لماذا أقدمت إيران على إعدام علي رضا أكبري في هذا التوقيت؟ وما تفاصيل التهم التي أُدين بها نائب وزير الدفاع الأسبق، الذي تقول طهران إنه كان يتجسس لصالح مخابرات بريطانيا؟
كانت طهران قد نفّذت حكم الإعدام في المواطن البريطاني الإيراني، علي رضا أكبري، الذي شغل من قبل منصب نائب وزير الدفاع الإيراني، متحدية مناشدات من لندن، بعد إصدار الحكم بناء على تهم بالتجسس لصالح بريطانيا.
وذكرت وكالة ميزان للأنباء، التابعة للسلطة القضائية في إيران في تغريدة على تويتر في وقت مبكر السبت، 14 يناير/كانون الثاني أنه قد تم تنفيذ حكم الإعدام، دون تحديد موعد التنفيذ. وكان وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، قد قال في وقت متأخر، الجمعة، إن إيران يجب ألا تمضي قدماً في إعدام أكبري.
سر توقيت "الإعدام"
تواجه إيران حملة انتقادات دولية عنيفة بسبب تنفيذ سلطات طهران لأحكام الإعدام بحق مشاركين في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وبالتالي فإن تنفيذ الإعدام في أكبري في هذا التوقيت يرفع من حدة حملة الانتقادات تلك.
فمنذ منتصف سبتمبر/أيلول 2022، تهز إيران احتجاجات عنيفة بعد وفاة الشابة المنحدرة من أصول كردية، مهسا أميني (22 عاماً)، عقب 3 أيام من اعتقالها لدى شرطة الأخلاق في طهران بسبب عدم الالتزام بقواعد اللباس الإسلامي الصارمة في البلاد.
واتهمت عائلتها أفراداً من شرطة الأخلاق بضربها على الرأس أثناء نقلها في السيارة إلى مركز التوقيف الذي وقعت فيه، وتم نقلها للمستشفى لاحقاً، في حين قالت السلطات إن وفاتها كانت طبيعية.
ولم ينجح القمع الوحشي لتلك الاحتجاجات إلا في تحويلها إلى انتفاضة شعبية عارمة، يشارك فيها الإيرانيون الغاضبون من مختلف فئات المجتمع، وليس الأكراد فقط، وهو ما يمثل التحدي الأكبر والأكثر جرأة للنظام الحاكم منذ ثورة الخميني عام 1979.
لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، شرعت الحكومة الإيرانية في سياسة تنفيذ أحكام بإعدام عدد من المحتجين، إذ أعدمت اثنين من المتظاهرين الذين اعتقلوا مع آلاف آخرين، ومن ضمنهم رجل شُنق علناً بواسطة رافعة في مدينة مشهد، شرقي البلاد.
ويبدو أن إعدام محتجين شنقاً وتعليق جثثهم على رافعات قد أثار خوفاً شديداً؛ لدرجة أبعدت فيما يبدو الناس عن الشوارع، بعد أن استمرت الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مدى شهور.
ومن المرجح أن يؤدي نجاح حملة القمع والترهيب على أسوأ اضطرابات سياسية منذ سنوات إلى تعزيز موقف حكام إيران المحافظين، بأن قمع المعارضة هو السبيل الوحيد للحفاظ على السلطة، خاصة أن الأنباء التي كانت منتشرة بشأن إلغاء شرطة الأخلاق والتخفيف من القيود يبدو وكأنها كانت مناورة سياسية، وليست تغييراً حقيقياً في توجهات النظام.
بريطانيا، التي كانت قد أعلنت أن قضية علي رضا أكبري (61 عاماً) لها دوافع سياسية وطالبت بالإفراج عنه، نددت بشدة بالإعدام، إذ وصف ريشي سوناك رئيس الوزراء الإعدام بأنه "فعل وحشي وجبان نفذته سلطة همجية".
وفي هذا السياق، يبدو أن الإعدام سيضيف مزيداً من الضغوط على علاقات إيران المتوترة منذ فترة طويلة مع الغرب، وهي علاقات تدهورت بشكل أكبر منذ تعثر المحادثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وبعد أن شنّت إيران حملة قمع مميتة على المحتجين العام الماضي. إذ نددت فرنسا والولايات المتحدة أيضاً بإعدام أكبري.
من هو علي رضا أكبري؟
نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً تناول كيف أن علي رضا أكبري كان يتمتع بمسيرة مهنية يتمناها كثيرٌ من الإيرانيين الموالين للجمهورية الإسلامية.
ففي أواخر الثمانينيات، خدم في هيئة الأركان العامة للجيش، وكان يشرف على المعلومات والعمليات. وبين عامي 1998 و2003، أصبح أكبري نائباً لوزير الدفاع الإيراني آنذاك علي شمخاني، الذي يشغل حالياً منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي.
وعمل أيضاً في مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، وعُرف بعلاقاته الرائعة بالعديد من المسؤولين أصحاب النفوذ.
لكن أكبري هاجر إلى المملكة المتحدة، منذ حوالي 10 سنوات، وحصل على الجنسية البريطانية، ورغم عودته المتكررة إلى إيران ولقائه بأصدقائه في الحكومة والسلطة، أعلنت السلطات الإيرانية السبت 14 يناير/كانون الثاني إعدامه بتهمة التجسس، ونقل معلومات حساسة إلى المملكة المتحدة.
لكن ملفه لا يشبه ملف رجل موالٍ لبريطانيا، فمنشورات أكبري على صفحته على الفيسبوك توحي بأنه كان يعارض الاتفاق النووي الذي أُبرم عام 2015 مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وقوى عالمية أخرى، وانتقد أيضاً الرئيس المعتدل حسن روحاني لتطبيقه توصيات مجموعة العمل المالي الحكومية الدولية التي تكافح غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
مصدر مُطلع على معرفة بعلي أكبري قال للموقع البريطاني، إنه رغم حصول المسؤول السابق على الجنسية البريطانية، فإنه كان يعيش فعلياً في إسبانيا. وبحسب المصدر، اعتُقل أكبري في إيران قبل 3 سنوات، لكن بعد تدهور وضعه في الآونة الأخيرة، طلبت أسرته من بعض الشخصيات المحافظة والإصلاحية، من ضمنهم بعض أصدقائه من أصحاب النفوذ، إنقاذه من الموت. لكن هذه الجهود باءت بالفشل.
ويزعم الإعلام الحكومي أن هذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها أكبري بالتجسس. إذ أفادت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إيرنا) بأنه اعتُقل بتهمة التجسس التي وجهتها له وزارة الاستخبارات عام 2008، خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، ولكن أُفرج عنه بكفالة، ثم سُمح له بالرحيل إلى المملكة المتحدة.
ونُشرت مقاطع خاضعة لتعديلات كثيرة لاستجواب أكبري الأسبوع الماضي بخصوص اغتيال محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الذي قُتل بالرصاص عام 2020 في عملية اتهمت طهران إسرائيل بتنفيذها.
زجاجة عطر.. تفاصيل اتهام أكبري بالتجسس
نفى أكبري التهم الموجهة إليه، حتى أنه سُمع في تسجيل صوتي حصلت عليه هيئة الإذاعة البريطانية BBC يقول إنه "لا يوجد دليل" ضده. وقال في هذا التسجيل إن وزارة الاستخبارات تزعم أنه التقى شمخاني عام 2019 أو 2020، وأهداه زجاجة عطر وقميصاً مقابل معلومات سرية نَقَلَها "للأجانب".
وقالت وكالة ميزان "علي رضا أكبري الذي حكم عليه بالإعدام بتهم الفساد في الأرض وارتكاب جرائم واسعة النطاق تضر بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد، من خلال التجسس لصالح جهاز المخابرات التابع للحكومة البريطانية… تم إعدامه".
واتهم تقرير ميزان أكبري بتلقي مليون و805 آلاف يورو (1.95 مليون دولار) و265 ألف جنيه إسترليني (323989 دولار) و50 ألف دولار مقابل التجسس.
وبثت وسائل إعلام رسمية مقطعاً مصوراً، الخميس، 12 يناير/كانون الثاني قالت إنه أظهر ضلوع أكبري، الذي صورته بأنه جاسوس كبير، في اغتيال محسن فخري زاده عام 2020 في هجوم وقع خارج طهران.
وفي الفيديو، لم يعترف أكبري بالتورط في الاغتيال، لكنه قال إن عميلاً بريطانياً طلب معلومات عن فخري زاده. وغالباً ما تبث وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية ما تقول إنها اعترافات للمشتبه بهم في قضايا يشوبها التوتر السياسي.
وقال رامين فورغاني، وهو أحد أقارب أكبري، لرويترز إن الإعدام كان بمثابة صدمة. وأضاف لرويترز "لا أعتقد أن شخصاً أمضى حياته كلها منذ سن مبكرة في خدمة البلاد، منذ الحرب العراقية الإيرانية، يمكن أن يتجسس لصالح أي دولة"، مشيراً إلى أن أكبري كان برتبة كولونيل في الحرس الثوري.
وقال متحدثاً عبر الهاتف من لوكسمبورغ إن زوجة أكبري، التي تعيش في لندن، حاولت دون جدوى إقناع المسؤولين الإيرانيين بعدم قتله. ولم تتمكن رويترز من الوصول إليها.
ويمثل حكم الإعدام حالة نادرة تعدم فيها الجمهورية الإسلامية مسؤولاً في الخدمة أو مسؤولاً سابقاً. وحدثت آخر حالة مماثلة عام 1984، حينما أُعدم قائد البحرية الإيراني بهرام أفضلي بعد اتهامه بالتجسس للاتحاد السوفييتي.
علاقة أكبري بشمخاني
علاقات أكبري بشمخاني، الذي يشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني منذ عام 2013، قديمة. فخلال رئاسة روحاني التي امتدت بين عامي 2013 و2021، كتب أكبري على صفحته على فيسبوك: "شمخاني ركيزة التفكير الاستراتيجي للبلاد. حفظه الله للحكومة".
وقال محلل سياسي، تحدث دون الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لموقع Middle East Eye: "الراجح أن المتشددين الذين يعارضون شمخاني يريدون عزله من منصبه القوي".
وأضاف المحلل المقيم في إيران: "قضية أكبري ليست جديدة على ما يبدو، لكن توقيت نشرها وحكم الإعدام له أهمية كبيرة. أكبري كان على الأرجح ضحية لصراع على السلطة".
واتفق مصدر مقرَّب من المحافظين مع أن المتشددين في الحكومة يكرهون شمخاني ويريدون إزاحته منذ بدأت رئاسة إبراهيم رئيسي عام 2021. وقال المصدر: "واضح أن شمخاني يتمتع بعلاقات جيدة مع مكتب المرشد، وقد ساعده ذلك في الاحتفاظ بمنصبه".
وأضاف: "في الأيام الأولى لرئاسة رئيسي المتشدد، كان عبد الرضا رحماني فضلي، وزير الداخلية السابق في حكومة روحاني، مرشحاً أساسياً ليحل محل شمخاني. ولكن لما لم تكن الدائرة المقربة من رئيسي مهتمة بهذا المرشح، فقد استُبعد. ومن حينها لم يتمكن المتشددون في حكومة رئيسي من إزاحة شمخاني".
حين بلغت المفاوضات بين إدارة روحاني والقوى العالمية للتوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 ذروة توترها، كان الرئيس يستعد لإرسال شمخاني إلى المحادثات في فيينا، وفقاً لما قاله مسؤول سابق لموقع Middle East Eye.
وأراد روحاني شخصاً يتمتع بنفوذ كبير في المؤسسة ليكون بمثابة درع لمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الذي كان يقود المفاوضات لكنه كان يتعرض لضغوط مستمرة من المتشددين المعارضين للتوصل إلى اتفاق مع واشنطن. وبدا شمخاني مناسباً لهذا الدور تماماً.
لكن ما فعله شمخاني أنه تحدّى روحاني باستمرار، وأصبح شوكة في حلق المحادثات. وقال المسؤول السابق إن شمخاني لم يذهب في النهاية إلى فيينا، لأنه لم يكن مستعداً لدعم الاتفاق.
ومنذ بدأت المفاوضات لإرجاع إدارة بايدن إلى الاتفاق، الذي انسحب منه ترامب عام 2018، العام الماضي، أصبحت معارضة شمخاني له أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.
والمجموعة الحالية من المتطرفين ربما ترغب في إزاحة شمخاني، لكن وفقاً للمسؤول السابق، حاول روحاني أيضاً إقصاءه من المجلس الأعلى للأمن القومي، لكن مكتب المرشد الأعلى أحبط المحاولة.
وقال المسؤول السابق إنه في مرحلة ما، اتفقت الرئاسة ومكتب المرشد الأعلى على تعيين رجل الدين المعتدل علي أكبر ناطق نوري مكانه، لكنه سحب ترشيحه، ومُنح شمخاني طوق نجاة جديد.
وقال مصدر مقرب من المحافظين لموقع Middle East Eye: "صحيح أن الدائرة المقربة من رئيسي معارضة لشمخاني، لكن علينا أن ننتظر لنرَ من سيفوز بهذه المباراة".
وفريق رئيسي لا يملك مرشحين كُثُر ليحلوا محل شمخاني. وبحسب المصدر، فوزير الدفاع الأسبق اللواء مصطفى محمد نجار، ووزير الداخلية الحالي أحمد وحيدي، والمسؤول عن البناء بالحرس الجمهوري اللواء غلام علي راشد، وقائد الحرس الجمهوري الأسبق عزيز جعفري، من الأسماء الكبيرة المرشحة لتولي رئاسة المجلس.