بينما لا يزال السودان يعاني للوصول إلى استقرار سياسي يحلم به الجميع، تفاخر محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالدور الذي تلعبه قوات الدعم السريع في جمهورية إفريقيا الوسطى، فما علاقته بروسيا وفاغنر؟ وما قصة الصراع على الذهب؟
هناك في السودان، حيث يتولى دقلو منصب الرجل الثاني بعد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لا تزال البلاد تعاني من عدم الاستقرار، بعد أكثر من عام على الانقلاب الذي أطاح بالشراكة بين المدنيين والعسكريين منذ أجبرت ثورة شعبية الرئيس المخلوع عمر حسن البشير على ترك السلطة قبل نحو 3 سنوات.
وتسعى الأحزاب السياسية إلى محاولة التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل حكومة مدنية وحل قضايا عالقة أخرى، بعد أن وقعت اتفاقاً إطارياً مع الجيش الشهر الماضي لبدء مرحلة انتقال سياسي جديدة تنتهي بإجراء انتخابات، لكن المحتجين انتقدوا الاتفاق بوصفه لا يمثل الجميع، وقد ترك قضايا خلافية لمحادثات أخرى.
حميدتي يتفاخر بدور قواته خارج السودان
لكن بعيداً عما تشهده البلاد داخلياً، نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً يرصد الدور السوداني في صراع دولة إفريقية مجاورة، وهي جمهورية إفريقيا الوسطى.
إذ قال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في الرابع من يناير/كانون الثاني الجاري، إن السودان منع خروج بعض القوات من الأراضي السودانية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى من أجل الإطاحة بقيادة البلاد، وذلك في أواخر ديسمبر/كانون الأول. وهو ما زاد التكهنات المتواصلة حول دور فصيل من القوات السودانية والمرتزقة الروس في الصراع الدائر داخل البلد المجاور.
إذ يقود حميدتي ميليشيات قوات الدعم السريع السودانية، التي تصفها تقارير أممية وغربية بأنها "سيئة السمعة". وتحدث حميدتي إلى وسائل الإعلام في الخرطوم عقب زيارته لدارفور، الواقعة على الحدود مع إفريقيا الوسطى، حيث زعم أن عملاء الأمن الداخلي وضباط الجيش السابقين في السودان يسلحون القوات المرتبطة بالجماعات المتمردة من إفريقيا الوسطى، وذلك أملاً في إسقاط النظام الحاكم للبلاد.
ويُذكر أن الأشهر الأخيرة شهدت زيادةً في حدة المعارك داخل إفريقيا الوسطى، التي تعيش حرباً أهلية منذ عام 2013، وخاصةً في المناطق الغنية بالموارد. حيث تشتبك الميليشيات المتمردة مع قوات الحكومة التي تحظى بدعم القوات الرواندية ومجموعة فاغنر الروسية.
بينما قال حميدتي: "يتكرر هذا الأمر للمرة الثانية. إذ احتشدت القوات على الحدود استعداداً للهجوم قبل عامٍ ونصف، لكن الأمر جرى على نطاقٍ أكبر هذه المرة، وبدعمٍ من جهات خارجية أكبر".
هل هناك تحالف بين قوات الدعم السريع ومرتزقة فاغنر؟
تُعرف قوات المعارضة في إفريقيا الوسطى باسم "تحالف الوطنيين للتغيير"، وتضم في صفوفها أفراد جماعة سيليكا المسلحة سابقاً، بينما يقودها رئيس إفريقيا الوسطى السابق فرانسوا بوزيزيه. وقد نفت تلك القوات مزاعم حميدتي، واتهمت قوات الدعم السريع بدعم مجموعة فاغنر ضدهم داخل حدود جمهورية إفريقيا الوسطى.
فيما قال عبده بودا، المتحدث باسم جماعة اتحاد السلام في إفريقيا الوسطى التابعة لتحالف الوطنيين، إنه لا يوجد أي متمردين داخل السودان، كما أضاف أثناء حديثه إلى موقع Middle East Eye البريطاني أن السودان نشر قواته على الحدود رغم عدم اندلاع أي معارك قتالية.
وأردف بودا أن قوات المتمردين حققت عدة انتصارات منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وقتلت الكثير من مرتزقة فاغنر، واستولت على أراضٍ في غرب وشرق وجنوب الجمهورية. وأضاف أنهم أصبحوا على بُعد 450 كيلومتراً من العاصمة بانغي. بينما نفى دبلوماسي من الحكومة تلك المزاعم، حيث تحدث إلى الموقع البريطاني شرط السرية قائلاً: "كل الأمور تحت السيطرة. إنهم يكذبون".
كما اتهم بودا قوات حميدتي بالتآمر مع مرتزقة فاغنر، وقال: "في مطلع يناير/كانون الثاني، اتفقت قوات الدعم السريع مع مجموعة فاغنر من أجل بدء العمليات العسكرية ضدنا داخل جمهورية إفريقيا الوسطى. وتحشد قوات الدعم السريع جنودها في أم دافوق الآن".
وتحدث بودا كذلك عن قائده النيجيري الذي فرضت الأمم المتحدة عقوباتها عليه، حيث قال: "حاولوا اعتقال قائد قواتنا علي داراسا في عمليةٍ استخباراتية قبل بضعة أيام، لكنهم فشلوا في ذلك".
من جانبه، نفى حميدتي أي مزاعم بتورطه في صراع إفريقيا الوسطى واصفاً المزاعم بأنها "مصيدة"، وألقى باللوم على جهات لم يذكر اسمها، بدعوى محاولتها تشويه سمعة قوات الدعم السريع.
وأضاف حميدتي: "حاولت جماعات ترتدي الزي الرسمي لقوات الدعم السريع أن تنفذ انقلاباً داخل جمهورية إفريقيا الوسطى. ويجري تهريب كميات كبيرة من ملابس قوات الدعم السريع عبر الحدود".
هل توجد روسيا في السودان أيضاً؟
أصبحت علاقة السودان بصراع إفريقيا الوسطى معقدة، ويرجع السبب بنسبةٍ كبيرة إلى الصداقة القائمة بين السودان وروسيا ومجموعة فاغنر.
وساءت أوضاع الصراع على موارد المنطقة -وخاصةً الذهب- في عام 2017، عندما سمح الرئيس السوداني السابق عمر البشير لروسيا بالتعدين على حدود السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، وفقاً للمحلل السوداني عبد المنعم ماديبو.
ثم بعثت موسكو بمدربيها إلى البلاد عام 2018، وهو العام نفسه الذي شهد مقتل 3 من الصحفيين الروس داخل جمهورية إفريقيا الوسطى. وفي 2020، نشرت موسكو المئات من أفراد قواتها شبه العسكرية لمساعدة رئيس الحكومة فوستان آرشانج تواديرا على هزيمة المتمردين، إبان تقدمهم في اتجاه العاصمة.
وأصبح مرتزقة فاغنر يسيطرون على معادن الذهب والألماس الواقعة على جانبي الحدود الآن، بعد أن فتحت حكومات كلا البلدين الباب أمامهم.
ويُذكر أن السلطات السودانية استخدمت المرتزقة الروس الخاصين لتدريب جيشها عام 2019، كما واصلت التودد إلى بوتين وفاغنر منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021. بينما نفت وزارة الخارجية السودانية وجود مجموعة فاغنر في البلاد.
وتقول التقارير إن قوات الدعم السريع باعت أسلحةً لقوات المتمردين في إفريقيا الوسطى خلال عام 2019. بينما قضى حميدتي أسبوعاً في روسيا خلال الربيع الماضي، ودافع خلال إقامته عن هجوم بوتين على أوكرانيا، وقال إنه منفتحٌ على فكرة بناء موسكو لقاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر السوداني.
وينظر المسؤولون الغربيون إلى مجموعة فاغنر باعتبارها وسيلة حكومة بوتين لنشر نفوذها حول العالم، وتأمين امتيازات تعدين الذهب القيمة لمساعدة موسكو في التحايل على العقوبات، وبناء علاقات مع الحكومات سهلة الانقياد في إفريقيا والشرق الأوسط.
وأدى الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، إلى زيادة حاجة موسكو للإيرادات. ويُعتقد أن الحرب هي التي حفزت جهود تأمين الذهب من إفريقيا، قبل تمريره عبر الإمارات، حسب المزاعم.
ولا شك أن هذا الاتجاه يأتي مدفوعاً بوصف البنك الدولي لجمهورية إفريقيا الوسطى، التي قال عنها إنها "واحدة من أكثر الدول فقراً وهشاشة في العالم، رغم مواردها الطبيعية الوفيرة".
بينما قالت باولينا باكس، نائبة مدير برنامج إفريقيا في International Crisis Group، للموقع البريطاني: "تحمي قوات فاغنر في بانغي الحكومة، والرئاسة على وجه التحديد. بينما تشير طريقة عملهم في بقية الأقاليم إلى أن اهتمامهم الأساسي ينصب على تأمين مناطق الذهب والألماس. ويتحكمون في العديد من مناطق التعدين المهمة، كما يشاركون بانتظام في العمليات القتالية داخل مناطق التعدين الخاضعة لسيطرة متمردي تحالف الوطنيين للتغيير".
وصرّحت باولينا للموقع البريطاني في العام الماضي بأن قوات فاغنر جنّدت الشباب داخل أقاليم الجمهورية، وانتقت غالبيتهم من صفوف المتمردين السابقين، حتى يؤدوا دور الميليشيات المحلية. ويُطلق على أولئك المقاتلين اسم "الروس السود"، ويتكفلون بحماية البلدات الأصغر من الهجمات، كما "أُطلِقَت يدهم لجمع الضرائب محلياً، حتى لا تضطر مجموعة فاغنر لأن تدفع المال لهم".
فيما أفاد شهود عيانٍ للموقع البريطاني بأن مرتزقة فاغنر كانوا المسؤولين عن مذبحةٍ أودت بحياة أكثر من 100 مدني، وذلك داخل منجم ذهب بالقرب من الحدود العام الماضي.
ليس انقلاباً… وليست حرباً بالوكالة
كانت فرنسا قد سحبت قواتها من إفريقيا الوسطى عام 2020، لكن ظهرت بعض التكهنات بأنها لا تزال تلعب دوراً في الحرب الأهلية الجارية داخل البلاد. بينما صرح ناشط حقوق إنسان بارز، رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، بأن "الفرنسيين يدعمون المعارضة، لكن بصفةٍ غير رسمية".
فيما قال رئيس فاغنر، يفغيني بريغوجين، في ديسمبر/كانون الأول الماضي إن فرنسا هي المسؤولة عن محاولة اغتيال دميتري سيتي في بانغي، وهو روسيٌّ خاضع للعقوبات، وله علاقات بالمجموعة. لكن الفرنسيين نفوا ذلك الاتهام.
من ناحيتها، قالت باولينا إن "الغرب يشعر بالقلق الشديد حيال أنشطة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى"، لكن الفرنسيين لم يعد لهم دور في الصراع.
وأفادت باولينا للموقع البريطاني بأنه لا يوجد أي دليل على انقلابٍ عسكري، رغم المزاعم التي ذكرها حميدتي: "لم يتغير الوضع في جمهورية إفريقيا الوسطى بدرجةٍ كبيرة خلال الأشهر القليلة الماضية. إذ تقاتل الجماعات المسلحة من أجل الوصول إلى الموارد أو الاحتفاظ بسيطرتها عليها، وذلك بعد طردهم من غالبية المراكز الحضرية على يد الجيش وحلفائه من الروس".