يعاني الاقتصاد العالمي من تباطؤ ينذر بالدخول في ركود تضخمي، بسبب تبعات جائحة كورونا وما سببته من مشاكل لسلاسل التوريد، ثم جاءت حرب أوكرانيا، فكيف تأثرت صناعة الأسلحة بشكل عام؟
منذ تفشي الفيروس القاتل في مدينة ووهان الصينية، أواخر عام 2019، وتحوله إلى جائحة عالمية في مارس/آذار 2020، أُصيب الاقتصاد العالمي بأزمة ركود حادة لا تزال تلقي بظلالها حتى اليوم على شتى الأنشطة الاقتصادية.
وكادت قطاعات كالسياحة والسفر أن تنهار بشكل كامل بسبب الإجراءات الاحترازية والإغلاق وفرض القيود على السفر والتجمعات، وما إن كاد العالم يتنفس الصعداء قليلاً بعد لقاحات كورونا، حتى جاءت الحرب في أوكرانيا لتوجه ضربة أكثر عنفاً للاقتصاد العالمي، الذي يبدو كأنه يحتضر.
لكن صناعة واحدة يبدو أنها نجت من التداعيات الكارثية للوباء، بل حققت نمواً وأرباحاً ضخمة، وهي صناعة الأسلحة، حيث ارتفعت المبيعات بصورة لافتة إلى 513 مليار دولار عام 2020، وكان أكثر من نصفها من نصيب الشركات الأمريكية. فما أحدث تفاصيل تجارة الموت عالمياً؟ وكيف كان تأثير الهجوم الروسي على أوكرانيا عليها؟
روسيا أبرز حلقات سلاسل الإمداد لصناعة السلاح
معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) هو أكثر الجهات المتخصصة في رصد تجارة السلاح وما يتعلق بها، ونشر المعهد تقريره السنوي 2022، والذي أظهر استمرار نمو مبيعات السلاح عالميا، حيث ارتفعت خلال عام 2021 بنسبة 1.9 مقارنة بمبيعات عام 2020.
وهذه هي السنة السابعة على التوالي التي تشهد زيادة في مبيعات الأسلحة حول العالم، وكانت نسبة الزيادة في مبيعات 2020-2021 أعلى من نسبة الزيادة في عام 2019-2020، التي كانت 1.1%، وإن كان المتوسط في العامين كان أقل من متوسط نسبة الارتفاع في المبيعات خلال الأعوام الأربع السابقة على جائحة كورونا، حيث كان متوسط الزيادة السنوية 3.7%، بحسب تقرير سيبري.
وكان من المتوقع أن ترتفع مبيعات الأسلحة حول العالم بنسبة أعلى مما تحقق، لكن تأثير الحرب في أوكرانيا، التي اندلعت 24 فبراير/شباط 2022، على مشاكل سلاسل الإمداد تسبب في عدم ارتفاع مبيعات الأسلحة بنسبة أعلى.
فالحرب في أوكرانيا، التي تصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو"، من الطبيعي أن ترفع الطلب على الأسلحة، إذ تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها أطناناً من الأسلحة لدعم كييف، كما يستهلك الجيش الروسي قسماً كبيراً من إنتاج المصانع العسكرية الروسية بطبيعة الحال، وهو ما يعني أن الدول الأخرى الراغبة في شراء الأسلحة من الشركات الأمريكية والروسية قد لا تجد الاستجابة التي تريدها.
وبعد أن تسببت الاضطرابات في سلاسل الإمداد خلال العامين السابقين على اندلاع الحرب، إضافة إلى إجراءات العزل لمواجهة جائحة كورونا، قد تسببتا في تراجع نسبي في مبيعات الأسلحة عالمياً، إلا أن هذا التراجع من المتوقع أن يستمر للعام الثالث على التوالي، رغم التوقعات بأن تتسبب الحرب في زيادة الطلب على الأسلحة بشكل عام.
لكن هذا التناقض يختفي بمعرفة أن روسيا تعتبر أحد الموردين الرئيسيين لكثير من المواد الخام المستخدمة في تصنيع الأسلحة، كما أن الغرب يمتلك أجزاء تقنية متطورة لا غنى عنها لتصنيع بعض الأسلحة المتطورة كأنظمة الصواريخ والطائرات والمسيرات وغيرها. وتفسر هذه الحقائق الصعوبات التي تواجهها شركات تصنيع الأسلحة، سواء في روسيا والصين أو في الغرب.
"كانت توقعاتنا أن يحدث ارتفاع أكبر في مبيعات الأسلحة حول العالم خلال 2021 لكن مشاكل سلاسل التوريد تسببت في بعض التراجع"، بحسب لوسي بيرو-سيدرو، مديرة برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد سيبري، مضيفة لموقع المعهد أن "شركات السلاح الكبيرة والصغيرة أخبرتنا أنهم تأثروا سلبياً العام الماضي، كما أبلغت شركات مثل إيرباص وجينيرال دايناميكس عن معاناتهما من نقص في الأيدي العاملة".
وعلى الرغم من أن الشركات الروسية قد زادت من إنتاجها لتعويض ما يفقده الجيش الروسي في ساحة الحرب، فإن حرمان تلك الشركات من أشباه الموصلات المتطورة بسبب العقوبات الغربية كان له أثر واضح في حجم الإنتاج. كما أن كون روسيا مورداً رئيسياً للمواد الخام المستخدمة في تصنيع الأسلحة يعطل جهود تسريع الإنتاج لدى الشركات الأمريكية والغربية لتعويض مخزوناتها من الأسلحة والذخائر عما ترسله إلى كييف.
وقال دييغو لوبيز دا سيلفا، الباحث الكبير في سيبري، إن "زيادة الإنتاج تستغرق وقتاً ولو استمرت الاضطرابات في سلاسل الإمداد قد يتطلب الأمر عدة سنوات كي تتمكن كبار شركات السلاح من تلبية طلبات الشراء التي نتجت عن حرب أوكرانيا".
الشركات الأمريكية تواصل الهيمنة على مبيعات الأسلحة
واصلت شركات الأسلحة الأمريكية هيمنتها على تجارة السلاح العالمية، إذ حظيت بنصيب الأسد من القائمة التي تضم أكبر 100 شركة أسلحة، فهناك 40 شركة في القائمة تتخذ من الأراضي الأمريكية مقراً رئيسياً لها.
واستحوذت الشركات الأمريكية على أكثر من نصف المبيعات العالمية، بما يصل إلى 299 مليار دولار من إجمالي المبيعات العالمية التي بلغت 592 مليار دولار، بحسب تقرير المعهد.
ومنذ عام 2018 تتخذ الشركات الخمس التي تحتل صدارة القائمة من الولايات المتحدة مقراً لها، لكن خلال العام الماضي كانت أمريكا الشمالية هي المنطقة الوحيدة التي شهدت انخفاضاً طفيفاً في مبيعات الأسلحة بلغ 0,8% مقارنة بعام 2020، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى ارتفاع التضخم في الاقتصاد الأمريكي خلال عام 2021، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.
وأوروبياً، احتلت 27 شركة أسلحة تتخذ من أوروبا مقرا لها مراكز في قائمة ال100، بينما شهدت المنطقة زيادة إجمالية في مبيعات الأسلحة بلغت 123 مليار دولار، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 4,2% مقارنة بعام 2020.
وفي الوقت الذي كان فيه عام 2021 مربحاً للشركات المتخصصة في صناعة السفن، فإن الأمر لم يكن كذلك للشركات المصنعة للطائرات. وفي هذا السياق، يقول لورنزو سكارازاتو، الباحث في معهد سيبري، إن معظم الشركات الأوروبية المتخصصة في مجال الطيران العسكري تكبدت خسائر خلال العام الماضي بسبب اضطرابات سلاسل التوريد. ويضيف "لكن في المقابل، بدت شركات بناء السفن في أوروبا أقل تضرراً من تداعيات جائحة كورونا، حيث تمكنت من زيادة مبيعاتها في عام 2021".
وعلى وقع مبيعات أسلحة بلغت 4,5 مليار دولار، احتلت شركة راينميتال الألمانية للأسلحة المرتبة الأولى في ألمانيا رغم تراجع مبيعاتها بنسبة 1,7% عام 2021 بسبب جائحة كورونا وأزمة سلاسل التوريد.
ماذا عن آسيا والشرق الأوسط؟
ضمت قائمة أكبر 100 شركة أسلحة 21 شركة تتخذ من قارتي آسيا وأوقيانوسيا مقراً لها بمبيعات بلغت 136 مليار دولار عام 2021 بزيادة قدرها 5,8% عن عام 2020.
وبلغ إجمالي مبيعات الأسلحة الصينية الثماني المدرجة في القائمة أكثر من 109 مليارات دولار بزيادة بلغت 6,3% خاصة شركة صناعة بناء السفن الصينية "سي. إس. آي. إس"، التي تعد الآن أكبر شركة متخصصة في العالم في بناء السفن العسكرية، حيث بلغت مبيعاتها من الأسلحة 11,1 مليار دولار.
وضمت القائمة أيضاً 4 شركات من كوريا الجنوبية، حيث نمت مبيعاتها من الأسلحة بنسبة 3,6% مقارنة بعام 2020 لتصل إلى 7,2 مليار دولار. فيما حققت شركة "هانوا" الرائدة في الصناعات الدفاعية زيادة بنسبة 7,6% مع توقعات بارتفاع النمو عقب إبرام صفقة تسليح مع بولندا بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وكان 2021 العام الأول التي حظيت فيه شركة NCSIST التايوانية بوجود بقائمة الـ100 الكبار، إذ بلغت مبيعات الشركة المتخصصة في مجال تصنيع الصواريخ والإلكترونيات العسكرية، قرابة ملياري دولار.
كما ضمت قائمة أكبر 100 شركة أسلحة 6 شركات روسية بإجمالي مبيعات بلغت 17,8 مليار دولار، ما يعني زيادة بنسبة 0,4% عن عام 2020. وقد أشار تقرير سيبري إلى أنه قبل التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا، كانت هناك مؤشرات على تفشي الركود في صناعة التسليح الروسية.
وتضم قائمة أكبر 100 شركة سلاح 5 شركات تتخذ من بلدان الشرق الأوسط مقراً لها، حيث حققت نمواً في المبيعات بلغ 15 مليار دولار العام الماضي بنسبة زيادة بلغت 6,5% مقارنة بعام 2020. وقال التقرير إن هذه الزيادة تعد أسرع وتيرة النمو في المناطق التي تُمثلها الشركات الـ100.