لماذا نشر إيلون ماسك استطلاعاً للرأي بشأن استمراره مديراً تنفيذياً لمنصة تويتر التي يمتلكها من عدمه؟
فبعد أقل من شهرين من دخول الملياردير الأمريكي مقر شركة تويتر حاملاً "حوض غسيل"، انفرد خلال تلك الفترة بإدارة منصة التواصل الاجتماعي المفضلة للسياسيين والمشاهير حول العالم منفرداً، أطلق ماسك استفتاء على حسابه الرسمي يسأل متابعيه إذا ما كان عليه التنحي أم لا.
وجاءت نتيجة التصويت، الذي أطلقه ماسك الإثنين 19 ديسمبر/كانون الأول، صوَّت 57.5 بالمئة من المشاركين بالإيجاب بينما عارض 42.5 بالمئة فكرة تنحي ماسك عن رئاسة تويتر، وشارك في الاستطلاع أكثر من 17.5 مليون شخص.
هل سيتنحى ماسك عن إدارة تويتر فعلاً؟
كان أغنى رجل في العالم سابقاً قد أعلن أنه سيلتزم بنتيجة الاستطلاع أياً كانت، لكنه لم يذكر تفاصيل بشأن توقيت تنحيه إذا جاءت النتيجة لصالح التنحي، وهو ما حدث بالفعل.
ولم يتفاعل بعد ماسك، الذي ظهر في نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر مساء الأحد، مع نتائج الاستطلاع، كما لم ترد منصة تويتر حتى الثلاثاء 20 ديسمبر/كانون الأول على طلب للتعليق.
تأتي خطوة الاستفتاء المفاجئ كأحدث تطور في مسلسل ماسك وتويتر، الذي كان قد بدأ خلال أبريل/نيسان الماضي بإعلان رجل الأعمال المثير للجدل التوصل لصفقة شراء شركة تويتر مقابل 44 مليار دولار، وكان ذلك الرقم وقتها يعادل ضعف القيمة السوقية للمنصة.
كان الإعلان عن الاتفاق بشأن صفقة تويتر واحداً من أكثر الأخبار متابعة حول العالم، وذلك بسبب ما قد يعنيه تحوُّل المنصة، التي يستخدمها يومياً نحو 300 مليون شخص، ويعتمد عليها زعماء العالم السياسيون والاقتصاديون وغيرهم، من شركة مساهمة إلى ملكية فردية، وما قد يعنيه ذلك من تغييرات جذرية على أداء تويتر.
لكن منذ اللحظة الأولى لتوقيع الصفقة يوم 25 أبريل/نيسان الماضي، بدا وكأن ماسك يشكك في دقة التقارير العامة والإفصاحات الصادرة عن تويتر بشأن حسابات البريد الوهمية التي تمثل أقل من 5% من قاعدة مستخدمي منصة التواصل الاجتماعي، قائلاً إنها يجب أن تكون 20% على الأقل.
لكن تشكيك ماسك في تلك الإفصاحات تجاهل بشكل واضح حقيقة أن تويتر نفسها أقرت، في تلك الإفصاحات، بأن الأرقام الخاصة بالحسابات الوهمية قد تكون أعلى من التقديرات التي تحملها التقارير الخاصة بالشركة. وكان باحثون مستقلون قد توقعوا أن 9 إلى 15% من ملايين الملفات الشخصية على تويتر ما هي إلا حسابات مزيفة.
ثم أعلن ماسك، يوم 13 مايو/أيار الماضي، عن تعليق صفقة شراء تويتر "بشكل مؤقت"، بعد أن نشرت منصة التواصل الاجتماعي تقريراً يربط بين عدد الحسابات المزيفة والعشوائية ومستخدميها النشطين المربحين. ووقتها نقل تقرير لـ"رويترز" وثائق رسمية قدمتها "تويتر"، ذكرت أن أقل من 5% من 226 مليون مستخدم نشط، يُدرُّون المال على الشركة، هم من الحسابات المزيفة والعشوائية.
ماذا يريد ماسك من استفتاء "التنحي"؟
إذا كان ماسك يريد من وراء الاستفتاء أن يعزز موقعه كمدير تنفيذي لتويتر ينفرد باتخاذ القرارات ويفصل من يريد وقتما يريد ويغير في هيكل المنصة وسماتها دون مشاركة من أحد، فقد جاءت النتيجة عكسية تماما وبشكل مذهل.
أما إذا كان الملياردير الأمريكي يسعى إلى إيجاد مخرج من المشكلة الكبيرة، التي وجد نفسه عالقاً بها منذ أن تم إحباره على شراء تويتر، فقد حقق له الاستفتاء ما أراده بالتحديد، ويتبقى فقط تفاصيل التنفيذ، بحسب تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ومن المهم هنا أن نتذكر كيف قضى مالك شركتي تسلا وسبيس إكس شهوراً في محاولة التهرب من شراء شركة تويتر. فعلى الرغم من أنه سعى للاستحواذ على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي، وظل يضغط على مجلس الإدارة لمدة أسبوعين حتى وافقوا على عرضه بالفعل يوم 25 أبريل/نيسان الماضي، فإن الفترة التالية لذلك الخبر الضخم شهدت مماطلات من جانب إيلون ماسك، حتى لجأ مجلس إدارة تويتر إلى القضاء لإجباره على إتمام الصفقة بالمبلغ المتفَق عليه.
ماسك عرض 44 مليار دولار لشراء تويتر، وهو مبلغ ضخم كان يزيد بأكثر من النصف عن القيمة السوقية للشركة وقتها، وشمل عقد الصفقة شرطاً جزائياً قيمته مليار دولار في حالة تراجع أي من الطرفين عن إتمامها.
ومنذ نشر الاستفتاء، تبدو صفحة ماسك على تويتر صامتة بشكل غير معهود، لكن لن يكون هذا هو الحال لفترة طويلة. بلا شك، لديه سجل حافل في الاستماع إلى استطلاعات الرأي. وبعد كل شيء، طرح للتصويت ما إذا كان يجب أن يشتري تويتر في المقام الأول، عندما بدأ هذا السيرك.
في الماضي، طلب أيضاً من مستخدمي تويتر مساعدته في تحديد ما إذا كان سيبيع أسهم تسلا القيمة، وهو ما يشير إلى أن لماسك طريقة غير تقليدية للقيام بأعمال تجارية كبيرة، على أقل تقدير. لكن مع إيلون ماسك، أصبح العالم يتوقع ما هو غير متوقع.
فبعد أن نشر أفكاره الخاصة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، ثم طرح أيضاً أفكاره بشأن الأزمة الصينية – التايوانية، وظهور تقارير إعلامية ثم تأكيد من الرئيس جو بايدن بأن هناك تحقيقات بشأن علاقات ماسك مع "دول مثل روسيا والصين"، تقلصت ثروة ماسك وفقد مركزه كأغنى رجل في العالم، مما يشير إلى أنه لا يعيش أفضل أيامه على الإطلاق وكأن "لعنة تويتر" قد أصابته.
هل اختار ماسك مديراً تنفيذياً جديداً لتويتر؟
على أية حال، يبدو السؤال الطبيعي الآن، في حال نزل ماسك على إرادة متابعي صفحته الرسمية واستقال من موقعه الحالي كمدير تنفيذي لتويتر، فمن سيتولى المسؤولية مكانه؟
فمنذ تولي ماسك إدارة شركة تويتر نفذ أسلوب قيادة الرجل الواحد، ولم يكن هناك أي ذكر منتظم لنائب عنه أو شخص يعمل معه عن كثب. ففي شركة ميتا (فيسبوك سابقاً)، كان لدى مارك زوكربيرغ ذراع يمنى هو شيريل ساندبرغ، أما جيف بيزوس في أمازون، فكان لديه آندي جاسي، الذي أصبح الرئيس التنفيذي للشركة بعد أن قرر بيزوس التنحي، بينما ماسك ليس لديه أي رجل آخر واضح في تويتر.
حتى تلك الشخصيات البارزة التي اعتبرها في البداية حلفاء له، مثل رئيس إدارة الثقة والنزاهة يوئيل روث، فقد استقالت من الشركة ووجهت انتقادات عنيفة لأسلوب قيادة ماسك للشركة.
وحالياً لا يبدو منصب المدير التنفيذي لتويتر مغرياً للكثيرين، فالرئيس سيكون ماسك وهو واحد من أكثر الأشخاص تطلباً في العالم، كما أن القوة العاملة المتبقية في الشركة عبارة عن قوة عاملة محبطة، تم تسريح نصفها مؤخراً والباقي منها يعملون مجبرين لساعات طويلة. وبحسب ماسك، فإن الأوضاع المالية قاتمة: فهو يقول إن تويتر يعمل بخسارة 4 ملايين دولار في اليوم الواحد.
ثم هناك إرث الفوضى في صنع القرار الذي كان العنوان الأبرز خلال الأشهر الأخيرة في تويتر، إذ بدا أن نهج ماسك في الإدارة متأثر تماماً بشخصيته، فبدأت "ساحة البلدة الرقمية" التي ادعى أنه يريد إنشاءها تبدو وكأنك تدخل منزله محاولاً ألا تفسد شيئاً من الزينة. وجاءت السياسات وذهبت، في ما يبدو أنه كان مجرد نزوات.
كما يواجه أي رئيس مستقبلي أيضاً التحدي المتمثل في محاولة الحفاظ على أمان حوالي 300 مليون مستخدم على تويتر، وهم الذين ينشرون بشكل نشط حالياً، بما في ذلك المحتوى الذي يمكن أن يكون مسيئاً ومهيناً وأحياناً غير قانوني.
وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك عنصر عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ماسك نفسه – والمخاطر المستمرة المتمثلة في أن تغريدته التالية قد تسبب ضرراً لا يوصف بالسمعة و/أو تدقيقاً تنظيمياً. ففي نهاية المطاف، تم منع ماسك من التغريد عن تسلا بعد أن تسبب في انخفاض سعر أسهمها، بعدما قال إن تقييمها مبالغ فيه.
قد يهدئ رئيس تنفيذي جديد يكون أقل عزماً على ثورة لا هوادة فيها، المستثمرين ويحسن معنويات الموظفين. في الوقت الحالي، تتوالى التغريدات من أشخاص يهددون بمغادرة تويتر أو يشتكون من ذلك.
ويعتقد إيلون ماسك، المتحمس لشؤون استكشاف الفضاء، أن تويتر كان بحاجة إلى القليل من وقود الصواريخ وقد وفر ماسك ذلك بالتأكيد.
لكنه ربما يتعلم الآن وبالطريقة الصعبة، أن وسائل التواصل الاجتماعي والأشخاص الذين يجعلونها حية، ليسوا آلات. ربما لا يكمن مستقبل هذه الشركة المضطربة في النجوم ولكن بأقدام ثابتة على أرض صلبة، إذا كان ماسك سيسمح بذلك.