هل يترشح جو بايدن لولاية رئاسية ثانية في عام 2024؟ لا يبدو هذا السؤال محرجاً للرئيس الأمريكي فقط، لأنه سينهي هذه الرئاسة الثانية وهو في السادسة والثمانين، ولكنه سؤال محرج للحزب الديمقراطي، الذي يخشى أن يدفع الثمن سواء ترشح بايدن أو لم يترشح؟
فسواء ترشح بايدن أم لا سيواجه الحزب الديمقراطي مشكلة في نهاية الولاية الحالية للرئيس الأمريكي.
فإذا لم يترشح بايدن في الانتخابات الرئاسية المقررة في نهاية 2024 فإنه سيترك الديمقراطيين بلا زعيم وإذا رشح نفسه فسيلاحقه الجمهوريون دوماً بأنه طاعن بالسن.
قرار ترشح بايدن يجب أن يحسم قبل الانتخابات بفترة
والسؤال الذي يثيره الديمقراطيون ومؤيدوهم أي من السيناريو أفضل للديمقراطيين؟ وهو سؤال يحتاجون لإجابة عليه، خاصة من قبل بايدن، حتى يتم ذلك قبل وقت كافٍ من إطلاق حملات الانتخابات التمهيدية الداخلية للحزب الديمقراطي في حال عدم ترشح بايدن.
وأشرفَ الرئيس الأمريكي جو بايدن على التفاوض لإصدار تشريعات لطالما ساد الاختلاف حولها في الكونغرس بعد أن سعى إليها غيره من الرؤساء الأمريكيين طيلة سنوات، وعانى تراجع نسب تأييده في هذا السبيل.
ومع ذلك، فإنه تمكن من قيادة الحزب الديمقراطي إلى أداء قوي تاريخياً في انتخابات التجديد النصفي العام الماضي. لكن ذلك كله جاء قبل بلوغه الثمانين من عمره في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
أما الآن، وخلال الأشهر المقبلة، فإن المتوقع أن يواجه بايدن سؤالاً صريحاً: هل يتطلع إلى البقاء في الرئاسة وهو في سن السادسة والثمانين من عمره؟ وإذا كان عازماً على ذلك، فهل هو مستعد للتغلب على دونالد ترامب -أو ربما مرشح جمهوري آخر، يُحتمل أن يكون أصغر سناً منه بكثير- للفوز بولاية ثانية للرئاسة في عام 2024؟
إذا كانت الإجابة بنعم، فإن ذلك يعني تجاوز بايدن لمخاوف الكثير من الأمريكيين بشأن كبر سنه، وأنه سيكون أكبر رئيس يشغل البيت الأبيض في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه مستعد لمواصلة قيادته للحزب الديمقراطي في المرحلة المقبلة.
أمَّا إذا كان الجواب بالنفي، فإن معركة حامية ستشتعل على خلافة بايدن في الحزب الديمقراطي، ويُتوقع أن يشارك فيها كثيرون، بداية من نائبته في الرئاسة كامالا هاريس، إلى بيت بوتيجيج، وزير النقل والمنافس السابق على بطاقة الترشح التمهيدية للرئاسة.
أداء الديمقراطيين في الانتخابات النصفية أدى إلى إضعاف حجة معارضي ترشحه
ما يبدو لجميع المراقبين هو أن بايدن يخطط حالياً للترشح لولاية رئاسية ثانية، إذ لما طُلب منه في نوفمبر/تشرين الثاني التعليق على استطلاع رأي من بين استطلاعات كثيرة كشفت أن غالبية الأمريكيين لا يريدون ترشحه مرة أخرى، قال: "فلتشاهدوني وأنا أترشح مرة أخرى".
ثم شهد الشهر نفسه تقويض إحدى أبرز الحجج التي كانت تطعن في ترشيحه -وهي أن ضعف تأييده سيضر بالديمقراطيين في جميع أنحاء البلاد- فقد جاءت نتائج الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية تحت قيادته أحسن بكثير مما كان متوقعاً.
وقال ديفيد بروك، الناشط السياسي الليبرالي المخضرم: "أرى أن بايدن سيترشح مرة أخرى"، فربما "لو سارت الانتخابات النصفية مساراً مختلفاً عما اتخذته، لاختلف رأينا [أنصار الحزب الديمقراطي] عما هو عليه الآن ولانشغلنا باختيار أفضل مرشح متاح لمواجهة الجمهوريين، لكنني أرى أننا لا نشهد ذلك الآن، بل أعتقد أننا في لحظة مناسبة لترشُّح بايدن".
شهدت الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني أداء قوياً غير متوقع من الحزب الديمقراطي، إذ عادةً ما يكون أداء الحزب الحاكم ضعيفاً في الانتخابات التالية للنصف الأول من ولايته على البلاد، لكن الديمقراطيين زادوا مقعداً في مجلس الشيوخ ولم يخسروا سوى قلة قليلة من المقاعد أمام الجمهوريين في مجلس النواب.
لن يضيع هذه الفرصة التي انتظرها طوال عمره
لم يعلن بايدن عن قراره الرسمي بعد، ولا تزال هناك أسباب وجيهة للقول إنه قد يكتفي بولاية رئاسية واحدة. ويشير لاري ساباتو، مدير مركز السياسة بجامعة فرجينيا، إلى بعض هذه الأسباب، وإن كان يرى أن بايدن سيترشح مرة أخرى، فيقول: "لدينا الشكوك بشأن الاقتصاد، والشكوك بشأن قدرته الصحية، والشكوك بشأن إدارته للشؤون الدولية".
وقال ساباتو إن بايدن "أمضى حياته كلها في محاولات الترشح للرئاسة، وتمكن أخيراً من ذلك في المحاولة الثالثة. فمَنْ يتخلى عن هذه الفرصة بعد أن بلغها في ظل هذه الظروف، من يفعل ذلك؟ لا أحد تقريباً".
الجناح اليساري للديمقراطيين غير راض عنه
مع ذلك، فإنَّ بايدن فاز بترشيح الحزب الديمقراطي في عام 2022 بعد أن تغلب على قائمة مكدسة بالمرشحين، وكان أقوى منافسيه السيناتور اليساري بيرني ساندرز. وتشير القرائن إلى أن الجناح اليساري للحزب الديمقراطي لم يتجاوز خلافاته مع بايدن خلال العامين الماضيين من توليه الرئاسة.
قال جيف كوهين، الناقد الإعلامي الديمقراطي والمؤسس المشارك في مجموعة RootsAction التقدمية، "نحن نرى أن بايدن يعمل عمل الكابح لكثير من الأمور الجيدة التي كان يجب أن تحدث". ومع أن بايدن أوفى ببعض المطالب الشائعة لدى ناخبيه، مثل إلغاء جزءٍ من ديون الطلاب وتضمين الأحكام الرامية إلى الحدِّ من انبعاثات الكربون في تعديل الميزانية المنصوص عليه بقانون "الحد من التضخم" الذي صدر العام الماضي، فإن كوهين يرى أن هذه الإجراءات ليست إلا نصف الخطوات التي يجب اتخاذها.
حملة "لا تترشح يا جو" تريد زعيماً بديلاً يكون جسوراً
بدأت المجموعة التي يقودها كوهين في حملة "لا تترشح يا جو" (Don't Run Joe) لحثِّ بايدن على عدم الترشح للرئاسة مرة أخرى. وتضمنت فعاليات الحملة بث إعلانات تلفزيونية في ولايات ميشيغان وجورجيا وساوث كارولينا.
وقال كوهين: "نحن بحاجة إلى زعيم جسور للحزب الديمقراطي يتبنى برنامجاً جسوراً. ونرى أن ترشُّح بايدن للرئاسة مرة أخرى في انتخابات 2024 سيكون بياناً باستمرار الوضع الراهن، ومن ثم ستسهل هزيمته أمام أحد هؤلاء الشعبويين الجمهوريين من أنصار نظرية المؤامرة" مثل ترامب، أو رون دي سانتيس.
والحزب الجمهوري سيركز على زلاته
في المقابل، يُتوقع أن يبذل الحزب الجمهوري قصارى جهده خلال العامين المقبلين لتثبيط مساعي بايدن في الوصول للرئاسة مرة أخرى، وتقويض سبيله إليها.
ويشمل ذلك استخدام صلاحيات مجلس النواب في إجراء تحقيقات بشأن إدارة البيت الأبيض لعملية الانسحاب من أفغانستان في عام 2021، وبشأن المعاملات التجارية لابن الرئيس، هانتر بايدن.
ومن المنتظر أيضاً أن يواصل الحزب الجمهوري التركيز على زلات بايدن، ليقول للأمريكيين إنه كبير السن إلى حدٍّ يُعجزه عن الاستمرار في قيادة البلاد.
والديمقراطيون سيردون بأن كبر السن أكسبه حكمة
مع ذلك، يرى بروك، الناشط الليبرالي المؤيد للحزب الديمقراطي، أن بايدن يمكن أن يتصدى لذلك بتصوير نفسه في صورة الرئيس الذي أكسبه كبر سنه الرشد والحكمة. وقال بروك، الذي أسس مجموعة تنوي التصدي لحملة تحقيقات الحزب الجمهوري بشأن بايدن: "إذا أحسنَّا التعامل مع قضية سن بايدن الكبيرة، فإنها قد تصبح عامل أفضلية لنا. والأمر يتعلق بإعادة صياغة الأمر ليدور حول فكرة الثقة، فكبر السن يوحي بالثقة. وجو بايدن جدير بهذه الثقة… فقد أثبت أنه قادر على إنجاز الكثير من الأمور".
لم يقل بايدن متى سيعلن عن قراره بالترشح للرئاسة من عدمه، لكن ساباتو يتوقع أن يفعل ذلك ببداية الربيع، لاستباق أي محاولة مزمعة من منافسيه داخل الحزب الديمقراطي في مسار الترشح للرئاسة.
لكن إذا أعلن بايدن عن عدم ترشحه لولاية ثانية، فإن الحزب الديمقراطي قد يخرج منه عدة مرشحين ممن أبدوا سابقاً رغبتهم في خوض سباق الرئاسة: مثل وزير النقل بيت بوتيجيج، والسيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز، ونائبة الرئيس كامالا هاريس؛ أو متنافسون جدد من حكام الولايات الديمقراطيين: مثل حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوك، وحاكمة ولاية ميشيغان غريتشن ويتمر، وحاكم ولاية كولورادو غاريد بوليس.
من جانب آخر، قال سيمون روزنبرغ، خبير الاستراتيجيات السياسية الديمقراطي، إن "الحزب الديمقراطي يرى أن الأمور تسير على ما يرام مع بايدن الآن… وليس هناك سبب وجيه يستدعي تحديه من داخل الحزب. لذا أرى أن أمر ترشح بايدن بين يديه. أما إذا لم يرشح نفسه، فإن الديمقراطيين سيخوضون انتخابات تمهيدية محتدمة لاختيار مرشحهم للرئاسة، وسيكون الجمهوريون أقرب للفوز في انتخابات عام 2024 بصرف النظر عن المرشح الذي سيختاره الديمقراطيون".