مع وصول الشتاء لذروته بداية العام 2023، يخشى الأوكرانيون من هجوم روسي بري واسع يقلب توازنات المعركة التي نجحت كييف خلال الأشهر الأخيرة بجعلها تصب في صالحها، عبر إلحاق أكبر خسائر ممكنة على الأرض بالجيش الروسي، الذي تراجع في عدة محاور وجبهات، وخسر العديد من البلدات والمناطق الاستراتيجية. فهل تفعلها موسكو وتفاجئ كييف بهجوم كاسح جديد؟
هل ينتظر أوكرانيا شتاء روسي ساخن؟
يقول تقرير للمعهد الأمريكي لدراسة الحرب ISW إن مسؤولين أوكرانيين يتوقعون بالفعل أن تبدأ روسيا بهجوم بري شامل على البلاد في الأشهر الأولى من 2023، وهي التوقعات التي قال المعهد إنها تتسق مع تقييماته بأن أشهر الشتاء ستزيد من وتيرة العمليات العسكرية على الجانبين.
وكان وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، قال في 13 ديسمبر/كانون الأول 2022 إن جهود التعبئة الروسية وحركة الأسلحة الثقيلة تشير إلى أن روسيا ربما تستعد لهجوم واسع النطاق في يناير وفبراير 2023.
بحسب المعهد الأمريكي الذي يتابع الحرب عن كثب منذ اندلاعها، فإن تصريحات كوليبا تتماشى مع التقييم القائل إن أشهر الشتاء ستزيد من وتيرة العمليات على كلا الجانبين، وأن الظروف على الأرض في جميع أنحاء أوكرانيا ستؤدي على الأرجح إلى عمليات هجومية.
ويرى المعهد أنه يمكن للقوات الروسية أن تستأنف بسهولة العمليات الهجومية على طول محورين رئيسيين للتقدم في الأشهر المقبلة؛ على طول حدود خاركيف ولوغانسك في شمال شرق أوكرانيا، أو في منطقة دونيتسك.
ويبدو أن القوات الروسية تنقل معدات ثقيلة من المناطق الخلفية في لوغانسك إلى مناطق بالقرب من خط المواجهة الحالي على طول حدود خاركيف ولوغانسك وأعادت تشكيل وتوحيد قوتها المتجمعة على طول هذا الخط.
ورغم التقدم الكبير خلال الأشهر الأخيرة، من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الجيش الأوكراني طرد الروس تماماً أو على الأقل العودة إلى خطوط 23 فبراير/شباط 2022. لكن بعض الخبراء العسكريين من معهد Brookings يعتقدون أن هذا ممكن، بما في ذلك التحرير الكامل لدونباس وشبه جزيرة القرم. فيما يقدم البعض الآخر توقعات أقل تفاؤلاً، ومجتمع الاستخبارات الأمريكية هو الآخر لديه توقعات أن يستمر القتال ويصبح حرب استنزاف.
ما الذي تستعد له موسكو هذا الشتاء؟
ولا يصب إطالة أمد الحرب في مصلحة الروس؛ لذلك من المتوقع أن تسعى روسيا لهجوم جديد مستعينة بخطط استراتيجية جديدة توحد عملياتها في أوكرانيا، وهو ما يأمله بوتين بعد تعيينه الجنرال سيرجي سوروفكين قائداً عسكرياً جديداً للعمليات في أوكرانيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي يبدو أنه أكثر شدة ووحشية من أسلافه بالنظر إلى تجاربه العسكرية السابقة وخصيصاً في سوريا.
وفي أولى عملياته، أطلق سوروفكين حملة جوية قوية ومروّعة، دمرت الكثير من البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا؛ وهو تكتيك يركز على المدنيين استخدمه أيضاً في سوريا. كان سوروفكين مسؤولاً عن انسحاب روسيا من خيرسون، ولكن على عكس ما حدث عندما انسحبت روسيا من قرب كييف أو خاركيف، رأى سوروفكين أن هذا الانسحاب كان منظماً بشكل جيد، وأُدير بأقل الخسائر.
ينذر وصول سوروفكين بتكييف آخر للاستراتيجية الروسية في أوكرانيا، فعلى الرغم من أن بوتين قد يدرك أنه لن يكون قادراً على الاستيلاء على كييف، فإن الرئيس الروسي قد لا يزال يعتقد أنه قادر على الاستيلاء على جميع المقاطعات الأربع التي ضمها مؤخراً؛ دونيتسك، وخيرسون، ولوغانسك، وزابورجيا.
لذلك يعتبر بوتين القائد سوروفكين منفذاً حاسماً لهذه الخطط، ويأمل أنه مع استمرار الحرب وحلول الشتاء، ستتوقف أوروبا عن تزويد أوكرانيا بكميات كبيرة من المساعدة حتى تتمكن القارة من محاولة استعادة واردات الغاز الروسي. ويعتقد أن هذا التراجع المحتمل للدعم سيمهد الطريق لهجوم روسي جديد وناجح.
ولتنفيذ مثل هذا الهجوم، يعتمد بوتين على سوروفيكين لإعادة تنظيم الجيش الروسي، بحيث يعمل بطريقة أكثر سلاسة واتساقاً وفعالية، وأكثر ثقة بنفسه، كما يقول تحليل لمجلة foreign affairs الأمريكية.
وسيعمل سوروفكين على توحيد الجيش تحت قيادته، ومن المؤكد أنه يضع خططاً قتالية مركزة بوضوح، على عكس الهجمات السابقة التي أدت إلى تضاؤل عدد القوات الروسية. وإذا أرادت كييف أن تكون لها اليد العليا، فستحتاج إلى توقع استراتيجية سوروفيكين مع الحفاظ على الدعم الغربي؛ وهذا يعني الاستمرار في "الابتكار" في ساحة المعركة، كما تقول المجلة الأمريكية.
كما سيستمر بوتين في حرب الطاقة الخاصة به، وسيواصل حرمان أوروبا من الغاز، على أمل أن تجبر القارة كييف على الموافقة على وقف إطلاق النار مع انخفاض درجات الحرارة. كما سيشجع على مزيد من الهجمات على إمدادات الطاقة في أوكرانيا.
بوتين يريد تحويل شتاء الأوكرانيين إلى جحيم
في الوقت نفسه، يقول تقرير لشبكة ABC الأمريكية إن الضربات الروسية على محطات الطاقة الأوكرانية لن تؤدي إلى تجميد سكان البلاد فحسب وتحويل شتائهم إلى جحيم، بل ستكلف أوكرانيا أيضاً المساعدات الخارجية؛ فبعد كل شيء، من غير المرجح أن يعود الداعمون والمستثمرون الأجانب إلى البلاد عندما تكون هناك قوة لا يمكن الاعتماد عليها. وحتى لو لم تمنع الهجمات المستثمرين من الدخول، فإنها ستظل مكلفة اقتصادياً لكييف من خلال وقف صادرات الطاقة الأوكرانية التي بدأت في يوليو/تموز 2022.
ومع ذلك، فإن العناصر الأخرى لاستراتيجية روسيا ستكون جديدة. وسوروفيكين يلعب دوراً حاسماً في التغييرات. ويبدو أن الجنرال هو أول قائد عسكري يدعمه بوتين بوضوح، ووفقاً لخطاب حديث لمدير المخابرات الوطنية الأمريكية أفريل هينز، أصبح الرئيس الروسي الآن على دراية أفضل بالعمليات اليومية للقوات المسلحة.
لذلك سوف تحتاج كييف إلى التفكير بعناية في كيفية تسلسل وتحديد أولويات عملياتها الأرضية والجوية والمعلوماتية لعام 2023، على غرار الطريقة التي دبرت بها هجماتها المضادة على خلال الأشهر القليلة الماضية لإجبار روسيا على القتال في وقت واحد في الشمال والشرق والجنوب.
في النهاية، يجب أن تستعد أوكرانيا لشتاء غير عادي الآن، ويجب أن يعلم الغرب أن الحرب لن تتوقف هذا الشتاء لكنها ستحارب بوتيرة مختلفة تماماً، لذلك يجب أن يعدوا خزائنهم لما قد يكون عاماً قاسياً ودموياً قادماً في أوكرانيا.