باع إيلون ماسك أثاث المقر الرئيسي لشركة تويتر في مزاد علني، فهل اقتربت منصة التواصل الاجتماعي من الإفلاس بسبب تراكم الديون؟ وما قصة 300 مليون دولار لابد من سدادها خلال أيام؟
كان إيلون ماسك، صاحب ومدير شركة تيسلا للسيارات الكهربائية وشركة سبيس إكس للفضاء، قد توصل، الإثنين 25 أبريل/نيسان 2022، لاتفاق لشراء منصة التواصل الاجتماعي تويتر مقابل 44 مليار دولار، في صفقة حوّلت السيطرة على المنصة، التي يستخدمها الملايين وزعماء عالميون، إلى ملكية فردية للرجل الذي كان وقتها أغنى شخص في العالم.
وخلال الفترة من أبريل/نيسان حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول، عندما تمت الصفقة أخيراً واستحوذ ماسك على المنصة بشكل فعلي، جرت في النهر مياه كثيرة، إذ تسببت قرارات الملياردير الأمريكي في فوضى عارمة في تويتر، ووضعت ماسك نفسه في مأزق بسبب أفكاره الخاصة بحرب أوكرانيا وأزمة تايوان، ليفقد جزءاً كبيراً من ثروته ويفقد صدارة قائمة الأثرياء في العالم.
ما قصة الـ300 مليون دولار؟
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً تناول ديون شركة تويتر المتراكمة وخيارات إيلون ماسك للتعامل مع تلك الأزمة.
فبحسب تقارير، الشبكة الاجتماعية التي يمتلكها ماسك مطالبة بتسديد نحو 300 مليون دولار عبارة عن القسط الأول من الفوائد على ديونها في أقرب وقت هذا الأسبوع، وسط ظروف مالية صعبة للشركة.
ويبدو هنا أن ظروف الشركة المالية أصعب بكثير مما قد يتخيله مستخدموها، فالأمور وصلت إلى إقدام ماسك على بيع أثاث المقر الرئيسي للشركة في سان فرانسيسكو للبيع بالمزاد، وهو الخطوة التي أثارت ردود فعل ساخرة عبر منصات التواصل، وبينها تويتر نفسها.
فالمقاعد والمكاتب وأجهزة الكمبيوتر وحتى ماكينات القهوة عرضت للبيع، كما باع إيلون ماسك تمثالاً لشعار الطائر على تويتر الأسبوع الماضي مقابل 100 ألف دولار، لكن المبلغ المفترض تدبيره أضخم كثيراً مما قد ينتج عن بيع الأثاث المستعمل.
لكن ربما يكون ما لا يعرفه الكثيرون هو أن موقع تويتر كان من الأعمال التجارية الخاسرة، حتى في الأوقات الجيدة. ثم جاءت خطوة شراء الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، للشركة قبل أقل من ثلاثة أشهر لتزيد الطين بلة.
وأثار ماسك نفسه مخاوف دخول تويتر إلى الفصل 11 من قانون الإفلاس، على الرغم من أنه خفف من وطأة هذا الاحتمال منذ ذلك الحين. فما مقدار المتاعب التي يعاني منها تويتر، بعد شهور من استحواذ ثاني أغنى رجل في العالم عليه؟
كم يجب أن يدفع تويتر للبنوك الأسبوع المقبل؟
وفقاً للتقارير، يجب سداد الدفعة ربع السنوية الأولى من الديون البالغة 13 مليار دولار التي اقترضها إيلون ماسك لشراء تويتر بحلول نهاية الشهر الجاري. ويُقدِّر المحللون المبلغ بنحو 300 مليون دولار، أو ربع ما يُقدَّر بنحو 1.2 مليار دولار من مدفوعات الفائدة السنوية المستحقة.
وتتكون الديون، الموجودة في الميزانية العمومية لشركة تويتر والمُقترَضة من مجموعة من البنوك بقيادة Morgan Stanley، من: تسهيل قرض طويل الأجل مضمون بقيمة 6.5 مليار دولار (قرض مصرفي)، وتسهيل قرض جسر مضمون كبير بقيمة 3 مليارات دولار (قرض لتشغيل الشركة بعد الاستحواذ، الذي يُسدَّد تلقائياً من عائدات إصدار السندات)، وتسهيل قرض جسر غير مضمون كبير بقيمة 3 مليارات دولار. ولدى تويتر أيضاً تسهيلات ائتمانية متجددة مضمونة بقيمة 500 مليون دولار، وهي فعلياً بمثابة سحب على المكشوف للشركات.
هل يستطيع تويتر تحمل سداد 300 مليون دولار؟
حذّر ماسك بعد فترة وجيزة من توليه موقع تويتر من أنَّ الشركة قد تُفلِس. كما كشف عن انخفاض حاد في عائدات الإعلانات، التي تمثل 90% من حجم مبيعات تويتر؛ بسبب قلق العملاء بشأن معايير سياسة الاعتدال بعد استحواذه على المنصة والمحاولة الفاشلة لإعادة إطلاق خدمة الاشتراك على تويتر؛ ما أدى إلى سلسلة من حسابات الشركات المزيفة الحاصلة على علامة "التوثيق".
فشركة تويتر لا تمر بأوقات جيدة منذ دخلها ماسك، حاملاً "حوض المطبخ" بين يديه، في إشارة، على ما يبدو، إلى أنه ينوي "تنظيف" منصة التواصل الاجتماعي الأكثر تفضيلاً بين المشاهير والسياسيين حول العالم.
إذ قرر عشرات الآلاف من المشاهير مغادرة تويتر، بعضهم اعتراضاً على قرار ماسك تسريح 50% من العاملين في شركة تويتر حول العالم، وبعضهم قرر الرحيل اعتراضاً على فرض ماسك رسوماً على علامة التوثيق الزرقاء للحسابات، كما انهار دخل تويتر من الإعلانات بعد أن أوقفت الشركات الكبرى حملاتها الإعلانية على المنصة بسبب كل تلك الفوضى المحيطة بها.
ولم يتحسن وضع الإعلانات؛ فقد أفيد الأسبوع الماضي بأنَّ عائدات تويتر اليومية قد تراجعت بنسبة 40%. إضافة إلى ذلك، فإنَّ تدفق تويتر النقدي -وهو بمثابة وكيل لقدرته على الوفاء بمدفوعات الديون- ضعيف.
ففي عام 2021 ولّد تدفقات نقدية حرة سلبية (إنفاق المزيد من السيولة لإدارة الأعمال أكثر مما تستوعبه) بقيمة 370.4 مليون دولار. وكان ماسك قد حذر من أنَّ الرقم يتجه نحو 3 مليارات دولار هذا العام، لكنه يتوقع الآن التعادل.
وقال ماسك لمدونة صوتية الشهر الماضي إنَّ تويتر "لم يعُد على طريق سريع نحو الإفلاس بعد الآن". وأضاف أنَّ موقع تويتر لديه صافٍ نقدي قدره مليار دولار، الذي سيغطي على الأقل مدفوعات الأسبوع المقبل إلى جانب السحب على المكشوف البالغ 500 مليون دولار.
في هذا السياق، قال جوردان تشالفين، كبير المحللين في شركة أبحاث الائتمان CreditSights، لصحيفة الغارديان: "لا ينبغي أن يواجه تويتر أية مشكلة في تسديد مدفوعات الفائدة في أواخر يناير/كانون الثاني، التي يمكن تمويلها نقداً في الصندوق أو بتسهيلات ائتمانية متجددة. وعلى المدى الطويل، تحتاج الشركة إلى تغيير مسار نشاطها التجاري، لا سيما إيرادات الإعلانات، من أجل خدمة ديونها".
هل يستطيع ماسك تمويل تويتر من ثروته الشخصية؟
لشراء تويتر، وضع ماسك أكثر من 20 مليار دولار من أمواله الخاصة، إلى جانب 7.1 مليار دولار من شركاء ونحو 4 مليارات دولار من حصته الحالية في الشركة. وفي العام الماضي، باع ما قيمته 23 مليار دولار من الأسهم في شركة تسلا، على الأرجح لتمويل حصته من الصفقة.
وعن هذا، يقول بن سيلفرمان، مدير الأبحاث في VerityData، إنَّ أكثر من 60% من حصة ماسك المتبقية في تسلا تعهد بها "لتأمين مديونية شخصية معينة"؛ ما يترك له ما يقرب من 67 مليار دولار من الأسهم التي يمكنه بيعها على الفور.
لذلك يمتلك ماسك الوسائل لدعم تويتر مالياً، إذا رغب في ذلك. لكنه جدد في ديسمبر/كانون الأول، تصريحاته بأنه لا يخطط لبيع المزيد من أسهم تسلا. وقال ماسك: "لن أبيع الأسهم حتى عامين من الآن. وبالتأكيد ليس العام المقبل تحت أي ظرف من الظروف، وربما ليس العام التالي".
هل الإفلاس أو إعادة هيكلة الدين خيار؟
إذا تخلّف ماسك عن سداد دفعة الفائدة، فيمكن أن يدخل تويتر في إجراءات الفصل 11 من قانون الإفلاس، حيث تكون الشركة محمية من الدائنين مؤقتاً أثناء محاولتها إعادة هيكلة مواردها المالية. وهذا من شأنه تعريض استثمار ماسك بالكامل في الأسهم والمليارات التي وضعها شركاؤه للخطر. لكنّ هناك خياراً آخر يتمثل في إعادة التفاوض بشأن الديون.
يقول بريان كوين، الأستاذ في كلية الحقوق في كلية بوسطن: "عندما تنظر البنوك إلى ماسك، فإنها تتطلع إلى ما هو أبعد من تويتر فقط. فهي تنظر أيضاً إلى أعمال مستقبلية محتملة مع تسلا وشركة سبيس إكس لتقنيات الفضاء. وقد تقرر أنَّ الأمر يستحق أن تأخذ 50 سنتاً على الدولار من أجل الحفاظ على إمكانية العمل في المستقبل مع تويتر وبقية أعمال ماسك".
ومع ذلك، يمكن للبنوك السعي للحصول على حصة في تويتر ضمن أية اتفاقية لإعادة هيكلة الديون، التي من شأنها إضعاف سيطرة ماسك. وعلى المدى الطويل، يتعين على ماسك إعادة المعلنين إلى المنصة، أو زيادة الاشتراكات في منتج تويتر المتميز، Blue -الذي يتيح للمشتركين المزايا قبل وصولها للآخرين- لتجنب الخيارات الأخرى المُذِلة.