلحة الغربية بأنواعها المختلفة ساعد القوات الأوكرانية على تحقيق انتصارات ميدانية لافتة، فأجبرت روسيا على الانسحاب من خاركيف أولاً ثم خيرسون، وهو ما أثار انتقادات عنيفة لقادة الجيش الروسي.
وفي سياق هذا التطور في حجم ونوعية الأسلحة الغربية المتدفقة على أوكرانيا، لا يمكن بأي حال من الأحوال توقع إلا المزيد من الشراسة من جانب القوات الروسية، فالحرب دخلت مرحلة "تكسير العظام" حرفياً، وبالتالي ستتخلى القيادة الروسية على الأرجح عن أي تحفظات في العمليات العسكرية خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يعني مزيداً من التدمير في ساحة الحرب بشكل عام، أي أوكرانيا.
على الجانب الآخر، ستكثف إدارة زيلينسكي من جهودها لتوسيع نطاق الحرب ونقلها إلى الأراضي الروسية، وقد أقدمت على ذلك بالفعل من خلال استهداف قواعد عسكرية في العمق الروسي بطائرات مسيَّرة، لكن الضغوط الغربية تمثل قيداً في هذا الاتجاه، خشية اتساع نطاق الحرب وتحولها إلى مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا، أي اندلاع مواجهة نووية لا محالة.