شهد عام 2022 أحداثاً حفرت مكانها في التاريخ دون شك، من الحرب في أوكرانيا إلى كأس العالم قطر 2022 وأحداث أخرى كثيرة، فهل يشهد العالم مرحلة من التحولات الكبرى في النظام الحالي الذي يحكمه؟
وعلى الرغم من أن الأزمة الأوكرانية هي أزمة جيوسياسية بالأساس ترجع جذورها إلى أكثر من 30 عاماً، إلا أن انفجار برميل البارود واجتياح روسيا للأراضي الأوكرانية أدى إلى اندلاع الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، واكتوى العالم أجمع، ولا يزال بنيران شظاياها.
وها هو العام يلملم أوراقه ليرحل، ولا تزال الحرب في أوكرانيا مشتعلة دون أن تبدو لها نهاية وشيكة، رغم وجود مؤشرات على أن أطرافها الأساسيين قد اقتنعوا أخيراً بحتمية البحث عن مخرج دبلوماسي لإنهائها في أسرع وقت ممكن.
حرب أوكرانيا التي كان يمكن تفادي اندلاعها
عندما بدأ عام 2022، كانت أزمة أوكرانيا هي الشغل الشاغل للعالم أجمع، في ظل تقارير أمريكية وغربية تحذر من أن روسيا تحشد قواتها على حدود أوكرانيا استعداداً "لغزوها"، بينما تقول موسكو إنها لا تسعى للحرب لكنها تريد ضمان أمنها القومي من الخطر الذي يتهدده.
والمقصود بهذا الخطر هو سعي حكومة كييف، برئاسة فولوديمير زيلينسكي، إلى الانضمام لحلف الناتو من جهة، وتشجيع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لهذا التوجه، وهو ما تعتبره موسكو تهديداً وجودياً لها.
وأشارت مراراً تقارير إعلامية روسية إلى أن بوتين وضع "خطاً أحمر" يتعلق بإلغاء حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة لأي خطط تشمل ضم أوكرانيا إلى الحلف، وسعى خلال قمة افتراضية مع بايدن، قبل اندلاع الحرب بأسابيع، إلى الحصول على وعد أمريكي بهذا المعنى.
وترجع قصة "الخطوط الحمراء" بين روسيا والولايات المتحدة إلى نهايات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق -الذي كان يتزعم حلف وارسو- والمعسكر الغربي وحلفه العسكري "الناتو" بزعامة الولايات المتحدة. وتناول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي هذه القصة في تقرير عنوانه "بوتين يرسم خطاً أحمر جديداً لمنع الناتو من التوسع شرقاً إلى أوكرانيا"، إذ كشفت وثائق أمريكية وسوفييتية وأوروبية رُفعت عنها السرية مؤخراً أن وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، أكد للرئيس السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في عام 1990 أن الناتو لن يتوسع "بوصة واحدة" شرق ألمانيا، وآنذاك، كان هذا هو الخط الأحمر لروسيا.
لكن بعد ثلاثين عاماً، تحوَّل هذا الخط الأحمر من بوصة واحدة إلى نحو 965 كيلومتراً، بعد أن قال فلاديمير بوتين إنه يسعى للحصول على وعد بأن الناتو لن يتوسع شرقاً إلى أوكرانيا.
على أية حال، رفض بايدن تقديم أي ضمانات لروسيا، فقرر بوتين شن ما يصفه بأنه "عملية عسكرية خاصة" واجتاحت القوات الروسية أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022، لتندلع الحرب التي لا تزال مستمرة، ولا يزال خطر تحولها إلى حرب عالمية ثالثة قائماً بطبيعة الحال.
أما عن تداعياتها فيمكن القول إنها أثرت على حياة جميع الناس على سطح الكرة الأرضية دون استثناءات. فبمجرد اندلاع الحرب، ارتفعت أسعار النفط والغاز بصورة قياسية وأصيب الاقتصاد العالمي، الذي كان لا يزال يعاني بشدة من تداعيات جائحة كورونا، بركود تضخمي يكتوي بناره الجميع، من أوروبا حيث الحرب، إلى أمريكا إلى آسيا وإفريقيا وأستراليا.
روسيا وأوكرانيا تعتبران أهم مورد في العالم للحبوب، إذ تصدران معاً نحو ثلث الغذاء العالمي، وأدت الحرب والعقوبات الغربية على روسيا إلى ارتفاعات قياسية في أسعار الحبوب والغذاء عموماً، مما هدد العالم بمجاعات غير مسبوقة، وتأثرت كثير من شعوب العالم بصورة كارثية، رغم أنها لا ناقة لها ولا جمل في تلك الحرب التي كان يمكن تفاديها كما حدث عام 2014.
احتجاجات "الحجاب" في إيران
عندما احتجزت "شرطة الأخلاق" في إيران مهسا أميني، الشابة الكردية ذات الـ23 عاماً، منتصف سبتمبر/أيلول 2022، لم تكن السلطات تتوقع أن تؤدي وفاتها في الحجز إلى هذا الكم الهائل من الغضب والاحتجاجات الشعبية، التي تحولت إلى التحدي الأكبر الذي يواجه النظام الإيراني منذ تأسيسه عام 1979.
فمهسا أميني التي تنحدر من مدينة سنندج، كانت في زيارة إلى طهران مع شقيقها، عندما صادفتها "شرطة الأخلاق" وطلبت منها تغطية شعرها بالكامل دون إظهار أي خصلة. حدثت مشادة كلامية قصيرة لتنتهي بسحبها من قبل الشرطة وضربها في الشارع واعتقالها، وتوفيت الشابة بعد ثلاثة أيام في مركز الاحتجاز.
أثار موتها الذي بدأ بسبب خصلة شعر، غضب السكان في سنندج، الذين خرجوا في مظاهرات للاحتجاج على ما تعرضت له الشابة الكردية وعلى السياسات القمعية للحكومة لتصل شرارة غضبهم إلى باقي مدن إيران.
اتسعت رقعة الاحتجاجات ولم تفلح السياسات القمعية، التي شاركت فيها بشكل أساسي قوات الباسيج، في السيطرة عليها، بل يمكن القول إن ارتفاع أعداد ضحايا تلك الاحتجاجات كان سبباً آخر في استمرارها واتساع رقعتها وارتفاع سقف المطالب، حيث أصبح هتاف "إسقاط النظام" حاضراً وبقوة.
تتمسك طهران بموقفها، القائم على اتهام أعدائها بقيادة أمريكا وإسرائيل بالوقوف وراء تلك "المؤامرة التي تهدف إلى إسقاط النظام"، وشن الحرس الثوري هجمات صاروخية استهدفت مواقع أحزاب كردية معارضة موجودة في الأراضي العراقية، وتحديداً كردستان العراق، بل تهدد إيران بشن هجوم بري على الإقليم.
وبطبيعة الحال يمكن القول إن الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، والذي كان قد تم توقيعه عام 2015 وانسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018 ثم سعى جو بايدن للعودة إليه، قد أصبح في حسابات الماضي، بمعنى أن إعادة إحيائه قد أصبحت شبه مستحيلة، فهل تسرع إيران من خطواتها للحصول على سلاح نووي، رغم تأكيد طهران على سلمية برنامجها النووي؟
لا أحد يمكنه توقع مسار الاحتجاجات الإيرانية أو كيف يمكن أن تنتهي، لكن الشيء المؤكد هو أن تلك الاحتجاجات تمثل التحدي الأكبر للنظام منذ ثورة الخميني التي أطاحت بنظام الشاه عام 1979، وسواء نجح النظام الإيراني في استعادة زمام الأمور أو لم ينجح، فالمؤكد أن تلك الاحتجاجات وتداعياتها على إيران ومنطقة الشرق الأوسط ككل قد أصبحت أبرز أحداث 2022، وعلى العالم أن ينتظر ليرى تأثيراتها خلال العام المقبل.
كأس العالم قطر 2022
سيذكر التاريخ دائماً أن النسخة رقم 22 من الحدث الكروي الأبرز، والتي أقيمت لأول مرة في دولة عربية، هي "أفضل كأس عالم" على الإطلاق، وربما تكون آخر نسخة من المونديال يتم تنظيمها على هذا المستوى المبهر وعلى جميع الأصعدة.
فقد نظمت قطر بطولة مثالية على جميع الأصعدة، وما بين حفل الافتتاح يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني حتى حفل الختام مساء الأحد 18 ديسمبر/كانون الثاني 2022 -تزامناً مع العيد الوطني لقطر- عاش عشاق الساحرة المستديرة حلماً جميلاً ومثيراً لم يكن أحد يتوقعه.
فقد نظَّمت قطر "أفضل نسخة من كأس العالم على الإطلاق"، وحقَّق المغرب المركز الرابع في المونديال، لينتهي عصر التمثيل المشرف ويتحوّل العرب من ضيف خفيف إلى منافس شرس تنظيماً وأداء.
ورغم أنه منذ فازت قطر بتنظيم كأس العالم 2022 لم يمر يوم تقريباً إلا وكانت الدولة العربية هدفاً لهجوم مصدره الغرب، بغرض التشويه والتشكيك، لكن عندما حانت اللحظة كانت قطر على مستوى الحدث الأبرز في كرة القدم، فأصبح الانبهار سيد الموقف، وتوالت شهادات الإشادة والإعجاب من الغرب نفسه.
كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، وبالمنطقة العربية تحديداً، دون منازع وبفارق شاسع، ومنذ حفل الافتتاح المبهر وحتى حفل الختام ومباراة النهائي بين فرنسا والأرجنتين، عاش الجميع مونديالاً استثنائياً بكل المقاييس، من قدرة حاملي التذاكر على حضور أكثر من مباراة في اليوم الواحد، إلى مشاهدة تلفزيونية قياسية تجاوزت المليار مشاهد، قبل انتهاء أفضل دور مجموعات في تاريخ المونديال منذ نسخته الأولى عام 1930.
جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، اعتبر أن مونديال قطر هو "أفضل كأس عالم على الإطلاق"، حيث أظهر قدرة فائقة على جمع الناس، مضيفاً أن البطولة إجمالاً حققت نجاحاً استثنائياً، بعدما جذبت 1.7 مليون شخص في مناطق الجماهير، بواقع 80 ألف مشجع يومياً. وبلغ متوسط الحضور الجماهيري 52 ألف شخص في المباراة الواحدة، بزيادة نحو 5000 متفرج مقارنة بالنسخة الماضية من البطولة، التي أقيمت في روسيا.
وقال إنفانتينو إن 3.27 مليون متفرج، محلياً ودولياً، تابعوا البطولة قبل مباراتين على نهايتها. وبلغ إجمالي المتفرجين في النسخة الماضية 3.03 مليون متفرج، وأضاف: "لقد كانت ناجحة جداً جداً، لكن أمسك الخشب، تتبقى مباراتان، سنركز حتى النهاية، وبعدها سنؤكد بالطبع تلك المشاعر التي تراودنا الآن".
ثم جاء النهائي، الذي وصفته شبكة CNN الأمريكية بأنه "الأفضل على الإطلاق" ليكون مسك الختام فعلاً، حيث شهد عشاق كرة القدم 120 دقيقة وركلات ترجيح عنوانها الإثارة والجنون. ففي الشوط الأول تقدمت الأرجنتين بهدفين وبدت الأمور محسومة تماماً لصالح رفاق ليو ميسي "معزة" كرة القدم على مر العصور، في ظل عجز واضح من رفاق كيليان مبابي وباقي نجوم فرنسا.
لكن بعد مرور ساعة من السيطرة الأرجنتينية المطلقة، ارتكب مدرب التانغو سكالوني خطأ قاتلاً باستبدال أنخيل دي ماريا، صاحب الهدف الثاني والمتسبب في ركلة الجزاء التي أحرز منها ميسي الهدف الأول، ليفقد المنتخب الأرجنتيني كثيراً من قوته الهجومية، ثم سجل مبابي هدفين في أقل من دقيقتين لتنقلب الأمور ويدخل الشك إلى نفوس الأرجنتين، لاعبين على أرض ستاد لوسيل وبدلاء وجهازاً فنياً وجمهوراً في الملعب وأمام الشاشات حول العالم.
فشل الفريقان في حسم الأمور وبدأ الشوطان الإضافيان، ليسجل ميسي هدفاً ثالثاً قبل النهاية بدقائق، وبدا أن الأمور قد حُسمت، لكن مبابي أعاد الديوك إلى المباراة بتسجيله هدفاً ثالثاً حسم به صراع الهداف مع ميسي. لجأ المنتخبان إلى ركلات الترجيح التي ابتسمت للأرجنتين، ليحمل ميسي أخيراً كأس العالم، مرتدياً "البشت القطري" وتتصدر تلك الصورة جميع وسائل الإعلام حول العالم.