تطور مهم في الساحة الليبية من شأنه قلب المشهد السياسي رأساً على عقب، بعد الاقتراح الذي تقدم به رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لخليفة حفتر، قائد قوات الشرق، بشأن حل مجلسي النواب والدولة، إذا لم يتوصلا لاتفاق بشأن القاعدة الدستورية، وفق تسريبات صحفية.
فوفق ما نقلت قناة "العربية" السعودية، الإثنين، عن مصادر لم تحددها في القاهرة، فإنه "من بين المقترحات التي طرحها المنفي لحفتر، في حال فشل مجلسي الدولة والنواب في التوافق على قاعدة دستورية والوصول إلى الانتخابات، يعلن الرئاسي حالة الطوارئ في البلاد، ويستلم زمام الأمور، ويحل مجلسي النواب والدولة والحكومتين، مع تشكيل حكومة طوارئ من 10 وزراء، تعمل على التجهيز للانتخابات خلال 6 أشهر إلى عام، مع ضمان السماح للعسكريين بالترشح".
ولم يصدر من المجلس الرئاسي تأكيد أو نفي لهذا التسريب الخطير، خاصة أنه يتزامن مع دعوات سابقة للمبعوث الأممي عبد الله باتيلي، ودول غربية على رأسها الولايات المتحدة بضرورة إيجاد "آليات بديلة"، في حال فشل مجلسي النواب والدولة في إيجاد توافق بشأن القاعدة الدستورية.
ورغم أن باتيلي، سارع بعدها لنفي عزمه إعلان خارطة طريق تتضمن تشكيل حكومة جديدة، إلا أن مقترح المنفي لحفتر، إن تأكد، يعتبر بمثابة تقديم المجلس الرئاسي نفسه كآلية بديلة لمجلسي النواب والدولة، بل وحتى كبديل لحكومتي عبد الحميد الدبيبة وباشاغا.
التحالف مع حفتر
خطوة مثل هذه تحتاج إلى دعم خارجي مع دعم من قوة فاعلة على الأرض، ومن المرجح أن تؤيد الدول الغربية والأمم المتحدة هذه الخطوة إذا لم يتوصل رئيس البرلمان عقيلة صالح مع خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) إلى توافق بشأن القاعدة الدستورية.
كما أنه دون دعم حفتر، لن يتمكن المجلس الرئاسي من الإطاحة بعقيلة صالح، لذلك يقترح على قائد قوات الشرق، وفق قناة العربية، بالسماح للعسكريين بالترشح، دون الإشارة إلى مسألة ترشح مزدوجي الجنسية على غرار حفتر.
غير أن حفتر، لا يمكنه دعم خطة المجلس الرئاسي لحل البرلمان بغرفتيه والحكومتين المتنازعتين على الشرعية إلا بحصوله على ضمانات بالترشح للرئاسة دون التنازل عن جنسيته الأمريكية، وهو ما عارضه رئيس المجلس الأعلى للدولة على مدى جولات عديدة من المفاوضات امتدت لسنوات.
فتحالف المجلس الرئاسي مع حفتر، قد يضمن له دعم المنطقتين الشرقية والجنوبية، لكنه بالمقابل سيؤلب عليه المنطقة الغربية، خاصة حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، ومجلس الدولة برئاسة المشري، والكتائب الداعمة لهما، وربما سينضم إليهما باشاغا، رئيس الحكومة المعينة من مجلس النواب.
فعدة كتائب في المنطقة الغربية ترفض ترشح حفتر للرئاسة، ليس فقط لأنه يحمل جنسية أمريكية، بل أيضاً لاتهامه بارتكابه جرائم حرب، وخشيتهم من أن يحول البلاد إلى حكم عسكري له ولأبنائه على طريقة معمر القذافي، الزعيم الليبي المخلوع (1969-2011).
فخطوة المجلس الرئاسي لأخذ زمام الأمور لا يمكنها أن تنجح بالتحالف مع أحد أطراف الأزمة، إلا إذا شملت كتائب المنطقة الغربية، أو على الأقل الجزء النافذ منها، خاصة من مدن طرابلس ومصراتة والزاوية والزنتان.
ويدرك المنفي، أن خطته لامتلاك زمام الأمور لا يمكنها أن تنجح إلا بدعم أكبر شريحة من الليبيين، خاصة أنها ستكون الخيار الأخير في حالة عدم تمكن مجلس النواب والدولة من التواصل إلى توافق.
ويدرك قسم غير قليل من الليبيين من خلال تجاربهم الطويلة مع الانتخابات منذ 2014، أن التوافق الجديد لن يوصلهم سوى إلى تمطيط المراحل الانتقالية، فلا عقيلة صالح يقدر على الموافقة على عدم ترشح مزدوجي الجنسية، ولا المشري سيقبل بترشح حفتر قبل التنازل عن جنسيته الأمريكية.
وحتى اللجوء إلى الاستفتاء أمر مستبعد، إذ سبق أن فشلت عدة مساعي لإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور منذ 2017.
بينما القاعدة الدستورية التي اقترحها المجلس الرئاسي تدعم وجهة نظر مجلس النواب وحفتر، لذلك عارضها المجلس الأعلى للدولة.
فالصراع ورغم تفاصيله الكثيرة ينحصر في نقطة رئيسية؛ هل يحق لحفتر الترشح للرئاسة دون التنازل عن جنسيته الأمريكية أم لا؟
والكل يتخذ موقفاً صفرياً من هذه المعادلة السياسية، ولا توجد حلول وسطى، رغم محاولات الالتفاف حول هذه المسألة، على غرار مقترح تخلي من يفوز بالرئاسة عن جنسيته الأجنبية.
المصالحة هي الحل
يحاول المجلس الرئاسي تفعيل خيار المصالحة بين الأطراف الليبية المتخاصمة، سواء من خلال التقريب بين مجلسي النواب والدولة، أو عبر التحرك لعقد مؤتمر للمصالحة، أو التواصل مع أطراف النزاع البارزين، من خلال لقائه بحفتر في القاهرة، ولقائه بعدها بالدبيبة.
حيث كثف المنفي، تحركاته على أكثر من جبهة لإنهاء الجمود السياسي، وتجنب العودة إلى الاقتتال الداخلي.
ورغم دعوة المجلس الرئاسي كلاً من مجلسي النواب والدولة، للاجتماع في مدينة غدامس (جنوب غرب) في 11 يناير/كانون الثاني الجاري، إلا أن رفض مجلس الدولة، هذه الدعوة ووجود عقيلة خارج البلاد، انتهى لولادة هذا الاجتماع ميتاً.
فمجلسا النواب والدولة لا يريدان أن يلعب المجلس الرئاسي دوراً بارزاً في المشهد السياسي من شأنه أن يمنحه فرصة الظهور كمنقذ أو بديل، خاصة أن المشري وعقيلة التقيا في القاهرة دون الحاجة لوساطة المجلس الرئاسي.
وجمع المجلس الرئاسي ما بين 8 و12 يناير/كانون الثاني الجاري، عدداً من ممثلي الأحزاب وزعماء القبائل ومندوبين من دول عربية وأجنبية، في مؤتمر تحضيري للمصالحة.
حيث شدد المنفي خلاله على أن المجلس الرئاسي "ليس جزءاً من الأزمة، ويقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف"، ودعا "للضغط على كل الأجسام السياسية في ليبيا من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين كافة الأطراف".
فنجاح المؤتمر المرتقب للمصالحة، ولقاء حفتر بالقاهرة، والتلويح بورقة حل البرلمان، أوراق ضغط بيد المنفي، يشهرها في وجه مجلسي النواب والدولة، لفرض دوره كسلطة مؤثرة يمكنها أن تلعب دوراً في إيصال البلاد إلى بر الانتخابات، خاصة في ظل تواتر تصريحات عن رغبة عقيلة في رئاسة المجلس الرئاسي بموافقة من المشري.