كان عام 2022 الأسوأ لأسواق الأسهم العالمية منذ أكثر من عقد كامل، والأشد وطأة على السندات منذ بداية القرن، وسجلت فيه بعض الدول المتقدمة التضخم الأعلى منذ 40 عاماً، فهل يكون اقتصاد العالم في 2023 أفضل حالاً، أم نشهد انحداراً إلى أزمة أخطر؟
في كل الأحوال ليس بعض المستثمرين على استعداد للتعامل مع الأشياء باعتبارها من المسلمات في 2023، بينما تنقسم التوقعات بشأن اقتصاد العالم في 2023 بين المتفائلين والمتشائمين.
ويراهن المتفائلون على اتجاه المصارف المركزية لخفض أسعار الفائدة، مع خروج الصين الكامل من عزلة كوفيد، وتراجع حدة الصراع في أوروبا. بينما يراقب آخرون المخاطر التي ربما تُعيد الأسواق إلى زمن الاضطرابات من جديد.
تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية عرض خمسة سيناريوهات حول توقعات أداء اقتصاد العالم في 2023 تهدد المستثمرين بمزيدٍ من الاضطرابات.
اقتصاد العالم في 2023 بين خطر استمرار التضخم أو الانحدار نحو الركود؟
وقال ماثيو ماكلينان، الرئيس المشارك في فريق القيمة العالمية بشركة First Eagle Investment Management: "تتوقع سوق السندات عودة التضخم إلى مستوياته الطبيعية في غضون 12 شهراً".
لكن تلك التوقعات ربما تحمل مغالطةً كبيرة؛ إذ تحدث ماكلينان عن وجود مخاطر حقيقية تتمثل في استمرار ارتفاع أسعار المستهلك بسبب نمو الأجور وضغوط جانب العرض، التي تشمل تكاليف الطاقة المرتفعة.
ومن الممكن أن تؤدي تلك المخاطر إلى استبعاد فكرة خفض الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة، وهي الخطوة التي تتوقع الأسواق حدوثها في منتصف العام.
الأثر غير المباشر: ستنخفض الأسهم والسندات أكثر، مع زيادة قوة الدولار واشتداد الألم في الأسواق الناشئة.
هناك مسألة قد تكون خطيرة هي ارتفاع تكاليف الإقراض التي ستفتح الباب أمام الركود، وتأثير ذلك الأمر على المستثمرين.
وأوضح ماكلينان: "لم يتوقع الاحتياطي الفيدرالي حدوث التضخم، وقد لا يلاحظون الأزمة المالية المقبلة في خضم سعيهم لمكافحة التضخم. ومن المحتمل للغاية أن الاحتياطي الفيدرالي يستهين في الوقت الراهن بخطر وقوع كارثة مالية".
تفاؤلات بإنهاء الصين لسياسة صفر كوفيد، ولكن هل ينهار نظامها الصحي أمام الجائحة؟
قفزت أسهم الصين بنحو 35% من قاعها في أكتوبر/تشرين الأول، وذلك استعداداً لاحتمالية إعادة فتح ثاني أكبر اقتصادات العالم بشكلٍ كامل عقب فترة الإغلاقات المطولة والصارمة.
لكن الفكرة المنافية لذلك التفاؤل تتمثل في المخاطر المحتملة بتعرض النظام الصحي للإنهاك، بالتزامن مع زيادة حالات العدوى، مما سيؤدي لانهيار النشاط الاقتصادي. وتَسبَّب تكدس المستشفيات واصطفاف الناس أمام دور العزاء في إثارة القلق خلال الأسابيع الماضية، كما شهدت المدن الكبرى تراجعاً في معدلات الحراك الاجتماعي.
وقالت مارسيلا شو، خبيرة الأسواق العالمية الاستراتيجية في JPMorgan Chase: "سيرتفع منحنى العدوى في الصين، ولن يبلغ ذروته إلا بعد شهرٍ أو شهرين من رأس السنة الصينية".
وتتوقع مارسيلا أن تنجح الصين في إعادة فتح اقتصادها، لكنها حذرت من "المخاطر المتعلقة بكيفية تطور كوفيد".
وما تزال انتعاشة الأسهم الصينية هشة، فضلاً عن أن ظهور أي فكرة تشير لتعثر النشاط الاقتصادي سيؤدي إلى تراجع الطلب في أسواق السلع، خاصة المعادن الصناعية وخام الحديد.
مخاوف من انتقال الحرب الروسية للمرحلة النووية، أو توسيع الغرب للعقوبات
"سيكون الوضع سلبياً للغاية في حال ساءت الحرب، وأصبح حلف الناتو أكثر تورطاً في الأعمال العدائية، وازدادت شدة العقوبات"، حسبما يقول جون فايل، كبير خبراء السوق العالمية الاستراتيجيين في Nikko Asset Management.
وأوضح فايل أن فرض عقوبات ثانوية ضد شركاء روسيا التجاريين، وأبرزهم الهند والصين، سيؤدي لتضخيم تأثير القيود الحالية في توقيت عصيب على الاقتصاد العالمي.
وأردف: "سيُحدث ذلك الأمر صدمةً كبيرة في المعروض العالمي على صعيد الغذاء، والطاقة، وغيرها من السلع؛ مثل الأسمدة وبعض المعادن والكيماويات".
ويتمثل السيناريو الأكثر إثارة للقلق في استخدام روسيا لسلاحٍ نوويٍ تكتيكي، وهو التهديد الذي يبدو مستبعداً، لكنه يظل احتمالاً قائماً. وسيؤدي ذلك السيناريو إلى القضاء على كامل صادرات أوكرانيا الزراعية بضربةٍ واحدة.
استمرار صعود الدولار قد يكون كارثياً للأسواق الناشئة
يتوقع العديد من المستثمرين تراجع قوة الدولار في عام 2023، بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة؛ مما سيؤدي إلى تخفيف الضغط عن الأسواق الناشئة.
لكن تلك النتيجة المأمولة في أسواق العملات ستتحطم في حال فشلت جهود كبح جماح التضخم. بينما يُعَدُّ اشتداد وتيرة الحرب في أوكرانيا أحد المخاطر التي يمكن أن تُعيد الارتفاع الجنوني في أسعار الطاقة من جديد.
ويقول شين أوليفر، رئيس استراتيجية واقتصاديات الاستثمار في AMP Services Ltd: "ربما نمر بعامٍ آخر تعاني فيه الأسواق الناشئة؛ إذ إن حفاظ الدولار الأمريكي على ارتفاعه، أو صعوده أكثر، لن يصب في صالح الدول ذات الأسواق الناشئة. ويرجع السبب إلى أن غالبية ديون تلك الدول مقومة بالدولار الأمريكي".
وستكون صعوبة هذا السيناريو أشد قسوة على حكومات الأسواق الناشئة، التي ستضطر لتحمل عبئاً أكبر على الديون الدولارية.
ظهور سلالات جديدة من كوفيد
من المحتمل أن تظهر سلالة مميتة أو شديدة العدوى لكوفيد-19، أو أن تدوم المتحورات الحالية لفترةٍ أطول؛ مما يهدد بعود التأثير على سلاسل التوريد مرةً أخرى. وستمتد موجات ذلك التأثير لتصيب معدلات التضخم وتسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي.
فيما قالت مارسيلا: "نعتقد أن الضربة القوية التي ستصيب النمو ستشعر بها الاقتصادات الأكبر حجماً أكثر من غيرها، وكذلك الاقتصادات المعتمدة على التجارة".
لكن مارسيلا تراهن في الوقت الحالي على أن الفيروس سيواصل انحساره، وتتوقع أن تتركز السلبية في الأسواق على أسعار المستثمرين أثناء الركود في الولايات المتحدة وأوروبا.