في وقت لم تحسم فيه المعارضة اسم مرشحها لخوض انتخابات الرئاسة التركية هذا العام، ظهر على السطح جدل آخر بين الحزب الحاكم والمعارضة، يتعلق بموعد هذه الانتخابات، وعلاقة ترشح الرئيس رجب طيب أردوغان لفترة جديدة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس 5 يناير/ كانون الثاني 2023، إن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا المقررة هذا العام "قد يتم تقديمه من موعده المحدد في 18 يونيو/ حزيران".
وأوضح أردوغان في كلمة ألقاها في اجتماع لقادة الحزب في المحافظات التركية: "قد يتم تبكير موعد الانتخابات قليلاً لمراعاة الظروف الموسمية"، فيما لم يوضح المقصود بالظروف الموسمية.
جزء أساسي من الجدل الدائر حالياً يدور حول الموعد الجديد المقترح للانتخابات، إذ يبدو أن كل من الحكومة والمعارضة عندها مواعيد مفضلة طبقاً لما تراه الأفضل لقواعدها في التصويت.
بينما الجزء الآخر من الجدل يتعلق بما إذا كان إجراء الانتخابات في موعدها يعني أن هذه فترة حكم ثالثة للرئيس أردوغان، وبالتالي لا يحق له الترشح، أم أنها فترة ثانية نتيجة تطبيق النظام الرئاسي الجديد في الحكم.
وأصبح أردوغان رئيساً للبلاد عام 2014، ثم أعيد انتخابه رئيساً بعد تطبيق نظام الحكم الرئاسي في البلاد في انتخابات 2018. وبموجب هذا النظام الجديد، يحق للرئيس الخدمة لفترتين فقط.
العقبات أمام ترشح أردوغان
تقول الدوائر المؤيدة للحكومة إنه لا توجد عقبات أمام ترشح أردوغان مرة أخرى للرئاسة تحت النظام الجديد، لأن الرئاسة اتخذت دوراً مختلفاً بموجب الإصلاحات الدستورية التي مررت في 2017، وأقرت نظام الرئاسة التنفيذية، وألغت منصب رئيس الوزراء، ورفعت عدد مقاعد البرلمان إلى 600 مقعد.
لكن جهات في المعارضة تقول إن المادة 101 من الدستور التركي تحدد الرئاسة بفترتين فقط، وإن أي تغيير في الدستور بخصوص هذه القضية يتطلب أغلبية الثلثين في البرلمان، أي 400 نائب، وهي العتبة التي لا يملكها الحزب الحاكم، الذي يملك هو والأحزاب المتحالفة معه 335 مقعداً فقط.
قال رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، إن "البرلمان والرئاسة لديهما الحق في اتخاذ القرار بشأن عقد انتخابات مبكرة، لكن حتى إذا اتخذ قرار كهذا، فإن المدة القانونية هي 60 يوماً، وبناءً على هذا فأنا لا أتوقع اتخاذ أي قرار بهذا الشأن، قبل 6 أبريل/نيسان".
من جانبه يرى العميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب، الدكتور سمير صالحة، أنه الإعلان عن إمكانية تقديم موعد الانتخابات من قبل العدالة والتنمية، شكل مفاجأة على صعيد الساحة التركية، وفتح باب النقاش أمام سبب هذه الدعوة، رغم معارضة تحالف الجمهور بشقيه العدالة والتنمية والحركة القومية لدعوات المعارضة السابقة إجراء انتخابات مبكرة.
حسم الجدل حول أحقية ترشح أردوغان
ويشير صالحة أن البعض عزا الدعوة للانتخابات المبكرة بسبب الخلاف الحاصل حول أحقية الرئيس رجب طيب أردوغان بالترشح للانتخابات القادمة، لاستيفائه فترتي الترشح التي نص عليها الدستور التركي، خاصة أن النقاش حول أحقية أردوغان في الترشح للانتخابات الرئاسية حسمه رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، وهو رجل قانون، بعدما أعد ورقة بحثية حول أحقية أردوغان في الترشح للانتخابات القادمة بعد تحول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
ويرى صالحة أن المعارضة قد تتجه للاعتراض على ترشح أردوغان للانتخابات، الأمر الذي قد ينقل هذا النقاش إلى المحكمة الدستورية العليا، لبحث أحقية أردوغان من عدمها في الترشح للانتخابات الرئاسية، التي سيكون قد ترشح لها ثلاث مرات، بخلاف نص الدستور الذي قيد عملية الترشح للانتخابات الرئاسية بمرتين فقط.
ويشير صالحة في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة ربما جاءت بسبب أن الحزب الحاكم في تركيا يريد أن يحسم هذا الخلاف قبل بدء الحملة الانتخابية، خاصة في ظل المشكلات التي ستقابل الحزب في دعوته لانتخابات مبكرة، ما سيضع البلاد أمام سيناريوهين.
السيناريو الأول سيبدأ حال رفض المعارضة منح الحزب الحاكم موافقتها على الانتخابات المبكرة، خاصة أن أصوات العدالة والتنمية داخل البرلمان ليست كافية لإقرار الدعوة لانتخابات مبكرة.
كما أن المعارضة تريد أن تكون الانتخابات المبكرة، خلال شهر أبريل/نيسان القادم، بخلاف الحزب الحاكم الذي يريدها خلال شهر مايو/أيار 2023، وفي حال عدم حل هذا الخلاف بين الحزبين ستتجه تركيا إلى السيناريو الثاني.
في السيناريو الثاني قد يستخدم أردوغان صلاحياته بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، لكن المخاطر حول هذا السيناريو تأتي من عدم تطبيقه من قبل، في ظل النظام الرئاسي الذي تُحكم به تركيا حالياً، بحسب أستاذ القانون سمير صالحة.
وأضاف صالحة لـ"عربي بوست"، أن شعبية أردوغان المستمرة في الصعود ربما تسهم بشكل ما في حل هذه الإشكاليات، لكن الخطر الأكبر ربما يأتي من نجاح المعارضة في السيطرة على البرلمان خلال الانتخابات القادمة، ما سيضع أردوغان والحزب الحاكم في مأزق كبير.
لماذا تريد العدالة والتنمية تقديم موعد الانتخابات؟
من جانبه، يرى رئيس قناة "تي24" المعارضة، جوكتشار طهينجي أوغلو، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن هناك أسباباً واضحة، وأخرى غير مرئية، لإعطاء حزب العدالة والتنمية الضوء الأخضر للدعوة إلى انتخابات مبكرة.
الواضح منها بحسب- طهينجي أوغلو- هو خوف العدالة والتنمية من ذهاب مؤيديه إلى مواسم الحج والعمرة والعطلات، ما يجعل الانتخابات حال عقدها في شهر يونيو/حزيران القادم محفوفة بالمخاطر حول حظوظ الحزب.
فالعدالة والتنمية يريد بحسب رئيس قناة "تي24" أن يتوجه ناخبوهم إلى صناديق الاقتراع بإقبال كبير وبدون خسارة، ولهذا السبب يعتقدون أنه سيكون من الصواب تقديم الانتخابات.
ويرى طهينجي أوغلو أن الإصرار على أن يكون الموعد الجديد بعد تاريخ 7 أبريل/نيسان؛ يضمن دخول التعديلات الدستورية التي أقرها تحالف الجمهور بشقيه العدالة والتنمية والحركة القومية حول قانون الانتخابات داخل الحزبين العام الماضي حيز التنفيذ، وفقاً للدستور التركي.
يذكر أن قانون تعديل قانون انتخاب أعضاء البرلمان نشر في الجريدة الرسمية في 6 أبريل/ نيسان 2022، وبالتالي لا يمكن تنفيذ التغييرات الجديدة إلا بعد مرور عام على نشرها في الجريدة الرسمية في 6 أبريل/ نيسان 2023، ولا يمكن تطبيقها إلا في الانتخابات التي تُجرى بعد هذا التاريخ.
وتم تغيير النظام، الذي تم تطبيقه لأول مرة في انتخابات 2018 وسمح بالتحالفات بين الأحزاب السياسية. وفي التعديلات الجديدة، إذا تجاوزت أصوات أحد الأحزاب المتحالفة العتبة الانتخابية، فسيتم اعتبار أن جميع الأطراف قد تجاوزت الحد الأدنى ويتم توزيع الأصوات التي تم الحصول عليها في الدوائر الانتخابية أولاً على التحالفات، ثم توزيع النواب حسب عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب السياسي داخل التحالف، وهذا يخلق وضعا لصالح الأطراف المتحالفة.
ووفقًا للنظام الجديد تم تخفيض العتبة الانتخابية البالغة 10% إلى 7%. و في هذه الحالة، كي ينتخب حزب سياسي نائبًا، يجب أن يتجاوز أصوات الحزب عتبة 7% من أجمالي أصوات الأحزاب الفائزة. ونظرًا لعدم وجود طلب للتحالف، سيتمكن كل حزب يتجاوز الحد الأدنى من انتخاب نائب وفقًا للأصوات التي يحصل عليها في الدائرة الانتخابية.
الموعد المفضل للمعارضة
لكن، تصرّ المعارضة على أن تتم الانتخابات قبل 7 أبريل/نيسان، والعقدة هنا – بحسب طهينجي أوغلو – هي مَن سيتخذ قرار الانتخابات المبكرة. فوفقاً للدستور يوجد في البرلمان 600 نائب، ويمكن إجراء انتخابات مبكرة بأصوات 360 نائباً، ولا يملك حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المؤيد له هذا العدد من النواب.
في هذه الحالة، سيكون السبيل الوحيد المتبقي هو أن يقرر الرئيس إجراء انتخابات مبكرة؛ لكن هناك أيضاً مناقشات حول حق الرئيس في تلك الصلاحية، فهناك دستوريون يرون أنه في الحالات التي يقرر فيها الرئيس إجراء انتخابات مبكرة لا يمكن له الترشح فيها للمرة الثالثة.
ورغم ذلك فإن القرار بشأن كل هذه المناقشات سيتخذه المجلس الأعلى للانتخابات، الذي يدير الشؤون الانتخابية في تركيا، وليس هناك أية وسيلة للطعن في قراراته، وقد لا تلجأ الحكومة إلى الاتفاق مع المعارضة على موعد محدد.
وفي هذه الحالة، سيترك الحزب الحاكم القرار للمجلس الأعلى للانتخابات، الذي يتمتع بصلاحية منع الترشح بالقول إن أردوغان قد تم ترشيحه مرتين بالفعل، ومع ذلك يمكن للمجلس أيضاً اتخاذ قرار بخلاف ذلك.
ويمكنه تأكيد ترشيح أردوغان بالقول إنه تم انتخابه مرة واحدة بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي، وفي حالة اتخاذ قرار انتخابي مبكر، حتى إذا لم يتم اتخاذ هذا القرار من قبل الجمعية، فقد يقرر المجلس الأعلى للانتخابات أن الرئيس الحالي يمكن أن يكون مرشحاً للمرة الثالثة في الحالات التي يقرر فيها الرئيس إجراء انتخابات مبكرة.
جدل مفتعل
في فبراير/ شباط 2021، قال حياتي يازجي، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي للشؤون السياسية والقانونية، إنه يحق لأردوغان الترشح لولاية رئاسية جديدة.
وفي حوار مع وكالة "الأناضول" تحدث يازجي عن الجدل والنقاش حول ترشح الرئيس أردوغان للرئاسة في 2023، موضحاً أن "الاستفتاء على التعديلات الدستورية، الذي جرى في 16 أبريل/نيسان 2017، أقر تعديلات مهمة، أبرزها التحول إلى النظام الرئاسي، وأعاد توضيح كافة القواعد المتعلقة بالترشح للانتخابات وفترات كل ولاية رئاسية".
وأشار يازجي إلى أن النقاش الدائر حول أحقية أردوغان في الترشح لولاية جديدة هو "جدل مفتعل"، ولا يصح لأي شخص على دراية بالدستور والقوانين المعنية أن يشترك في جدل كهذا.
وما لم يتخذ قرار بشأن تقديم موعد الانتخابات، سيتوجه الأتراك في 18 يونيو/حزيران، للتصويت في انتخابات رئاسية تعتمد نظام الجولتين، وبالتزامن معها ستعقد انتخابات عامة لانتخاب 600 عضو للبرلمان.