لا يزال اسم المرشح الرئاسي للمعارضة التركية مجهولاً في ظل خلاف بارز على تسمية المرشح المشترك، على الرغم من أن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية آخذ في الاقتراب، لا سيما بعد أن ألمح الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً إلى احتمالية عقدها في 14 مايو/أيار المقبل، ما يضيّق المتسع الزمني الذي كانت المعارضة تعتمد عليه؛ أملاً في الاتفاق على شخصية توافقية.
وحينما نتحدث عن المعارضة، فنحن لا نعني كتلة موحدة تضم عدداً من الأحزاب، بل عن كتل متفرقة فيما بينها، لكنها متفقة على هدف واحد هو هزيمة الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن قبل الدخول في عمق الخلاف الحاصل بينهما حول المرشح الرئاسي المشترك، والأسماء المحتمَلة المطروحة، لنلقِ نظرة موجزة حول أهم الكتل/التحالفات المنضوية تحت سقف المعارضة.
ما هي الكتل السياسية المعارضة؟
أبرز تلك الكتل هو ما يُعرف بالطاولة السداسية، وتضم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، وحزب الجيد (ثالث أكبر حزب معارض)، إلى جانب أحزاب السعادة، الديمقراطي، المستقبل، الديمقراطية والتقدم.
ثم تأتي كتلة حزب "الشعوب الديمقراطي" وهو حزب برلماني وثاني أكبر أحزاب المعارضة، ذو غالبية كردية، وقد أعلن بشكل صريح أنه خارج الطاولة السداسية، لكنه ضم إليه عدداً من الأحزاب الصغيرة المحسوبة على التيار الشيوعي والاشتراكي، مثل حزب العمال، حزب العمل، اتحاد الجمعيات الاشتراكية.
إلى جانب ذلك، تظهر أحزاب صغيرة مثل حزب "النصر" بقيادة اليميني المتطرف أوميت أوزداغ، وحزب "البلد" بقيادة محرم إنجة المرشح الرئاسي السابق في 2018 عن حزب الشعب الجمهوري قبل أن يغادره في 2021.
يشار إلى أن المقصود بالأحزاب الصغيرة هي التي لم تستطع الحصول على 10% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، ولم تتمكن من تجاوز عتبة دخول البرلمان، مع العلم أن 5 أحزاب كبرى فقط تقود البرلمان، وهي: العدالة والتنمية (الحاكم)، وحليفه "الحركة القومية"، الشعب الجمهوري، الجيد، الشعوب الديمقراطي.
في ضوء التكتلات الموجودة لدى المعارضة التركية، تبرز الطاولة السداسية بالطبع كأكبر تحالف موجود، لكنها تبقى بحاجة إلى أصوات حزب الشعوب الديمقراطي بسبب أصوات الشريحة الكردية، وهذه نطقة سنجد أنها تلعب دوراً لا بأس به في مناقشات تسمية المرشح الرئاسي المشترك.
4 سيناريوهات لتسمية المرشح الرئاسي
إذا كانت الطاولة السداسية أكبر تكتلات المعارضة التركية، فإن حزبا الشعب الجمهوري والجيد هما أكبر أحزابها الستة، ولديهما كلمة الفصل بخصوص تسمية المرشح المشترك، لكن مختلفان؛ حيث يريد الشعب الجمهوري ترشيح رئيسه كمال كليجدار أوغلو، بينما يريد حزب الجيد ترشيح أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، وهو من حزب الشعب الجمهوري كذلك.
ويرى الشعب الجمهوري أن زعيمه كليجدار أوغلو قادر على أداء المهمة والتغلب على أردوغان، عبر استراتيجيات اتبعها اعتمدت على التقرب من الشريحة المحافظة المحسوبة على العدالة والتنمية، والتقرب بشكل أكبر من حزب الشعوب الديمقراطي لضمان أصوات الأكراد.
في المقابل، يرى حزب الجيد أن أكرم إمام أوغلو أقرب من كليجدار أوغلو إلى الشريحة المحافظة والأكراد معاً، وقد كسب أصواتاً غير مسبوقة في انتخابات الإعادة لبلدية إسطنبول 2019، وهو أيضاً لا يزال شاباً فهو أقرب لشريحة الشباب التي ستكون مؤثرة في العملية الانتخابية.
ورغم الاجتماعات المتكررة الثنائية بين الحزبين، والأوسع على مستوى زعماء الطاولة السداسية، فلا يزال الخلاف غير محسوم بعد، بل نجد ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد بدأت بوضع لافتات دعائية تجمع بينها وبين إمام أوغلو، في خطوة "تحدٍ" لكليجدار أوغلو الذي يرفض ترشيح رئيس بلديته إمام أوغلو.
وفي ضوء هذه التجاذبات غير المحسومة، نجد أنفسنا أمام 4 سيناريوهات مختلفة، حول إمكانية حسم مسألة المرشح الرئاسي المفترض عن أحزاب المعارضة.
السيناريو الأول: كمال كليجدار أوغلو
يعتمد هذا الخيار على تمكن حزب الشعب الجمهوري من إقناع حليفه "الجيد" باسم كليجدار أوغلو، وربما يستند بذلك إلى أن تسمية أكرم إمام أوغلو مرشحاً سوف تحرمه من رئاسة بلدية إسطنبول، مما يعنى أن تتحول البلدية لإدارة الحزب الحاكم، عن طريق تعيين الداخلية شخصاً من قبلها لإدارة المنصب الشاغر، حيث سيتعين على إمام أوغلو الاستقالة من منصبه.
ثم إن حزب الشعب الجمهوري سيجادل بمسألة الحكم القضائي الذي يواجهه إمام أوغلو فيما يُعرف بقضية إهانة أعضاء هيئة الانتخابات العليا إبان الانتخابات المحلية في 2019، وهو قد يواجه بالفعل حكماً بالسجن لأكثر من عام، مما يمنعه عن مزاولة عمله أولاً، والانخراط في أي عمل سياسي خلال تلك المدة.
وقد يستند حزب الشعب الجمهوري كذلك إلى أن كليجدار أوغلو استطاع توسيع أصوات حزبه من خلال الاستراتيجية الجديدة التي اتبعها في السنوات القليلة الماضية، وهي محاولة جذب الشريحة المحافظة إلى صفه، والتواصل مع بقية الأطراف، مما يجعله شخصية توافقية، لا سيما بالنسبة للناخبين الأكراد الذين تقدّر أعدادهم بين 7 إلى 8 ملايين.
السيناريو الثاني: ترشح أكرم إمام أوغلو
حتى اللحظة، لا يُتوقع أن يوافق حزب الجيد على فكرة ترشيح كليجدار أوغلو، فهو يرى فيه شخصاً كبير السن خسر جميع المعارك الانتخابية السابقة أمام أردوغان، كما يرى أنه شخصية غير مرغوبة بها لدى شريحة الشباب والناخبين الجدد الذين تصل أعدادهم إلى أكثر من 3 ملايين سيصوّتون لأول مرة.
كما أن إمام أوغلو -بنظر حزب الجيد- استطاع كسب انتخابات إسطنبول المحلية، بعد 25 عاماً من إدارتها من قبل العدالة والتنمية والمحافظين عموماً قبل تأسيس الحزب الحاكم، وكما يقال: إسطنبول هي تركيا المصغرة، ومن يستطيع الفوز بها يمكنه الفوز بتركيا، بحسب الحزب.
أما بالنسبة للحكم القضائي، فإن حزب الجيد يرى فيه دعاية انتخابية بحد ذاتها لإمام أوغلو، ومظلومة قد تفيده أكثر مما تضره، وهو ما حصل تماماً في انتخابات الإعادة ببلدية إسطنبول، حينما قررت هيئة الانتخابات إعادة التصويت بإسطنبول، وجدنا أن الفارق الذي كان عند مستوى 14 ألفاً فقط بينه وبين بن علي يلدريم مرشح "العدالة والتنمية في مارس/آذار 2019، صعد إلى أكثر من مليون صوت فرق بين الاسمين بعد 3 شهور فقط في يونيو/حزيران من العام نفسه.
كما أن حزب الجيد يبدو متيقناً من أن فرص أردوغان أمام كليجدار أوغلو ستكون أكثر بكثير من فرصه فيما لو تنافس أمامه إمام أوغلو.
السيناريو الثالث: مرشح وسط لحل الخلاف
لا يكون من المبالغة القول إن فرص تنازل حزب من الحزبين عن مرشحه باتت ضئيلة، وستجتمع الطاولة السداسية يوم 26 يناير/كانون الثاني الجاري؛ لمناقشة هذا الموضوع من جديد على أن تجتمع يوم 30 من الشهر ذاته للحديث عن خارطة طريقها ورؤيتها لشكل هيكل التعاون السياسي بين الأحزاب الستة فيما بعد "الفوز" بالانتخابات.
وبما أن فرص الاتفاق ضئيلة، فسيكون أمام حزبي الشعب الجمهوري والجيد خياران فقط؛ إما التنازل عن مرشحيهما لصالح ترشيح شخصية ثالثة توافقية بينهما وبين بقية الأحزاب، أو أن تفشل جميع خيارات التوافق ويعلن كل حزب عن مرشحه الخاص وتدخل المعارضة الانتخابات بمرشحين مختلفين.
لكن الخيار الأول، وهو يمثل هنا السيناريو الثالث، فهو وارد في الحقيقة وأكثر منطقية بالنسبة للمعارضة التي تقول إنها عازمة هذه المرة على أن تتفق مهما كلفها الأمر من تنازلات، لكن السؤال؛ هل هناك مرشحون غير كليجدار أوغلو وإمام أوغلو، يمكن أن ترضى بهم بقية الأحزاب؟
منصور ياواش
بالنظر إلى استطلاعات الرأي الحديثة، نجد أن رئيس بلدية أنقرة عن حزب الشعب الجمهوري، منصور ياواش، هو الأكثر حظاً في جذب أصوات الناخبين متفوقاً على كل من كليجدار أوغلو وإمام أوغلو، على حد سواء.
يعتبر ياواش شخصية استثنائية من حيث "نظافة" سجله السياسي، وابتعاده عن التجاذبات التي تحصل من وقت لآخر، وهو شخصية قومية تجمع بين اليمين واليسار، ولا يبدو أنه غير مقبول لدى أوساط الشريحة المحافظة، لكن يبقى أمامه تحدٍّ يكمن في قدرته على جذب أصوات الناخبين الأكراد.
هذا التحدي يتعلق بجذور ياواش القومية، حيث بدأ مسيرته في حزب الحركة القومية وشغل مناصب عدة بالحزب، قبل أن يغادره في 2013 وينتقل إلى الشعب الجمهوري، ومن المعلوم أن هناك حساسية بالغة بين التيار القومي، وبين حزب الشعوب الديمقراطي الذي يحصد غالبية أصوات الأكراد منذ 2012.
ومع ذلك، فهناك استطلاعا رأي كشف عنهما الصحفي التركي البارز فاتح ألطايلي، أجرتهما شركتا "PANOROMA TR"، و"METROPOLL"، كشفا أن منصور ياواش يتفوق على أردوغان في أصوات الأكراد، وأظهر تسلسل زمني وفق الاستطلاعين طيلة 2022 الماضي أن أصوات ياواش كانت أعلى بكثير من أصوات أردوغان، بشكل مطرد.
علي بابا جان
إلى جانب ياواش، هناك رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي بابا جان، الذي شغل مناصب وزير الخارجية، ثم وزير الاقتصاد ونائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد في حكومات العدالة والتنمية، قبل أن ينشق عن الحزب أواخر 2019.
وقد بدا واضحاً في الآونة الأخيرة حينما أفصح عن استعداده للترشح للانتخابات الرئاسية عن أحزاب المعارضة، وطلب منهم الدعم، بل وضمن الفوز في حال دعمته المعارضة.
لكن حظوظ بابا جان تبدو قليلة، فهو بنظر شريحة واسعة لا يزال يحمل ملامح الحزب الحاكم الذي ظل فيه طيلة 15 عاماً، قبل أن يغادره حينما فقد منصبه، حتى ولو أسس حزباً معارضاً للسلطة الآن، لكن لا يزال في الذاكرة شخصاً مقرباً من التيار الحاكم.
ورغم أن البعض يراهن على سيرته الذاتية الاقتصادية ونجاحه في الأداء حينما كان وزيراً للاقتصاد، إلى جانب قربه من الشريحة المحافظة، لا سيما المحسوبة على العدالة والتنمية، فإن سائر أحزاب المعارضة لا تبدو متشجعة لطرح اسمه.
ومن الملاحظ أن بابا جان حاول مغازلة الناخبين الأكراد، حينما اقترح إزالة تعريف "التركية" القومية من الدستور، في محاولة للحصول على تأييد الأكراد والمحافظين والتلويح بنجاحاته في ملف الاقتصاد.
لكن حين المقارنة بين منصور ياواش وعلي بابا جان، يبدو أن الأول أكثر حظوظاً من الثاني.
السيناريو الرابع: أكثر من مرشح
خارج السيناريوهات المذكور، لا يُتوقع أن تكون هناك أسماء أخرى يمكن أن تحظى بتوافق بين شرائح المعارضة المختلفة، وهو أمر صعب في الواقع.
ولذلك يبقى الخيار الأخير في حال عدم تنازل حزب الشعب الجمهوري أو الجيد عن اسميهما هو التوجه إلى صناديق الاقتراع بأكثر من مرشح، فالشعب الجمهوري يختار كليجدار أوغلو، والجيد يختار أكرم إمام أوغلو، وحزب الشعوب الديمقراطي يختار مرشحه الخاص، وبقية الأحزاب أمامها أن تعلن عن مرشحها أو تدعم واحداً من المرشحين الموجودين للمعارضة.
وسيكون هذا السيناريو تماماً كما جرى في انتخابات 2018، حينما فشل الشعب الجمهوري والجيد كذلك في الاتفاق على مرشح مشترك، مما دفع الأحزاب للدخول بمرشحين مختلفين، وخسارة جميعهم بالطبع أمام أردوغان.
لكن في هذه المرة، قد يكون لديهم نوع من اليقين أو الثقة الكبيرة حيال عدم حسم أردوغان للمعركة الانتخابية في الجولة الأولى أمام المرشحين الباقين، بمعنى أن لا يحصل أي مرشح على أكثر من 50+1، وبهذه الحالة تتوجه الأنظار نحو جولة ثانية، وهنا تجتمع المعارضة بالتأكيد على دعم المرشح الذي حصد أكبر نسبة من الأصوات أمام أردوغان، سواء كان إمام أوغلو أو كليجدار أوغلو.
لكن تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات، حتى ولو ذهبت إلى جولة ثانية، فهذا لا يعني ضمان أن تفوز المعارضة، لكنه سيكون مؤشراً واضحاً على تراجع قوة أردوغان المعهودة في الفوز بأي انتخابات مضت منذ تأسيس حزبه العدالة والتنمية في 2001.