"صفقة مقاتلات F-35 الأمريكية كارثية وقرار شرائها كان أكبر خطأ ارتكبته أستراليا فهي لا يمكنها الصمود أمام الصين"، هكذا يقول خبراء أستراليون عن درة التكنولوجيا الأمريكية التي يفترض أنها ستجعل بلادهم قادرة على التصدي للصعود الصيني في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
في عام 2002، قررت أستراليا شراء حوالي 72 طائرة من الولايات المتحدة، قيمتها نحو 16.6 مليار دولار أسترالي (11.24 مليار دولار أمريكي)، لتحل محل الطائرات القديمة الأمريكية الصنع العاملة في سلاح الجو الأسترالي من طرازي إف 18 هورنت وقاذفات F-111 الأسطورية التي كانت تثير رعب جيران أستراليا الآسيويين.
كان القرار يبدو صائباً تماماً في ذلك الوقت؛ لأن الطائرة إف 35، التي تمثل أكبر مشروع في التاريخ العسكري من حيث التكلفة كانت تبدو واعدة للغاية، وهو ما جعل دولاً أوروبية عريقة في المجال العسكري ولديها طائراتها المحلية الصنع مثل بريطانيا وإيطاليا تبرم صفقات لشرائها والمشاركة في إنتاجها، وهو ما شجع أستراليا على الانضمام للركب الذي تقوده واشنطن.
وبالفعل انضمت أستراليا إلى برنامج F-35 JSF كشريك صناعي من المستوى 3 في عام 2002، والتزمت بشراء 72 طائرة مقاتلة من طراز F-35A لتشكيل ثلاثة أسراب عاملة، وتمت إضافة سرب رابع ليرتفع العدد الإجمالي للطائرات التي تم التعاقد عليها إلى 96، وحتى الآن تلقت أستراليا 54 طائرة منها.
ولكن بحلول عام 2010، مع صعود الصين بقوة وتركيز أستراليا على التصدي لها، أصبح من الواضح أن هذه كانت استراتيجية سيئة.
كان الخطأ الرئيسي هو النظر إلى الطائرة F-35 ببساطة على أنها طائرة بديلة ومشابهة في الإمكانيات للطائرات القديمة لدى سلاح الجو الأسترالي دون تقييم البيئة الاستراتيجية المتغيرة المتمثلة في التحدي الصيني المتصاعد.
ولكن مع تبيّن هذا الخطاً في عام 2010، كان تم إنفاق الكثير من الأموال في برنامج شراء كانبرا لطائرات F-35، بحيث رأى المسؤولون الأستراليون أنه من الصعب التراجع عن الصفقة، حسبما ورد في تقرير لموقع the Conversation الأسترالي.
والآن مع إتمام جزء كبير من الصفقة، ظهرت مشكلات عديدة في الإف 35، منها ما هو متعلق بالطائرة ذاتها، وأخرى نتيجة أن خصائصها غير قادرة على مواكبة متطلبات ساحة المواجهة الشاسعة مع الصين.
أستراليا يجب أن تطالب باستعادة أموالها من أمريكا
وأصبح أسطول الطائرات المقاتلة الأسترالية من طراز F-35 في دائرة الضوء مؤخراً؛ بسبب نقاش يتعلق بمخاوف تتعلق بتكلفة تشغيله وقدرات الطائرة ومدى ملاءمتها لاحتياجات سلاح الجو الملكي الأسترالي.
ويشير نقاد الصفقة إلى التاريخ الطويل للمشاكل الباهظة للطائرات F-35 التي تم الحصول عليها بالفعل، بينما وصل الأمر بالبعض للمجادلة بأن أستراليا "يجب أن تطلب استرداد الأموال" من الولايات المتحدة، وأن "الخطأ الأكبر كان شراء الطائرة في المقام الأول".
ودفع هذا الجدل المعارضة الأسترالية للقول إن برنامج الطائرات المقاتلة "يعاني من مشاكل"، وسعيها للحصول على تفسير من وزير الدفاع السابق بيتر داتون حول البيانات الواردة في وثائق تقديرات الميزانية لوزارة الدفاع بشأن الصفقة.
وانتقد الصحفي الأسترالي البارز، بريان توهي، الذي كتب على نطاق واسع بشأن سياسة الأمن القومي الأسترالية منذ عام 1973، استراتيجية الدفاع للحكومة الأسترالية التي أوصت بشراء السرب الرابع من طائرات F-35 المقاتلة، حسبما نقل عنه تقرير لموقع EurAsian Times.
10 مليارات دولار تكلفة صيانة مقاتلات F-35
بينما تبلغ تكلفة شراء طائرات إف 35 لأستراليا نحو 16.6 مليار دولار أسترالي، كشف تقدير جديد صدر مؤخراً أن كانبرا تعتزم إنفاق 14.6 مليار دولار أسترالي (10.87 مليار دولار) لتشغيل أسطول F-35A Lightning II وصيانته وترقيته، حتى عام 2053، لكي يظل قادراً على أداء مهامه.
في 6 أبريل/نيسان الماضي، أخبر نائب المارشال الجوي ليون فيليبس، رئيس قسم أنظمة الطيران، أعضاء لجنة تشريعات الشؤون الخارجية والدفاع والتجارة بالبرلمان الأسترالي أن مجموعة من المتغيرات قد ترفع التكاليف في فترة ما بعد عام 2032.
النقطة الأكثر أهمية التي يجب تسليط الضوء عليها، وفقاً لفيليبس، أنه لا توجد تقديرات نهائية للتكاليف، فهناك تطور مستمر في القدرات للتعامل مع العمليات.
من عام 2015 إلى 30 يونيو/حزيران 2021، أنفقت وزارة الدفاع الأسترالية 623 مليون دولار أسترالي على صيانة الأسطول المكون من 48 طائرة. وبلغت تكلفة تخصيص الميزانية لعام 2021-2022 ما قيمته 314 مليون دولار أسترالي.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قالت إنها تفكر في إنتاج طائرة جديدة من الجيل الرابع ونصف (غير شبحية)؛ لأن طائرة الجيل الخامس إف 35 تستهلك أموال الميزانية الأمريكية العسكرية الضخمة، بسبب التكلفة الكبيرة للصيانة، بشكل يؤثر على عدد الطائرات الجاهزة للعمل؛ مما دفع البنتاغون لتخفيض عدد الطائرات المطلوبة، إضافة إلى أن أوجه القصور في المدى وحمولة الأسلحة في الإف 35 ستؤثر على قدرتها في مواجهة الصين، وبالفعل، قررت واشنطن إنتاج نسخة جديدة من طائراتها إف 15 الشهيرة التي تعود جذورها لسبعينات القرن العشرين، وتدعى النسخة الجديدة إف 15 إي إكس.
بعض طائرات إف 35 يصعب عليها التحليق للفترات المطلوبة جراء مشكلات الموثوقية
في البداية، تأخر تطوير F-35، ولم تكن الدفعات الأولى من الأسطول الأسترالي جاهزة للنشر في العمليات حتى ديسمبر/كانون الأول 2020.
على سبيل المثال، من المحتمل أن تكون طائرتا أستراليا المقاتلتان من طراز F-35، اللتان تم شراؤهما بأكثر من 280 مليون دولار في عام 2013، أقدم من أن يتم تحديثهما إلى المستوى الحالي السائد.
هناك مشكلة في الطائرة المقاتلة الأسترالية الجديدة أنها ليست موثوقة إلى هذا الحد. نتيجة لذلك، يطير بنسبة 25٪ أقل مما ينبغي. يعني الطيران الأقل عدداً أقل من الطيارين المدربين جيداً.
في فبراير/شباط 2022، كشفت وثائق تقديرات الميزانية التي قدمتها وزارة الدفاع الأسترالية (DoD) أن طائرة أسترالية من طراز F-35 Lightning II ستقضي وقتاً أقل في الهواء خلال السنوات الأربع المقبلة مما كان متوقعاً في السابق، مما أثار جدلاً وطنياً حول قدرة الطائرة وصلاحيتها.
تمت مراجعة ساعات الطيران للطائرة F-35 بنسبة 25٪ في السنة المالية 2021-22 (FY22) ومن المقرر خفضها بنسبة 17٪ في السنة المالية 2023، و 14٪ في السنة المالية 2024، و13٪ في السنة المالية 2025.
وأشارت تقارير إعلامية أسترالية إلى أن السبب وراء التخفيض في ساعات الطيران المتوقعة كان من المفترض أن يكون مشكلات الصيانة المتعلقة بتشغيل مقاتلات الهجوم المشترك.
يضاف إلى ذلك مشكلة رئيسية أخرى لطائرة F-35 الأسترالية الأخيرة هي أنها تستخدم برنامج Block 3F، وهو نظام تشغيل رقمي صممه Lockheed Martin. لقد ثبت أيضاً أنه مكلف للغاية لتحديثه.
ويصل الأمر إلى حد قول خبراء الدفاع وتقارير وسائل الإعلام الأسترالية إن مقاتلات Lockheed Martin F-35 التي تم توفيرها للقوات الجوية الأسترالية تبين أنها كانت كارثة كاملة.
لا تستطيع تلبية احتياجات أستراليا الأمنية لأن مداها أقل مما يمكنه مواجهة الصين
بصرف النظر عن ذلك، هناك أيضاً أوجه قصور في قدرات F-35s ذات الصلة باحتياجات أستراليا الأمنية.
ففي عام 2002، عندما قرر الأستراليون إبرام هذه الصفقة، كانت حروب الشرق الأوسط مستعرة، وبدت هذه المقاتلة الشبحية بمداها القصير نسبياً (أقصر من مدى الإف 15 الأقدم) أكثر من كافٍ لشكل العمليات العسكرية المتصور في ذلك الوقت.
ويبلغ نصف قطر القتال الفعال للطائرة F-35A حوالي 1000 كيلومتر فقط، ويمكن أن تمتد إلى حوالي 1500 كيلومتر مع طائرة صهريج وقود، حسب تقرير موقع EurAsian Times.
ولا يمكن للطائرة F-35A الوصول إلى بحر الصين الجنوبي بدون التزود بالوقود الجوي، ولكن في خضم أي صراع، فإن توافر طائرات صهاريج الوقود أمر مشكوك فيه في ظل وجود مجال جوي متنازع عليه.
بل إن الصحفي الدفاعي الأسترالي، أنتوني جالواي، اقترح أن المدى القتالي الفعلي لطائرة F-35 قد يكون حوالي 500 كيلومتر فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن الطائرة يجب أن تتسارع أثناء القتال الذي يستخدم المزيد من الوقود.
وهناك مشكلة أخرى بينما يُقال إن مقاتلة F-35 هي مقاتلة تفوق سرعة الصوت، يشير الخبراء إلى أن المقاتلة لا يمكنها الوصول إلى هدف بعيد لها بسرعة كافية، إذا لزم الأمر؛ لأنه لا يمكنها الطيران إلا بسرعة قصوى تبلغ 1،960 كيلومتراً في الساعة (1.6 ماخ)، لمدة 50 ثانية، وبعد ذلك يجب أن تتباطأ سرعتها بشكل ملحوظ حتى توفر الوقود اللازم لقطع مسافات بعيدة.
يجعل كل ذلك الطائرة غير قادرة على ما يبدو للدخول في مواجهة مع الطائرات الصينية فوق مياه المحيطين الهادئ والهندي، وبطبيعة الحال، فإنها يصعب أن تساهم في الدفاع عن تايوان إذا تعرضت لغزو صيني في وقت تقوم فيه الاستراتيجية الأمريكية على إقحام القوى الإقليمية الحليفة لها مثل أستراليا واليابان في حرب صينية – تايوانية.
والأسوأ أنه في المقابل، فإن الطائرات الرئيسية الصينية التي يفترض أن تواجهها إف 35 الأسترالية كلها طائرات ذات مدى بعيد؛ حيث يتكون الأسطول الصيني من طائرات سوخوي 27، و30، و35 الروسية، التي تتسم بمدى طويل بالنسبة للمقاتلات، ونفس الأمر للنسخ الصينية الصنع من هذه المقاتلات الروسية، وهي J-11 (نسخة صينية من سوخوي 27)، وJ-16 نسخة صينية يعتقد أنها متأثرة بسوخوي 30، وJ-11 طائرة قادرة على العمل من حاملات الطائرات، وهي نسخة من الروسية سوخوي 33.
والأهم أن الصين أعدت طائراتها الشبحية الرئيسية J-20 للعمل في مسرح المحيطين الهادئ والهندي؛ حيث يعتقد أنه يمثل ميزتها الرئيسية مقارنة بالطائرتين الشبحيتين الأمريكتين إف 22 وإف 35 بالمدى الطويل.
القادة الأمريكيون أنفسهم يتشككون في قدرتها على مواجهة المقاتلات الصينية
مما يزيد الطين بلةً بالنسبة لأستراليا أن مسؤولين كباراً بالقوات الجوية الأمريكية نفسها (المشغل الرئيسي للطائرة) يرون أن نسخة F-35 الحالية لا تصلح حتى لمواجهة الصين.
في العام الماضي، أعرب الفريق س. كلينتون هينوت، نائب رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، عن مخاوف كبيرة بشأن برنامج Block 3F، قائلاً إنه لا يشعر بالرضا بشأن قدرات هذه النسخة التي تعد الأحدث من الطائرة إف 35 على مواجهة الصين وروسيا.
وأشار هينوت إلى أن القوات الجوية الأمريكية لم تستخدم حتى الإصدار الحالي (Block 3F) من F-35 خلال المناورات الحربية التي أقيمت في 2018 و2019، التي تم التركيز فيها على سيناريو هجوم جوي صيني ضد تايوان، مشيراً إلى أن أي مقاتلة بها مشكلات غير مناسبة لمواجهة بكين مع تزايد القدرات العسكرية الصينية.
الحل الوحيد لهذه المشاكل هو الترقية المهمة إلى برنامج نظام التشغيل Block 4، الذي تنادي به شركة Lockheed Martin، ولكن يقال إنه سيتأخر لسنوات، مع توقع التسليم قبل عام 2027، كما أنه سيكون مكلفاً للغاية.
والأهم من ذلك أن التحديث الكامل للوصول لمستوى Block 4 سيشمل قدرات الحرب الإلكترونية المتقدمة، وتحسين قدرة التعرف على الهدف، وحمل المزيد من الصواريخ، من بين ميزات أخرى مطلوبة.
قد يتطلب ذلك ترقية كبيرة لمحرك Pratt & Whitney F135 الحالي الذي يشغل الطائرة، أو ربما إيجاد محرك جديد؛ حيث ستحتاج ترقيات Block 4 إلى مزيد من الطاقة من نظام الدفع، وستجعل تشغيل المقاتلة أكثر سخونة، مما يتطلب قدرات تبريد أكبر، وهو ما يمثل مشكلة مع تصميم الطائرة ذاته.