تحول عام 2023، ليكون إحدى أكثر السنوات توقعاً لحدوث ركود اقتصادي يبدأ من الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، ويمتد لمناطق أخرى حول العالم، بفعل اجتماع عدة عوامل تجعل من الركود أمراً لا مفر منه خلال 2023.
الركود الذي يتوقع أن ينتقل عبر المحيط من الولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة ثم إلى الاتحاد الأوروبي حيث تواجه القارة العجوز أزمة تضخم وطاقة وحرب في شرقها. وأبرز العوامل المجتمعة اليوم لحدوث ركود: التضخم العالمي، التشديد النقدي، حرب شرق أوروبا، تفشي كورونا في الصين، أزمة الطاقة العالمية.
2023 عام ركود الاقتصاد العالمي
هذا الأسبوع، قال صندوق النقد الدولي إن ثلث دول العالم على الأقل ستعاني من ركود في العام 2023، مشيراً إلى أنه سيكون عاماً صعباً على الاقتصاد العالمي.
وبدا النقد الدولي قلقاً بشكل خاص بشأن مصير الدول النامية في العام الجديد، وخاصة ديونها المتراكمة وسط مخاوف من تخلف بعضها عن سداد ديونه.
وقدم الصندوق مجموعة من التقديرات الاقتصادية مع بداية العام الجديد لشكل الاقتصاد العالمي في عام 2023، تبدو أكثر تشاؤماً من تقديراته السابقة، وحدد المناطق المرشحة للسقوط بشكل كبير في هاوية الركود.
وحذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، من التباطؤ المتزامن للاقتصادات الرئيسية الثلاثة في العالم، وهي: الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا، كسببٍ للتوقعات القاتمة.
وقالت في مقابلة واسعة النطاق مع شبكة "سي بي إس" الأمريكية: "بالنسبة لمعظم الاقتصاد العالمي، ستكون هذه سنة صعبة"، أصعب من العام الذي نتركه وراءنا.. لماذا؟ لأن الاقتصادات الثلاثة الكبرى: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين تتباطأ جميعها في وقت واحد".
وقالت جورجيفا في برنامج "مواجهة الأمة" الإخباري لشبكة "سي بي إس": "حتى الدول التي ليست في حالة ركود سيشعر مئات الملايين من الناس بالركود".
وتأتي تقديرات صندوق النقد وسط نقاش من الاقتصاديين حول احتمالات وقوع مجمل الاقتصاد العالمي في فخ الركود العام المقبل نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة استجابةً لارتفاع التضخم، حسبما قال كاي دانيال نيوفيلد، مدير ورئيس قسم التوقعات في مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال الذي رجح هذا الاحتمال.
ولا يتفق الجميع على أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود. ومع ذلك، مع توقع انخفاض النمو بشكل أكبر بعد تباطؤ حاد في عام 2022. فبينما قد يتجنب العالم حدوث ركود لمجمل الاقتصاد العالمي خلال 2023، فإن احتمالات حدوثه مرتفعة بشكل غير مريح.
كيف ستتأثر الاقتصادات العربية بالركود العالمي خلال 2023؟
أمام كل هذه المخاوف، تترقب الدول العربية تبعات هذا الركود على اقتصادها، والتي لم تتعافَ معظمها من تبعات جائحة كورونا خلال عامي 2020 و2021، والحرب الروسية الأوكرانية وضغوطات التضخم.
فعلياً، تأثرت غالبية الدول العربية من التشديد النقدي الذي نفذه البنك الفيدرالي الأمريكي، بزيادة أسعار الفائدة 7 مرات في 2022 على الأموال الاتحادية، وتبعات ذلك على ارتفاع كلفة القروض والواردات المقومة بالدولار.
وكما بقية الأزمات السابقة، لن تكون تأثيرات خطر الركود بنفس الدرجة على الاقتصادات العربية، والتي تنقسم بين منتجة للنفط ومستهلكة له.
ونجحت الدول المنتجة للنفط في أكثر من أزمة سابقة بإدارة التحديات الاقتصادية التي واجهتها، بفضل الملاءة المالية المطمئنة التي تتمتع بها بفعل عائدات النفط الخام والغاز الطبيعي.
وأبرز الدول العربية التي تملك احتياطات مالية مرتفعة، هي: السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، الجزائر، العراق، وبدرجة أقل، سلطنة عمان والبحرين وليبيا.
وبينما قد يدفع الركود نحو إبطاء الطلب على مصادر الطاقة التقليدية، إلا أن العقوبات على النفط الروسي قد تبقي أسعار النفط عند مستويات مطمئنة فوق 80 دولاراً للبرميل، وهو مستوى مقابل للدول العربية النفطية.
في حين تم تعديل توقعات النمو بالنسبة لمعظم البلدان من جانب صندوق النقد الدولي، فقد تم تعديل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف لدول مجلس التعاون الخليجي.
ويرجع ذلك جزئياً بحسب تقارير لوكالة الأناضول، إلى مزيج من استمرار عائدات النفط القوية للدول المصدرة، والتي ستوفر حاجزاً لاقتصاداتها وتسمح لها بتحقيق فوائض مالية كبيرة، وتخفيف التضخم.
كيف سيكون حال الدول الأخرى غير النفطية؟
في الوقت نفسه، ستواجه الدول المستهلكة للنفط تحديات أكبر قد تعيدها سنوات إلى الوراء، لأنها لم تتعاف حتى اليوم من تبعات الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية.
هذا العام، اضطرت مصر إلى تحريك عملتها هبوطا أمام الدولار، وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي، بينما تعاني بلدان مثل تونس والأردن والسودان ولبنان من أزمات اقتصادية متباينة.
تونس التي طلبت مساعدة الصندوق أيضا ما تزال بانتظار توافق الأطراف كافة داخل البلاد قبيل موافقة الصندوق، فيما أنهى الأردن مؤخراَ موجة احتجاجات وقودها ارتفاع أسعار الديزل والمحروقات.
فرضية الركود، تعني أن الدول العربية المستوردة للخام ستدخل عاماَ ثالثاَ سلبياَ على المستوى الاقتصادي، بحكم اعتماد جزء من النقد الأجنبي الوارد إليها من خلال العمالة المهاجرة، والتي قد تتأثر مداخيلها بالركود.
كذلك، يلقي الركود بثقل مالي على الأسر والشركات حول العالم، ما يعني زيادة التقشف لتوفير النفقات الأساسية، والمحصلة تراجع السياحة الوافدة إلى عديد الدول العربية بصدارة مصر الباحثة عن مداخيل للنقد الأجنبي.
وتعتبر عائدات السياحة حتى قبيل الجائحة إحدى أهم ثلاثة عائدات لمصر من النقد الأجنبي، إلى جانب تحويلات العمالة المصرية في الخارج، وعائدات الصادرات.
ورغم أن سوق النفط توفر انتعاشاً إضافياً لمصدري الخام من الدول العربية، إلا أن المنطقة ليست محصنة ضد الضغط العالمي، بسبب التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة.
دول عربية من بين الأكثر عرضة لمخاطر أزمة ديون في العالم
تقول كارمن ألتنكيرش، المحللة السيادية للأسواق الناشئة في أفيفا إنفيستورز لوكالة Reuters، إن تونس تبدو واحدة من أكثر الدول عرضة لخطر التخلف عن سداد الديون مع عجز في الميزانية يقارب 10٪، وهو إحدى أعلى فواتير أجور القطاع العام في العالم، وهناك مخاوف بأن جدية الالتزام ببرنامج صندوق النقد الدولي قد تكون أمراً صعباً بسبب مسعى الرئيس قيس سعيد لتعزيز قبضته على السلطة ونقابة العمال القوية التي تعارض سياسته الاقتصادية.
وفي مصر، تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 95٪ في شهر يوليو/تموز 2022، وشهدت واحدة من أكبر هجرات النقد الدولي هذا العام، حوالي 11 مليار دولار، وفقاً لـ JPMorgan.
ولم يؤدِّ اتفاق صندوق النقد الدولي مع مصر الذي تضمن تقديم قرض أقل كثير من المتوقع، في حل أزمة العملة حتى الآن، فيما تترقب الأسواق المساعدات والاستثمارات الخليجية التي تحدث عنها صندوق النقد، والتي يبدو أنها تنتظر بدورها تحريراً حقيقياً لسعر الصرف وإصلاح اقتصادي يعزز دور القطاع الخاص، فيما الصادرات متوقفة تقريباً رغم وعود الحكومة بإزالة القيود.
وأحد الأمور المثيرة للقلق في عام 2023 هو الاستجابة البطيئة والمتوجسة من قبل الأسواق الدولية لخطة الإصلاح المدعومة من صندوق النقد الدولي التي تنفذها مصر إحدى أكثر دول العالم عرضة لأزمة ديون.
إذ تبدو الاستراتيجية الخاصة بمصر التي يقودها صندوق النقد الدولي لتجاوز أزمة الديون بمثابة وصفة رائجة لجذب المستثمرين الخارجيين لإقراض القاهرة لتسدد ديونها القديمة.
إلا أن اللافت أن صناديق إدارة الثروة تشكك في تنفيذ هذه الخطة، حسب تقرير لموقع "بلومبيرغ اقتصاد الشرق"، ولم يحدث إقبال على ديون مصر في الأسواق الدولية، في وقت الذي لا يستطيع قرض صندوق النقد المحدود القيمة تغطية فجوة الديون المصرية.
وحققت سندات مصر للمستثمرين سابع أفضل عائدات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من بين 72 دولة نامية تتعقبها بلومبرغ مع قرب بلوغ المفاوضات بينها وبين صندوق النقد الدولي نهايتها. لكن خلال الشهر الجاري، تأتي السندات المصرية متراجعة عن غالبية أقرانها بخسائر طفيفة.
في هذه الأثناء، صعدت عقود مقايضة مخاطر الائتمان فئة 5 أعوام 210 نقاط أساس خلال 5 أيام لتبلغ 1245 نقطة وهو ما يُعدّ أعلى كثيراً من مستوى ألف نقطة أساس الذي يعتبره محللون مثل جوردون باورز من شركة "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس" (Columbia Threadneedle Investments) بمثابة نقطة بداية الضائقة.
ويقول تقرير بلومبيرغ: "يُعدّ ذلك إنذاراً لحكومات أخرى بالأسواق الناشئة التي تعاني من ديون متعثرة وجدول أعمال غير مكتمل لإجراءات الإصلاح الاقتصادي بأن خطط صندوق النقد ليست حلاً سحرياً".