لم يتمكن رئيسا مجلسي النواب والدولة الليبيين خلال اللقاء بالقاهرة من تجاوز أهم معضلة تعيق إجراء الانتخابات في بلادهما، لكنهما اتفقا على الإطاحة بحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتشكيل حكومة جديدة.
فالخلاف بشأن شروط الترشح للرئاسة – وبالأخص بالنسبة لمزدوجي الجنسية – ما زال لم يحسم، رغم أنه كان السبب الرئيسي في نسف كل المحاولات السابقة لإجراء الانتخابات.
وتكمن صعوبة تجاوز هذه "المعضلة" في أنها متعلقة بإصرار خليفة حفتر، قائد قوات الشرق، على الترشح للرئاسة دون التنازل عن جنسيته الأمريكية.
ويمارس حفتر ضغوطاً شديدة على عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق (شرق) لعدم التنازل أمام اشتراط خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، بعدم ترشح مزدوجي الجنسية كما هو معمول بها في كل دساتير العالم، وأيضاً تحفظه على ترشح العسكريين.
ودافع حفتر خلال خطابات ألقاها شرق وجنوب البلاد عن ترشح العسكريين، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي شدد على أنه "لا يمكن لأحد منع العسكريين من حقوقهم الطبيعية والمشاركة في العملية الانتخابية".
ترحيل الخلاف
رغم موافقة المشري على الإطاحة بحكومة الدبيبة في طرابلس، لعدم قدرتها على تأمين الانتخابات في كامل البلاد، إلا أن عقيلة بقي متمسكاً بأحقية حفتر بالترشح للرئاسة، ورفض أي تنازل بهذا الشأن.
وأمام استمرار هذا الانسداد، اتفق المشري وعقيلة على ترحيل الخلاف إلى مرحلة إعداد قوانين الانتخابات، التي سيعدها مجلسا النواب والدولة.
وأقرّ المشري ذاته أن مجلسي النواب والدولة لن يحلا هذا الخلاف، حتى بعد ترحيله للجان إعداد قوانين الانتخابات في المجلسين.
لذلك تم الاتفاق على "حل منطقي لكنه ليس عملياً" في ظل الظروف الليبية، بعرض المواد الخلافية على الاستفتاء الشعبي لحسمها، والتعهد بقبول أي نتيجة يقررها الشعب.
والمنطقي في هذا الحل أن الشعب مصدر كل السلطات، وإذا أخفق ممثلو الشعب في التوصل إلى حسم خلافاتهم، فتعاد السلطة إلى الشعب للفصل فيها عن طريق الاستفتاء.
غير أن هذا الخيار غير عملي، لأن مشروع الدستور جاهز منذ 2017، ولا ينقص سوى عرضه على الاستفتاء الشعبي، بعد صدور قانون الاستفتاء، ومع ذلك لم يعرض لأن هناك أطرافاً ترفضه، خاصة أنه يمنع صراحة ترشح مزدوجي الجنسية للرئاسة.
لذلك فاتفاق المشري وعقيلة لم يحل جوهر الخلاف بين الغرب والشرق (الليبي)، وما لم يتم حسم مسألة ترشح حفتر للرئاسة سيبقى الجميع يدور في دائرة مفرغة.
وضع العربة على السكة
أهم ما تحقق في لقاء القاهرة أنه "وضع العربة على سكة الانتخابات" على حد قول المشري، أي لم يضع خارطة طريق للانتخابات، ولكنه حدد معالم هذه الطريق.
أول هذه المعالم، اجتماع ثانٍ للمشري وعقيلة داخل ليبيا بحضور المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، والذي يفترض أن يتم خلاله تحديد موعد جديد للانتخابات، كما شدد عليه المبعوث الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند.
والأهم من ذلك الاتفاق على آخر التفاصيل المتعلقة بالقاعدة الدستورية لعرضها على مجلسي النواب والدولة لاعتمادها رسمياً.
بعد الانتهاء من اعتماد القاعدة الدستورية تأتي مرحلة أخرى لا تقل صعوبة عن الأولى، تتمثل في إعداد القوانين الانتخابية والتي تتضمن عدة نقاط خلافية بما فيها مادتان أو ثلاث مرحلة من القاعدة الدستورية، بالإضافة إلى توزيع الدوائر الانتخابية.
المرحلة الثالثة، تتمثل في الاستفتاء الشعبي على المواد الخلافية، والذي من الصعب على حفتر السماح بتنظيمه في مناطق سيطرته بالشرق والجنوب، خاصة أن ثلثي الناخبين يتركزون في المناطق الغربية المناوئة له، إلا إذا ضمن بنسبة كبيرة أنه سيصب لفائدة ترشحه للرئاسة.
المرحلة الرابعة ويتم خلالها تشكيل حكومة جديدة، بالتوافق بين مجلسي النواب والدولة، مع احتمال تغيير تشكيلة المجلس الرئاسي لتضم المشري وعقيلة، بدلاً من محمد المنفي ونائبيه عبد اللافي وموسى الكوني.
ومن المتوقع أن يرفض الدبيبة إنهاء حكومته، وأن يقاوم أي اتفاق في هذا السياق، مع تمسكه بأحقية حكومته في تنظيم الانتخابات، رغم عدم خضوع المناطق الشرقية والجنوبية لسلطته.
وخلال هذه المراحل، سيواصل المشري وعقيلة تنفيذ اتفاقهما بخصوص توزيع المناصب السيادية، وبالأخص محافظ البنك المركزي (من نصيب الشرق)، ورئيس مفوضية الانتخابات (من نصيب الغرب).
وإذا تمكن صالح من تعيين محافظ للمصرف المركزي بدعم من المشري، فسيتم نزع "سلاح الميزانية" من أيدي حكومة الوحدة، والذي يعد أحد أسس شرعيتها ونفوذها على مؤسسات الدولة وكتائب المنطقة الغربية.
بينما سيتخلص المشري من عماد السائح، رئيس مفوضية الانتخابات، والذي عارض بشدة أي محاولة لتنحيته، خاصة أنه حافظ على وحدة المفوضية في ظل الانقسام العام للبلاد، وحصل على دعم غربي في هذا الشأن.
وإذا نجح المشري وعقيلة في تجاوز كل هذه المراحل، وبالأخص مقاومة سلطات الأمر الواقع، حينها فقط يمكن الحديث عن إجراء الانتخابات، ولا يبقى عندها سوى توفير الوسائل اللوجستية والأمنية لإجرائها.
حيث تم الاتفاق أن تجري انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) بالتزامن مع الدور الأول للانتخابات الرئاسية، بينما تجرى انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بالتزامن مع الدور الثاني للرئاسة.
لكن حتى ولو أجريت الانتخابات بسلاسة، فلا توجد ضمانات أن الطرف الخاسر سيقبل بنتائجها، خاصة إذا أدت إلى وصول شخصية جدلية إلى السلطة، فحينها سيتكرر سيناريو انتخابات 2014، بعنف أكثر.
فمسار الانتخابات الليبية مزدحم بالعقبات والمطبات السياسية والأمنية، ويحتاج إلى إرادة قوية من الأطراف الداخلية ودعم من الجهات الخارجية للوصول إلى المحطة النهائية بسلام.