عندما يتواجه منتخبا إيران وأمريكا في كأس العالم قطر 2022، لا تكون كرة القدم فقط هي حديث العالم، فالمباراة جيوسياسية بامتياز، وربما يكون العم سام قد أحرز هدفاً ذاتياً لصالح "تيم ميلي"، فما القصة؟
ويلعب المنتخبان الإيراني والأمريكي، مباراة حاسمة لحسم إحدى بطاقتي التأهل عن المجموعة الثانية، الثلاثاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني الساعة العاشرة مساءً بتوقيت الدوحة (السابعة بتوقيت غرينتش). وفي جعبة "تيم ميلي" أو الفريق القومي بالفارسية، وهو لقب منتخب إيران، 3 نقاط من فوز على ويلز بهدفين وخسارة قاسية أمام إنجلترا بستة أهداف مقابل هدفين.
على الجانب الآخر، يدخل منتخب العم سام، لقب الفريق الأمريكي، المباراة وفي جعبته نقطتان جمعهما من تعادلين مع ويلز بهدف لكل فريق وسلبياً مع إنجلترا، وبالتالي فإن أي نتيجة غير الفوز تعني مغادرة الأمريكيين لمونديال قطر من دور المجموعات.
ماذا فعل الاتحاد الأمريكي لكرة القدم؟
كان الاتحاد الأمريكي لكرة القدم قد عرض، بشكل مؤقت، علم إيران على وسائل التواصل الاجتماعي دون شعار الجمهورية الإسلامية، فيما قال إنه إظهار للتضامن مع المحتجين، وذلك يوم السبت 26 نوفمبر/تشرين الثاني.
وأظهر رسم توضيحي، محذوف حالياً، لترتيب المجموعة الثانية عبر حسابات تويتر وتليغرام وفيسبوك الرسمية للاتحاد الأمريكي لكرة القدم، علماً بألوان علم إيران، الأخضر والأبيض والأحمر، دون شعار الجمهورية الإسلامية.
وقال مايكل كامرمان المتحدث الإعلامي باسم الاتحاد الأمريكي لكرة القدم في مؤتمر صحفي، الأحد 27 نوفمبر/تشرين الثاني، إن الهدف من ذلك هو "دعم النساء اللائي يناضلن في إيران من أجل حقوق الإنسان الأساسية".
كما تم تغيير الصورة على صفحة الاتحاد الأمريكي لكرة القدم على تويتر، يوم السبت، لتظهر العلم دون الشعار. وتم تغييرها مجدداً بعد 24 ساعة إلى اللافتة المستخدمة خلال البطولة.
أثار هذا التصرف عاصفة إيرانية من ردود الفعل الغاضبة، سواء إعلامياً أم رسمياً، وذكرت وكالة تسنيم الإيرانية الحكومية للأنباء أن الاتحاد الإيراني لكرة القدم سيرفع شكوى ضد الاتحاد الأمريكي أمام لجنة الأخلاقيات في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) "لعدم احترام العلم الوطني" للجمهورية الإسلامية.
وتشهد إيران حالياً أكبر مظاهرات فيها منذ عام 2019، والتي عمَّت البلاد للاحتجاج على وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاماً)، يوم 16 سبتمبر/أيلول، بعد احتجازها لدى شرطة الأخلاق، التي تنفذ القيود الصارمة المفروضة على زي النساء.
وتشن السلطات الإيرانية، ولا تزال، حملة قمع واسعة النطاق للسيطرة على الاحتجاجات، وقوبلت القضية بإدانة دولية واسعة النطاق، وسط اتهامات من النظام الإيراني لواشنطن خصوصاً والغرب عموماً بتأجيج الاحتجاجات والتآمر لإسقاط النظام في طهران.
والعداء بين الولايات المتحدة وإيران ممتد منذ 4 عقود، وحالياً فشلت مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي، الذي كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قد وقعه مع إيران عام 2015، وانسحب منه خلفه دونالد ترامب عام 2018، وأراد الرئيس الحالي جو بايدن إعادة إحيائه، لكن هذا لم يحدث.
ثم جاءت تلك الاحتجاجات المستمرة في إيران، والتي انطلقت من المناطق الكردية ثم اتسعت رقعتها وتحولت إلى أكبر تحد يواجه النظام الإيراني ربما منذ تأسيسه عام 1979، لتشتعل الحرب الإعلامية والكلامية بين طهران وواشنطن خصوصاً والغرب عموماً.
هل أحرزت أمريكا هدفاً في مرماها؟
نعم على ما يبدو، وهذه الإجابة جاءت في تحليل أمريكي نشرته شبكة CNN الأمريكية بعنوان "هل أحرزت كرة القدم الأمريكية هدفاً عكسياً في شباكها؟"، رصد التداعيات السلبية لما أقدم عليه الاتحاد الأمريكي لكرة القدم من تغيير في العلم الإيراني، وهو ما انعكس في الموقف الصعب الذي وجد مدرب المنتخب وقائده نفسيها فيه خلال المؤتمر الصحفي الخاص بمباراة إيران.
فقد حاصر الصحفيون الإيرانيون غريج برهالتر المدرب، وتايلر آدامز كابتن الفريق، بعاصفة من الأسئلة بشأن تصرف اتحاد كرة القدم الأمريكي، وأمور أخرى كثيرة لا علاقة لها بكرة القدم. ودافع برهالتر عن نفسه وطاقمه الفني والإداري ولاعبي الفريق بقوله للصحفيين: "لم تكن لدينا أدنى فكرة عما بدر من اتحاد كرة القدم، لا الجهاز الفني ولا الإداري ولا اللاعبين. كل ما يمكنني فعله هو الاعتذار عن ذلك التصرف نيابة عن الجهازين الفني والإداري واللاعبين جميعاً".
كما اضطر آدامز إلى الاعتذار أيضاً عندما حاصرته الأسئلة بشأن نطق بعض المسؤولين الأمريكيين لاسم الجمهورية الإسلامية بطريقة ساخرة، حيث ينطقونها "Eye ran" وليس "Iran"، على سبيل التندر.
لكن آدامز، وهو أمريكي من أصول إفريقية، وجد نفسه محاصراً بسيل من الأسئلة حول شعوره بشأن تمثيل بلد (أمريكا) تنتشر فيها العنصرية واضطهاد السود حتى اليوم. ورغم إصرار قائد المنتخب الأمريكي أن هناك "تحسناً ملحوظاً في العلاقات بين الأعراق على الأراضي الأمريكية"، ومحاولاته جر الحديث والأسئلة نحو المباراة وكرة القدم، إلا أن ذلك لم يفلح كثيراً.
النقطة الأخرى التي ركز عليها تحليل الشبكة الأمريكية هو أن ما أقدم عليه اتحاد كرة القدم قد قدم الفرصة على طبق من ذهب للنظام الإيراني كي يشتت الانتباه، ولو مؤقتاً، عن التركيز على الاحتجاجات الداخلية، باستغلال المباراة بين "ميلي تيم" و"العم سام" وتوظيفها في إطار من المشاعر الوطنية.
فالمؤكد أنه عندما يصطف لاعبو الفريقين على أرضية استاد الثمامة في قطر، ستكون المواجهة، أياً كانت نتيجتها، أقرب للصراعات الجيوسياسية منها لمباريات كرة القدم، وفي حالة نجاح المنتخب الإيراني في تفادي الهزيمة، ومن ثم التأهل للدور الثاني ومواصلة مشوار المونديال للمرة الأولى في تاريخه، سيكون أحد أسباب الفوز ذلك "الهدف الذاتي" الذي أحرزه الاتحاد الأمريكي للعبة في شباك فريقه قبل أن تبدأ المباراة، بحسب تحليل CNN.
هل تفعلها إيران وتكرر الفوز؟
هذه هي المواجهة الثانية بين المنتخبين في منافسات كأس العالم؛ إذ تواجهت إيران وأمريكا في مونديال فرنسا 1998، وكانت المباراة أيضاً في دور المجموعات، وحقق خلالها المنتخب الإيراني الفوز بهدفين لهدف واحد، وكانت تلك المباراة أيضاً حديث العالم وقتها.
اللافت هنا أن رئيس اتحاد كرة القدم الأمريكي وقتها، آلان روتنبرغ، أطلق على مواجهة إيران وأمريكا وصف "أم المباريات"، ومع خسارة الفريقين لمبارياتهما الافتتاحية -حيث تلقت الولايات المتحدة الهزيمة أمام ألمانيا بينما كانت إيران قد تلقت الهزيمة أمام يوغسلافيا- كانت النقاط الثلاث بمثابة فرصة التشبث بأمل التأهل لكلا الفريقين.
حسمت إيران تلك المواجهة، التي أقيمت في ليون بفرنسا يوم 21 يونيو/حزيران 1998، وكان الحضور الجماهيري حاشداً ومال ناحية الإيرانيين بشكل واضح، لكن في المباراة الثالثة تلقى رفاق النجم الإيراني التاريخي علي دائي هزيمة أخرى من ألمانيا وودعوا المونديال من دور المجموعات، بينما أقصت الهزيمة الأمريكيين من البطولة قبل حتى أن تلعب الجولة الثالثة.
أما مواجهتهما في كأس العالم بقطر فهي مختلفة كروياً، حيث يدخل الفريق الأمريكي المباراة ولا بديل له عن الفوز للحفاظ على حظوظه في التأهل للدور الثاني، حيث سيرتفع رصيد العم سام إلى 5 نقاط. ولا شك أن هذا الأمر سيمثل عامل ضغط إضافياً على اللاعبين الأمريكيين، الذين سيجدون أنفسهم يلعبون في أجواء مشحونة للغاية، حيث المتوقع أن يكون الحضور الجماهيري الإيراني طاغياً في ملعب المباراة.
لكن المنتخب الإيراني أيضاً سيلعب المباراة تحت ضغوط كثيرة، فالأحداث الداخلية في البلاد تلقي بظلالها بشكل واضح على أجواء المشاركة الإيرانية في المونديال، وهو ما اشتكى منه المدرب البرتغالي المخضرم، كارلوس كيروش، في أعقاب الهزيمة المهينة بستة أهداف مقابل هدفين أمام منتخب إنجلترا في المباراة الأولى للإيرانيين في المجموعة.
وخلال المؤتمر الصحفي الخاص بمباراة أمريكا، أعرب كيروش عن أمله في أن ينحسر دور السياسة لصالح كرة القدم في النسخة المقبلة لكأس العالم، بعد أن طالب متظاهرون مناهضون للنظام الإيراني المنتخب بإبداء تضامنه معهم وإدانة النظام.
وكان لاعبو المنتخب الإيراني قد امتنعوا عن ترديد النشيد الوطني خلال مواجهة إنجلترا، في تضامن مبطن مع المحتجين على ما يبدو، لكنهم رددوه قبل انطلاق مواجهة ويلز، وإن كان ذلك بصوت خافت، وسط تقارير تحدثت عن تعرض أسر اللاعبين لتهديدات من جانب الحرس الثوري.
لكن كيروش لم يفوت الفرصة قبل مواجهة أمريكا، وألقى بتصريحات تدين تصرفات الاتحاد الأمريكي لكرة القدم، معتبراً إياها محاولات للتأثير على لاعبي فريقه: "لا زلت أعتقد أن بمقدوري الفوز بالمباريات بتلك الألاعيب الذهنية. آمل أن تكون تلك… الأحداث التي تحيط بهذه النسخة من كأس العالم درساً لنا جميعاً في المستقبل، وأن نتعلم أن مهمتنا هنا هي تقديم عرض ممتع وإسعاد الناس لمدة 90 دقيقة".
وقال المدرب البرتغالي إنه يوجد متسع لاستخدام كرة القدم للتأثير على العالم، وحظي بتصفيق الجماهير عندما تحدث عن "لحظات سحرية" من مبادرات بسيطة مثل منح كرات قدم للأطفال الفقراء في إفريقيا، وأضاف: "نتضامن مع قضايا إنسانية في جميع أنحاء العالم".
وفي إشارة مستترة إلى الولايات المتحدة، قال: "تتحدث عن حقوق الإنسان والعنصرية والأطفال يقتلون في المدارس بحوادث إطلاق نار، نتضامن مع تلك القضايا. لكن هنا مهمتنا أن نرسم البسمة على كل الوجوه لمدة 90 دقيقة".
من الناحية الفنية، وبعيداً عن السياسة والصراع الإيراني الأمريكي، يمكن لفريق كيروش أن يكرر ما فعله الإيرانيون في مونديال فرنسا 1998 ويفوزوا على المنتخب الأمريكي، باتباع الأسلوب الدفاعي المنظم نفسه الذي طبقوه أمام منتخب ويلز، حيث أحرزوا هدفين في الوقت بدل الضائع من الشوط الثاني، أو على أقل تقدير الخروج بنقطة التعادل الكفيلة أيضاً بتأهلهم إلى الدور الثاني للمرة الأولى في التاريخ.
الخلاصة هنا هي أن المباراة مواجهة جيوسياسية بامتياز، وسيستغل نتيجتها، أياً كانت، النظام الإيراني في طهران والإدارة الأمريكية في واشنطن قدر المستطاع، فهل يستفيد المنتخب الإيراني من "الهدف العكسي" الأمريكي؟ أم يكون لآدامز ورفاقه رأي آخر؟