في تصعيد للأزمة بين القضاء الإسرائيلي والإئتلاف الحاكم، ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية تعيين وزير داخلية إسرائيل أرييه درعي، زعيم حزب شاس المتطرف في الحكومة، الأمر الذي قد يبكر المعركة المنتظرة بين الطرفين، وتسريع خطة الحكومة الإسرائيلية لإضعاف النظام القضائي، ويفتح الباب لجدل حول شرعية بقاء الحكومة.
وقضت المحكمة الإسرائيلية العليا، أمس الأربعاء، أن قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تعيين حليفه الرئيسي أريه درعي رئيس حزب شاس لليهود الشرقيين، وزيراً، "لا يمكنه الاستمرار به"، وأمرت بإقالته من جميع مناصبه الوزارية وهي: قائم بأعمال رئيس الحكومة، ووزير الداخلية، ووزير الصحة.
وزير داخلية إسرائيل أرييه درعي صاحب سوابق
ودرعي، صاحب سوابق، حيث تمت إدانته بتهمة فساد، وأمضى في السجن سنتين. وبعد 7 سنوات من إطلاق سراحه عاد إلى السياسة وتورط مرة أخرى في قضية إخفاء مداخيل، للتهرب من دفع الضريبة، وقد حكم عليه بالسجن 9 أشهر بعد اعترافه، ولأنه تعهد بأن يعتزل السياسة قررت المحكمة أن يكون السجن مع وقف التنفيذ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط.
وعاد درعي للحكومة بعد أن استفاد من قانون أقره نواب الكنيست يسمح لأي شخص مدان بجريمة ولم يحكم عليه بالسجن الحصول على حقيبة وزارية، بحسب موقع فرانس24.
وحكم 10 من القضاة الـ11 في المحكمة العليا الإسرائيلية ضد تعيين درعي، وكان القاضي يوسف إلرون هو الوحيد الذي اعتقد أنه يجب السماح بتعيينه في المنصب، حسبما ذكرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ويمكن أن يخلق القرار أزمة سياسية من المرجح أن تزعزع استقرار التحالف الحكومي الذي يقوده نتنياهو، حسب تقرير لموقع Axios الأمريكي.
درعي سبق أن تعهد بعدم تولي مناصب بعد إدانته
وأدين أريه درعي، الذي يعد أحد أقوى السياسيين في إسرائيل، بارتكاب جرائم جنائية مرتين، بما في ذلك العام الماضي، عندما وافق على صفقة قضائية اعترف فيها بارتكاب مخالفات ضريبية.
عندما وقّع درعي صفقة الإقرار بالذنب، أوضح كل من النيابة والقاضي أنهما يتفهمان أنه سيغادر الحياة السياسية. لكن بعد أقل من عام، ترشح مدعياً أنه لم يقل أبداً إن رحيله عن الحياة العامة سيكون إلى الأبد.
وجادل مقدمو الالتماس للمحكمة العليا ضد تعيين أريه درعي بأنه لم يكن ينبغي السماح له بتولي منصبه؛ لأنه وعد بالتقاعد من الحياة العامة عندما حُكم عليه العام الماضي، وهو وعد استندت إليه المحكمة في الموافقة على اتفاق الاعتراف بالذنب بين درعي والنيابة فيما يتعلق بتهم التهرب من الضرائب.
وكتبت رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت في القرار أن درعي أوضح في تصريحاته أنه لن يتعامل بعد الآن مع المال العام.
وقالت حايوت: "في ظل هذه الظروف، كان تعيينه ملطخاً بعيب شديد في اللامعقولية، وهو في تناقض خطير مع المبادئ الأساسية التي ينبغي أن يسترشد بها رئيس الوزراء عندما يعين الوزراء".
وأوضحت رئيسة المحكمة العليا، في قرارها، أن "هذا الشخص أدين ثلاث مرات بجرائم طوال حياته، وانتهك واجبه في خدمة الجمهور بإخلاص وقانون أثناء خدمته في مناصب عامة عليا".
وتابع حايوت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يحق له تجاهل "تراكم جرائم الفساد الخطيرة"، مضيفة أن "تكليف ديري بوزارتين من أهم الوزارات في الحكومة يضر بصورة وسمعة النظام القانوني في البلاد، ويتعارض مع مبادئ السلوك الأخلاقي والشرعية".
والمدعية العامة رفضت تمثيل الحكومة بالقضية
وطبقاً لمقدمي الالتماس إلى المحكمة، فإن إدانة درعي الجنائية والحكم مع وقف التنفيذ الذي صدر عليه يجعلان تعيينه غير معقول، بالإضافة إلى ذلك، قالوا إن تعديل القانون الأساسي للحكومة غير دستوري.
المدعية العامة غاليا باهراف ميارا عارضت تعيين درعي، ورفضت تمثيل حكومة نتنياهو في المحكمة لرفض الالتماس.
موقف باهراف ميارا، الذي تم عرضه على المحكمة، هو أن إدانات درعي المتعددة خلال سنواته في المناصب العامة "تؤدي إلى استنتاج لا مفر منه بأن تعيينه وزيراً سيضر بشكل خطير بثقة الجمهور في أخلاقيات المسؤولين المنتخبين".
درعي قال قبل الحكم إنه لن يستقيل والمعارضة تحذر من فقدان الحكومة لشرعيتها
كان أريه درعي حليفاً رئيسياً في حكومة نتنياهو اليمينية السابقة، ثم عاد إلى الكنيست كرئيس لحزب شاس الذي ارتفعت حصته من الكنيست بمقدار مقعدين لتصل إلى 11 مقعداً، وفي ديسمبر/كانون الأول، سارع التحالف اليميني بقيادة نتنياهو بعد فوزه بالانتخابات في تسريع التشريعات لتمهيد طريقه لتولي مناصب وزارتي الداخلية والصحة.
وكان درعي قد أوضح في الأيام الأخيرة أنه لن يستقيل، وأنه سيتعين على نتنياهو إقالته أو مخالفة قرار المحكمة العليا.
في المقابل، دعا زعيم المعارضة يائير لبيد نتنياهو إلى إقالة أريه درعي على الفور.
وقال لبيد: "إذا لم يُطرد، فإن الحكومة ستنتهك القانون وستصبح حكومة غير شرعية. إذا لم يُطرد درعي، فلن تكون إسرائيل دولة ذات سيادة للقانون، ولن تكون ديمقراطية"، حسب تعبيره.
وقضت اتفاقات تشكيل الحكومة بتعيين أريه درعي قائماً بأعمال رئيس الحكومة ووزيراً للداخلية لمدة سنتين، ووزيراً للمالية بعد سنتين، وبالإضافة إلى ذلك وزيراً للصحة.
حزب شاس يصف الحكم بالعنصري ويلوّح بعدم تنفيذه
وقد أحدث القرار زلزالاً سياسياً في إسرائيل؛ إذ اعتبرته أحزاب الحكومة تحدياً مباشراً لها من قبل جهاز القضاء، وهددت بالرد عليه بشكل صارم. فيما اعتبره حزب شاس "قراراً عنصرياً ضد اليهود الشرقيين المستضعفين"، (في إشارة لأنهم من اليهود الشرقيين الذي ينظر لهم على أنهم مهمشون في البلد الذي أسسه اليهود القادمون من أوروبا وأمريكا).
وأصدر رؤساء الائتلاف الحكومي بياناً هاجموا فيه قرار المحكمة بشدة، واعتبروه محاولة لشطب قرار الناخبين، وقالوا إن الوزير درعي معروف بقدراته القيادية العالية وتجربته الغنية، وإن شطبه بهذا الشكل ضربة لنحو مليوني ناخب أرادوه قائداً في الحكومة.
وجاء في البيان: "أمر جلل حدث في إسرائيل. المحكمة العليا التي تدعي أنها تهتم بالأقليات ألقت اليوم إلى سلة النفايات بـ400 ألف ناخب لحركة شاس التي تمثل جمهور المستضعفين في إسرائيل، والذين توجهوا قبل شهرين فقط إلى صندوق الاقتراع وهم يعرفون كل شيء عن الوزير أريه درعي واقترعوا له.
وزعموا أن الترجمة العملية لقرار المحكمة، هي أن لا أهمية للانتخابات. إنه قرار سياسي تصدره المحكمة العليا، وهو ينطوي على عدم معقولية متطرف".
من جانبه، وصف حزب شاس الحكم بأنه "غير معقول على الإطلاق، وأنه يضر بكل ناخبي شاس"، حسب زعمه، وقال الحزب في بيان: "إنه انتهاك جسيم للحق في الانتخاب والترشح، وهو مبدأ أساسي للديمقراطية".
وأضاف البيان أن الحزب سيدرس الحكم، وأن مجلسه الحاخامي الأعلى سيحدد خطواته التالية.
في وقت سابق، الأربعاء، حذّر وزير الرفاه الإسرائيلي، يعقوب مارجي الذي ينتمي لحزب شاس، من أنه إذا استبعدت المحكمة العليا زعيم حزبه من المناصب الوزارية، فإن نتنياهو "يعلم أنه لن تكون هناك حكومة".
وقال مارجي لإذاعة "كان" العامة: "إذا استبعدته المحكمة، فسيتعين على رئيس الوزراء أن يقرر ما سيفعله". "قلنا طوال الوقت إنه لا يوجد سبب يمنع درعي من العمل كوزير رفيع المستوى في إسرائيل".
وأظهرت استطلاعات الرأي العام الأخيرة أن غالبية الإسرائيليين -بما في ذلك أغلبية بين ناخبي نتنياهو- يعتقدون أن درعي غير لائق ليكون وزيراً.
كيف سيرد نتنياهو؟
وزعم نتنياهو، الذي مثله محامون خاصون في القضية بعد رفض المدعي العام تمثيله، أن رئيس حزب شاس يتمتع بثقة الجمهور، رغم إدانته، وأن المحكمة يجب ألا تتدخل في أمر يجب أن يكون من اختصاص رئيس الوزراء، وهي حجة درعي نفسها.
بعد القرار مباشرة، وصل نتنياهو إلى القدس لمناقشة خطواتهم التالية، ووفقاً لقناة 12 الإخبارية الإسرائيلية، فإنه قال: "عندما يكون أخي في مأزق، أقف إلى جانبه".
وحرص نتنياهو، حسب ما نسب له، على تأكيد أن حكومته باقية، وأنه سيجد حلاً لهذه المعضلة وفقاً للقانون، لكنه لم يستطع إخفاء حقيقة أن حكومته دخلت في أزمة جديدة.
وقال ياريف ليفين، وزير العدل الإسرائيلي: "سأفعل كل ما هو ضروري لإصلاح هذا الظلم الصارخ الذي لحق بالحاخام أرييه درعي، وحركة شاس والديمقراطية الإسرائيلية"، حسب تعبيره.
خياراته كلها إشكالية
وقد تسعى حكومة نتنياهو، التي تعهدت بالحد من سلطات المحكمة العليا، إلى تسريع ما تصفه بـ"إصلاحات قانونية"، من شأنها أن تسمح لدرعي بالاحتفاظ بمنصبه، وقد يتحدى نتنياهو حكم المحكمة العليا ويرفض طرد درعي، وهو ما سيكون خطوة غير مسبوقة، حسب وصف صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وهدد رؤساء الائتلاف الحكومي بالرد بطرق قانونية "تضع حداً لما وصفوه بـ"الغبن عليهم"، وتحفظ مكانة درعي في قيادة الحكومة"، متهمين المحكمة بأنها لا تنوي التفاهم مع الحكومة أو التوصل إلى حلول وسط في إصلاح الجهاز القضائي؛ لأنها لا تفهم الشعب ولا تصغي للجمهور.
وعلاقة نتنياهو في الأصل متوترة للغاية مع القضاء الإسرائيلي لأنه يخضع لمحاكمة فساد مستمرة بتهم الاحتيال والرشوة التي ينفيها بشدة.
ويُعتقد على نطاق واسع أن تحالف نتنياهو مع الأحزاب اليمينية المتشددة وتشكيله لأكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل مرتبط بمساعيه لإدخال تعديلات قانونية تضعف سلطة القضاء، وتحميه من الملاحقة القانونية.
ولذا من المتوقع أن يقوم تحالف نتنياهو الآن بتسريع خطته للإصلاح القضائي المزعوم بشكل كبير.
وقبل أسبوعين تماماً، عشية انعقاد جلسة المحاكمة، طرح وزير العدل ياريف لفين مشروعاً لتغيير جوهري في قانون القضاء يمس بصلاحيات المحكمة العليا ويضعفها، ويخيف القضاة من إجراءات حكومية عديدة.
وبعد ذلك راح المسؤولون بائتلاف نتنياهو المتطرف يهددون القضاء بالمزيد، وبلغ الأمر لدرجة أن عضو الكنيست عن حزب شاس، أبراهام بتسلئيل، قال: "إذا قررت المحكمة العليا إلغاء تعيين أريه درعي، فإنهم يطلقون النار على رؤوسهم".
ودافع الوزير ليفين عما يصفه بـ"إصلاحات قانونية" من شأنها إضعاف القضاء الإسرائيلي من خلال زيادة نفوذ الحكومة على التعيينات القضائية، وتقييد سلطات المحكمة العليا لعرقلة التشريعات.
وتتضمن الخطة تمرير قانون من شأنه أن يسمح للائتلاف الحاكم بتجاوز قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة تبلغ 61 صوتاً في الكنيست المكون من 120 عضواً.
كما تتضمن إجراءً من شأنه أن ينهي قدرة المحكمة العليا على إلغاء القرارات الإدارية الصادرة عن الحكومة على أساس "عدم المعقولية"، ما يقلل بشكل كبير من الرقابة القضائية على الحكومة.
وحاول الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تسهيل الحوار بين الحكومة والمعارضة من أجل التفاوض على خطة إصلاح قضائي يمكن أن تتفق عليها جميع الأطراف.
والتقى هرتسوغ مؤخراً مع نتنياهو، ورئيسة المحكمة العليا، ولبيد، ووزير العدل ياريف ليفين.
كما التقى ليفين مع رئيسة المحكمة العليا، أمس الثلاثاء، للمرة الأولى منذ أن قدم خطة الحكومة التي انتقدتها بشدة.
يخشى السجن إذا انهارت حكومته ويتهم المحتجين ضده بتلقي تمويل أجنبي
في غضون ذلك، تراجع نتنياهو، يوم الإثنين، عن انتقاد خطة الحكومة بشأن القضاء، وادعى دون دليل أن الاحتجاجات العامة ضدها تم تمويلها بأموال أجنبية.
ومن المقرر تنظيم مظاهرة أخرى ضد الخطة يوم السبت، ويأمل المنظمون أن تجتذب أكثر من 80 ألف متظاهر، وهو العدد نفسه الذي يقدر أنه شارك في مسيرة الأسبوع الماضي.
وكانت إسرائيل قد أجرت 5 انتخابات عامة خلال أقل من 3 سنوات، ويواجه نتنياهو اتهامات من معارضيه بأنه السبب الرئيسي وراء حالة عدم الاستقرار السياسي، بسبب سعيه لاستصدار تشريع من الكنيست يحميه من شبح دخول السجن الذي يطارده.
ويمثل قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإلغاء تعيين درعي تحدياً شخصياً لنتنياهو، لأنه لو انهارت الحكومة الحالية، كما يهدد حزب شاس، وفقد منصب رئيس الوزراء أو أجريت انتخابات جديدة فسيطل من جديد شبح محاكمته واحتمال حتى سجنه، لأنه سيفقد الحصانة القضائية المترتبة على توليه رئاسة الحكومة.