هل يمكن أن تنظم المنطقة العربية كأس العالم مرة ثانية قريباً؟ أصبح هذا السؤال مطروحاً بقوة بعد أن نظمت قطر أفضل نسخة على الإطلاق من المونديال، فمتى قد تتكرر التجربة في الشرق الأوسط؟
فقطر نجحت في استضافة "أفضل نسخة من كأس العالم على الإطلاق"، كما حقَّق المغرب المركز الرابع في المونديال، أي إن العرب تحوّلوا بالفعل من ضيف خفيف إلى منافس شرس تنظيماً وأداء، بشهادة الجميع.
صحيفة The Times البريطانية نشرت تقريراً عنوانه "الشرق الأوسط يحقق كل شروط الفيفا"، رصد الأسباب التي تجعل المنطقة مؤهلة للمنافسة بقوة على استضافة كأس العالم في نسخته بعد المقبلة، حيث يقام مونديال 2026 في قارة أمريكا الشمالية.
ما مقومات استضافة كأس العالم؟
تنقسم المقومات أو العوامل الأساسية، التي من المفترض أن الفيفا يتخذ قرار قبول ملفات الدول المرشحة على أساسها، إلى مقومات مادية وأخرى عامة. وتتمثل المقومات المادية في وجود الملاعب وتجهيزاتها على أعلى مستوى، سواء كانت قائمة بالفعل أو أن مقومات إنشائها متواجدة ومضمونة. أما المقومات العامة فتتمثل في البنية التحتية في الدولة، من وسائل تنقل ومواصلات وأماكن الاستضافة للملايين من الجماهير حول العالم، إلى آخر تلك القائمة.
ورغم أنه منذ فازت قطر بتنظيم كأس العالم 2022 لم يمر يوم تقريباً إلا وكانت الدولة العربية هدفاً لهجوم مصدره الغرب، بغرض التشويه والتشكيك في قدرتها على تنظيم الحدث الكروي الأكبر عالمياً، إلا أنه عندما حانت اللحظة كانت قطر على مستوى الحدث الأبرز في كرة القدم، فأصبح الانبهار سيد الموقف، وتوالت شهادات الإشادة والإعجاب من الغرب نفسه.
كانت الدولة الخليجية قد فازت يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2010 بتنظيم كأس العالم 2022، وعلى مدى 12 عاماً تقريباً كرست قطر إمكانياتها المادية للاستعداد لتلك الاستضافة.
وعندما حان الوقت، كان كل شيء جاهزاً وفي أفضل صورة ممكنة؛ إذ أقيمت مباريات كأس العالم قطر 2022 على 8 ملاعب، تم تشييد 7 منها خصيصاً من أجل البطولة، إضافة إلى تجديد ملعب ثامن كان موجوداً من قبل، وأصبحت الملاعب جميعاً جاهزة تماماً لاستقبال المباريات، وأقيمت بالفعل نسخة استثنائية من بطولة كأس العرب برعاية الفيفا، قبل عام كامل من انطلاق كأس العالم، للوقوف على جاهزية كافة الاستعدادات لاستضافة الحدث الكروي الأبرز عالمياً.
وبشهادة جميع أطراف اللعبة الأكثر شعبية حول العالم، من مسؤولين ونجوم سابقين وحاليين، إلى الجماهير وعشاق الساحرة المستديرة، عاش الجميع تجربة متميزة على جميع الأصعدة، من الأجواء المثالية إلى سهولة التحرك والإقامة وحضور الفعاليات اليومية في أمان تام وحرية تغنى بها الجميع، باستثناء من أرادوا أن يفرضوا آراءهم ومعتقداتهم على الدولة العربية المستضيفة.
السعودية تسعى لاستضافة المونديال بعد القادم
تقرير صحيفة التايم البريطانية رصد أهمية المونديال القطري الخاصة في تعزيز إصرار المملكة العربية السعودية على إعادة كأس العالم إلى الشرق الأوسط في أسرع وقت ممكن.
فخلال الساعة التي أعقبت فوز منتخب السعودية على الأرجنتين في المباراة الافتتاحية لمجموعتهما في كأس العالم بقطر، كان 80% من جميع تدفقات المعلومات عالمياً على تويتر المتعلقة بمونديال قطر 2022 تأتي من السعوديين.
ورد الملك سلمان بن عبد العزيز على هذا الفوز المذهل وغير المتوقع تماماً بإعلانه أنَّ اليوم التالي للمباراة، التي أقيمت يوم الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني، عطلة رسمية على مستوى المملكة.
وقال المحللون إنَّ أفضل مقياس لما يعنيه الانتصار لبلد يبلغ عدد سكانه 35 مليون نسمة هي حالة الفخر الشديد التي اشتعلت على الشبكات الاجتماعية.
وبالنسبة للفيفا وكأس العالم، يُنظَر إلى هذه الحالة في العاصمة القطرية، الدوحة، على أنها ذات أهمية خاصة جداً، إذ إن الاهتمام الجماهيري لأي بلد مرشح للاستضافة يعتبر أحد المقومات كذلك.
وأثبتت إقامة كأس العالم في الشرق الأوسط أنه مربح بالتأكيد؛ فقد حقق الاتحاد الدولي لكرة القدم 7.5 مليار دولار عائدات في هذه الدورة الأخيرة من المونديال الذي يأتي كل 4 سنوات.
ولأن المعايير التي تعتمدها الهيئة الحاكمة العالمية في تقييم البطولة تتجاوز المال، فمن المؤكد أنَّ الفيفا يستشهد بالتنظيم القطري المبهر والاستثنائي لهذه البطولة المركزية الفريدة كسبب آخر للاحتفال وتعضيد فكرة إعادتها سريعاً إلى الشرق الأوسط.
ما فرص عودة كأس العالم للشرق الأوسط؟
ستقام النسخة 23 من كأس العالم (عام 2026) في ضيافة قارة أمريكا الشمالية، حيث ستقام مباريات البطولة بين ملاعب في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وطبقاً لقانون المداورة بين القارات، الذي أقره الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، من المفترض أن تقام النسخة 24 عام 2030 في قارة أوروبا.
لكن من المتوقع أن تقدم السعودية حلاً لهذه المشكلة، من خلال عرض استضافة مشترك لعام 2030 مع اليونان ومصر. وستكون أول نسخة من كأس العالم تقام بين ثلاث قارات، لكنها ستلبي شرط الاتحاد الأوروبي لتلك النسخة من المونديال.
لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يعد هذا السيناريو مستساغاً للفيفا، لكن السعوديين يعتقدون بالتأكيد أنَّ فرصهم قد تعززت من خلال النجاح غير المسبوق لأول كأس عالم عربي، وكذلك الفوز على ليونيل ميسي ورفاقه.
وفقاً لمصادر قريبة من الاتحاد السعودي لكرة القدم، لن يمر وقت طويل قبل أن يصرّحوا علناً برغبتهم في استضافة كأس العالم ضمن مشروع رؤية 2030، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.
وقوبل سعي السعودية لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، ناهيك عن شراء فرق رياضية مثل نيوكاسل يونايتد، بانتقادات واتهامات واسعة النطاق بالغسيل الرياضي. وتماماً مثلما حدث مع قطر، ستكون هناك حملات منتقدة تتعلق بـ"حقوق الإنسان"، من وجهة النظر الغربية. ومع ذلك، يجادل السعوديون بأنه في بلد 70% من سكانه دون سن 35 عاماً، يتعلق هذا السعي بزيادة المشاركة الرياضية ضمن تحول ثقافي أوسع.
خصصت الحكومة السعودية ملياري دولار للرياضة بحلول عام 2024، بما في ذلك 670 مليون دولار لدعم أندية القطاع الخاص الرياضية. وقد أدى ذلك وحده إلى تعزيز المشاركة بنسبة 37% عبر الألعاب الرياضية في السنوات الأخيرة.
ومع عدم وجود عائق مالي، يقول السعوديون إنَّ الانتقال إلى الرياضة الدولية جزء من العملية، ويشيرون إلى أنَّ استضافتهم لمباريات الملاكمة العالمية أدت إلى زيادة عدد صالات الملاكمة المخصصة من سبع إلى 49 صالة. ويقولون أيضاً إنَّ انتزاعهم للعبة الغولف، وبالأخص عبر دوري الغولف السعودي "إل آي في"، يؤدي إلى افتتاح ملاعب في جميع أنحاء البلاد. ويقولون نفس الشيء يحدث في التنس، وحتى الرياضات الإلكترونية؛ إذ تستضيف السعودية موسم الجيمرز أو Gamers8، هو أكبر حدث للرياضات الإلكترونية والألعاب في العالم بقيمة جوائز 15 مليون دولار.
بيد أنَّ كرة القدم هي التتويج لهذه المساعي؛ إذ يمارس تلك الرياضة الأكثر شعبية في المنطقة وحول العالم أكثر من 2.6 مليون شخص دون سن الثلاثين، وأُطلِق دوري وطني جديد للسيدات هذا العام.
وإضافة إلى كل ذلك، هناك علامات تجارية غربية كبرى من بين أولئك الذين يرون إمكانيات السعودية. وحلّت شركة أديداس مؤخراً محل شركة نايكي بصفتها راعي معدات المنتخب الوطني.
وتماماً مثل قطر، سيعمل السعوديون ببساطة على بناء ملاعب جديدة، ويخططون لبناء أربعة ملاعب لكأس آسيا 2027 إذا حصلوا على حقوق استضافة البطولة.
وانتهت السعودية بالفعل من تشييد ملعب مدينة الملك عبد الله الرياضية، الذي يمثل مقر نادي الاتحاد -وهو فريق من الدوري السعودي للمحترفين يديره نونو إسبريتو سانتو، مدرب ولفرهامبتون واندرارز السابق.
كما تفاخر السعوديون بتشكيلة كأس العالم الوحيدة المكونة بالكامل من لاعبين من دوريهم المحلي، وفي حين أنهم سيكونون متحمسين لاحتمال انتقال كريستيانو رونالدو في صفقة ضخمة إلى نادي النصر، فإنَّ اهتمام الجماهير لا يتجاوز الحدود السعودية.
وهذا ما أكده إيان كاثرو، نائب المدرب نونو في اتحاد جدة الذي لحق به من توتنهام، هذا الأسبوع، إذ قال كاثرو للصحيفة البريطانية: "إنهم هنا مشجعون متعصبون للدوري المحلي. نجتذب أكثر من 60 ألف مشجع، والنجاح الذي حققه المنتخب القطري في قطر سيزيد من هذا الاهتمام".
وأضاف: "أنا هنا منذ أغسطس/آب، وما أدهشني هو شغفهم بكرة القدم. في البلدان الأخرى، قد تجد أنَّ هناك الكثير من التركيز على بطولات الدوري في إنجلترا أو إسبانيا. لكن هنا ينصب التركيز على فرقهم الخاصة". والآن يدفعهم الحماس لرؤية منتخبهم الوطني يستضيف بطولة كأس العالم العربية الثانية.