بعد تعاطف واسع في المغرب مع لاعب المنتخب زكريا أبو خلال وانتقادات للتشهير به من قبل موقع إخباري محلي وصفه بـ"السلفي داخل المنتخب"، ثار جدل في البلاد مع الإعلان عن نية الحكومة سنّ "عقوبات لردع المشهّرين" ومنتهكي الحياة الخاصة للأفراد، وسط مخاوف من تحول التعديلات القانونية المقترحة لوسيلة لقمع الحريات.
وبدلاً عن قانون الصحافة والنشر، تتجه الحكومة إلى إقرار بنود جديدة في القانون الجنائي لمعاقبة ناشري الأخبار الزائفة، بما في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن البعض يتخوف من أن تستغل الحكومة الظروف الحالية لإقرار تشريعات تضيّق على حرية الرأي والتعبير في المملكة، مستفيدةً من التعاطف مع لاعب منتخب المغرب لكرة القدم زكريا أبو خلال الذي تعرض للتشهير.
أزمة اللاعب زكريا أبو خلال تدفع الاتحاد المغربي للتلويح بعصا القانون
في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أدان الاتحاد المغربي لكرة القدم التشهير بـ"أبو خلال"، منتقداً وصف موقع إخباري محلي له بـ"السلفي داخل المنتخب".
وشارك "أبو خلال" مع المنتخب في نهائيات كأس العالم بقطر في 2022، الذي حقق المركز الرابع للمرة الأولى عربياً وإفريقياً منذ انطلاق البطولة عام 1930.
وكان موقع محلي مغربي (مستقل) قد نشر مقالاً بعنوان: "أبو خلال سلفي بالمنتخب الوطني"، مدعياً أن أبو خلال "قام بتصرفات وإيحاءات ذات مرجعية دينية سلفية، إلى درجة دفعت بإعلام أجنبي إلى الحديث عن اختراق داعشي للمنتخب الوطني".
وذكر الموقع أن "أبو خلال ظهر في عدة مناسبات رفقة أشخاص محسوبين على التيار السلفي الأوربي، كما أنه قارئ وحافظ للقرآن، ويؤم بعثة المنتخب".
كما انتقد الموقع سجود اللاعب بعد تسجيله لهدف في مرمى بلجيكا خلال دور المجموعات.
واضطر الموقع في وقت لاحق إلى حذف المقال الذي تعرض لانتقاد نشطاء وإعلاميين ووصفوه بأنه "لم يحترم الحد الأدنى من العمل الصحفي وأخلاقيات المهنة".
وولد زكريا أبو خلال في هولندا لأب ليبي وأم مغربية. وهو شاب دولي سابق لهولندا. وقرر عدم تمثيل هولندا بل المنتخب المغربي بسبب نشأته وسط الجالية المغربية في هولندا، وقد تم استدعاؤه لتمثيل المغرب في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
وكان الموقع المشار إليه قد زعم أن اللاعب البالغ من العمر 22 عاماً كان يسعى خلال تواجده في معسكر منتخب المغرب في قطر إلى "استقطاب أكبر عدد من المتتبعين إلى توجهه والتيار الديني الّذي يتبعه"، و "دفعهم إلى تبني أفكاره والدعوة إليها".
وأصدر اتحاد كرة القدم في المغرب بياناً رسمياً عبر موقعه الرسمي، دافع من خلاله عن المهاجم زكريا أبو خلال، مؤكداً أنّه سيلجأ للطرق القانونية؛ إذ قال: "على إثر نشر أحد المواقع الالكترونية لمقال يمس شخص وسلوك اللاعب الدولي المغربي زكريا أبو خلال أثناء مشاركته صحبة النخبة الوطنية في نهائيات كأس العالم قطر 2022.. تنفي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم نفياً قاطعاً الاتهامات الباطلة التي طالته في هذا المقال".
وأضاف البيان: "أظهر اللاعب سلوكاً مثالياً إلى جانب زملائه من أجل تحقيق نتائج مشرفة للنخبة الوطنية في هذا المحفل العالمي"، وتابع بالقول: "وإذ تعبر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عن إدانتها الشديدة لتعاطي هذا الموقع الإلكتروني مع شخص وسلوك اللاعب زكريا أبو خلال ومن خلاله لصورة المنتخب الوطني بكل فعالياته".
واختتم البيان بتأكيد الاتحاد أنه "سيلجأ إلى الوسائل القانونية لحماية أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم ودحض كل ادعاءات باطلة تمس سلوكهم أو حياتهم الشخصية أثناء ممارسة مهامهم الوطنية".
من جهته، أدان نادي تولوز الفرنسي لكرة القدم الاتهامات التي وجهها للاعبه زكريا أبو خلال، مؤكداً تعاونه مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لضمان دعمه الكامل وثقته في اللاعب المغربي.
وقد تساءل البعض: هل أعضاء المنتخب المغربي صاروا "مقدسين" إلى هذه الدرجة؟ إلى درجة ألا ينتقدهم أحد، ولا يتحدث أحد عن تصرفاتهم وسلوكهم، خاصة أن بعضها كان يظهر في الملعب، مثل السجود ورفع "سبابة التوحيد"، هل وصف لاعب بأنه ينتمي للمذهب السلفي يعتبر اتهاماً يجب جر قائله إلى ردهات المحاكم؟
لكن في المقابل ثارت تساؤلات: هل مجرد مظاهر إيمانية مثل السجود بعد كل هدف أو تقبيل يدي الأم أو مرافقة سيدة منتقبة أو إمامة اللاعبين في الصلاة، تجعلنا نمتلك الحق في اتهام لاعب بأنه ينشر السلفية داخل المنتخب ويستقطب لاعبين آخرين لهذا التيار؟
الحكومة تلوّح بـ"عقوبات لردع المشهرين" في وسائل التواصل
وعلى إثر هذه الأزمة، وفي 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي إن "مشروع القانون الجنائي الذي تعمل الوزارة على إعداده سينصّ على عقوبة مشددة تجاه مقترفي التشهير بالغير في وسائل التواصل الاجتماعي".
وأوضح وهبي، خلال جلسة لمساءلة الحكومة في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، أن "الأمر سيشمل أيضاً محتويات المواقع الإلكترونية وحسابات موقع (يوتيوب).. سنقرّ عقوبات مشددة لأن الحياة الخاصة للناس مقدسة".
وفي 2 يناير/كانون الثاني الجاري، قال وهبي في تصريح صحفي: "أعتزم تضييق الخناق على الأخبار الزائفة في وسائل التواصل الاجتماعي.. أسعى لأن يصبح الصحفي هو مصدر المعلومة وليصبح صاحب التأثير في الرأي العام".
مخاوف من تقييد حرية التعبير
ونفى وهبي عزمه إحياء مشروع قانون أعده وزير العدل السابق محمد بن عبد القادر، وسماه رافضون آنذاك مشروع "تكميم الأفواه".
وفيما دعت مسؤولة نقابية، في حديث للأناضول، إلى التمييز عند التجريم بين ما يرتبط بحرية الرأي والتعبير وما يرتبط بالتشهير بالأشخاص، اعتبر أكاديمي أن التحدي هو ألا تتحول الرغبة في محاربة التشهير إلى وسيلة لضرب الحريات.
وقالت نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية حنان رحاب للأناضول، إن "كل تعديل للنصوص التشريعية تصاحبه مخاوف من استهداف الحقوق والحريات".
وتابعت: "يجب أن نفرق بين ما يُنشر في المواقع الصحفية الرقمية وما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، فالنشر في المواقع الإلكترونية يجب أن يخضع حصرياً لقانون الصحافة والنشر".
أما بخصوص النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وفق رحاب، "فيجب التمييز بين ما يرتبط بحرية الرأي والتعبير، والذي يجب ألا يخضع لأي متابعة قانونية، وما يرتبط بالتشهير بالأشخاص واستهداف الحياة الخاصة والذي يجب تجريمه".
نعم لحماية الخصوصيات، لا لضرب الحريات
وقال الأستاذ بالمعهد العالي للصحافة والاتصال بالدار البيضاء (خاص) محمد كريم بوخصاص للأناضول، إنه "من الناحية المبدئية، لا يمكن إلا الثناء على أي مبادرة تصب في اتجاه حماية الحياة الخاصة للأفراد ومحاصرة التشهير الذي يعتمده البعض سياسة ممنهجة".
وأضاف أن "الحاجة تزداد مع حملات التشهير التي يتعرض لها الأفراد في ضرب لدستور المملكة الذي يضمن الحق في الحياة الخاصة وقانون الصحافة والتشريعات الأخرى، سواء من طرف مواقع إعلامية أو ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي".
واستدرك: "لكن التحدي المطروح هو ألا تتحول هذه الرغبة في محاربة التشهير إلى فرصة لضرب الحريات، كما حصل سابقا مع محاولة إقرار قانون ما عُرف بتكميم الأفواه".
وبدلاً عن سنّ تشريعات جديدة، أعرب عن اعتقاده بأنه "من الممكن اللجوء إلى إعمال مقتضيات قانون الصحافة والنشر دون الحاجة إلى إقرار قانون جديد".
وشدد على أن "التعامل بحزم مع مقترفي التشهير هو حاجة ملحة وينبغي أن يتم دون تقييد حرية التعبير".
مخاوف من إحياء "قانون تكميم الأفواه"
وفي 19 مارس/آذار 2020، أقرت الحكومة المغربية آنذاك مشروع قانون يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، وسط تسريبات إعلامية بأنه يتضمن قيوداً وعقوبات بالسجن والغرامة.
وتداول رواد مواقع التواصل آنذاك نسخة أولية من القانون المثير للجدل بشكل واسع.
ونصت المادة المتداولة على عدة بنود منها: "الإحاطة بكافة الجرائم الإلكترونية لا سيما تلك التي تمس بالأمن العام والنظام العام الاقتصادي ونشر الأخبار الزائفة والسلوكيات الماسة بالشرف".
كما اتهم فريق من المغردين الحكومة المغربية بإدراج القانون لـ "الانتقام" ممن سبق ودعوا لمقاطعة شركات ومؤسسات وطنية "متهمة بالفساد".
ووصف القيادي المعارض عبد اللطيف وهبي المشروع في ذلك الوقت بـ "قانون تكميم المغاربة"، مضيفاً أن من حق الشركات عرض منتجاتها ومن حق المواطنين معارضة تلك المنتجات.
وتحت وسم #قانون_الكمامة، أشار الإعلامي المغربي يوسف بلهيسي إلى "استغلال" السياسيين لجائحة كورونا بغرض "تصفية حسابات ومكاسب انتخابية"، مضيفاً أن ذلك "أخطر" من الجائحة ذاتها.
لكن في 3 مايو/أيار من العام ذاته، أعلن وزير العدل حينها محمد بن عبد القادر تأجيل النظر في مشروع القانون الذي عُرف إعلامياً بمشروع "تكميم الأفواه".
وأرجع بن عبد القادر التأجيل إلى "الظروف الخاصة التي تجتازها البلاد في ظل حالة الطوارئ الصحية (جراء جائحة كورونا) إلى حين انتهاء هذه الفترة".
ودعا إلى "إجراء مشاورات مع كافة الهيئات المعنية حتى تكون الصياغة النهائية لهذا المشروع مستوفية للمبادئ الدستورية ومعززة للمكاسب الحقوقية بالبلاد".
وآنذاك جاء التأجيل بعد رفض وجدل حول مشروع القانون ظهر في بيانات صادرة عن الأحزاب والنقابات والجمعيات ومن خلال تفاعلات النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب.