تسعى الصين إلى "ضم" تايوان بالأساليب السلمية، لكن المدى الزمني لذلك المسار ليس مفتوحاً للأبد، كما تقول بكين، فمتى يأتي الدور على الحل العسكري؟ ألعاب الحرب الغربية حددت التاريخ والسيناريوهات.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولةً ذات سيادة، وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين تصرُّ على أنها ستستعيد الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.
ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك، ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها مؤخراً، في ظل إرسال الجيش الصيني عدداً قياسياً من الطائرات الحربية بالقرب من الجزيرة.
متى يبدأ "غزو" تايوان؟
مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "كيف يتطور الغزو الصيني لتايوان؟"، نقل فيه تفاصيل "سيناريوهات الحرب" من خلال ألعاب مصممة خصيصاً لهذا الغرض، لكنها ليست ألعاب فيديو مفتوحة للجميع.
فتلك الألعاب عبارة عن سيناريوهات ترصد الأوضاع الحالية على الأرض وكيف يمكن أن تتطور لاحقاً، ويشارك فيها خبراء عسكريون وجيوسياسيون يمثلون أطراف الصراع الصيني التايواني.
وبينما كان أطراف لعبة الحرب هذه هذه ينفذون تحركاتهم في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ، في العالم الحقيقي، يخبر قادة جيشه بـ "تعزيز التدريب العسكري الشامل استعداداً للحرب" – وهي كلمات يُنظَر إليها على أنها تحذير لتايوان والولايات المتحدة، التي تساعد في تسليح تايبيه وتتمسك بسياسة "إبقائهم في حالة تخمين" حول استعدادها للدفاع عن الجزيرة.
الموقف في لعبة محاكاة الحرب تلك حدد عام 2025، حيث حاصرت الصين تايوان، وتحلق حاملات الطائرات والغواصات والطائرات الحربية حول الجزيرة؛ مما يمنع وصول جميع المساعدات الإنسانية. وتحوم البوارج الأمريكية والتايوانية والحلفاء في مكان قريب، لكن آلت المحادثات المتوترة إلى الفشل. ثم يبدأ "غزو" دموي.
الرائد توم موات يشاهد بقلق؛ ليست هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور عادة. قال: "لقد دخلنا في حرب إطلاق نار، وهو أمر محبط حقاً". أجرى خبير ألعاب الحرب البريطاني هذه المحاكاة من قبل.
عادةً، عند مقارنة طموحات بكين للسيطرة على التزام جارتها الديمقراطية بالحكم الذاتي، فإنَّ الصراع "يقترب قليلاً من الحدوث". ثم يتراجع الجميع. لكن هذه المرة، كما قال موات، هناك سيل من "الإعلانات الصادرة من الصين، وغيرت [الحرب في] أوكرانيا التوازن".
يجلس الرائد توم موات في قاعة طويلة تصطف على جانبيها دبابات وطائرة بدون طيار وطائرة مقاتلة، وهي جزء من معرض تدريبي في أكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة، حيث يعمل. وتقبع أمامه طاولات قابلة للطي تحمل خريطة ألعاب لشرق آسيا وعليها نقاط من أقراص خشبية ترمز لسفن وطائرات وقوات وأسلحة نووية وأموال وجواسيس، وقرص ظل يناديه بـ "العمل الدبلوماسي الغامض".
حول الطاولة، يلعب أفراد الجيش والأكاديميين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة -الذين يجب أن يظلوا مجهولين لأسباب أمنية- دور القيادة الصينية والجيش الصيني وحكومات الولايات المتحدة وتايوان وأستراليا واليابان. وقد حددوا أهداف سياستهم السرية، ويقترحون واحداً تلو الآخر أي شيء يريدون حدوثه سعياً وراء أهداف بلدانهم – أي شيء يمكنهم تقديم حجة مقنعة من أجله.
ثم يناقش اللاعبون كل تحرك، وإذا اختلفوا حول مدى معقوليته، فإنَّ الرائد موات -بصفته مُيسِر اللعبة- يحكم على فرص نجاحه من كل من اللاعبين الآخرين والمراقبين الخبراء حول الطاولة الذين يختارون من بين 10% إلى 90% من بطاقات الاحتمال. ثم يرمي النرد الذي يمثل الفرص. وتُحسَب فرص النجاح أو الفشل من خلال منحنى احتمالية يجمع بين الأرقام الموجودة على النرد ومتوسط النسب المئوية على البطاقات.
ألعاب الحرب الغربية ليست أمراً جديداً
وقال خبير الألعاب الحربية في شركة Rand Corporation، ديفيد شلاباك، لمجلة فورين بوليسي إنَّ الدبلوماسيين والمحللين السياسيين وكبار المسؤولين العسكريين يستخدمون ما يسمى بألعاب لوحة المصفوفة مثل هذه بانتظام ليس فقط لاكتشاف كيف يمكن أن تتطور الصراعات، بل أيضاً "لمواجهة أنفسهم بالأشياء التي يعرفون أنها صحيحة، لكنهم مترددون في قبولها. إنَّ جعلهم يفهمون معتقداتهم غير المعلنة عن العالم أمر ذو قيمة هائلة".
وقد ساعدت مثل هذه الألعاب في تحليل العديد من المعضلات العالمية ويُنسب إليها، على سبيل المثال، دور رئيسي في هزيمة غواصات يو الألمانية في الحرب العالمية الثانية.
تبدأ لعبة اليوم في الوقت الحاضر مع لاعب الحكومة الصينية الذي يدفع بسياسة التوحيد من خلال الضغط الاقتصادي. وتقدم بكين إمدادات غذائية مدعومة إلى تايبيه لتقويض المصالح الأمريكية وكسب نفوذ على اقتصاد الجزيرة.
ولم يعترض أي من اللاعبين، كلهم يعتبرون الإجراء روتينياً، لذا، تمضي بكين قدماً في تحركها. لكن الجزيرة غير منزعجة. من جانبها، تمد تايوان فترة خدمتها العسكرية الإجبارية لتعزيز قواتها التي تتفوق الصين عليها تفوقاً كبيراً.
وترسل واشنطن وفداً اقتصادياً إلى بكين على أمل نزع فتيل التوترات، لكن اللاعبين والمراقبين الخبراء يتأوهون. فقد خرجت بطاقات الاحتمالات؛ مما وضع فرصة 30% للنجاح، وأظهرت لفة النرد المنخفضة أنَّ عرضاً أمريكياً فشل في المساعدة.
بعد مرور عام، في وقت اللعبة السريع، عززت الولايات المتحدة التدريبات البحرية العسكرية مع أستراليا واليابان ودول أخرى قبالة سواحل الفلبين. ورداً على ذلك، تقدم الصين استعراضاً كبيراً للقوة حول مضيق تايوان، كما فعلت عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في أغسطس/آب 2022.
كانت نانسي بيلوسي قد زارت تايوان يوم 2 أغسطس/آب، لتصبح أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور الجزيرة منذ عقود، وهي الزيارة التي نتج عنها تغيير جذري في الوضع القائم، حيث فرضت الصين حصاراً شاملاً على تايوان وأجرت محاكاة عملية للاستيلاء على الجزيرة بالقوة.
إذ تغير كل شيء في مضيق تايوان من خلال التدريبات العسكرية غير المسبوقة التي نفذها جيش التحرير الشعبي بأفرعه المختلفة وفرض من خلالها حصاراً كاملاً على الجزيرة، ليفرض وضعاً راهناً جديداً لم يكن له وجود منذ انفصال تايوان والصين عام 1947.
فقبل الزيارة كان لتايوان مياهها وأجواؤها الإقليمية، وكان دخول طائرات صينية إلى تلك الأجواء أو عبور سفن للمياه في مضيق تايوان بأقل من 12 ميلاً بحرياً من شواطئ تايوان يثير أزمة دبلوماسية كبيرة وتجد بكين نفسها موضع اتهامات بأنها تسعى لتغيير الأمر الواقع بالقوة. وصحيح أن الصين كانت تفعل ذلك من وقت لآخر قبل الزيارة، لكن بأعداد محدودة من الطائرات وعلى فترات متباعدة، وكانت تتعرض لانتقادات شديدة.
أما بمجرد أن أقلعت بيلوسي من تايوان عائدة إلى الولايات المتحدة، اختلفت الأمور تماماً، فأعلنت الصين عن تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية وعلى مستوى لم يحدث من قبل قط، وصفتها الأوساط العسكرية الغربية بأنها "تدريبات الصدمة والرعب". ومن المستحيل أن تكون تلك التدريبات، بذلك الحجم والدقة، قد تم التخطيط لها قُبيل زيارة بيلوسي، بل الواضح أنها مُعدَّة منذ سنوات، فما الذي كانت تنتظره الصين كي تُجري تدريباً شاملاً على السيطرة على تايوان وتجاهل "مياهها وأجوائها" الإقليمية كما حدث؟ كانت الصين تنتظر "استفزازاً" يمثل غطاء لتدريباتها تلك، بحسب مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وجاءت زيارة بيلوسي لتقدم لها "ذلك الغطاء على طبق من ذهب".
كيف تناور الصين لتحديد "ساعة الصفر"؟
يعلن الرائد موات أنَّ اللعبة قفزت الآن سنة أخرى. بدأت الصين، التي رفضت المبادرات الدبلوماسية مع تايوان، احتلالاً خفياً لجزر كينمن. وتعد هذه الجزر المُحصّنة، التي تقع قبالة سواحل الصين، وجهة مفضلة للسياح الصينيين، لكن تبيّن أنَّ الدفعة الأخيرة كانت من الجنود الذين لا يرتدون الزي العسكري، والذين، دون إطلاق رصاصة واحدة، يحتلون هذا الجزء النائي من تايوان. وأعلنت الولايات المتحدة عن إرسال أسلحة جديدة عالية التقنية إلى تايوان.
وتدافع تايوان عن كينمن وجزرها الساحلية الأخرى النائية والواقعة على الجبهة الأمامية باستخدام ألغام بحرية. وترد الصين بقوة بفرض حصار جوي وبحري؛ مما يفصل سكان تايوان البالغ عددهم 23.5 مليون نسمة عن العالم الخارجي. وهكذا بدأت مواجهة على غرار أزمة الصواريخ الكوبية، مع السماح بدخول المساعدات الإنسانية فقط.
والآن في أوائل عام 2025، تجتمع الصين والولايات المتحدة وتايوان لإجراء مفاوضات، التي تعثّرت بسرعة – مع إصرار الصين على قبول تايوان للسيطرة الصينية، وتايوان تقف بحزم في رفض هذا التوحيد غير الطوعي. وحتى الآن، لم تُضرَب أية طلقات، لكن الصين تحشد قوات الغزو على ساحلها، وهي عملية تستغرق شهراً على الأقل.
لاعب الحكومة الصينية يعتقد أنَّ الوقت مناسب. فقد أصدر الجيش الصيني إعلاناً مخيفاً يقول: "نسأل [شعب تايوان] ما إذا كانوا على استعداد لخسارة كل شيء تماماً [بدلاً من] التوصل إلى حل مقبول للطرفين".
ومع تعثر المفاوضات، تحلق الصين قوات خاصة للقبض على القادة التايوانيين المنتخبين في تايبيه (مثلما حاولت روسيا في كييف في وقت مبكر من غزوها). والآن يبدأ إراقة الدماء. إنَّ الضغط وصولاً لغزو كامل يخاطر بخسائر فادحة في القوات الصينية، وكارثة أكبر في تايوان، واضطراب في ميزان القوى العالمي. لكن الولايات المتحدة ما زالت مترددة، وغير راغبة في إرسال قوات، وتصر على نقل الصراع إلى الأمم المتحدة، الذي يستغرق أسبوعاً آخر.
وهنا تنتهي لعبة محاكاة الحرب!
ويقول الرائد موات: معرفة كيف ينتشر القتال وموجات الصدمة يستلزم شكل لعبة آخر؛ وهي "لعبة غزو تايوان"، باستخدام قواعد مختلفة.
وفي موجز لتقديم المعلومات، قالت اللاعبة التي تمثل الحكومة الصينية إنها لعبت بقوة لكنها زعمت أنه كان "تصعيداً متوازناً للغاية"؛ لأنَّ بكين سمحت بدخول المساعدات الإنسانية وحاولت "تجويعها" قبل الهجوم.
لكن لماذا فشلت الولايات المتحدة في الرد على الغزو في الوقت المناسب؟ أجاب اللاعب الأمريكي بالإشارة إلى الافتقار إلى الدعم العالمي لشرعية تايوان والإرهاق بعد حرب أوكرانيا. هل يمكن أن تخاطر الصين أو الولايات المتحدة حقاً بالاستغناء عن تصنيع الرقائق الدقيقة الرائد عالمياً في تايوان؟ لماذا لم تكسر الولايات المتحدة الحصار بالقوة وتفرض عقوبات على الصين عندما سنحت لها الفرصة؟ هل يمكن أن يقنع ذلك الصين بالتراجع؟
وفقاً لموات، يمكن لألعاب المصفوفة الحصول على إجابات صحيحة بنسبة 60% أفضل من العديد من المحللين الأفراد، لكن الهدف النهائي هو تحفيز "المحادثات الذكية".
واتفق الخبراء الذين استشارتهم مجلة Foreign Policy قبل لعبة الحرب على أنَّ الغزو ممكن، بل ومحتمل، لكنهم اختلفوا حول موعد حدوثه. قال المحلل إيان إيستون، مؤلف كتاب "The Chinese Invasion Threat -تهديد الغزو الصيني": "بالنظر إلى سجل الرئيس الصيني شي جين بينغ، يمكن أن تبدأ الحرب في أي وقت، ويمكن أن تتكشف بطرق تفاجئنا جميعاً". بالنسبة لإيستون، علاوة على التعزيزات العسكرية الصينية، كان إطلاق بكين للصواريخ الباليستية بالقرب من تايوان في أغسطس/آب "سلوكاً مزعزعاً للاستقرار" لا أساس له في القانون الدولي، وبالتالي "يجب اعتباره إشارة على نية عدائية".