لم تتحمس أوكرانيا على ما يبدو لقرار بريطانيا إرسال الدبابة تشالنجر 2، وظل تركيزها منصباً على مطالبة ألمانيا بإرسال دباباتها ليوبارد لكييف، فلماذا تعامل هذه الدبابة البريطانية العريقة بهذا الجفاء، وكيف سيكون أداؤها أمام المدرعات الروسية مقارنة بمنافساتها الأمريكية والألمانية؟
وعدت بريطانيا بتقديم 14 دبابة من طراز تشالنجر 2 لأوكرانيا في وقت سابق من هذا الشهر، فيما بدا أنه خطوة تهدف لكسر هذا الحاجز وتشجيع بقية الدول الغربية لتسير على خطاها، وخاصة أن لندن تتخذ عادة المواقف الأكثر حدة بين الدول الأوروبية تجاه موسكو، ولا تبدو قلقة من رد الفعل الروسي مثل ألمانيا، فهي جزيرة معزولة على أطراف القارة الأوروبية بعيدة عن العملاق الروسي محمية من أي انتقام بأسطولها الذي ما زال من أقوى الأساطيل في العالم وترسانتها النووية وتحالفها الاستثنائي مع الولايات المتحدة.
ورغم رمزية الخطوة، إلا أنها تظل محدودة التأثير من الناحية العسكرية نظراً لقلة عدد الدبابات التي قررت لندن تقديمها لكييف.
وكان لافتاً أنه بينما رحب وزيرا الخارجية والدفاع الأوكرانيان "بقرار بريطانيا الذي وصفوه بالجريء والذي جاء في الوقت المناسب"، فإنهما اعتبراه "غير كاف لتحقيق أهداف عملياتية".
واستمروا في مناشدة الدول الغربية "التي لديها دبابات ليوبارد 2 في الخدمة" لإرسالها إلى أوكرانيا.
وأثار قرار بريطانيا جدلاً حول مدى ملاءمة تشالنجر للحرب في أوكرانيا، وإلى أي مدى يمكن أن تقارن بنظيراتها الأكثر حداثة، مثل الدبابة أبرامز M1 الأمريكية أو الألمانية ليوبارد 2 A6 / A7 (+)، وكذلك الدبابات الروسية الحديثة ولاسيما T-90.
يثير هذا الاستقبال الفاتر الذي تلقته الدبابة تشالنجر 2 البريطانية تساؤلات حول أسباب عدم الحماس الغربي -الأوكراني لخطوة بريطانيا، وهل سبب قلة أعداد الدبابات الممنوحة، لكييف أم قصور بالدبابة البريطانية تشالنجر 2 التي يفترض أنها من أفضل الدبابات الغربية، ولماذا ينظر لها على أنها أقل من ليوبارد الألمانية وأبرامز الأمريكية.
تقول التقديرات الغربية إن أوكرانيا باتت في حاجة ماسة للدبابات، مع انحفاض فاعلية أنظمة المدفعية الصاروخية الأمريكية الصنع HIMARS التي كانت تستخدمها كييف ضد المواقع الروسية، نظراً لأن الجيش الروسي أبعد إمداداته وقواته العسكرية بعيداً عن الخطوط الأمامية وأصبح خارج نطاقها، لذا باتت الدبابات أكثر أهمية من أي وقت مضى لمساعدة كييف على تحقيق المزيد من الاختراقات في ساحة المعركة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Express البريطانية.
قصة الدبابة تشالنجر 2 التي بدأت كمشروع خاص
الدبابة تشالنجر 2 هي الدبابة الرئيسية للجيش البريطاني ودخلت الخدمة لأول مرة في عام 1994، وهي معروفة أيضاً باسم FV4034.
يوجد مستخدمان وحيدان لهذه الدبابة وهما الجيش البريطاني نفسه الذي تلقى منها 386 (227 تعمل لديه) إضافة إلى 22 وحدة للتدريب، إضافة لجيش سلطنة عمان الذي تسلم 38 دبابة.
وتصميم تشالنجر 2، يعود إلى حقبة التسعينيات مما يجعلها قديمة نسبياً، ولم تخضع لعمليات تحديث جذرية مثل ليوبارد 2 الألمانية وأبرامز الأمريكية.
والدبابة تشالنجر 2 "أي المتحدي 2" تنتمي للجيل الثالث من دبابات القتال الرئيسية، وهو نفس جيل الدبابتين الروسيتين T-80 وT-90، وليوبارد 2 الألمانية وأبرامز الأمريكية إم 1.
وبينما النسخ الأحدث من أبرامز وليوبارد 2 تنتمي لما يمكن تسميته الجيل الثالث زائد (الجيل 3+)، والذي يحوي بعض التقنيات من الجيل الرابع.
أما الجيل الرابع وأغلبه دبابات في طور التطوير ولم تدخل الخدمة بعد، فيضم الدبابة الكورية الجنوبية K2 Black Panther، وهي تكاد تكون الدبابة الوحيدة التي دخلت الخدمة فعلياً من هذا الجيل، والدبابة الروسية T-14 أرماتا الروسية، وألتاي التركية.
وهناك نسخة مطورة من تشالنجر البريطانية تدعى تشالنجر 3 تنتمي للجيل الرابع، حيث تحتوي على برج جديد تماماً بهيكل محسّن، وتم استبدال المدفع بآخر جديد من طراز Rheinmetall L55A1 120 ملم ذات التجويف الأملس؛ مشتق من المستخدم حالياً في ليوبارد 2 A6 وليوبارد 2 A7. ومن المقرر أن تدخل تشالنجر 3 الخدمة في عام 2027 بإجمالي أسطول سيضم 148 دبابة.
تمثل الدبابة تشالنجر 2 الوريث المباشر للدبابة تشالنجر1 التي يستخدمها الجيش الأردني، وبينما تحمل اسماً مشابهاً لها، ولكن لا تتشارك معها إلا في القليل جداً (حوالي 3% فقط).
بدأ تصميم الدبابة تشالنجر 2 بواسطة شركة Vickers Defense Systems (الآن BAE) كمشروع خاص في عام 1986، قبل أن تتبناه وزارة الدفاع البريطانية بحلول عام 1991.
مقارنة بين الدبابة تشالنجر 2 وأبرز منافساتها
تمثل الدباباتان ليبوبارد 2 وأبرامز أبرز منافسي تشالنجر 2، باعتبارهما أهم دبابتين غربيتين، خاصة أن الدبابة الفرنسية لولكلير لم تنتج بأعداد كبير ولم يستخدمها سوى الجيشين الفرنسي والإماراتي (قيل إن باريس قد ترسل أعداداً منها أيضاً).
كما تعد الدبابة الروسية T-90 من أبرز منافسي تشالنجر 2 لأنها من نفس الجيل، كما ينتظر أن تتواجها في أرض المعركة بأوكرانيا.
واحدة من أفضل الدبابات المحمية في العالم
نقطة قوة الدبابة تشالنجر 2، هي الدرع، فلقد ركز البريطانيون بشدة على تعزيز الحماية التي توفرها الدروع للطاقم.
ولذا تعتبر الدبابة تشالنجر 2 ( Challenger 2) واحدة من أفضل الدبابات المحمية في العالم، فهي مجهزة بالجيل الثاني من درع شوبهام (Chobham ) الثورية (هذا الجيل يعرف باسم دورشيستر)، وهو عبارة عن مصفوفة مركبة من السيراميك والمعدن تتمتع بصفات فائقة مقارنة بالدروع المتجانسة المدلفنة بالفولاذ.
ودرع تشالنجر 2 من بين الأفضل في العالم، يقال إنها أقوى بمرتين من الفولاذ. أثناء المعارك، يمكن أيضاً إضافة المزيد من الدروع مع مجموعات الدروع التفاعلية المتفجرة، ويمكن أيضاً تركيب درع شريط إضافية، حسبما ورد في تقرير لموقع جريدة الدفاع البريطانية UK Defence Journal.
والنتيجة هي درع دبابة قادرة على تحمل الطاقة الحركية الناتجة من القذائف شديدة الانفجار المضادة للدبابات.
في إحدى الحوادث خلال غزو العراق، تلقت الدبابة تشالنجر 2 أكثر من 70 إصابة من قذائف آر بي جي، ونجت.
وفي حادثة أخرى تلقت إصابة على جانبها السفلي (الضعيف عادةً) بقذيفة RPG-29 ومع ذلك تمكنت تشالنجر من العودة إلى القاعدة، وحافظت على حياة طاقمها.
في المقابل، تستخدم الدبابة الأمريكية أبرامز M1A2 الجيل الأول من درع Burlington Chobham بالإضافة إلى دروع اليورانيوم المنضب والدروع التفاعلية فوق التنانير.
أما الدبابة الروسية T-90، فلديها درع حماية من مستويين تتكون من درع مركب ودرع تفاعلية متفجرة.
بينما الدبابة الألمانية ليوبارد 2 A6 لديها درع أساسية متباعدة ودرع مركبة يشاع أنها قائمة على درع شوبهام الموجودة لدى تشالنجر 2.
وتوفر هذه الدروع للدبابات السابقة، حماية كبيرة من الأمام، ولكن لا تتوافر حماية لجانبي الدبابات وخلفياتها إلا من المدافع الرشاشة الثقيلة وذخيرة الدبابات القديمة.
ولكن في السنوات الأخيرة، أصبحت الدروع المعيارية متاحة للدبابة في مواقف القتال المختلفة التي تزيد من إمكانات الدروع.
بصفة عامة هناك اعتقاد بأن تشالنجر 2 محمية بشكل أفضل من ليوبارد 2 أو أبرامز، حسبما قال خبير الدفاع البريطاني نيكولاس دروموند، خبير الدفاع بريطاني، لصحيفة The Express البريطانية.
ولكن رغم درع تشالنجر المنيعة، هناك ميزة إضافة لصالح ليوبارد وأبرامز، فهما مزودتان بنظام حماية نشط ضد الصواريخ المضادة للدبابات (نظام يسقط الصواريخ أو يدمرها قبل وصولها للدبابة).
و"تشالنجر ليس لديها هذه الميزة بعد، ولكن مخطط لها لإدارجها".
المدفع لديه مدى طويل
تم تجهيز الدبابة تشالنجر 2 بمدفع دبابة الذخيرة الملكية L30A1؛ ويحمل رقماً قياسياً عالمياً.
ويبلغ قطر المدفع L30 120 ملم وطوله 55 عياراً، مصنوع من الفولاذ عالي التقنية مع بطانة سبائك الكروم.
يتميز هذا المدفع بطلقات القنابل ذات الزعانف الخارقة للدروع (APFSDS). ومدى طويل للغاية (يصل إلى 5 أميال أخرى) وهو أكثر فاعلية ضد المباني.
ويمكن أن تحمل الدبابة 49 طلقة تسليح رئيسية.
بالمقارنة، تم تجهيز الدبابة الأمريكية أبرامز M1A2 بمدفع أملس 120 ملم L / 44 M256A1 يمكنه حمل 42 طلقة، وهو مدفع مشابه للموجود على الدبابة الألمانية ليوبارد 2 A6 وبه إمكانية إطلاق قذائف متعددة الأغراض مضادة للدبابات، كما طورت Rheinmatall الشركة المصنعة لمدفع ليوبارد أيضاً ترقية تسمح للمدفع بإطلاق صواريخ موجهة مضادة للدبابات.
مثل تشالنجر 2، يحتوي مدفع ليوبارد أيضاً على برميل مبطن بالكروم.
تم تجهيز T-90 الروسية بمدفع أملس 125 ملم، يمكن أن تستخدم T-90 أيضاً ذخيرة تجزئة شديدة الانفجار وصواريخ موجهة مضادة للدبابات.
بصفة عامة مدفع ليوبارد 2 الرئيسي متفوق على مدفع تشالنجر 2، لأن التجويف الأملس استفاد من تطورات الذخيرة المستمرة. حسبما صرح نيكولاس دروموند، خبير دفاع بريطاني، لصحيفة The Express.
"يخطط الجيش البريطاني للتخلي عن مدفع تشالنجر2 الحالي، وتركيب مدفع أملس عيار 120 ملم مع الدبابة تشالنجر 3 عندما تدخل الخدمة في عام 2027".
نظام التحكم بإطلاق النيران
نظام السيطرة والتحكم في إطلاق النيران في تشالنجر 2، على الرغم من أنه ليس ثورياً حالياً، ولكن لا يزال قادراً على المنافسة، باستخدام جهاز كمبيوتر رقمي للتحكم في جميع أدوات الرؤية، حيث يتوافر لقائد الدبابة مشهد بانورامي مع محدد مدى الليزر، بالإضافة إلى ثمانية مناظير توفر رؤية بزاوية 360 درجة.
تم تجهيز تشالنجر 2 أيضاً بالمراقبة الحرارية ونظام يوفر رؤية ليلية وتصويراً حرارياً، ويطلق على كل هذا "بصريات الصياد القاتلة".
أثناء اشتباك المدفعجي مع الهدف، يحدد القائد هدفاً آخر، عندما يتم تدمير الهدف الأصلي، يدور البرج تلقائياً وتبدأ العملية مرة أخرى.
وبالمثل، تم تجهيز الدبابة الأمريكية أبرامز بجهاز كمبيوتر للتحكم يستخدم مدخلات المستخدم والنظام لتحديد زاوية الرصاص ونوع الذخيرة والمدى. إلى جانب العديد من نقاط البيانات الأخرى، يتم إرسال البيانات النهائية إلى المدفعجي أو القائد؛ مما يعطي نسبة إصابة تبلغ 95%. علاوة على ذلك، تم تجهيز الدبابة أبرامز أيضاً ببصريات الصياد القاتلة.
بصفة عامة تتشابه أنظمة التحكم في إطلاق النار في دبابات T-90 و Leopard 26 إلى حد بعيد مع أنظمة كل من Challenger 2 و أبرامز M1A2.
السرعة نقطة ضعفها الرئيسية
تم تجهيز تشالنجر 2 بمحرك ديزل بقوة 1200 حصان، مع علبة تروس ذات 8 سرعات (6 أمامية، واثنان خلفيان). ونظام تعليق "هيدروغاز" من الجيل الثاني مع مسار مزدوج قابل للتعديل هيدروليكياً.
كل هذا يمنحها سرعة قصوى على الطريق 36 ميلاً في الساعة (نحو 58 كلم) و25 ميلاً في الساعة على الطرق الوعرة.
تم تحديد مدى تشالنجر 2 مؤخراً على أنه 550 كم من قبل الجيش البريطاني، ولكن هذا على الطريق فقط.
هنا تظهر نقطة الضعف الرئيسية لتشالجنر 2، مقارنة بمنافستيها ليوبارد وأبرامز، فكل منهما لديه محرك بقوة 1500 حصان.
صُممت ليوبارد 2 في الأصل بالسبعينيات لجيش ألمانيا الغربية رداً على التهديدات السوفييتية خلال الحرب الباردة. لقد تم تصميمها للتحرك بسرعة فوق مجموعة متنوعة من التضاريس ومواجهة دروع العدو، مثل الدبابات التي تستخدمها روسيا على الأرض منذ الأيام الأولى لحربها في أوكرانيا.
تستطيع التحرك بسرعة 44 ميلاً في الساعة (نحو 71 كلم)، وفقاً لشركة الدفاع الألمانية Krauss-Maffei Wegmann، مع مدى يبلغ 450 كم.
وسرعة الدبابة Abrams M1A2 القصوى 67.5 كم/ساعة، ومداها 426 كم، ولكنها يمكن أن تكون في بعض المواقف أكثر رشاقة من ليوبارد 2.
تتفوق ليوبارد 2 بشكل واضح في السرعة والحركية على الدبابة تشالنجر 2، وهذه مسألة مهمة في الحروب، كما تتفوق على أبرامز في توفير الوقود والمدى وسهولة الصيانة.
تحقق ذلك بفضل صناعة المحركات الألمانية، وذلك بشكل أساسي نتيجة تقدم صناعة محركات السيارات والقطارات في ألمانيا، بينما تراجعت في بريطانيا.
وحتى الدبابة الروسية T-90، أسرع من البريطانية تشالنجر2 حيث تبلغ سرعتها نحو 60 كيلومتراً رغم أن محركها أضعف (أقوى نسخة في محرك T-90 قوته 1130 حصاناً)، ولكنها أخف وزناً كعادة الدبابات الروسية.
في مواجهة عدو أكبر وأكثر عدداً مثل روسيا، فإن السرعة التي تمتع بها ليوبارد سوف تمثل ميزة كبيرة لأوكرانيا، خاصة أن ليوبارد لا تقل كثيراً في التدريع عن تشالنجر 2، بينما ميزة السرعة في الدبابة الألمانية مهمة لكييف في مواجهة أساطيل الدبابات الروسية الكثير العدد، لتستطيع التقدم والانسحاب بسرعة حسب ظروف المعركة، خاصة في ظل التفوق الجوي الروسي.
ومما يفاقم من ضعف فاعلية الدبابة تشالنجر 2 قلة عدد الوحدات المنتجة منها، مما يعني أموالاً وحوافز أقل لتطويرها، كما أن المتاح منها قليل لأوكرانيا، حيث قدر محللو الدفاع أن كييف ستحتاج إلى 300 دبابة على الأقل، إذا أرادت أن تنجح في حملتها ضد الجيش الروسي، وهو مماثل لإجمالي العدد الذي يملكه الجيش البريطاني، بينما يوجد نحو 2000 دبابة ليوبارد 2 في أوروبا، أما أبرامز فلدى أمريكا منها نحو 8 آلاف دبابة بينها 3 آلاف في الاحتياطي.
ورغم تفوق تشالنجر2 وليوبارد بشكل كبير على الدبابات السوفييتية القديمة من طرازات تي 62 التي تعود للستينيات وتي64 وتي 72 اللتين تعودان للسبعينيات أو تي 80 التي تعود للثمانينات، كما ظهر في الحروب الغربية مع العراق الذي كان لديه أعداد كبيرة من هذه الدبابات.
ولكن المعركة لن تكون سهلة على أوكرانيا؛ نظراً لامتلاك روسيا لأعداد كبيرة من الدبابات، حيث لديها أكبر أسطول في العالم الذي يبلغ عدده نحو 13 ألف دبابة.
كما ستخوض الدبابات الغربية معركة صعبة أمام الدبابة الروسية الأحدث تي 90 التي لم يسبق أن تواجهت معها، وقد تزداد المعركة صعوبة لو أدخلت موسكو دباباتها من الجيل الرابع التي ما زالت قيد التطوير T-14 أرماتا.
لتتحول حرب أوكرانيا لساحة كبرى لمعارك الدبابات.