اتهم الأمير هاري أفراداً من العائلة الملكية في بريطانيا بالاتفاق مع "الشيطان" لتشويه صورته وصورة زوجته ميغان ماركل، فماذا يريد هاري تحقيقه من مواصلة كشف "فضائح" العائلة؟ وماذا عن شقيقه ولي العهد ويليام ووالده الملك تشارلز؟
كان كتاب الأمير هاري "سبير"، قد عرض للبيع في إسبانيا يوم الخميس 5 يناير/كانون الثاني 2023، أي قبل خمسة أيام من موعد إصداره الرسمي، ورغم أنه لا يعرض تفاصيل شخصية دقيقة، مثل كيف تعاطى الأمير البريطاني المخدرات، إلا أن الكتاب يكشف أيضاً عن أمثلة أكثر حميمية على التنافر الأسري.
ويرى كثير من المعلقين أن كتاب هاري أثار أكبر أزمة للعائلة المالكة منذ عرض مسلسل في التسعينيات تناول انهيار زواج تشارلز من الأميرة الراحلة ديانا والدة ويليام وهاري.
فضائح العائلة لم تتوقف رغم وفاة الملكة إليزابيث
الأسرة الملكية في بريطانيا هي أقدم عائلة مالكة على الإطلاق، إذ يعود تاريخها لأكثر من ألف عام، شهد البلاط الملكي خلالها قصصاً وفضائح ومؤامرات تعج بها كتب التاريخ والتراث البريطاني.
وعلى الرغم من أن دراما هاري وميغان كانت قد بدأت منذ أكثر من عامين، عندما قررا التخلي عن دورهما في العائلة ومغادرة بريطانيا والعيش على الأراضي الأمريكية، إلا أن البعض توقع أن وفاة الملكة إليزابيث قد تؤدي إلى توقف تلك الدراما الفضائحية. لكن بعد أربعة أشهر فقط من وفاة الملكة إليزابيث وتولي تشارلز العرش، يبدو أن هناك أجزاء أكثر وأكثر من دراما هاري وعائلته لا تزال قيد الإنتاج.
كانت الملكة إليزابيث الثانية قد فارقت الحياة مساء الخميس 8 سبتمبر/أيلول 2022، عن عمر 96 عاماً، بعد أن تربعت على عرش التاج البريطاني منذ عام 1952. وبعد 70 عاماً قضتها على العرش أصبح نجلها الأكبر وولي العهد الأمير تشارلز، تلقائياً، ملكاً للمملكة المتحدة، ليتولى مسؤولية قيادة العائلة الملكية الأقدم، حيث يمتد حكم الأسرة لأكثر من ألف عام، ويصبح لقبه الملك تشارلز الثالث.
إذ قرر الأمير هاري أن ينشر مذكراته، وبالتزامن مع هذا الحدث بدأ أول سلسلة من المقابلات التلفزيونية التي تم بثها الأحد 8 يناير/كانون الثاني، وجه خلالها اتهامات لأفراد عائلته الملكية بالتعاون مع الشيطان، يقصد الصحافة الصفراء، لتحسين سمعتهم على حساب سمعته هو وزوجته ميغان.
وقال لقناة آي تي في البريطانية إنه فر من بريطانيا مع أسرته إلى كاليفورنيا في عام 2020 "خوفاً على حياتنا"، مضيفاً: "بعد سنوات عديدة من الأكاذيب التي قيلت عني وعن عائلتي جاءت مرحلة، بالعودة إلى العلاقة بين أفراد معينين من العائلة والصحافة الصفراء، قرر فيها هؤلاء الأعضاء المعينون التعاون مع الشيطان.. لإعادة تحسين صورتهم. "وضعت حداً فاصلاً عندما أصبح تحسين صورتهم على حساب آخرين وهم أنا وأفراد عائلتي الآخرين".
ماذا يريد الأمير هاري مما يفعله؟
يقول هاري في مذكراته إن الأمير ويليام أمير ويلز ووريث العرش وشقيقه الأكبر أوقعه أرضاً في شجار، ويقول أيضاً إن الشقيقين توسلا إلى والدهما الملك تشارلز ألا يتزوج كاميلا التي أصبحت الآن الملكة زوجة الملك.
وكرر هاري وشرح خلال مقابلته مع قناة آي تي في بالتفصيل الاتهامات التي وجَّهها هو وميغان، منذ تركهما الواجبات الملكية، وهي أن أفراد العائلة المالكة ومساعديهم لم يتقاعسوا فقط عن حمايتهما من الصحافة المعادية والعنصرية في بعض الأحيان ولكنهم سربوا بشكل فعلي قصصاً عنهما عبر مصادر مجهولة.
وقال هاري: "أكثر ما يثير الحزن في ذلك هو أن بعض أفراد عائلتي وأشخاصاً يعملون لحسابهم متواطئون في هذا الصراع"، مشيراً إلى أن ذلك يشمل كلاً من تشارلز وكاميلا.
وأضاف هاري لقناة آي تي في إنه يريد المصالحة مع أفراد عائلته، ولكنه قال إنهم لم يظهروا أي اهتمام؛ مما يعطي انطباعاً بأنه من الأفضل أن يبقى هو وميغان في صورة الأشرار: "أنا أؤمن بصدق وأتمنى أن يكون للمصالحة بين عائلتي وبيننا تأثير مضاعف في جميع أنحاء العالم. ربما يكون هذا شيء نبيل وربما يكون شيئاً ساذجاً".
وفي مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة سي بي إس بثت الأحد أيضاً، قال الأمير البريطاني إن الكرة في ملعب عائلته لإصلاح ذات البين: "بدأ كل هذا بإعلان أكاذيب يومياً ضد زوجتي إلى حد أنني اضطررت أنا وزوجتي للهروب من بلدي".
وأبلغ هاري أيضاً قناة آي تي في أنه يأمل أن تساعد الإجراءات القانونية المتعددة التي اتخذها ضد الصحف في تغيير وسائل الإعلام، قائلاً إنها "بؤرة الكثير من المشاكل في جميع أنحاء المملكة المتحدة"، وأضاف: "والدي قال لي إن محاولة تغيير الصحافة ربما تكون مهمة انتحارية".
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً حول مذكرات هاري، واصفة إياها بأنها "لن ينتفع منها أحد"، إذ ترى الصحيفة أن محاولات التحليل النفسي لشخصية الأمير هاري "تميل إلى التركيز على الصدمة التي تعرّض لها في أثناء سيره" بينما كان لا يزال صغيراً خلف نعش والدته أميرة ويلز الراحلة ديانا سبنسر في عام 1997.
لكن القليل من اهتمام المحللين للشخصية يذهب إلى بحث أثر بثّ تفاصيل مثيرة عن زواج والدَيه وهو لا يزال في المدرسة الابتدائية بلندن. ولا شك أن تسريبات فاضحة لمكالمات هاتفية بين ديانا وعشيقها جيمس جيلبي، وبين تشارلز وكاميلا، قد تركت أثراً في ذاكرة هاري الصغير. ولا شك أيضاً أن ذلك أثر على استيعابه لطبيعة عمل صحف التابلويد أو الصحافة الصفراء.
ولا بد أيضاً أن الحوارات التليفزيونية التي أعقبت ذلك مع جوناثان ديمبلبي ومارتن بشير قد رسخّت في نفس الأمير هاري تشويشاً يتعلق بإدارة الأسرار العائلية وما إلى ذلك من اعترافات شخصية قد تتخللها الأكاذيب. وبعد مضيّ عقود على تلك الوقائع، يبدو أننا الآن بصدد اكتشاف آثارها على نفسية الابن الصغير للملك تشارلز.
وبتشجيع من زوجته، يبدو الأمير هاري وقد أصبح شغوفاً بإذاعة الحقائق، كما أصبح العالم كله بمثابة أريكة طبيبه النفسي، بحسب الغارديان، التي رأت أنّ الاطلاع على ما تسرّب حتى الآن من مذكرات الأمير هاري المسمّاة بـ "البديل"، وعلى الإعلانات التشويقية لحوارات تليفزيونية أجراها مؤخراً يُظهر شهيّة مَرضية في التطهّر عبر الاعتراف الصريح، فما نعاينه ونسمعه من الأمير هاري هو "نشوة البوح بعد عُمر من التحفظ والكتمان".
"على الرغم من إنكاره المباشر، يصعب تخيّل أن الأمير هاري بذلك لا يسعى إلى تقويض المؤسسة التي وُلد فيها – سواء كان واعياً لذلك أم لا"، بحسب مقال الغارديان. وأضافت الصحيفة أن هاري وميغان عندما قررا التخلّي عن مهامهما الملكية واتخاذ مسار مغاير في حياتهما وحياة أطفالهما في كاليفورنيا، عندها أكّدا مواصلة ولائهما للملكة وللمؤسسة الملكية بالتبعية. ولكن ذلك لم يعُد قائماً فيما تنجلي عنه تصريحات الأمير هاري.
ماذا عن رد فعل شقيق هاري، ولي العهد؟
لم يصدر بعد أي تعليق من قصر بكنغهام، مقر الأسرة الملكية، بينما قال هاري إنه لا يعتقد أن والده أو شقيقه سيقرأ كتابه. ويقول معلقون إن الكتاب أدخل العائلة المالكة في أكبر أزماتها منذ مسلسل عُرض في التسعينيات وتناول انهيار زواج تشارلز من الأميرة الراحلة ديانا والدة ويليام وهاري.
لكن صديقاً تحدث لصحيفة The Times البريطانية دون أن يذكر اسمه، قال إن أمير ويلز، ولي العهد الأمير ويليام شقيق هاري الأكبر، "يستشيط" غضباً، ولكنه لن يرد "من أجل أسرته ووطنه".
وكان دوق ساسكس -على ما يبدو دائماً- يبذل قصارى جهده للحصول على رد فعل من أخيه الأكبر، بدايةً من مقابلته مع أوبرا وينفري، ثم فيلم وثائقي على شبكة "نتفليكس" والآن في كتاب يتضمن مذكراته بعنوان "Spare".
ورغم أن هاري ذكر في مذكراته تفاصيل مدهشة عن تعاطيه المخدرات وقتله لعدد من مسلحي حركة طالبان كأنهم قطع شطرنج يتعين إخراجها من لوحة اللعب، لكن كل ذلك يصبح متواضعاً مقارنةً بعملية الاغتيال المعنوي لشخصية أخيه الأكبر، أمير ويلز، بحسب تقرير التايمز.
ومع ذلك، استجاب الأمير ويليام لمذكرات أخيه الأصغر بصمتٍ مطبق وتجاهل تام. لماذا؟ لأنَّ الانتقام ليس طريقة ويليام في إدارة الأمور، وفقاً للصديق المُقرّب من كلا الأخوين. قال الصديق: "لن ينتقم ويليام، لن ينتقم أبداً، لأنَّه نبيل ومخلص إلى أبعد الحدود وهاري يعلم جيداً أنَّه لن ينتقم". وأضاف للصحيفة: "إنَّه أمرٌ قاسٍ ومحزن للغاية أنَّ يواصل ويليام تلقي اللكمات. إنَّه يلتزم الصمت من أجل مصلحة عائلته ووطنه".
وقال صديق آخر للعائلة المالكة: "سوف يمر ويليام بمجموعة من المشاعر -الحزن والغضب والقلق- ليس فقط من أجل عائلته ولكن كيف سيؤثر كل هذا على المؤسسة الملكية ككل. سيخوض صراعاً داخلياً بين الاستجابة الشخصية والمؤسسية. لكننا نعلم مدى قربه من نهج جدته، لذا قد تفوز الاستجابة المؤسسية على الشخصية".
لم تفلت أميرة ويلز أيضاً، كيت ميدلتون، من قنابل مذكرات هاري، الذي كشف عن الخلافات بين زوجته ميغان ميركل وكيت ميدلتون عندما قالت الأولى إنَّ الأخيرة لديها "عقل طفل" بعد ولادة الأمير لويس، ووصف هاري كيف بدت كيت "مشمئزة" بعد أن أعارت ميغان على مضض ملمع الشفاه الخاص بها.
كيف قد يرد الملك تشارلز الثالث؟
كما ظهر الملك تشارلز الثالث في مقتطفات مُسرَّبة من كتاب "spare" أنَّه أب عاجز عن إظهار المشاعر أو التعاطف لم يعانق نجليه عندما أخبرهما بوفاة والدتهما "ديانا" وتزوج كاميلا على الرغم من توسلاتهما له كي لا يتزوج مرة أخرى بعد والدتهما، خوفاً من أن تكون "زوجة أب شريرة".
على الرغم من ذلك، كما يقول أصدقاء الملك، "لم يكن الملك شخصياً محور الغضب وخيبة الأمل في مذكرات هاري. لكن هذا لم يقلل من حجم ألمه، لأنَّ الجزء الأكبر من الهجوم كان موجهاً ضد ابنه الأكبر".
يكشف هاري أنَّه بعد جنازة دوق إدنبرة في عام 2021، ناشد تشارلز نجليه قائلاً: "من فضلكم، لا تجعلوا سنواتي الأخيرة بائسة" –لكنها مناشدة لم تلق آذاناً مصغية من كليهما. يقول صديق مُقرّب من الملك: "سيعاني تشارلز من الحيرة والحزن الشديد، لكنَّه قادر على الصمود والتعافي".
يشعر أحد أكبر مؤيدي هاري في الأوساط الملكية بالذهول أيضاً من استراتيجية دوق ساسكس، قائلاً: "لا أعرف كيف يمكنك القول إنَّك تريد استعادة والدك وأخيك بعد كتابة كل ذلك. ومع ذلك، ثمة دور كبير يستطيع الملك الاضطلاع به حيال هذا الأمر. إذا استطاع الترفّع عن كل ما قاله هاري والاستفادة من رغبة العودة إلى العائلة المالكة، فسيكون من الأسهل على ويليام أن يحذو حذوه. ثمة حاجة إلى إيجاد أرضية مشتركة مناسبة من أجل مصلحة العائلة والمؤسسة الملكية ككل، وإلا سيظل الأمر مصدر إزعاج حتى يوم حفل التتويج وما بعده. لن تفيد استراتيجية التجاهل. تأتي قوة هذه المؤسسة الملكية البريطانية من قوة العائلة المالكة وتماسكها".
أما عن صمت العائلة المالكة حتى الآن، قال أحد المساعدين في القصر للتايمز: "لا يوجد شعور بأنَّ جدران القصر تنهار من حولنا.. نركز فقط على إنجاز أعمالنا". من جانبه، يقول أحد المستشارين الملكيين: "ماذا يريد هاري من العائلة؟ إنَّه يريد تأكيد صحة مزاعمه. إنَّه يريد اعتذاراً من القصر بصيغة تؤكد للرأي العام أنَّ كل ما قاله كان صحيحاً.. هذا لن يحدث، لأنَّ كل ما قاله غير صحيح".
وأثار هاري شكوكاً حول حضوره حفل تتويج والده الملك رسمياً، لكن مصادر مُقرّبة منه تعتقد أنَّه سيعود إلى المملكة المتحدة في 6 مايو/أيَّار 2023 موعد المراسم، قائلين: "إنَّها لحظة مهمة لوالد هاري وسيريد الأمير إظهار الاحترام". ويقول أحد المصادر المُطّلعة: "ثمة حاجة إلى قدرٍ من المصالحة، لأنَّ ما يحدث يقوض المؤسسة بأكملها".
على أية حال، تشير استطلاعات للرأي إلى أن كثيراً من البريطانيين ضاقوا ذرعاً بميلودراما العائلة المالكة برمتها وأن الكشف عن مزيد من المفاجآت لن يغير آراءهم سواء المتعاطفة مع هاري وزوجته ميغان أو تلك المنتقدة لهما.
وعلى الرغم من ذلك احتل كتاب هاري المرتبة رقم واحد على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً على موقع أمازون في بريطانيا منذ السبت وأتاح الموقع طلب الكتاب قبل موعد نشره.