تنشط الجرافات الإسرائيلية في الكثير من المواقع في القدس الشرقية ومحيطها، بحفر أنفاق وإقامة جسور، بالتزامن مع تواصل أعمال البناء الاستيطاني.
وينظر الفلسطينيون بعين القلق الشديد إلى هذه الأعمال التي ازدادت وتيرتها في 2022، وتقول تل أبيب إنها تهدف إلى تسهيل حركة المواصلات وجلب المزيد من السكان الإسرائيليين إلى القدس.
دمج شقي القدس
خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في "جمعية الدراسات العربية" بالقدس، قال للأناضول، إن "الجانب الإسرائيلي يستعجل الأمور لإنهاء قضية القدس من خلال الدمج ما بين شطري المدينة الشرقي والغربي، عبر إقامة البنى التحتية، سواء أكانت أنفاقاً أو جسوراً أو سككاً حديدية وغيرها".
وأضاف التفكجي: "هذا يدل على أن الجانب الإسرائيلي يريد أن يحسم مستقبل القدس بشكل كامل".
ويقول الفلسطينيون إن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، فيما تعتبر إسرائيل المدينة بشطريها عاصمة لها.
وكان معهد القدس لبحث السياسات (إسرائيلي متخصص بشؤون القدس)، ذكر أن "عدد سكان القدس بشطريها يبلغ 951 ألف نسمة؛ بينهم 570 ألف إسرائيلي، و366 ألف فلسطيني".
ويتركز الفلسطينيون في القدس الشرقية، ولكن هناك بهذا الجزء من المدينة أيضاً أكثر من 229 ألف مستوطن في 14 مستوطنة، بحسب معطيات حركة "السلام الآن" الإسرائيلية.
وتهدف أعمال البنى التحتية إلى ربط المستوطنات الإسرائيلية بعضها ببعض، وربطها بالقدس الغربية وأيضاً بالطرق السريعة المؤدية إلى تل أبيب.
وأوضح التفكجي: "من خلال المراقبة السنوية التي لاحظناها داخل القدس فإن عملية التهويد تشمل كل شيء، بمعنى تغيير المشهد العام في المدينة وإقامة البؤر الاستيطانية وحسم البرنامج الإسرائيلي في قضية القدس الذي يسير بوتيرة متسارعة".
وأضاف: "يتم الانتهاء من إقامة البنى التحتية بسرعة، ومنها الشارع الأمريكي (يبدأ جنوب شرق القدس الشرقية ويصل إلى شرقها) وشارع الأنفاق في شعفاط (شمالي المدينة)، والأنفاق التي تربط القدس الغربية باتجاه القدس الشرقية".
وتابع: "إضافة إلى ربط القدس مع القدس الكبرى من خلال الشوارع العريضة وفتح الأنفاق تحت بلدة بيت جالا (بالضفة الغربية)، فهناك نفقان جاهزان الآن، بالإضافة إلى توسيع الشوارع باتجاه الأغوار، وباتجاه شمال غرب القدس".
وأشار التفكجي إلى أن "إقامة المستوطنات الجديدة وتوسيع القائمة تندرج ضمن إطار كبير جداً، وهو قضية القدس الكبرى وحسمها باتجاه أنها غير قابلة للمفاوضات وأنها عاصمة لدولة واحدة يسكنها أقلية عربية وأغلبية يهودية".
مناقصات لبناء 400 وحدة استيطانية
يأتي ذلك بالتزامن مع كشف حركة السلام الآن (يسارية) معطيات في موقعها الإلكتروني عن نشر إسرائيل مناقصات لبناء 400 وحدة استيطانية في القدس الشرقية 2022.
وفي ذات الوقت، أبلغ منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، أن إسرائيل دفعت خلال 2022 خطط بناء 3 آلاف و100 وحدة استيطانية بالقدس الشرقية.
وأشار وينسلاند في الكلمة التي حصلت الأناضول على نسخة منها إلى أن هذا العدد يمثل 3 أضعاف عدد الوحدات الاستيطانية التي تم دفعها في 2021، والبالغة 900 وحدة.
التفكجي لفت أيضاً إلى أن ما تتم إقامته على الأرض فعلاً هو أعلى من ذلك، وقال: "كثير من الوحدات الاستيطانية يتم إقامتها تنفيذاً لقرارات قديمة".
المسؤول بجمعية الدراسات العربية قدم أمثلة عن ذلك، "ففي السنوات الماضية تم إقرار إقامة 1600 وحدة في مستوطنة رامات شلومو و600 وحدة في مستوطنة بسغات زئيف و1300 وحدة في مستوطنة غيلو".
وأشار إلى أن هذه المستوطنات "تم إقرارها في السنوات الماضية، ولكن جرى تنفيذها هذا العام وبشكل متسارع".
ازدياد الانتهاكات
بالمقابل، لاحظ زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية (خاص)، ازدياداً ملحوظاً في وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية ضد المقدسيين ومقدساتهم وتراثهم خلال 2022.
وقال الحموري للأناضول: "أولاً، فيما يخص المسجد الأقصى، فإن وتيرة الاقتحامات ازدادت بشكل ملحوظ وسجلت رقماً قياسياً خلال العام الجاري، مقارنة مع كل السنوات الماضية منذ بدء الاقتحامات في 2003 بصورة أحادية، رغم الاحتجاجات المتكررة من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس".
وأضاف: "وبما لا يقل خطورة لاحظنا الزيادة في محاولات أداء طقوس تلمودية وصلوات خلال الاقتحامات، وخاصة في الناحية الشرقية من المسجد، مع تسجيل سابقة رفع العلم الإسرائيلي في باحاته من قبل متطرفين، مع تصاعد دعوات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد بين المسلمين واليهود".
ثانياً، أشار الحموري إلى "ازدياد عمليات هدم المنازل، حيث تم هدم ما يزيد عن 150 منزلاً بدعوى البناء غير المرخص، مع وجود أكثر من 20 ألف منزل تحت خطر الهدم".
وقال: "قسم كبير من هذه المنازل تم إجبار أصحابها على هدمها في إطار ما يسمى بالهدم الذاتي تحت وطأة التهديد بفرض غرامات مالية باهظة جداً على أصحابها".
الأمر الثالث الذي لفت إليه مدير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية، "استمرار سياسة طرد فلسطينيين من القدس الشرقية عبر شطب الهويات، آخرها حالة المحامي صلاح الحموري، الذي تم إبعاده قسراً إلى فرنسا".
وتابع: "هناك أيضاً المئات من حالات الإبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس لفترات تتفاوت ما بين أسبوع إلى 6 أشهر".
ولفت الحموري أيضاً إلى "إعلان السلطات الإسرائيلية عن مخططات وقوانين تستهدف الوجود الفلسطيني في المدينة، مثل قانون التسوية وتغيير الوجه العربي للقدس مثل مخطط ما يسمى بمركز المدينة".
وأشار إلى استمرار ارتفاع وتيرة الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال والنساء.
واعتبر الحموري أن مجمل هذه الانتهاكات تدل على أن "إسرائيل ماضية وبتسارع في مخطط إيجاد أغلبية يهودية مطلقة بالمدينة وطرد الفلسطينيين، وتحويل الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية إلى جزر معزولة في إطار ما يسمى بالقدس الكبرى".