تحطمت طائرة ركاب في نيبال مودية بحياة نحو 70 شخصاً على بُعد كيلومتر واحد من مطار الهبوط، وهي أحدث مآسي الطيران، فما أسوأ تلك الحوادث على مر التاريخ؟ وما أبرز أسباب سقوط الطائرات المدنية؟
هيئة الطيران المدني في نيبال قالت الأحد 15 يناير/كانون الثاني 2023 إن ما لا يقل عن 68 شخصاً لقوا حتفهم في تحطم طائرة في بوخارا، وهو أسوأ حادث تحطم طائرة تشهده الدولة الآسيوية منذ ثلاثة عقود.
وقام مئات المنقذين بتمشيط منطقة التلال التي تحطمت فيها الطائرة التابعة لشركة الخطوط الجوية "يتي"، والتي كانت تقل 72 شخصاً وأقلعت في رحلة داخلية من العاصمة كاتمندو. وأوقف المسؤولون في وقت متأخر من مساء الأحد عمليات البحث بسبب الظلام، وتم استئنافها الإثنين 16 يناير/كانون الثاني، رغم تلاشي الأمل في العثور على ناجين من التحطم.
وأظهرت لقطات تلفزيونية محلية عمال الإنقاذ وهم يسارعون بالبحث في أجزاء محطمة من الطائرة، وظهرت آثار لهب على الأرض قرب موقع التحطم وكانت بعض النيران لا تزال مشتعلة.
وأعلنت نيبال الحداد على ضحايا الكارثة الجوية، إذ أعلن رئيس وزراء نيبال الإثنين يوم حداد وطني، وشكلت الحكومة لجنة للتحقيق في سبب الكارثة. وقال المتحدث باسم الشرطة، تيك براساد راي لـ"بي بي سي": "من غير المرجح أن يكون هناك ناجون"، وأضاف أن فرق الإنقاذ عثرت على أشلاء في مكان الحادث.
لماذا سقطت طائرة نيبال هذه المرة؟
لم يتضح بعد سبب سقوط الطائرة، لكن نيبال لديها تاريخ مأساوي من حوادث الطيران المميتة، وقال وزير المالية بيشنو بوديل للصحفيين إن الحكومة شكلت لجنة للتحقيق في سبب الحادث، ومن المتوقع أن تقدم تقريرها في غضون 45 يوماً.
وقالت وكالة التحقيق في الحوادث الجوية (بي.إي.إيه) الفرنسية إنها ستشارك في التحقيق في أسباب تحطم الطائرة، وستنسق مع جميع الأطراف المعنية الأخرى. وذكرت هيئة الطيران المدني في البيان أن الطائرة المنكوبة التي تشغلها الشركة ذات محركين ومن طراز (إيه.تي.آر 72) وكانت تقل 72 شخصاً من بينهم ثلاثة رضع وثلاثة أطفال.
وقالت هيئة الطيران المدني في بيان إن الطائرة تواصلت مع المطار في بوخارا من منطقة سيتي جورج في الساعة 10:50 صباحاً بالتوقيت المحلي (0505 بتوقيت غرينتش) "ثم تحطمت".
وقالت ديفيا داكال، وهي من سكان المنطقة التي وقع فيها الحادث، لـ"بي بي سي" إنها هرعت إلى موقع التحطم بعد أن شاهدت الطائرة وهي تهوي من السماء بعد الساعة 11:00 صباحاً بالتوقيت المحلي بقليل (05:15 بتوقيت غرينتش).
وقالت: "لدى وصولي لموقع الحادث، كان المكان مزدحما بالفعل. كان هناك دخان كثيف يتصاعد من ألسنة النيران في الطائرة. ثم جاءت المروحيات في وقت قصير للغاية".
وأضافت أن "الطيار بذل قصارى جهده حتى لا يصطدم بأي منزل. لكن الطائرة ارتطمت بالأرض في مساحة صغيرة بجوار نهر سيتي المجاور للمطار".
وتعد حوادث الطيران شائعة في نيبال، وذلك غالباً بسبب مدارج طائراتها الصغيرة والتغيرات المناخية المفاجئة التي يمكن أن تؤدي إلى ظروف خطرة. كما تم توجيه اللوم في حوادث الطيران السابقة في البلاد إلى قلة الاستثمار في الطائرات الجديدة وسوء التنظيم. كما يمنع الاتحاد الأوروبي خطوط الطيران النيبالية من استخدام مجاله الجوي منذ عام 2013 وعزا ذلك لأسباب تتعلق بالسلامة.
وبشكل عام، حوادث الطائرات ليست نادرة في نيبال التي توجد فيها ثمانية جبال من بين أعلى 14 قمة في العالم ومن بينها قمة إيفرست؛ إذ يمكن للطقس أن يتغير بشكل مفاجئ ويزيد الخطورة على الملاحة الجوية. وقُتل 350 على الأقل منذ عام 2000 في حوادث تحطم طائرات أو طائرات هليكوبتر في نيبال.
وهذا الحادث هو أسوأ تحطم في نيبال منذ 1992 وفقاً لما تظهره قاعدة بيانات شبكة سلامة الطيران، ففي ذلك العام، تحطمت طائرة تابعة للخطوط الباكستانية الدولية من طراز "إيرباص إيه 300" على سفح أحد التلال وهي تقترب من كاتمندو؛ مما أدى لمقتل كل من كانوا على متنها وعددهم 167 شخصا.
وفي مايو/أيار 2022 تحطمت طائرة تابعة لشركة تارا إير في شمال نيبال، ما أسفر عن مقتل 22 شخصاً، وقبل أربع سنوات، قُتل 51 شخصاً عندما اشتعلت النيران في رحلة جوية من بنغلاديش أثناء هبوطها في كاتمندو.
ما أبرز أسباب حوادث تحطم الطائرات؟
بعيداً عن هذه المأساة الأخيرة، فهناك أسباب شائعة لحوادث الطائرات، لكن من المهم هنا التأكيد على أن عوامل الأمان في الطائرات أكبر بكثير مقارنة بوسائل التنقل الأخرى، فاحتمال وقوع حادثة طيران أقل من احتمالات حوادث السيارات بنحو 200 مرة. وتبلغ احتمالات تحطم الطائرة حوالي 1 إلى 5.4 مليون، بل إن دراسات تضع النسبة 1 في 11 مليوناً، بحسب تقرير لصحيفة The Economist.
ووفقاً لتقرير سابق لصحيفة "ذي إيكونوميست"، فإن احتمال تحطم الطائرة حوالي 1 في 5.4 مليون، وهناك دراسات تقول إن الاحتمالات تصل إلى 1 في 11 مليوناً.
فوفقاً لدراسة أجرتها شركة "بوينغ"، حوالي 20% من حوادث الطائرات التجارية تقع نتيجة عطل ميكانيكي، وتُعد هذه النسبة المئوية تطوراً ممتازا مقارنة مع بدايات إقلاع الطائرات قبل عقود، حين كان العطل الميكانيكي يتسبب فيما يقرب من 80% من حوادث التحطم. ويعود الفضل في انخفاض تلك النسبة إلى التطور الذي طرأ على هندسة الطيران.
أما بالنسبة للعامل البشري في حوادث الطائرات، فتختلف الأرقام والإحصاءات، لكن الخبراء يتفقون على أن الخطأ البشري هو السبب الأكبر لحوادث الطائرات. إذ أجرى موقع "بلين كراش إنفو Placecrashinfo" دراسة حول أكثر من ألف حادث طيران مميت في جميع أنحاء العالم خلال الفترة من 1950 إلى 2010، وتبين أن خطأ الطيار كان أحد الأسباب في أكثر من 53% من الحوادث خلال تلك الفترة، وبالتالي يحتل الطيارون الترتيب الأول في كثير من الأحيان.
وترتفع تلك النسبة إذا تمت إضافة أخطاء باقي العناصر البشرية المحتملة، مثل أخطاء مهندسي أو فنيي ميكانيكا الطائرة ومراقبي الحركة الجوية. وقدرت شركة "بوينغ" أن الأخطاء البشرية يمكن أن تكون عاملاً مشتركاً في حوالي 80% من حوادث الطائرات، كما يمكن للخطأ البشري أن يؤثر سلباً ويزيد من تفاقم الوضع، جنباً إلى جنب مع الأسباب الأخرى الرئيسية التي تسبب تحطم الطائرة.
كما يعتبر الطقس أحد الأسباب، إذ ساهم في حوالي 23% من حوادث الطائرات، ويؤكد خبراء السلامة الجوية أن العواصف الرعدية تمثل خطورة بشكل خاص على الطائرات، وأن التحليق مباشرة عبر عاصفة رعدية يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، بينما يمكن للطائرة الصمود أمام البرق.
وعلى الرغم من إلغاء معظم شركات الطيران رحلاتها عشية أي إعصار، فإنه من الشائع نسبياً أن تسمح بانطلاق رحلاتها الجوية خلال عاصفة رعدية أو هطول الأمطار، حيث إن هذه التغيرات المناخية تحدث يومياً في جميع أنحاء العالم، والطيارون يتدربون على كيفية المرور خلالها، بل إنهم يؤدون عملهم بشكل جيد بنسبة 99%.
وأخيراً تعتبر الحوادث المتعمدة، بما فيها الهجمات الإرهابية على سبيل المثال، أندر أسباب حوادث الطيران، حيث تحطمت 8% فقط من حوادث رحلات الطيران لأسباب متعمدة منذ خمسينيات القرن الماضي.
أسوأ كوارث الطيران حول العالم
على الرغم من ندرة حوادث سقوط وتحطم الطائرات، فإنها غالباً ما تشهد نجاة أي من الركاب. وأول حادثة طيران مسجلة ترجع لأكثر من قرن، وكان السبب هو اصطدام طائرتين معاً.
كان ذلك يوم 7 أبريل/نيسان 1922، حين اصطدمت طائرة تابعة لشركة طيران ديملر الإنجليزية بطائرة تابعة لشركة فرنسية فوق منطقة بيكاردي بفرنسا؛ مما أدى إلى مقتل 7 أفراد. في ذلك الوقت كانت الطائرات لا تزال صغيرة الحجم ولا تحمل أعداداً كبيرة من الركاب أو تسافر مسافات بعيدة.
وشهد يوم 12 مارس/آذار 1950 كارثة لاندو الجوية في ويلز، حين تحطمت طائرة تابعة لشركة إير فلايت، التي أقلعت من مطار دبلن بأيرلندا وكانت في طريقها إلى مطار لاندو جنوب ويلز، لكنها سقطت وعلى متنها 78 راكباً و5 آخرون هم أفراد طاقم الطائرة. وتعتبر واحدة من أسوأ حوادث الطيران وقتها نظراً لارتفاع عدد القتلى، حيث لم ينجُ أحد.
لكن بعد نحو 3 أشهر فقط من نفس العام، وبالتحديد في 30 يونيو/حزيران، وقع حادث أكثر مأساوية على الأراضي الأمريكية، يعرف باسم تصادم "غراند كانيون الجوي"، حيث اصطدمت طائرة تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز بأخرى تابعة لشركة دابليو إيه، ومات في الحادث 128 شخصاً.
ولعالمنا العربي نصيبه من حوادث الطائرات، ففي 25 ديسمبر/كانون الأول 1976، تحطمت طائرة تابعة لشركة "مصر للطيران" كانت في طريقها من مطار القاهرة الدولي إلى بانكوك، ومات جميع ركاب الطائرة وعددهم 52، إضافة إلى 19 شخصاً آخرين كانوا على الأرض في موقع تحطم الطائرة.
وفي عام 1979، وبالتحديد يوم 19 أغسطس/آب، تحطمت طائرة تابعة للخطوط الجوية السعودية كانت في طريقها من مطار الرياض القديم إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، وشبت النيران في مخزن الأمتعة بالطائرة؛ مما أدى لوفاة ركابها وعددهم 301، لتسجل كأكبر حادثة طيران في التاريخ من حيث عدد الوفيات بسبب الحريق.
أما من حيث عدد القتلى في حادثة طيران واحدة، فقد شهد يوم 27 مارس/آذار 1977 أحد أسوأ كوارث الطيران على الإطلاق، حيث اصطدمت طائرتان من طراز بوينغ 747 لدى إقلاعهما من مطار تنريف بجزر الكناري، إحداهما تابعة لشركة بان أميريكان الأمريكية والأخرى تابعة لشركة الخطوط الجوية الملكية الهولندية، مما أدى إلى مقتل 583 شخصاً، وهو ما يجعلها واحدة من أسوأ حوادث الطيران على الإطلاق.
وفي يوم 12 أغسطس/ آب 1985، تحطمت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية اليابانية كانت في رحلة من طوكيو إلى أوساكا، مما أدى إلى مقتل 520 شخصاً ونجاة أربعة، وتعتبر هذه المأساة هي الأسوأ في تاريخ حوادث الطيران المدني في اليابان.
وفي يوم 25 مايو/أيار 1979، تحطمت طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية كانت في طريقها من مطار أوهير بشيكاغو إلى مطار لوس أنجلوس الدولي بلوس أنجلوس، مما أدى إلى مقتل 258 راكباً و13 من أفراد الطاقم، إضافة إلى شخصين على الأرض. الطائرة تحطمت بعد لحظات من إقلاعها من شيكاغو.
وشهدت نيوزيلندا يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 تحطم طائرة تابعة لشركة طيران نيوزيلندا بسبب خطأ بشري ارتكبه الطيار، الذي تعرض لخداع بصري جعله يظن أنه يطير فوق أرض مسطحة بينما كان يتجه بالطائرة نحو الجبل مباشرة، وكشفت التحقيقات أن الطيار استعمل إحداثيات طيران لم تكن صحيحة. وتسبب الحادث في مقتل 257 شخصاً، ركاباً وأفراد طاقم.