يستعد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، لأداء اليمين الدستورية والعودة إلى السلطة بعد تشكيل حكومته الجديدة، لكن المخاوف تتزايد خلال ذلك من تأثير الصفقات، التي عقدها نتنياهو لنيل المساندة من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، على مستقبل "إسرائيل" وقواعد الديمقراطية الليبرالية التي يُزعم الاحتكام إليها.
التيار المتطرف المتحالف مع نتنياهو يستعد لإقرار تشريعات غير مسبوقة
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن الائتلاف الناشئ في تشكيل الحكومة الإسرائيلية يُوصف بأنه أكثر الإدارات تشدداً وأوغلها في التأثر بالاتجاهات الدينية في تاريخ إسرائيل، ويتألف من حزب الليكود اليميني المحافظ بزعامة نتنياهو وخمسة فصائل أخرى من اليمين السياسي والديني المتشدد.
أُزيح نتنياهو عن منصبه قبل 18 شهراً، ويُحاكم بتهمة الفساد والرشوة، ما جعله أشد اعتماداً على هؤلاء الحلفاء المتشددين لأن الأحزاب الليبرالية ترفض مشاركته في حكومة يقودها رئيس وزراء يخضع للمحاكمة بتهم جنائية. ويقول معارضون إن هذا الاعتماد أضعف نتنياهو في مفاوضات تشكيل الائتلاف، وأجبره على مسايرة بعض المطالب التي تقتضي تغييرات بعيدة المدى، من شأنها أن تحدَّ من صلاحيات القضاء وتضعف استقلالية الشرطة عن الجهاز التنفيذي.
يحتاج حلفاء نتنياهو المتشددون إليه بقدر حاجته إليهم، فهم أيضاً ليس لديهم طريق آخر للوصول إلى السلطة، لكن افتقارهم إلى الثقة به، لسابق سجله الحافل بالوعود لشركائه ثم مخالفتها، دفعهم إلى الإصرار على تسريع وتيرة الدفع بتشريعاتهم المطلوبة في الكنيست قبل تشكيل الحكومة وترسيخ أدوارهم وسلطاتهم الجديدة قانونياً، إلا أن هذا قد يكون له عواقب وخيمة على الديمقراطية المزعومة في إسرائيل، كما تقول الصحيفة الأمريكية.
قالت جايل تلشير، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، للصحيفة، إن "ما نراه من اتفاقات على إقرار تشريعات قبل تشكيل الحكومة هو تغيير في القواعد الحاكمة للديمقراطية الإسرائيلية".
"بيع لمستقبل إسرائيل بثمن بخس".. ما الذي تتضمنه التشريعات الجديدة؟
من جهته، وصف يائير لابيد، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، الحكومةَ الجديدة يوم الخميس 22 ديسمبر/كانون الأول 2022، بأنها "خطيرة ومتطرفة ولا تتحلى بالمسؤولية"، و"ستكون عواقب توليها سيئة على البلاد"، فما يحدث هو "بيع لمستقبل إسرائيل بثمن بخس".
تقول نيويورك تايمز، تتضمن مسودات الاتفاق الائتلافية والتشريعات التي من المقرر أن تتعجل الحكومة الجديدة إقرارها مقترحات من شأنها تجاوز قرارات المحكمة العليا، وزيادة نفوذ السياسيين في اختيار القضاة. وتوسِّع التعديلات القانونية المقترحة من صلاحيات وزير الأمن القومي الجديد، إيتمار بن غفير، في الإشراف على الشرطة. وبن غفير هو زعيم حزب "العظمة اليهودية" المتطرف وأبرز المدافعين عن مشروع القانون الذي يزيد من النفوذ السياسي للشرطة، وهو أمر يقول المعارضون إنه يسمح له بتسييس استخدام القوة الأمنية.
تتضمن الاتفاقيات مع الائتلاف اليميني المتشدد تغييراً قانونياً يُتيح لزعيم حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، العمل في منصب وزير ثانٍ بوزارة الدفاع. ويسعى حزب سموتريتش إلى ضم الضفة الغربية المحتلة، وقد حصل على وعود بتمكينه من حيازة السلطة على الوكالات التي تتعامل مع المستوطنات اليهودية والإجراءات المدنية للفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، بالتشاور مع رئيس الوزراء.
أما التغيير التشريعي الثالث فيسمح لأرييه درعي، زعيم حزب شاس الديني المتشدد، بالعمل وزيراً على الرغم من إدانته حديثاً، والحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ بتهمة الاحتيال الضريبي. ويقول مراقبون إن هذا التعديل قد وُضع ليلجأ إليه نتنياهو إذا أُدين في المحاكمة الجارية له، أو توصل إلى اتفاق يتضمن حكماً مع وقف التنفيذ.
تعديلات دستورية تنتظر موافقة نهائية
مع ذلك، يقول خبراء إن التغييرات المقترحة في الاتفاقات الائتلافية لا تزال في حالة تعديل مستمرة. ويرى يوهانان بليسنر، رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن "التوصل إلى تغييرات سياسية دستورية بهذه السرعة غير المسبوقة، وقبل حتى تشكيل الحكومة، يدل على هشاشة ديمقراطيتنا"، إلا أنه شدد على أن هذه الممارسات ليست الأولى من نوعها في إسرائيل، وما زالت الأمور تحتمل مسارات مختلفة، "فعادة ما تختلف أفكار السياسيين ومشروعاتهم وتصريحاتهم قبل الانتخابات عما يحدث بالفعل في غرف التفاوض، ويتجلى في الاتفاقات الائتلافية وسياسة الحكومة".
زاد التيار اليميني قوةً في البلاد خلال أكثر من 15 عاماً لنتنياهو في السلطة، إلا أنه يوصف الآن بأنه القوة المائلة للاعتدال في حكومته بالقياس إلى شركائه الأكثر تشدداً منه. وقد استنكر نتنياهو التحذيرات من إضرار حكومته بالديمقراطية الإسرائيلية، ووصفها بأنها فزاعة يطلقها الخاسرون في الانتخابات، وتعهد بالعمل لمصلحة جميع مواطني إسرائيل.
وقال نتنياهو في خطاب ألقاه حديثاً أمام البرلمان: "لقد انتُخبنا لقيادة البلاد في طريقنا، طريق اليمين الوطني وطريق اليمين الليبرالي، وهذا ما سنفعله".
تدور أبرز المخاوف بشأن الحكومة الجديدة حول الصلاحيات الموسعة لسلطات بن غفير، وزير الأمن القومي الجديد، وقد اجتاز مشروع القانون العرض الأول في البرلمان، لكنه ما زال ينتظر الموافقة النهائية.
في الماضي، كان الوزير المشرف على الشرطة يضع خطط سياساته بالتشاور مع مفوض الشرطة، لكنه لا يتدخل في الإجراءات التنفيذية، ولا يكون له تأثير في التحقيقات. أما التشريع المُقترح، فيُخضِع الشرطة لسلطة الوزير، ويمنحه الحق في تحديد الترتيب المتبع في التحقيقات والإطار الزمني لها، ما دفع مسؤولين قانونيين وخبراء إلى إبداء تخوفهم من تسييس السلطات الأمنية الممنوحة للوزير.
قال عومر بارليف، وزير الأمن العام المنتهية ولايته، أمام البرلمان هذا الأسبوع، إن هذه التشريعات تعني "خضوع شرطة إسرائيل لإدارة رجل خطير وعدواني، يفتقر إلى رزانة المسؤولية والخبرة، ويرغب في تحويل الشرطة إلى أداة سياسية، وتحويل مفوض الشرطة إلى دمية".
يقول بن غفير إن الشرطة يجب أن تخضع لتوجهات الرئيس السياسية، على النحو نفسه الذي ينفذ به الجيش سياسات الحكومة. لكن المعارضين يقولون إن الجيش يحارب أعداء إسرائيل، أما الشرطة فمُهمتها التعامل مع المواطنين الإسرائيليين، ومنهم السياسيون الفاسدون.
قالت عايدة توما سليمان، النائبة الفلسطينية بالكنيست الإسرائيلي، للجنة التي تناقش المشروع، إن أهداف الوزير القادم "أيديولوجية" و"عنصرية" وستؤول إلى إنشاء "شرطة مسيَّسة"، حسب تعبيرها.
انقسامات وانتقادات متصاعدة
من جهة أخرى، قال ناشطون حقوقيون في إسرائيل، إنهم متخوفون مما يمنحه التشريع الجديد لبن غفير من سيطرة أوسع على الشرطة، واستخدام ذلك في قمع الاحتجاجات. وذكرت نوا ساتاث، المديرة التنفيذية لجمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، أن منظمتها قدمت التماساً إلى اللجنة البرلمانية المعنية بمناقشة مشروع القانون لاستبعاد الاحتجاجات من البنود الخاضعة لسلطة بن غفير، وأيَّدهم المستشار القانوني للجنة في ذلك، إلا أن بن غفير رفض هذه التوصية.
وقالت ساتاث: "من الواضح أن الوزير يريد أن تكون له السلطة في طريقة تعامل الشرطة مع الاحتجاجات"، وهذا يهدد أحد أسس النظام الديمقراطي الإسرائيلي.
في مواجهة الانتقادات المتصاعدة، قال بن غفير أمام اللجنة البرلمانية، يوم الخميس 22 ديسمبر/كانون الأول، إنه سيؤجل المناقشات والتصويت على أكثر البنود إثارة للجدل في مشروع القانون إلى ما بعد تنصيب الحكومة.
وأشار خبراء آخرون إلى أن المقترحات الرامية إلى تغيير الطريقة التي يعمل بها القضاء، وصلاحيات المحكمة العليا مقلقة على وجه الخصوص، لأن المحكمة العليا لطالما عدَّها الليبراليون الإسرائيليون والخبراء إحدى أهم مؤسسات الدولة المعنية بحماية قواعد الديمقراطية الليبرالية من التآكل. ولما كانت إسرائيل ليس لديها سوى مجلس برلماني واحد، وليس لديها دستور رسمي، فإن القضاء له دور حاسم في حماية حقوق الأقليات وموازنة أحكام الأغلبية البرلمانية.
قال بليسنر، رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، في مؤتمر عُقد حديثاً في مؤسسته عن الآثار المترتبة على التغييرات القضائية التي تقدَّم بها نواب الائتلاف الحكومي القادم: "سيتعين علينا في الأسابيع المقبلة أن نواجه أخطر التهديدات التي شهدتها الديمقراطية الإسرائيلية في العقود الأخيرة. فالقضايا المطروحة على جدول الأعمال تمسُّ طبيعة الدولة والحقوق الأساسية لكل واحد منا"، حسب تعبيره.