في ظل صراع عالمي محموم لتطوير المسيّرات، اجتازت المقاتلة المسيرة التركية "بيرقدار قيزيل إلما" بنجاح، أول اختبار تحليق لها، في خطوة تتطلع بها شركة "بايكار" التركية لأن تكون ثورة جديدة في عالم الطيران العسكري.
وأفاد بيان صادر عن شركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية، الأربعاء 12 ديسمبر/كانون الأول 2022، بأنها أجرت تجارب التحليق الأولى للمقاتلة المسيّرة "بيرقدار قيزيل إلما"، في مركز التدريب والاختبار التابع لها في ولاية "تكيرداغ"، شمالي غربي تركيا.
وأتمت المقاتلة المسيرة بنجاح، ولأول مرة في تاريخ الطيران التركي، تحليقها الذي استغرق 18 دقيقة، بحسب بيان الشركة الذي نقلته وكالة الأناضول التركية.
ومطلع مارس/آذار الماضي، أماط سلجوق بيرقدار، رئيس مجلس إدارة "بايكار"، اللثام عن المقاتلة المسيرة المحلية "بيرقدار قيزيل إلما"، التي تعني التفاحة الحمراء بالتركية، ونشر حينها صوراً لهيكلها من دون أجنحة.
ويمثل اختبار الطيران خطوة شديدة الأهمية والرمزية في تطوير أي طائرة، علماً أنه قبل أسابيع، أعلنت شركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية المنتجة للطائرة المسيرة الشهيرة بيرقدار تي بي 2، اجتياز ألمقاتلة المسيّرة، "بيرقدار قزل إلما" (Kizilelma) التي تعني التفاحة الحمراء بالتركية، بنجاح اختبارات السير أوتوماتيكياً على المدرج.
المقاتلة المسيرة التركية تستطيع إجراء مناورات خاطفة ولها قدرات شبحية
وعلى عكس الطائرات المسيرة الشائعة حالياً، فإن المقاتلة المسيرة التركية "بيرقدار قزل إلما" تستطيع إجراء مناورات خاطفة، وتنفيذ مهام القتال جو ـ جو، مثلها مثل المقاتلات التقليدية، بحيث تمكن تركيا من تغيير الموازين الحربية الجوية.
ومن المخطط أن تؤدي "بيرقدار قزل إلما" المهام الأكثر صعوبة بفضل ميزة التخفي عن شاشات الرادارات بشكل أكبر، وأن يصل وزنها في الإقلاع إلى 6 أطنان، وهي قادرة على حمل 1500 كيلوغرام من الصواريخ والذخائر، حسبما ذكرت الأناضول.
في الوقت الحالي، أحرزت دول قليلة أخرى نجاحات في اختبارات تطوير مقاتلات مسيرة باستثناء الصين وأستراليا (عبر فرع شركة بوينغ الأمريكية لديها)، وهناك مشروعات أمريكية وصينية يحيط بها الغموض يعتقد أنها تستهدف تطوير مقاتلات مسيرة ذات سرعات عالية.
قصة تطوير المقاتلة "بيرقدار قزل إلما
بدأ تطوير المقاتلة التركية المسيرة "بيرقدار قيزيل إلما" منذ فترة طويلة في عام 2013، على الرغم من أن المشروع لم يتم الكشف عنه للجمهور إلا في يوليو/تموز 2021، عندما تم تقديم الدراسات المفاهيمية، ثم كشفت شركة "بايكار" مطلع مارس/آذار الماضي، عن المقاتلة المسيرة التركية "بيرقدار قيزيل إلما".
وذكرت صحيفة "حريت" التركية أنه تم الانتهاء من "اختبار تكامل المحرك" الأول منذ أكثر من شهرين.
وتعد "قيزيل إلما" نموذجاً أكثر تقدماً بكثير من طائرة بيرقدار TB2 الشهيرة المتخصصة في القصف الأرضي، والتي غيّرت مسار الحروب في ساحات عدة، بدءاً من ليبيا وإدلب بسوريا، مروراً بحرب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، وصولاً إلى أوكرانيا، حيث لعبت دوراً كبيراً في إفشال هجوم الربيع الروسي الذي استهدف العاصمة كييف.
فعلى عكس طائرات بيرقدار TB2 و Akinc، من المقرر أن تمتلك " قيزيل إلما" السريعة وذات قدرات التحليق المرتفعة قدرة قتال جو-جو، بالإضافة إلى إجراء عمليات استخبارات ومراقبة واستطلاع (ISR) وعمليات قصف.
ومع ذلك، لا تتوفر سوى تفاصيل قليلة عن إلكترونيات الطيران، وقدراتها ومهامها المضادة للطائرات.
تشبه طائرات الجيل الخامس المأهولة
تصميم الطائرة، كما أظهرته الفيديوهات والصور، له عدد من الخصائص المطلوبة في المهام القتالية الجوية التي تقوم بها الطائرات المقاتلة المأهولة الشبحية، حسب ما ذكر الكاتب المتخصص في الدفاع توماس نيدويك، في تقرير نُشر بموقع the Drive الأمريكي.
الطائرة مزودة بمحرم توربيني واحد من شركة Ivchenko-Progress الأوكرانية.
بينما من المتوقع أن يتم تشغيل النموذج الأولي الأول، والإصدارات المبكرة، بمحرك أوكراني توربوفان من نوع Ivchenko-Progress AI-25TLT غير مزود بحارق لاحق، ولكن من المخطط أن يتم استبداله في الإصدارات الأحدث بمحرك Ivchenko-Progress AI-322F، المزود بحارق لاحق، لضمان تحليق الطائرة بسرعة أسرع من الصوت، وفقاً لموقع the drive الأمريكي.
ويقول الموقع الأمريكي حتى مع وجود محرك غير مزود بحارق لاحق، يتوقع أن تقدم بيرقدار قيزيل إلما أداءً رائعاً، مع سرعة قصوى قريبة من 1 ماخ (سرعة الصوت).
الطائرة الجديدة مثيرة للاهتمام لعدة أسباب، حيث يذكر شكلها على الفور بالمقاتلة الشبحية الصينية Chengdu J-20 Mighty Dragon، التي تعد درة تاج الطيران الصيني، حيث إنها مزودة مثلها بمثبتات عمودية مغطاة، حسبما ورد في تقرير لموقع the Aviationist.
وتتميز بيرقدار قيزيل إلما بتكوين جناح دلتا، من النوع الذي شوهد في بعض تصميمات الطائرات المقاتلة الأخرى، بما في ذلك المقاتلة الصينية J-20 والطائرة من دون طيار الصينية الغامضة Dark Sword.
ويعد استخدام هذا الجناح بمثابة مقايضة بين الشبحية والقدرة على المناورة، على الرغم من أنه يمكن اتخاذ بعض التدابير للحد من تأثيره الذي يزيد البصمة الرادارية، خاصة أن أسطح الذيل تتكون من مثبتات رأسية ممزقة.
في هذا الصدد، ستجمع المقاتلة المسيرة التركية بيرقدار قيزيل إلما، بين كونها منخفضة الرصد والقدرة على المناورة العدوانية، ما يجعلها قادرة على تنفيذ مجموعة واسعة من المهام التي تقوم بها حالياً الطائرات المقاتلة المأهولة.
ويرى موقع the Drive، أن المقاتلة المسيرة التركية تتسم بميزات لتقليل المقطع العرضي للرادار من زوايا معينة، مثل خطوط العمود الفقري لجسم الطائرة.
ولكنه يقول إنه من الواضح أن تصميم الطائرة يرجح الأداء العالي بشكل أكبر من القدرات الشبحية، مضيفاً: هذا ليس شيئاً نراه عادةً في الطائرات من دون طيار، مع استثناء محتمل لـ MQ-28 Ghost Bat الأمريكية، على الأقل إلى حد ما.
ستحصل المقاتلة المسيرة التركية بيرقدار قيزيل إلما على محرك توربيني مختلف يتحرك للأمام لأغراض التخفي، ولكن الطائرة التي شوهدت تجري اختبارات أرضية في اللقطات التي تم تداولها عبر الإنترنت حتى الآن، تتميز بفوهة عادم مكشوفة غير متخفية بالتأكيد، وستحتاج إلى تطوير.
ومن الممكن تحسين الخصائص الشبحية من خلال تحسين منطقة فوهة المحرك، وهو ما تفعله روسيا بطائرة أوخوتنيك من دون طيار.
خطط لجعلها تنطلق من السفن وحاملات الطائرات
ستكون المقاتلة المسيرة التركية قادرة على الإقلاع والهبوط على حاملات الطائرات قصيرة المدرج، أيضاً من المحتمل أن تركيا تخطط لتشغيل طائرات بدون طيار من السفينة الهجومية البرمائية التابعة للبحرية التركية الأناضول (LHD Anadolu)، المزودة بـ"قفزة تزلج".
ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى مراجعة كبيرة لمعدات الهبوط لتشغيل المقاتلة التركية المسيرة من حاملات الطائرات ذات السطح القصير، حيث لا يبدو أن النموذج الأولي قادر على أن يتحمل آثار عمليات الهبوط، حسب موقع the Aviationist.
وقال هالوك بايركتار الرئيس التنفيذي لشركة Baykar لموقع Defense News في عام 2021: "لمنح الطائرات المسيرة القدرة على الإقلاع والهبوط على حاملات الطائرات، يجب أن يكون هيكلها قوياً؛ لأنها تتعرض لصدمات جاذبية عالية جداً"، وأشار لخطط شركته لتحقيق ذلك لتوفير طائرات مسيرة قادرة على الإقلاع والهبوط من السفينة LHD Anadolu خلال عام واحد، ويعتقد أن أنقرة تطور بالفعل نسخة للإقلاع والهبوط من السفن من الطائرات بيرقدار تي بي 2.
صواريخ دقيقة وقدرة تحليق 5 ساعات مع رادار AESA
سيكون لدى المقاتلة المسيرة التركية نصف قطر قتالي 500 ميل بحري، وارتفاع تشغيلي 35000 قدم، وقدرة تحليق لمدة 5 ساعات، وسرعة طواف 0.6 ماخ مع سرعة قصوى تتجاوز 1 ماخ.
وسيتم تجهيزها برادار AESA (نوع متطور من الرادارات)، تنتجه عدد محدود من الدول.
ستشمل تلك الحمولة المخازن التي يمكن التخلص منها والمحمولة في حجرة أسلحة داخلية، مما يحافظ على خصائص التخفي، حسب موقع the Drive.
ومن المرجح أن تشمل الأسلحة أمثلة على مجموعة واسعة من الذخائر الدقيقة جو – أرض وصواريخ جو – جو، بالإضافة إلى الذخائر الموجهة بدقة، التي طورتها الصناعة التركية.
هناك خطة لإصدار ثنائي المحرك، سيكون زوجاً من محرك AI-322F الأوكراني، لمزيد من تحسين الأداء.
وقال هالوك بايراكتار، المدير العام لشركة بيكار، في فعالية eknofest للفضاء والتكنولوجيا في تركيا، الذي أقيم في مدينة سامسون بأغسطس/آب الماضي، عن قيزيل إلما: "التكلفة لن تكون عالية، سنكون قادرين على إنتاج المزيد بتكلفة أقل".
وتشتهر الصناعة التركية بصفة عامة، بما فيها صناعة الأسلحة بموازنة جيدة بين الجودة والسعر المناسب، وهذه إحدى نقاط قوة طائرات بيرقدار تي بي 2 التي هي أعلى كفاءة من الطائرات المسيرة الصينية، رغم أنها أغلى قليلاً، بينما هي أقل تكلفة بشكل واضح من الأمريكية وإلى حد ما من الإسرائيلية.
هل يتم تسييرها من طائرة مأهولة، أم محطات أرضية، أم بالذكاء الاصطناعي؟
ليس من الواضح ما إذا كانت المقاتلة التركية المسيرة "قيزيل إلما" ستعمل كجناح تابع (أي يتم التحكم فيه من طائرة أخرى تكون مأهولة تعمل كـ"سفينة" أم يوجه سرباً من المسيرات)، أم سيتم توجيهها من محطات أرضية، أو حتى إذا كان من المتوقع إسقاطها طائرات معادية بدرجة ما من الاستقلالية. النقطة الأخيرة هي النقطة التي يثار حولها جدل كبير في سلاح الجو الأمريكي.
وتجري العديد من دول العالم في مقدمتها الولايات المتحدة اختبارات لتشغيل الطائرات المقاتلة بالذكاء الاصطناعي، ولكن أياً منها لم يعمل بشكل رسمي، وأفيد قبل بضعة أعوام عبر تقارير غير مؤكدة بأن طائرة مسيرة تركية نفذت في ليبيا أول هجوم جوي في العالم ضد مقاتلين بالذكاء الاصطناعي، وبصرف النظر عن صحة ذلك من عدمه، فإن أنقرة تحاول اللحاق بالولايات المتحدة والصين، في محاولة توظيف الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، ومع نجاحات تركيا في مجال الطائرات المسيرة، فإن إضافة الذكاء الاصطناعي سيكون قفزة كبيرة.
هل تستطيع منافسة المقاتلات البشرية؟
ورغم كل العيوب المحتمَلة للمقاتلات المسيرة، في ظل غياب طيار بشري يقودها، فإن الميزات المقابلة لا تعوض، بدءاً من التخلص من الوزن والمساحة التي يحتلها الطيار، وقدرة المقاتلة المسيرة على القيام بمناورات لا يمكن تنفيذها إذا كانت تحمل إنساناً.
إلى جانب أنها تتيح لموجهيها خيارات أكثر مخاطرة؛ لأنهم لا يخشون من فقدان أرواح بشرية إذا سقطت الطائرة، فضلاً عن أنها أقل تكلفة من الطائرات المأهولة.
ويقول موقع the Aviationist مهما يكن، بعد السمعة الجيدة في الميدان المكتسبة بفضل نجاحات TB2، فإن تطوير أول مقاتلة مسيرة شبحية قادرة على المناورة يعزز مكانة تركيا كقوة صاعدة للطائرات بدون طيار على الساحة الدولية.