إرضاءً لأحزاب اليمين.. ما تفاصيل خطة ماكرون لترحيل مزيد من المهاجرين ومنح بعضهم “وضعاً قانونياً”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/08 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/08 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - Getty Image

احتلت قضية الهجرة مرة أخرى مركز الصدارة في السياسة الفرنسية مجدداً، حين اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثلاثاء، 6 ديسمبر/كانون الأول 2022، موقفاً أكثر صرامة بشأن عمليات الترحيل، مع توسيع فرص العمل للمهاجرين ذوي المهارات اللازمة.

ما تفاصيل خطة ماكرون المثيرة للجدل حول ترحيل المهاجرين؟

تحاول حكومة ماكرون التعاطي مع ضغوطات اليمين المتطرف المتصاعدة للسيطرة على الهجرة، والموازنة مع حاجة فرنسا للعمالة المهاجرة. ويعكس مشروع القانون رغبته المُعلَنة منذ فترة طويلة بحلة مشكلة عمليات القبول والترحيل للمهاجرين، والوفاء بالوعد الذي قطعه خلال حملته لإعادة انتخابه في وقت سابق من هذا العام، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.

إضافة إلى ذلك، دفعت الحوادث الأخيرة -بما في ذلك مقتل تلميذة على يد مهاجر غير شرعي والخلاف مع إيطاليا حول رسو سفينة إنقاذ مهاجرين- بالحكومة الفرنسية لمحاولة إبعاد التوتر عن قضية ملتهبة.

وتعتبر الهجرة قضية دائمة الحضور في السياسة الفرنسية، وسيكون اقتراح الرئيس هو قانون الهجرة واللجوء الـ29 في البلاد خلال 4 عقود في فرنسا؛ التي يصفها سياسيوها ومعلّقوها، لا سيما من تيار اليمين، بأنها بلد يصد تدفقاً خارج عن السيطرة من المهاجرين. وفي الواقع، يوجد في فرنسا نسبة أقل من المهاجرين بين سكانها مقارنة بمعظم جيرانها، وفي العقد الماضي، نمت الهجرة هناك أقل مما كانت عليه في بقية أوروبا.

ولمدة 4 ساعات، يوم الثلاثاء، 6 ديسمبر/كانون الأول، ناقش المُشرّعون الخطة التي وضعها ماكرون، والتي من المتوقع أن تخضع للتصويت في الربيع المقبل. وتأمل الحكومة في الفوز بأصوات المعارضين من اليسار واليمين، وهو ما تحتاجه لتمرير القانون بعد أن خسر حزب الرئيس أغلبيته المطلقة في الجمعية الوطنية (أحد غرفتي البرلمان الفرنسي).

"نرحّب بمن نريد، ونرحّل من نريد"

من جهتها، قالت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، أمام الجمعية الوطنية، الغرفة السفلى والأقوى في مجلس النواب: "من المشروع إثارة مسألة سياساتنا بشأن الهجرة؛ لنقول من نريد ونرحب به، ومن لا نريد وغير مرحب به".

بحسب نيويورك تايمز، فإن الهدف الرئيسي لمشروع القانون هو تسريع عملية الترحيل البطيئة في البلاد. على مدار العقد الماضي، لم يغادر البلاد سوى نحو 15% فقط من المهاجرين الذين أُمروا بالرحيل بالفعل، وفقاً لتقرير مجلس الشيوخ الصادر في مايو/أيار.

وبموجب الاقتراح، سيُخفَّض عدد الطعون الممكنة لطالبي اللجوء المرفوضين من 12 إلى 4، مع تسريع إجراءات الترحيل، وستُلغَى بعض الضمانات الخاصة بالأجانب لتسهيل طردهم إذا أدينوا بارتكاب جرائم.

وفي السياق ذاته، صرح جيرالد دارمانين، وزير الداخلية المتشدد في حكومة ماكرون، يوم الثلاثاء 6 ديسمبر/كانون الأول: "يجب أن نكون قادرين على تسريع استقبال أولئك الذين يستحقون اللجوء، وكذلك رفض أولئك الذين لا يستطيعون الحصول عليه على أراضينا بوتيرة أسرع".

تنديد من العفو الدولية

من جهتها، شجبت مجموعة من جماعات الإغاثة وحقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، في بيان، ما اعتبرته إجراءات "تهدد بمزيد من تقويض حقوق الأجانب"؛ مثل الحق في اللجوء والمحاكمة العادلة؛ ما قد يؤدي إلى "تفاقم الوضع غير المستقر" لطالبي اللجوء.

واستمر انعدام الأمن هذا لعدة أيام في وسط باريس، بالقرب من متحف اللوفر، حيث أقام العشرات من المهاجرين الشباب خياماً في البرد القارس للمطالبة بالاعتراف بهم بصفتهم قاصرين غير مصحوبين بذويهم ومنحهم حق اللجوء.

وعلّق فرانسوا هيران، الخبير البارز في شؤون الهجرة، والأستاذ في مؤسسة Collège de France، بالقول إنَّ فرنسا أصدرت "عدداً كبيراً جداً من أوامر الترحيل، أكثر مما تستطيع تنفيذه، بما في ذلك للمهاجرين الذين يعملون ومندمجين جيداً".

ووفقاً لتقرير مجلس الشيوخ، تضاعف عدد الطلبات الصادرة في العقد الماضي، وصولاً إلى 122.000 في عام 2019، وهو نفس مستوى "اليونان وإسبانيا وإيطاليا مجتمعة، التي تواجه على الأقل ضغوط هجرة مماثلة". ويرى هيران أنَّ القانون يعكس رفض فرنسا قبول حقيقة أنَّ تزايد الهجرة صار الآن ظاهرة عالمية تؤثر في جميع الدول الغربية. وقال: "النقاش الحالي لا يتماشى تماماً مع الواقع".

تصاريح إقامة قابلة للتجديد

في محاولة لتحقيق بعض التوازن بين قواعد قبول أكثر صرامة وشروط توطين معينة، أعلنت الحكومة الفرنسية أيضاً أنها تخطط لإصدار تصاريح إقامة قابلة للتجديد لمدة عام واحد للمهاجرين غير المُسجّلين الموجودين بالفعل في فرنسا ويرغبون في العمل في القطاعات التي تعاني من نقص في الموظفين؛ مثل تقديم الطعام. وقال أوليفييه دوسوبت، وزير العمل في البلاد: "لقد مكّنت الهجرة فرنسا دائماً من الاستجابة لاحتياجات اقتصادها".

لكن هذا الاقتراح تعرّض لانتقادات شديدة من حزب الجمهوريين المعارض، من تيار يمين الوسط، الذي يحمل مفتاح أغلبية محتملة على مشروع القانون، والذي تأمل الحكومة في تشكيل ائتلاف معه في البرلمان. 

قال بيير هنري دومون، عضو في حزب الجمهوريين: "عندما يتعلق الأمر بالهجرة، لا يمكن أن تكون هناك عبارة: وفي نفس الوقت"، في إشارة إلى العبارة التي يستخدمها ماكرون منذ فترة طويلة للإشارة إلى موقفه الذي يحاول إرضاء جميع الأحزاب. وأضاف: "إذا أبقيت على استعدادك لتنظيم المهاجرين غير الشرعيين على نطاق واسع، فسنصوّت ضد مشروع قانونك المستقبلي بالكامل".

كما وجه نواب يساريون انتقادات حادة لمشروع قانون الحكومة، مستنكرين ما وصفوه بالموقف القمعي الذي لا يتماشى مع تدفقات الهجرة المتزايدة في جميع أنحاء العالم بسبب الحروب والتغير المناخي.

في عام 2018 ، أصدرت حكومة ماكرون قانوناً يهدف إلى تشديد الهجرة، الذي نتج عن حقيقتين مُلحّتين لا تزالان قائمتين حتى اليوم: عدد متزايد من طالبي اللجوء وزيادة الضغط من اليمين المتطرف.

في الشهر الماضي، وقعت بريطانيا وفرنسا اتفاقية جديدة لوقف العدد المتزايد من القوارب الصغيرة التي تنقل المهاجرين عبر القنال الإنجليزي. وجاءت الصفقة بعد قرابة عام من وفاة 27 شخصاً في محاولة فاشلة لعبور الممر المائي المزدحم، وهو أحد أكثر الحوادث دموية التي تشهدها القناة في الذاكرة الحديثة.

تحميل المزيد