من هو الأحق بلقب "معزة" كرة القدم؟ يبدو أن كأس العالم قطر 2022 قد يحسم هذا الجدل، بعد التألق المذهل لليو ميسي وقيادته الأرجنتين إلى المباراة النهائية وتصدره قائمة الهدافين.
كانت الأرجنتين قد فازت على كرواتيا في نصف النهائي بثلاثية نظيفة بطلها ميسي، الذي أحرز هدفاً من ركلة جزاء، وصنع هدفاً آخر لزميله جوليان ألفاريز، صاحب الثنائية، ليضرب راقصو التانغو موعداً مع الفائز من المغرب وفرنسا، حيث يُقام نهائي النسخة الـ22 من المونديال على استاد لوسيل بالدوحة مساء الأحد 18 ديسمبر/كانون الأول.
وعلى الرغم من أن بداية مباريات التانغو في المونديال العربي الاستثنائي قد شهدت مفاجأة من العيار الثقيل بفوز المنتخب العربي السعودي بهدفين لهدف واحد، فإن رفاق ميسي تجاوزوا الهزيمة سريعاً وحققوا فوزين متتاليين على المكسيك وبولندا، ثم أطاحوا بأستراليا في ثمن النهائي وهولندا في ربع النهائي.
ماذا يعني لقب "المعزة"؟
أيام قليلة ويقول العالم "وداعاً للمتعة والإثارة"، حيث نظمت قطر أول كأس عالم لكرة القدم في المنطقة العربية، ويا له من تنظيم مبهر، وضع منظمي النسخة 23 من البطولة في مأزق، باعترافهم. وعلى أرضية الملاعب الثمانية التي استضافت المباريات، تحطمت أرقام قياسية، ووقعت مفاجآت لم يكن أحد يتوقعها على الإطلاق قبل بداية كأس العالم قطر 2022. فمن كان يتوقع أن يصل منتخب عربي إلى نصف نهائي كأس العالم؟
فعلها أسود الأطلس، ولم يعد العرب في كأس العالم "ضيفاً خفيفاً"، فلا أحد يمكنه توقع الفائز بين فرنسا والمغرب في نصف النهائي يوم الأربعاء، 14 ديسمبر/كانون الأول. فلاعبو المغرب أطاحوا بإسبانيا والبرتغال في دورَي ثمن وربع النهائي، بعد أن تصدروا مجموعتهم بالتعادل السلبي مع كرواتيا والفوز بهدفين نظيفين على بلجيكا، ثم الفوز 2-1 على كندا، ليصلوا إلى نصف النهائي كأقوى دفاع على الإطلاق، حيث استقبلت شباكهم هدفاً واحداً أمام كندا.
وعلى الجانب الآخر، يعتبر كيليان مبابي كلمة السر في منتخب فرنسا، صاحب أقوى هجوم في المونديال، وسيكون على دفاع وخط وسط أسود الأطلس مهمة صعبة لإيقاف خطورته، إذا ما نجحوا فيها فسيذهبون للنهائي العربي الأول في كأس العالم.
لكن وصول الأرجنتين للنهائي أعاد جدلاً لا يتوقف حول لقب "معزة" كرة القدم، فما قصة هذا الجدل؟ لكن أولاً ماذا يعني اللقب نفسه؟ لقب "معزة" هو ترجمة لمصطلح G.O.A.T وهو اختصار (Greatest Of All Times) أو الأعظم عبر التاريخ، ويُطلق على الأساطير في الألعاب المختلفة، وكلمة Goat باللغة الإنجليزية تعني "معزة" باللغة العربية.
وشهدت مسيرة ليو ميسي والنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو جدلاً دائماً ومستمراً بين عشاق كل منهما، حول العالم، وليس فقط في المنطقة العربية، على من منهما يطلق لقب "معزة" كرة القدم، وبصفة خاصة خلال فترة التنافس الشرس بينهما على الملاعب الإسبانية، ميسي في برشلونة ورونالدو في ريال مدريد.
وبعد أن غادر رونالدو ريال مدريد إلى يوفنتوس الإيطالي، ثم غادر ميسي برشلونة إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، خفت حدة الجدل حول من منهما أحق بلقب "المعزة"، الذي يتنافس عليه أيضاً الأسطورة الأرجنتينية الراحلة دييغو أرماندو مارادونا، وأسطورة البرازيل بيليه.
اللقب جماهيري بالأساس، أي إن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أو الاتحادات القارية لا تخصص جائزة "المعزة" كما تفعل سنوياً مع جائزة أفضل لاعب في العالم، أو حتى نادي القرن في كل قارة، أو منتخب القرن وهكذا، وهو ما يجعل الصراع الجماهيري مفتوحاً ومستمراً، وتغلب عليه العاطفة أو الانتماء بطبيعة الحال.
فجمهور برشلونة، على سبيل المثال، يرى أن ميسي هو "معزة" كرة القدم دون منازع، بينما جمهور ريال مدريد يرى البرتغالي رونالدو الأحق باللقب، وكثير من الجماهير التي تشجع الأرجنتين ترى في مارادونا "المعزة" بلا منافس، بينما جمهور عشاق السامبا البرازيلية لا يرون لبيليه مثيلاً.
ما الفارق بين لاعب عظيم و"المعزة"؟
لا شك أن تاريخ كرة القدم يعج باللاعبين العظام من كل الأزمان والقارات، فمن لا يعرف قيمة رونالدينهو أو الظاهرة البرازيلية رونالدو أو زين الدين زيدان أو أندرياس إنييستا وتشافي هيرنانديز أو يوهان كرويف أو ماركو فان باستن أو رابح ماجر والقائمة تطول؟ فهؤلاء النجوم وغيرهم كثيرون قدموا لكرة القدم وعشاقها حول العالم لحظات لا تُنسى وحققوا إنجازات لأنديتهم ومنتخباتهم ستظل محفورة في تاريخ الساحرة المستديرة.
وهناك نجوم لا تُعد ولا تُحصى حققوا جميع الألقاب الممكنة فردياً وجماعياً مع الأندية والمنتخبات، لكن قد لا تتذكر جماهير تلك الأندية والمنتخبات أسماءهم بعد أن يعتزلوا كرة القدم، وهذا ليس تقليلاً من شأنهم أو من إنجازاتهم كلاعبين كبار وعظام، لكنها طبيعة تلك اللعبة المجنونة التي تشهد تقلبات ضخمة.
ويقسّم خبراء كرة القدم اللاعبين أصحاب الإنجازات الضخمة والمسيرة الحافلة في ملاعب الساحرة المستديرة إلى قسمين رئيسيين، لاعب عظيم ولاعب "معزة"، وإذا كان القسم الأول أكبر عدداً بكثير، فإن القسم الثاني نادر، وقد لا يتجاوز عدده أصابع اليد الواحدة بالفعل.
فقائمة من يتنافسون على اللقب الجماهيري تكاد تكون محصورة بين الأربعة: بيليه ومارادونا ورونالدو وميسي، بل إن الجدال نفسه بشأن من هو أعظم لاعب كرة قدم على الإطلاق طفا على السطح بسبب ظهور ميسي ورونالدو في الملاعب في نفس الحقبة الزمنية ليصبح التنافس بينهما عرضاً مستمراً.
يكفي مثلاً أن نذكر سعي رونالدو إلى البحث عن نادٍ آخر غير مانشستر يونايتد الإنجليزي كي ينتقل إليه قبل انطلاق الموسم الجاري، فالسبب الوحيد هو رغبة "الدون" في أن يواصل اللعب في بطولة دوري أبطال أوروبا، التي ينفرد بصدارة الهدافين فيها تاريخياً برصيد 140 هدفاً، حتى لا يحطم ميسي، الذي سجل 129 هدفاً، هذا الرقم.
فمانشستر يونايتد لم يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا موسم 2022-2023، بينما يشارك ميسي صحبة باريس سان جيرمان في المسابقة، كما أن فارق السن بينهما (رونالدو أكبر بنحو 3 سنوات) يعني أن النجم الأرجنتيني ما زال بإمكانه تحطيم رقم البرتغالي، وإن بدا ذلك صعباً.
لكن ربما يكون التقسيم الأبرز من وجهة نظر خبراء الساحرة المستديرة مرتبطاً بالموهبة الفطرية من جانب والاجتهاد والتدريب من جانب آخر. والمقصود هنا هو أن هناك لاعبين يمتلكون موهبة فطرية تجعلهم يقومون بمراوغات أو تمريرات غير متوقعة بالمرة، لا للمنافسين ولا للمشجعين، بينما هناك لاعبون قد لا يمتلكون الموهبة ذاتها، لكنهم يصلون الليل بالنهار في التدريبات حتى يصلوا إلى مستويات خارقة بالفعل تجعلهم أيضاً غير متوقعين في بعض الأحيان.
ومن الواضح، من خلال هذا التقسيم، أن ميسي ومارادونا يقعان على رأس قائمة الموهوبين، ومعهم بطبيعة الحال نجوم من أمثال رونالدينهو وزين الدين زيدان وغيرهما، بينما يأتي رونالدو على رأس قائمة المجتهدين (ولا يعني هذا نقصاً للموهبة، لكنها تكون أقل نسبياً)، ومعه أيضاً بيليه وقائمة طويلة من الهدافين.
لماذا حسم مونديال قطر جدال "المعزة" لصالح ميسي؟
مباراة الأرجنتين وكرواتيا في نصف نهائي كأس العالم في قطر كانت المباراة رقم 1002 في مسيرة ليو ميسي الاحترافية، وما قدمه النجم صاحب الـ35 عاماً خلالها أبهر الجميع، وجعل كثيراً من نجوم الساحرة المستديرة يصفونه بأنه "معزة" كرة القدم عبر التاريخ، بغضّ النظر عن نتيجة نهائي المونديال العربي.
فبعد صافرة نهاية لقاء كرواتيا، وصف مدافع منتخب إنجلترا السابق، جيمي كاراغر، ميسي في تغريدة على تويتر بأنه "الأفضل على الإطلاق"، كما تساءل المهاجم الإنجليزي السابق آلان شيرر: "هل يضع (أداء ميسي مع الأرجنتين) حداً للجدل بين من الأفضل مارادونا أم ميسي؟"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
سجل ليو ميسي في مسيرته الاحترافية 791 هدفاً وصنع 340، وحصد لقب أفضل لاعب في العالم 7 مرات، وعلى المستوى الجماعي فاز النجم الأرجنتيني مع برشلونة بـ35 بطولة، ما بين دوري إسبانيا وكأس الملك والسوبر المحلي ودوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية، كما فاز مع باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي، بينما فاز مع الأرجنتين بلقب "كوبا أمريكا"، ولا ينقصه سوى الفوز بكأس العالم. وكان قريباً من تحقيق ذلك خلال مونديال 2014 في البرازيل، لكن التانغو خسروا أمام المنتخب الألماني.
وُلد ليونيل ميسي يوم 24 يونيو/حزيران 1987 في روساريو سانتا بالأرجنتين، وترتيبه الثالث بين أخوين أكبر منه هما رودريغو وماتياس وأخت وُلدت بعده هي "سول ماري". والده خورخي كان يعمل مديراً لأحد مصانع الصلب، ووالدته سيليا كوتشيتيني كانت تعمل في ورشة لتصنيع المغناطيس. وترجع جذور أجداده لوالده إلى مهاجرين من إيطاليا وإسبانيا (تحديداً مقاطعة كاتالونيا). ونشأ ميسي في أسرة عاشقة لكرة القدم، فأخواه رودريغو وماتياس كان يلعبان كرة القدم وأبناء عمومته ماكسيمليانو وإيمانويل بلانكوتشي، وكلاهما مارسا اللعبة على مستوى احترافي.
وعندما بلغ الرابعة من عمره، بدأ ميسي مشواره مع كرة القدم، التحق بنادي جراندولي المحلي، وكان مدربه في هذا النادي هو والده خورخي. لكن عشق كرة القدم لم يكن سمة حصرية بين رجال أسرة ميسي، فقد كانت "سيلا" جدته لوالدته أيضاً من عشاق الساحرة المستديرة، وكانت هي من تأخذه إلى النادي للتدريب واللعب وتعود به إلى المنزل، وارتبط بها الحفيد ضئيل الجسم عظيم الموهبة ارتباطاً كبيراً، وكان أكثر أفراد الأسرة تأثراً برحيلها قبل أن يتم عامه الحادي عشر.
وبالعودة إلى جدال لقب "المعزة"، يكفي القول إن النجم الإنجليزي شيرر كان واحداً ممن يرون أن ميسي لا يستحقه، لكن يبدو أنه غيّر رأيه بعد ما قدمه النجم الأرجنتيني على الملاعب القطرية: "قلنا إنه إذا فاز ميسي بكأس العالم هنا، فقد يكون هو الأفضل. كان هذا هو الفارق، وكانت هذه نقطة الانقسام. لقد فاز مارادونا بكأس العالم. إذا فاز ميسي بها هنا، فإن وجهة نظري ستتغير".
ويعتقد روب غرين، الذي لعب لمنتخب إنجلترا في كأس العالم 2010، أن ميسي سيغير ذلك بالفوز يوم الأحد، إذ قال حارس المرمى السابق لـ"بي بي سي": "إذا سألت ميسي عما إذا كان يريد أن يكون الأفضل في العالم أو إذا كان يريد تلك الميدالية، فإنه يريد تلك الميدالية يوم الأحد. إنه متلهف للحصول على ميدالية الفائز بكأس العالم. لقد فعل الكثير من أجل كرة القدم".
نهائي مونديال قطر سيكون الظهور رقم 26 في مباريات كأس العالم بالنسبة لميسي، وهو رقم قياسي على الإطلاق، متخطياً رقم الألماني لوثار ماتيوس. وأصبح ميسي أفضل هداف للأرجنتين في تاريخ كأس العالم، برصيد 11، وهو اللاعب الوحيد الذي قدم تمريرة حاسمة في 5 بطولات كأس عالم شارك فيها، واللاعب الوحيد الذي سجل في كأس العالم قبل أن يتم 20 عاماً، وفي العشرينيات والثلاثينيات من عمره.
ومع إعلانه أن نهائي المونديال القطري سيكون آخر ظهور له في كأس العالم، ينتظر عشاق الساحرة المستديرة تلك المباراة، التي يتمنى الجمهور العربي أن يكون أسود الأطلس طرفها الثاني، لكن بالنسبة لأغلب محبي كرة القدم، حسم ميسي جدال "المعزة" بالفعل، سواء فازت الأرجنتين باللقب أو لم تفز.