مع تسجيل الجنيه المصري لأدنى مستوى في تاريخه، حيث بلغ 32.2 مقابل الدولار الأربعاء، 11 يناير/كانون الثاني 2023، بات السؤال الملح، هو هل يتوقف نزيف العملة المصرية، أم تسجل مزيداً من الانخفاض؟ وما هو السعر العادل للجنيه المصري الذي يتحدث عنه الخبراء؟
وقبل أن تبدأ الأزمة وتحديداً في مارس/آذار عام 2022، كان تداول الدولار أمام الجنيه عند مستوى 15.77 جنيه، ومنذ ذلك الحين، نفذ البنك المركزي سلسلة من التخفيضات على سعر الجنيه، وذلك استجابة لشروط صفقة صندوق النقد، التي تتطلب اتخاذ سعر صرف مرن للجنيه، مقابل حزمة مساعدات قدرها 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً.
وتم أحدث تخفيض لقيمة العملة في مصر، وهو الثالث في أقل من عام ، أمس الأربعاء، الذي تراجع فيه الجنيه لأول مرة لمستوى أقل من 30 جنيهاً للدولار، حيث وصل إلى 32.15 جنيه أمام الدولار أمس، بحلول الساعة 11:18 بتوقيت القاهرة، (أي إن مكاسب الدولار بلغت 104%) قبل أن يتراجع لـ29.6، وعاد مجدداً اليوم الخميس لمستوى يترواح بين 30 و32، مقترباً من الأسعار التي يدور حولها في السوق السوداء، حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وقد يكون تحرّك الأربعاء إشارة إلى أنَّ مصر تتجه أكثر نحو سياسة سعر صرف مرنة، يدعمها صندوق النقد الدولي، على الرغم من أنَّ الأيام المقبلة ستكشف عن مدى عزمها.
وعرض صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، تفاصيل حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار لمصر. وقال إنَّ الدولة تتجه نحو سياسة سعر صرف مرنة، كما أنَّ أي تدخل من قبل البنك المركزي سيكون "مُوجهاً" وفقاً للحاجة إلى التخفيف من حدة التقلبات بالسوق.
ومع ذلك؛ حذّر الصندوق من أنَّ استمرارية تحول سياسة سعر الصرف في مصر "لا يزال يتعين إثباتها، وقد يواجه البنك المركزي ضغوطاً سياسية واجتماعية لعكس مساره".
الجنيه يتراجع في الأسواق الدولية لـ35.5 للدولار والتضخم يتفاقم
ويسود الارتباك سوق السعر بالسوق الموازية في مصر (السوق السوداء)، فيما قفز الجنيه المصري غير القابل للتسليم (NDFs) – الذي يستخدمه المصرفيون والمستثمرون الدوليون لتسعير تحركات العملة المحتمَلة خلال الأشهر الثلاثة إلى 12 المقبلة، إلى ما بين 32.64 و35.4 جنيهاً للدولار، مما يشير إلى توقع مزيد من الضعف.
وأظهرت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مؤخراً، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية ارتفع في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى 21.3٪، وهو أعلى مستوى منذ نهاية 2017، متجاوزاً توقعات المحللين.
"واستبعد صندوق النقد" انحسار التضخم في مصر قبل 2024، وخفض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلى 4% بدلاً من ترجيحات سابقة بـنحو 4.4%
كما عدل البنك الدولي توقعاته للنمو لمصر في السنة المالية الحالية بالخفض إلى 4.5٪ من توقع سابق عند 4.8٪، وفقاً لتقريره الأخير عن الآفاق الاقتصادية العالمية، وقال إن التضخم المرتفع، وضعف الطلب الخارجي في قطاعي الصناعة والسياحة، والتشديد المالي والنقدي، وعجز الحساب الجاري "الكبير"، والاضطراب التجاري المحتمل من "القواعد التي تحكم الحصول على العملات الأجنبية" ستعمل جميعها على خفض النمو من 6.6٪ التي سجلت في السنة المالية 2021-2022.
ولا تزال السيولة الأجنبية شحيحة، حيث يكافح اقتصاد أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على تكلفة السلع من الغذاء إلى الوقود، إضافة إلى عبء الدين الخارجي الذي تضاعف أكثر من 3 مرات منذ عام 2016 مرتفعاً من نحو 50 مليار دولار إلى نحو 170 مليار دولار، بسبب انغماس في البلاد في سلسلة من المشروعات القومية على مدار السنوات الماضية التي لا تدر عائداً بالعملة الأجنبية.
وتحتاج مصر إلى الحصول على مزيد من التمويل الخارجي في الوقت الذي تحاول فيه التخلص من مأزق تكدس الواردات في موانئها، مما يضيف إلى تراكم الطلب غير المحقق على الدولار، حسبما ورد في تقرير لموقع اقتصاد "الشرق مع بلومبيرغ".
الكل يبحث عن السعر العادل للجنيه المصري
لكن رغم هذه الارتفاعات القياسية التي سجلها سعر صرف الدولار في السوق الرسمية عادت البنوك وشركات الاستثمار للحديث عن القيمة العادلة أو السعر العادل للدولار مقابل الجنيه المصري.
ويربط المحللون بين عودة الحديث عن السعر العادل، والتصريحات الواردة من صندوق النقد الدولي بشأن ضرورة اعتماد سعر صرف مرن مع التعويم الكامل للجنيه المصري مقابل الدولار، بالإضافة إلى استمرار أزمة ندرة العملة والبضائع مكدسة بالموانئ المصرية.
ويثير كل ما سبق تساؤلاً حول القيمة الحقيقية للجنيه أمام الدولار، خاصة أنه جرى تداول الأخير بسعر وصل لـ38 جنيهاً في بعض الأوقات خلال الأسابيع الماضية (حالات نادرة).
وقبل أشهر، عندما كان السعر الرسمي للجنيه المصري يدور حول 19 جنيهاً للدولار توقعت مؤسسات أن السعر العادل للجنيه المصري، الذي يتحقق عنده الاستقرار هو 23 جنيهاً للدولار، وخفض البنك المركزي السعر بالفعل إلى نحو 24، ولكن سرعان ما تخطى السعر في السوق الموازية 30 جنيهاً للدولار، واقترب من الـ40، وتغيرت التقييمات تماماً لما يُعرف بالسعر العادل للجنيه.
وفي الأسابيع الماضية، صعد تجار المشتقات الأسواق المالية الدولية رهاناتهم على أن سعر الدولار مقابل الجنيه المصري سيصل إلى 32 دولاراً مقابل الدولار في الأشهر الـ12 المقبلة، حسب Bloomberg، وهو سعر قريب من السعر المتداول في السوق الموازية المحلية.
وتوقع تقرير صادر عن بنك "HSBC Global Research" البريطاني، أن يجد الجنيه المصري أرضية عند مستوى يتراوح بين 30 و35 مقابل الدولار على المدى القصير، مشيراً إلى أن أسعار الفائدة قد ترتفع مع توقع ارتفاع التضخم إلى ما بعد ذلك عند 25% في الربع الأول من عام 2023.
والآن خفض البنك المركزي السعر المتداول في البنوك إلى مستوى 32 أي مماثل لرهانات المستثمرين سوق المشتقات الدولية قبل أسابيع، وكذلك قرب الحد الأدنى للنطاق السعري الذي وضعه HSBC قبل أيام، فهل يعني ذلك أننا اقتربنا من السعر العادل للجنيه المصري؟
ولكن من الواضح أن قيمة الجنيه قد تراجعت في سوق المشتقات، بعد قرار التخفيض الأخير.
فهل يستطيع السعر الرسمي ملاحقة سعر السوق الموازية وأسعار الرهانات الدولية، أم يواصل مطاردته دون جدوى، خاصة أن وجود هذه الفوارق يؤثر على فرص عودة أموال المستثمرين الخارجيين وتحويلات العاملين بالخارج؟
هل اقترب الجنيه من الاستقرار أم مازال يواجه مزيداً من المخاطر؟
وقال بعض المحللين إن من المؤشرات الرئيسية التي يجب البحث عنها أن يستخدم المستثمرون والأسر الدولار لشراء الجنيه المصري بمعدلاته المنخفضة الحالية، مما يشير إلى أنهم يعتقدون أن هبوط العملة ربما وصل إلى حد مستقر نسبياً، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
وقال الخبير الاقتصادي فاروق سوسة من بنك جولدمان ساكس "لا ينبغي أن نفقد الأمل: فقد تجاوز الجنيه بالفعل قيمته البعيدة "كما تدل عليه انحرافات سعر الصرف الفعلي الحقيقي عن متوسطه على المدى الطويل"، كما حدث عام 2016، "من المرجح أن يكون التجاوز مؤقتاً"، لأنه يؤدي إلى الاستثمار الأجنبي المباشر والمحافظ، مما يجعل الجنيه أقرب إلى قيمته العادلة "على المدى المتوسط إلى الطويل"، حسبما ورد في تقرير لموقع Enterprise.
وقال الخبير الاقتصادي المصري، هاني جنينة، لموقع قناة "العربية" إن ما يحدث في سعر صرف الدولار في الوقت الحاضر ما هو إلا سعر صرف حقيقي مرن يخضع لآليات العرض والطلب، وما حدث في السابق لم يكن سوى تعديل لسعر الصرف، والآن نقترب من القيمة العادلة لسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه.
وتوقع جنينة أن يستمر سعر صرف الدولار في الارتفاع خلال الأسابيع المقبلة، ليستقر بين 28 و30 جنيهاً، لكن مع بدء وصول التدفقات الدولارية، سينخفض سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري.
ويرى المتفائلون أن الطلب المحلي على الدولار سينخفض بشكل كبير مع ارتفاع أسعار الواردات بالجنيه المصري.
ولكن قالت مونيكا مالك، الخبيرة الاقتصادية في بنك أبوظبي التجاري، إنها لا تزال ترى مزيداً من المخاطر على العملة بعد التراجع الأخير.
وقالت: "قد لا يكون هذا بحد ذاته كافياً لإعادة رأس المال الخاص إلى أن تظهر دلائل على أن تراكم العجز في العملات الأجنبية قد تمت إزالته، الأمر الذي يتطلب سيولة جديدة بالدولار الأمريكي. ولا يوجد حالياً رؤية من أين ستأتي هذه السيولة".
وقال الخبير الاقتصادي فاروق سوسة، من بنك جولدمان ساكس: "عندما يبدأ مستثمرو المحافظ في العودة، يمكن الحكم على توازن السوق، لكن لا توجد طريقة مباشرة لمراقبة هذا التوازن الآن"، حسبما نقلت عنه Reuters.
إلى أين سيصل الجنيه؟
يقول فاروق سوسة، إن مصر أحرزت "تقدماً في الأسابيع الأخيرة"، لكن قلة التدفقات الكبيرة من دول الخليج والقدرة المحدودة للبنك المركزي المصري على توفير السيولة بالعملة الأجنبية في السوق تعني ضمناً انخفاض قيمة الجنيه في الأيام القادمة.
وأشار سوسة إلى أنه ليس من الواضح مقدار انخفاض الجنيه، مضيفاً أن العملة المصرية قد تحتاج للوصول إلى الانخفاض الذي تشير إليه السوق الموازية.
وبينما وصل الدولار مقابل الجنيه إلى مستويات عالية في الوقت الحاضر، فإن "السعر الموازي بحسب متوسط السعر اليومي يقترب من 35 جنيهاً للدولار"، ويبلغ سعر الصرف المعمول به في سوق الذهب نحو 33 جنيهاً للدولار، حسبما ورد في تقرير لموقع Enterprise.
وكان بنك HSBC البريطاني توقع أنه "حتى التراجع إلى أكثر من 30 مقابل الدولار، قد لا يضغط على فاتورة الاستيراد المرتفعة بما يكفي أو يؤدي إلى انتعاش قوي بما فيه الكفاية في الاقتصاد في ظل ضعف التدفقات الوافدة فورية، لكنه أشار إلى أن ضغوط الحساب الجاري آخذة في الانحسار".
تحديد السعر العادل يعتمد على عوامل عدة
تحديد السعر العادل للجنيه المصري، يعتمد على عوامل عدة ومتداخلة، أولها أنه يفترض أن الجنيه أصبح حراً، أو أنه سيكون كذلك التزاماً بشروط صندوق النقد، وبالتالي لن يكون سعره ثابتاً وقد يتعرض لفترة طويلة نسبياً لتقلبات قوية كغيره من عملات الأسواق الناشئة عندما تعاني من الاضطراب المالي.
ولكن يظل تحديد النطاق السعري للجنيه إذا تم تحريره بالكامل، مرتبطاً بعوامل أكثر من قوى السوق فقط.
فأسواق السلع المستوردة، ومنها الذهب، تقدر الجنيه بنحو 33 أو أكثر أحياناً، وهو تقييم لا يعاني فقط من ضغط العملة الأجنبية، ولكن أيضاَ نقص السلع المستوردة التي لا تجعل قيمة السلع تحدد بناء على قيمة العملة بل صعوبة إدخال السلع ذاتها، مما يجعل هناك نقصاً كبيراً يشوه الطلب عليها.
وهذا يعني أن السعر الحالي للجنيه الذي يدور حول 32، أقل من السعر المقوم به أغلب السلع، وهذا يعني أن وصول الجنيه لسعر 34 لن يؤدي لارتفاع في أسعار الصادرات بشكل يقلل الطلب عن الوضع الحالي (علماً بان نقص في الطلب عن المعدلات الطبيعية بسبب ارتفاع أسعار السلع وقلة المعروض والضائقة المالية).
المشكلة أنه في حال إزالة كل القيود على الاستيراد، فإن ذلك قد يؤدي لإقبال كبير على الدولار من المستوردين، بشكل قد يجعله يبتعد عن المستويات الحالية، وقد تفضي لارتفاع هائل للدولار.
وهذا يعني في الأغلب أن مصر قد تحاول ترك سعر صرف الجنيه مرناً، ولكن مع فرض قيود على الاستيراد أي تقييد الطلب على الدولار، بدلاً من تحديد سعره أمام الجنيه.
وأعلن البنك المركزي المصري مؤخراً استجابة لصندوق النقد، أنه ألغى نظام الاعتمادات المستندية، الذي اعتبر أنه القيد الأساسي على الاستيراد، والذي يلزم المستوردين بإيداع قيمة كل بضائعهم في البنوك التي تتولى تدبير الدولار، لهم ولكن فعلياً لم تكن البنوك توفر العملة الأجنبية إلا لقطاع ضئيل من المستوردين ولسلع بعينها.
ورغم قرار البنك المركزي هذا، تفيد تقارير بأن البنوك حتى الآن ترفض تمويل الاستيراد بواسطة دولارات جلبها المستوردون، وأنها تشترط أن تدبر لهم هي العملات الأجنبية، مع عدم توفيرها فعلياً إلا في حدود ضيقة.
وقد تكون هذه وسيلة البنك المركزي لمنع تصاعد الطلب على الدولار.
وفي الأغلب سوف تستمر الحكومة في توسيع استثناءات استيراد بشكل انتقائي وبطئ للسماح بإدخال مزيد من البضائع لمنع اختناق الأسواق، ولكن دون عودة كاملة لحرية الاستيراد.
وإضافة لذلك تحتاج مصر في الوقت ذاته لتدفق الأموال الخليجية التي وعدت بها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الحليفة لمصر، والتي كان صندوق النقد الدولي قد أشار إليها صراحة في بيانه الخاص، باعتماد القرض لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، لأن هذه الأموال سوف تلعب الدور الأساسي في سد فجوة العملة الأجنبية للبلاد البالغة 17 مليار دولار.
ويعتقد أن كثيراً من دول الخليج وصناديقها السيادية تنتظر تعويماً حقيقياً يؤدي إلى استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري عند القيمة العادلة، حتى يتسنى لها إدخال أموال لشراء أصول مصرية كما هو مقرر، لأنها لن تدخل لشراء الأصول بجنيه مقوم بأعلى من قيمته، ما يفتح الباب لهبوط لاحق للعملة المصرية يعني خسارتها جزءاً من استثماراتها.
وينطبق الأمر على مستثمري الأموال الساخنة، الذين لا يتوقع منهم أن يتقدموا للتعامل مع الأوراق المالية المصرية ما دام الجنيه مقوماً بأعلى من قيمته.
واللافت في هذا الصدد أنه أمس الأربعاء، 11 يناير/كانون الثاني، الذي يمكن اعتباره إلى حد كبير البداية الحقيقية للتعويم في مصر ومحاولة جعله سعر صرفه مرناً وقريباً من السوق الموازية، أن الجنيه تراجع بشكل كبير لمستوى 32، ثم ارتفع مجدداً لسعر 29.76، وأفاد تقرير لموقع "مدى مصر" بأن هذا تحقق بفضل بدخول دولارات من خلال شراء صناديق استثمارات خليجية سندات بنحو ربع مليار دولار، والتي دعمت جانب عرض الدولار.
وقد يؤشر ذلك إلى بداية تدخل خليجي لدعم الجنيه في ظل صعوبة استقرار سعر الصرف دون هذه التدخل الخارجي.
ورغم أن مسألة السعر العادل للجنيه المصري صعبة التحديد، فإنه يمكن القول إن السيناريو الأسوأ للجنيه هو الجمع بين غياب تدفق دعم خليجي، كبير مع إلغاء قيود الاستيراد، وهذا السيناريو من شأنه التسبب في إنخفاض هائل للجنيه وقد يصل للمستويات القياسية التي سجلها في السوق السوداء، والتي بلغت نحو 38 جنيهاً للدولار، وهو ما يقربه من حاجز الأربعين الذي يمثل حاجزاً نفسياً خطيراً.
ولكن السيناريو المعتدل، والمرجح أن تخفف الحكومة قيود التصدير جزئياً لمنع ارتفاع الطلب على الدولار بالتزامن مع محاولة جذب أموال خليجية حتى ولو بشكل تدريجي مع تراجع الجنيه لسعر يوازي أو يفوق سعر السوق السوداء.
والأهم أن هذا السعر العادل للجنيه المصري المفترض يجب أن يساوي أو يكون أدنى من السعر الذي تثمن به السلع، ليؤدي ذلك لانخفاض حقيقي ودائم للطلب على الاستيراد يقود لتقليل الفجوة الدولارية، وأيضاً لكي تتمكن البنوك من جذب الدولارات من السوق الموازية عبر عرض سعري مغري للعملاء.
وهذا السعر يدور في الأغلب حول 35 (أعلى من السوق الموازية وقريب لسعر سوق المشتقات الدولية)، وكلما تراجع السعر الرسمي للجنيه أمام الدولار، عن السعر المستخدم في تقييم الواردات كان ذلك أكثر إيلاماً للمستهلك وأكثر إشعالاً للتضخم، ولكنه في الوقت ذاته سيكون أكثر فعالية في تقليل الطلب على الدولار، وبالتالي حل المشكلة على المدى البعيد.
علماً بأن الهدف الطبيعي لعملية تحرير سعر الصرف أن يكون مرناً ووفقاً للعرض والطلب، أي إن محاولة الوصول لسعر بعينه وتثبيته بالمخالفة لآليات السوق من شأنه تجديد الأزمة أو الفشل في استعادة ثقة السوق والمستثمرين، ولكن الهدف يجب أن يكون الوصول لنطاق سعري مستقر مع تذبذبات محدودة أو متوسطة يستطيع السوق التعامل معها، مه إمكانية تراجع الجنيه مجدداً، فسعر العملة ليس أمراً مقدساً.