بعد فشله في 14 محاولة لانتخابه رئيساً جديداً لمجلس النواب الأمريكي، بسبب الانقسامات في صفوف الجمهوريين، فاز أخيراً كيفن مكارثي بالمنصب الذي سعى إليه بعد تقديم تسويات مع نواب أقصى اليمين، وخلال حملة للوصول للمنصب الجديد، اكتسب أنصاره الجدد من المحافظين مزيداً من القوة.
ما تفاصيل اتفاق رئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد مع المحافظين؟
تقول مجلة Politico الأمريكية، إن زعيم الحزب الجمهوري مكارثي عرض عدداً كبيراً من التنازلات للفوز بتأييد المعارضين، بينما كان يشق طريقه للظفر أخيراً بمقعد رئيس المجلس بعد منتصف ليل السبت، 7 يناير/كانون الثاني 2023.
وهي تشمل بعض التغييرات التي تعود إلى حقبة "حفلات الشاي"، مثل تدابير التقشف في الميزانية، وتمكين الأعضاء العاديين من عزل الرئيس. لكن هناك مطالب أخرى أحدث، يمكن أن تحمل نفس القدر من الوزن؛ مثل مقاعد المحافظين في لجنة قوية تتحكم في قرارات مجلس النواب.
والكثير مما قدمه مكارثي للمحافظين، لا سيما فيما يتعلق بالإنفاق والحد من الديون، يضع مجلس النواب في مسار تصادمي مع مجلس الشيوخ، الذي يقوده الديمقراطيون والرئيس جو بايدن. وعامةً، الصفقة التي حملت الجمهوري من كاليفورنيا إلى رئاسة النواب تعزز بفعالية أصوات المحافظين من أجل مزيد من التأثير في الأغلبية الجديدة.
وقال النائب غاري بالمر، الجمهوري من آلاباما، وهو عضو في قيادة الحزب الجمهوري الذي يدعم التغييرات للمجلة الأمريكية: "سيتطلب الأمر الكثير من العمل والكثير من القرارات الصعبة للوصول بنا إلى حيث نحتاج. لنقتبس من بيل كلينتون: نحن بحاجة للدخول في عصر ثانٍ من انتهاء الحكومة الكبيرة".
خطط الإنفاق الحكومي خاصة العسكري
ومع ذلك، فإنَّ الجزء الأكبر مما وافق عليه مكارثي، والمحافظون، لا سيما فيما يتعلق بصفقات الإنفاق التي ستحتاج إلى موافقة الديمقراطيين لاعتمادها قانوناً، تنقصها العديد من الضمانات. وفي زوايا أخرى من المجلس الانتخابي للحزب الجمهوري داخل مجلس النواب، سيكون من الصعب تقبل التنازلات لكسب أصوات أكثر من 12 من منتقدي مكارثي المحافظين.
وصف أحد المفاوضين نيابةً عن مكارثي، النائب بريان فيتزباتريك، بعض أهداف الإنفاق بأنها "طموحة".
ربما تكون التنازلات الأهم للمحافظين، التي أوضحها النائب غاريت غريفز، الجمهوري من لوس أنجلوس، لزملائه في مكالمة صباح الجمعة، 6 يناير/كانون الثاني، هي تقديم الحزب الجمهوري في مجلس النواب ميزانية تحقق التوازن بين الإيرادات والنفقات على مدى 10 سنوات، بحد أقصى تقديري للإنفاق عند مستويات 2022 المالية أو أقل، وفقاً لـ3 جمهوريين مطلعين على الخطة.
لا تتضمن الصفقة بالضرورة تخفيضات في مخصصات وزارة الدفاع (البنتاغون)، لكن أية ترتيبات ستشمل مثل هذا التخفيض لن تُقابَل بإيجابية بين مؤيدي السياسات العسكرية المتشددة في لجان الخدمات المسلحة والمخصصات الذين دافعوا عن تأمين مزيد من مليارات الدولارات أكثر مما سعى بايدن لتأمينه للدفاع، حتى عندما كان الديمقراطيون يسيطرون على كل واشنطن.
من جانبه، قال النائب مايك والتز، الجمهوري من فلوريدا، وهو من المحاربين القدامى في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، لمكارثي وحلفائه في مؤتمر هاتفي خاص في وقت سابق يوم الجمعة، 6 يناير/كانون الثاني: "يبدو أننا يمكن أن ندعم أنفسنا حتى الوصول للعزلة"، وذلك حسبما كشف 3 جمهوريين شاركوا في المكالمة. وكانت تلك التخفيضات التلقائية السمة المميزة لصفقة الميزانية اليائسة منذ عقد مضى.
كما أعرب النائب ستيف ووماك، جمهوري من أركنساس، عن قلقه خلال المكالمة بشأن تأثير التخفيضات المقترحة في الإنفاق على الدفاع، على حد قول هؤلاء الأشخاص.
قانون إنفاق مؤقت
وهناك تدبير آخر ضمن الاتفاقية، وفقاً لاثنين من الجمهوريين، يتمثل في فكرة للنائب توماس ماسي، الجمهوري من كنتاكي: في حالة الإغلاق الحكومي الوشيك، فإنَّ مجلس النواب سيمرر قانون إنفاق مؤقت يتضمن 98% من التمويل الحالي، الذي يشمل إطلاق تخفيضات تلقائية لتحفيز الكونغرس على إنهاء عمله بشأن المخصصات.
ويتمثل تغيير إجرائي مهم آخر، الذي نقله مكارثي وفريقه إلى بعض الأعضاء، في أنَّ المحافظين سيشغلون ثلاثة مقاعد في لجنة قواعد مجلس النواب القوية، وفقاً لـ3 أشخاص مطلعين على الاتفاقية.
ونظراً لأنّ الجمهوريين لا يمكنهم تحمل سوى خسارة صوتين في تلك اللجنة، التي تحدد مشروعات القوانين التي ستُطرَح للتصويت أمام المجلس، فإنَّ تكديسها بالمحافظين سيُمكِّنهم من إبطال التشريعات قبل تصويت المجلس بأكمله عليها. وبغضّ النظر عن ذلك، أشار حلفاء مكارثي إلى أنَّ أي مشروع قانون يعارضه 3 محافظين من المحتمل أن يفشل، مشيرين إلى أنهم يفضلون خوض معركة بشعة في اللجنة على خوضها أمام المجلس بالكامل.
وبالعودة إلى مستويات 2022 المالية، كما تتصور الاتفاقية الناشئة، ستصل التخفيضات في برامج الدفاع إلى ما يقرب من 75 مليار دولار، أو 10%، إذا لم يعفِ قادة الحزب الجمهوري البنتاغون، وهو رقم يثير قلق العديد من الأعضاء في المجلس الانتخابي للحزب الجمهوري داخل مجلس النواب.
بيد أنَّ العديد منهم يقرّون بأنَّ التأثير قد يكون محدوداً؛ لأنه حتى عند تمرير تخفيض بهذا الحجم من مجلس النواب، فمن المحتمل أن يرفضه مجلس الشيوخ بقيادة الديمقراطيين رفضاً تاماً.
فقد رفض مايك روجرز، رئيس لجنة القوات المسلحة القادمة، مناقشة اتفاق مكارثي مع المحافظين بعد التعبير عن إحباطه لبعض الزملاء سراً هذا الأسبوع. لكنه أصر على أنه غير قلق: "لم اتفق على هذه الصفقة. لا يمكنني الحديث عنها الآن، لكنها لا تثير قلقي"
الديون والتقشف
إضافة إلى ذلك، تتناول الاتفاقية الناشئة الحاجة التي تلوح في الأفق لرفع سقف الديون بشكل غير مباشر، ورفض إلزام المحافظين بدعم أية زيادة دون تقشف آخر في الميزانية أصروا عليه.
وكل عنصر رئيسي في صفقة مكارثي مع الجناح الأيمن ساهم في تقريبه من مقعد رئيس المجلس بعد 4 أيام من الجمود.
ويجادل بعض الجمهوريين بأنَّ التنازلات التي قدمها تتعلق على نطاق واسع بتغيير ثقافة مجلس النواب للالتزام بمجموعة من القواعد الأكثر صرامة، على الرغم من أنها أثارت غضب الأعضاء العاديين، الذين اعتبروا أنَّ "المعارضين العشرين في المجلس الانتخابي للحزب الجمهوري داخل مجلس النواب لانتخاب مكارثي رئيساً للمجلس كالخاطفين الذين يحاولون المطالبة بفدية لإطلاق سراح الرهينة".
بدوره، أعرب النائب المنتخب كيث سيلف، الجمهوري من تكساس، الذي غيّر صوته يوم الجمعة، 6 يناير/كانون الثاني، عن نفس الرأي في بيانه متحركاً لدعم مكارثي، وملمحاً إلى "المعيقين" الذين يعارضون نائب ولاية كاليفورنيا لأغراض الترويج الشخصي.
مكارثي يحاول تهدئة مخاوف الجمهوريين
لكن على الرغم من التذمر، فإنَّ مكائد مكارثي نجحت أخيراً بعد 4 أيام من الجمود. ونجح في قلب 15 صوتاً جمهورياً في وقت سابق يوم الجمعة، 6 يناير/كانون الثاني؛ ما فاجأ حتى بعض أعضاء فريق ترشحه، وأنهى معركة عامة مطولة مزقت بعض كبرياء القيادة.
ويخشى بعض الجمهوريين بالفعل من عودة تنازلات مكارثي؛ لتطارده هو والمجلس الانتخابي الجمهوري، بينما يحاول الحكم بأغلبية ضئيلة. على سبيل المثال، يجادل بعض الأعضاء بأنه سيكون من الصعب على مكارثي التمسك بمقعد رئاسة المجلس، وقتما يقرر أي عضو، ديمقراطي أو جمهوري، فرض تصويت على إسقاط الرئيس.
عندما أثارت النائبة ديبي ليسكو، الجمهورية من أريزونا، مخاوف بشأن تسليح الديمقراطيين تلك السلطة لتحدي مكارثي إذا صار رئيساً للمجلس، أخبرها الزعيم بعدم القلق، مجادلاً بأنَّ الجمهوريين سوف يتحدون معاً و"يحشدون صفهم" ضدها.
كما سعى مكارثي إلى تهدئة سلسلة من المخاوف الأخرى، قائلاً للأعضاء إنه لم يتنازل عن أي شيء يحدد مسبقاً من تكون له الكلمة في إحدى لجان المجلس، وأنَّ "الناس لا يُعاقبون في عملية المفاوضات"، وفقاً للجمهوريين المشاركين في المؤتمر الهاتفي.
وكانت تعليقاته تشير، في جزء منها، إلى جهود النائب آندي هاريس للمطالبة بالسيطرة على لجنة فرعية تشرف على أكبر قدر من الإنفاق المحلي في البلاد، وهي حملة أغضبت زملاءه المسؤولين عن المخصصات المالية في المجلس.
وبينما لم يتلقَ هاريس أية ضمانات بشأن تلك السيطرة، كان من بين أكثر من 12 معارضاً من المحافظين الذين غيّروا رأيهم ودعموا مكارثي رئيساً لمجلس النواب.