تبدو مظاهرات الصين الأخيرة حدثاً نادراً في تاريخ البلاد الحديث، والمفارقة أن هذه المظاهرات بدأت تعاطفاً مع مأساة حدثت في منطقة الإيغور، وسرعان ما انتقلت من الدعوة لإنهاء سياسات صفر كوفيد إلى المطالبة بإسقاط حكم الرئيس الصيني والحزب الشيوعي، ولكن إلى أي مدى تمثل هذه المظاهرات خطراً على النظام؟ وهل تؤدي لتخفيف القيود على الحريات في البلاد أم إلى تشديدها؟
واندلعت عشرات الاحتجاجات العديد من المدن والجامعات في جميع أنحاء الصين خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة مع تزايد الإحباط من سياسات الحكومة الصارمة بشأن صفر كوفيد (الإغلاق في حالة ظهور أي حالات للوصول لصفر حالات)، حيث خرج المواطنون المحبطون والغاضبون إلى الشوارع في موجة نادرة من المظاهرات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Washington Post الأمريكية.
هتافات تطالب بتنحي الرئيس الصيني في أكبر مدن البلاد
وتجمعت مجموعات من الأشخاص يتراوح عددهم من شخص واحد إلى حوالي 1000 شخص في وقفات احتجاجية على ضوء الشموع والاحتجاجات السلمية في الشوارع، في بعض الأماكن، مثل ووهان، تجاوزوا الحواجز الوبائية، وفي شنغهاي، اشتبكوا مع الشرطة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
ودعا المتظاهرون، وهم يحملون الشموع وأضواء الهواتف المحمولة وقطع الورق الفارغة، إلى إنهاء عمليات الإغلاق والاختبارات الجماعية المتكررة.
واجتمع سكان شنغهاي، المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الصين وعاصمة البلاد الاقتصادية، ليلة السبت وصباح الأحد، مطالبين بإنهاء عمليات الإغلاق الوبائي وهتفوا: "نريد الحرية!" و"افتح شينجيانغ (إقليم الإيغور)، افتح الصين كلها!"، وفقاً لما نقلته the Washington Post عما وصفته بشهود الحدث.
وفي مشاهد غير عادية من الغضب العام الذي استهدف الزعيم الأعلى البلاد، هتفت مجموعة من المتظاهرين في المدينة: "شي جين بينغ، تنحى"، و"الحزب الشيوعي، تنحى"، حسب الصحيفة.
حادثة في الإيغور هي السبب في اندلاع مظاهرات الصين
قال تشين، البالغ من العمر 29 عاماً والمقيم في شنغهاي والذي وصل إلى الوقفة الاحتجاجية حوالي الساعة الثانية صباحاً يوم الأحد: "كان هناك أناس في كل مكان، في البداية كان الناس يصرخون مطالبين برفع الإغلاق في إقليم شينجيانغ، ثم أصبح الهتاف: شي جين بينغ.. تنحى، الحزب الشيوعي.. تنحى".
كان الشرارة المباشرة للمظاهرات حريق مميت وقع في مدينة أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، في أقصى شمال غرب الصين يوم الخميس، حيث توفي 10 أشخاص، من بينهم ثلاثة أطفال، بعد أن عجزت خدمات الإطفاء في حالات الطوارئ عن الاقتراب بما يكفي من مبنى سكني اشتعلت فيه النيران.
وألقى السكان باللوم على الإجراءات المتعلقة بالإغلاق في إعاقة جهود الإنقاذ، حيث ظل المبنى مغلقاً منذ حوالي 100 يوم.
وتواترت معلومات بأن سكان المبنى لم يستطيعوا مغادرة منازلهم بسبب وضعه تحت الحجر الصحي، وأن فرق الإطفاء لم تتدخل في الوقت المناسب لعدم تمكنها من دخول المجمع، الذي يوجد به المبنى، المحاط بحواجز معدنية، الأمر الذي تسبب باحتجاجات في المنطقة، حسبما ورد في جريدة الشرق الأوسط السعودية.
ونفى المسؤولون الصينيون أن تكون القيود المفروضة على انتشار الفيروس عاملاً في الحريق.
ولكن تفاقم غضب الناس بسبب رد مسؤول، بدا أنه يلوم السكان على عدم إنقاذ أنفسهم، وقال إن "قدرة بعض السكان على إنقاذ أنفسهم كانت ضعيفة للغاية"، ما أدى إلى مزيد من السخرية.
ويوم الجمعة، نُظمت الاحتجاجات الأولى في نهاية الأسبوع في مدينة أورومتشي عاصمة إقليم الإيغور (غالباً تضم خليطاً من السكان الصينيين والإيغور)، وهي إحدى أكثر المدن التي تخضع لسيطرة مشددة في الصين.
ولوح كثيرون بالعلم الوطني للصين ودعوا إلى رفع الإغلاق بالكامل، وأظهرت مقاطع فيديو أشخاصاً في ساحة يغنون النشيد الوطني الصيني بأغنية: "انهضوا، أيها الذين يرفضون أن يكونوا عبيداً".
وانتشرت تلك الاضطرابات والمظاهرات التي عبرت عن التضامن مع أورومتشي والإحباطات المحلية إلى مدن بما في ذلك العاصمة بكين وشنغهاي مرة أخرى وتشنغدو ووهان ولانتشو ونانجينغ وعشرات الجامعات في أنحاء البلاد.
ففي يوم السبت، تجمع سكان شنغهاي في وقفة احتجاجية على ضوء الشموع في شنغهاي في طريق ميدل أورومتشي، الذي سُمي على اسم عاصمة شينجيانغ، وتحول الحشد إلى مظاهرة.
وأظهرت الصور التي أرسلها مصور إلى صحيفة واشنطن بوست في مكان الحادث متظاهرين يمسكون بأوراق بيضاء، ويضعون الزهور والشموع للضحايا بينما كانت الشرطة تراقب.
وباتت الأوراق البيضاء بمثابة وسيلة للتعبير عن المعارضة للرقابة المنتشرة في البلاد، حيث ترمز الورقة البيضاء إلى عدم القدرة على التعبير، في ظل القيود الهائلة في الصين على الحريات خاصة على الإنترنت المراقب بشدة.
وحمل أحد الأشخاص قطعاً من الورق تحمل الرقم "10" مكتوباً باللغة الإيغورية والصينية في إشارة إلى الضحايا العشر في أورومتشي. ثم بدأ الحشد في تمرير الصفحات الفارغة.
وقال منغ، المصور، الذي ذكر اسمه الأخير فقط بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة: "كان الجميع يحتفظون بهذه الورقة، لم يقل أحد شيئاً، لكننا جميعاً نعرف ما يعنيه. احذف كل ما تريد. لا يمكنك مراقبة ما لم يقال".
في جامعة الاتصالات الصينية في نانجينغ، أزيلت ملصقات تسخر من "صفر كوفيد" يوم السبت، ما دفع أحد الطلاب إلى الوقوف لساعات حاملاً ورقة فارغة احتجاجاً. وتضامن المئات من الطلاب، حسب الصحيفة الأمريكية.
في بكين، تجمعت مجموعتان من المتظاهرين، بلغ مجموعهما 1000 شخص على الأقل، على طول الطريق الدائري الثالث بالعاصمة الصينية بالقرب من نهر ليانغما ليلة الأحد، رافضين التفرق. وطالبت الحشود بالديمقراطية وسيادة القانون وذلك بالقرب من ميدان تيانانمين (الذي قمع فيه الحزب الشيوعي الطلاب المطالبين بالديمقراطية عام 1989)، وشجب المتظاهرون الديكتاتوريات و"عبادة الفرد"، حسبما ورد في صحيفة الغارديان البريطانية.
سلسلة من الحوادث بسبب الإغلاقات
جاء حريق أورومتشي بعد حادث حافلة وقع قبل فترة أسفر عن مقتل 27 شخصاً أثناء نقلهم إلى مركز الحجر الصحي مقاطعة قويتشو في أبريل/نيسان 2022، بينما كان عدد الوفيات المرتبطة بكوفيد التي أبلغت عنها المقاطعة منذ بدء الوباء اثنتين فقط.
كما أدى الإغلاق المفاجئ في شنغهاي إلى ترك السكان دون طعام كافٍ وأثار احتجاجات عبر الإنترنت وخارجها. وزادت حالات الوفاة المرتبطة بالقيود، بما في ذلك طفل يبلغ من العمر 3 سنوات توفي بعد أن تعذر على والديه نقله إلى المستشفى، إلى زيادة الغضب العام.
تزايدت الإحباطات في الصين من سياسة صفر كوفيد مع عودة بقية العالم إلى الحياة الطبيعية، بينما لا يزال سكان الصين يتعرضون لعمليات إغلاق قاسية مفاجئة لمناطق تتراوح من المتاجر الفردية إلى مقاطعات بأكملها، غالباً بسبب حالات قليلة من انتشار المرض.
في الشهر الماضي في مدينة تشنغتشو، اشتبك الآلاف من العمال في مصنع Apple iPhone مع شرطة مكافحة الشغب وهدموا الحواجز، ويرجع ذلك جزئياً إلى قيود Covid.
في جميع أنحاء المدن المغلقة، شارك السكان أيضًا شائعات وتقارير عن حالات انتحار ووفيات أخرى ربطوا بها تطبيق قانون صفر كوفيد، بما في ذلك رضيع وطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات.
اعتقلت الشرطة أعداداً غير معروفة من المتظاهرين، بينهم صحفي أجنبي واحد على الأقل. قوبلت الليلة الثانية من الاحتجاجات في شنغهاي برد فعل كثيف من الشرطة.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن مصورها إدوارد لورانس الذي يتخذ من شنغهاي مقراً له اعتقل وتعرض للضرب قبل إطلاق سراحه. قالت الشرطة إنها احتجزته من أجل مصلحته، في حالة القبض عليه من بين الحشد، حسبما قالت "بي بي سي".
لماذا هذه الاحتجاجات مختلفة وقد تكون مؤثرة؟
قال مراقبون غربيون إن هذه الاحتجاجات لا تشبه أي شيء رأوه منذ عقود، وربما تعود إلى حملة القمع الشهيرة للتجمعات الطلابية في ميدان تيانانمن في بكين في عام 1989.
الاحتجاجات في الصين ليست نادرة، ولكن عادة ترتبط بمطالب محلية أو عمالية أو مالية، ولكنها نادراً ما تكون ذات طابع قومي، وسياسي أو متعلق بالحريات، كما أن حجم هذه الاحتجاجات وانتشارها في العديد من المدن وارتباطها بحادثة وقعت في إقليم الإيغور الذي تحاول الحكومة الصينية تشويه صورته هو أمر لافت للانتباه.
قد تكون إحدى المشكلات البارزة في هذه الاحتجاجات بالنسبة للنظام في بكين هو أنها بمثابة خرق نادر لسنوات من الهدوء والسيطرة، في الدول الأكثر انفتاحاً الاحتجاجات لا تمثل هذه المشكلة، حتى دول مثل روسيا أو إيران شهدت احتجاجات سياسية كبيرة أو متوسطة خلال العقود الماضية، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للصين.
ومثل جسم الإنسان، فإن تعدد الاضطرابات بشكل متوسط يمكن أن يعطي بعض الحصانة للأنظمة، بينما غياب الاضطرابات يقلل مناعتها، ويجعل الأجهزة الأمنية مصدومة، كما يمثل الأمر صدمة للسكان حتى هؤلاء المؤيدين للنظام.
ويبدو أن بعض المحللين الغربيين لا يخفون سعادتهم باحتمال تعرض الصين المنافس الرئيسي لبلادهم لاضطرابات، أكثر من كونهم متعاطفون مع الديمقراطية في الصين، حيث يقول البروفيسور دالي يانغ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو الأمريكية: "نظراً لأنها متزامنة للغاية من حيث النطاق وحجم الحشود في جميع أنحاء هذه المدن ، فإنه حقًا تطور رائع".
ويضيف: "كل هؤلاء الأشخاص يتشاركون نفس المواقف، الإغلاق، والقلق بشأن الوظائف والشركات، وأشكال مختلفة من الإحباط من الرعاية الطبية، والوفيات".
استياء من الرقابة على الإنترنت
أحد العناصر الرئيسية في هذه الاحتجاجات هو مقاومة الرقابة على الإنترنت، فجدار حماية الإنترنت الصيني سور الحماية العظيم أو (Great Firewall)، وجيوش المشرفين على المعلومات التابعة للحكومة فعالة بشكل غير عادي، لكنها ربما أدت إلى نفاد صبر المواطنين.
والأهم أن هذه السيطرة الواضحة والمعروفة للناس، تفقد الثقة بأجهزة الإعلام الحكومية، وبالتالي تجعل سيطرة الحكومة على الإعلام بلا فائدة لأن الناس لن تصدقها، بل قد تكذبها لو قالت الحقيقة.
ويلعب المواطنون لعبة القط والفأر مع الرقباء، ويجدون طرقاً مبتكرة لمشاركة مقاطع الفيديو والمنشورات حول الاحتجاجات، والتعبير عن التضامن، أو الشكوى من السلطات، حسبما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية.
كما تنتشر محاولة الهروب من جدار الحماية الصيني على الإنترنت، حيث تغمر الهاشتاغات المتعلقة بالاحتجاج والبحث عليها على تويتر بالمشاركات غير ذات الصلة التي تحتوي على السياحة والإعلانات والمواد الإباحية لكي تمر عبر أسوار الرقابة.
وانتقلت الكثير من عمليات مشاركة المعلومات بعيداً عن الشبكات العامة مثل Weibo، إلى اتصالات شخصية أكثر خصوصية -ويصعب مراقبتها- مثل WeChat.
مونديال قطر يحرج السلطات الصينية
ودعا المتظاهرون في بكين إلى عودة حرية التعبير. وقالوا: "ردوا لنا الأفلام، نريد حرية السينما. نريد حرية التعبير، ردوا الإعلام، أعيدوا لنا الصحافة".
مع استمرار كل هذا فإن المشاهد التي تبث من مونديال قطر، تزيد الوضع سوءاً بالنسبة للسلطات الصينية حيث تظهر، تجمع مئات الآلاف من الأشخاص في الملاعب القطرية لمشاهدة كأس العالم لكرة القدم، الأمر الذي يعد مشهداً صادماً للمتفرجين الصينيين المفروض عليهم عدم تنظيم أي تجمعات.
ويحاول الإعلام الصيني تجنب نقل مشاهد الجماهير، ولاحظ المراقبون أن المذيعين الصينيين يستعدون تقليديًا لـ "الرقابة المسبقة" على المباريات الرياضية الدولية، وتجنب اللقطات الجماعية في حالة حمل شخص ما علماً حساساً سياسياً أو ما شابه، ولكن في السياق الحالي، تلقى هذه الممارسة الآن الكثير من الاهتمام والنقد.
كيف ستتعامل السلطات الصينية مع هذه الاحتجاجات؟
التزمت وسائل الإعلام الحكومية الصمت حيال الاحتجاجات، لكنها نشرت بدلاً من ذلك دعوات شديدة اللهجة إلى "الالتزام الثابت" ببرنامج "صفر-كوفيد".
ويلاحظ أن هناك تبايناً في استجابة السلطات المحلية للاحتجاجات حتى الآن، مع تخفيف القيود عن طريق الصدفة في بعض المناطق، وإجراءات الشرطة القاسية في مناطق أخرى. كما يقول إن هناك بعض التغييرات التي يمكن أن تجريها الحكومة المركزية لإرضاء الناس، أو يمكنهم تخفيف الضغط عن طريق كبش فداء المسؤولين المحليين أو الشركات الخاصة المشاركة في الاستجابة للوباء.
يمكنهم تقديم إرشادات أكثر وضوحاً، على سبيل المثال كيف ومتى يمكن للصين الخروج من صفر Covid. حتى هذه اللحظة كانت الرسائل محبطة ومربكة حتى للمسؤولين.
ولكن التحدي بالنسبة للصين في ظل إصرارها على سياسة صفر كوفيد هو أن هذا الفيروس لن يزول.
هل يكون الحزب الشيوعي ضحية قمعه ونجاحاته؟
قبل شهر بدت القيادة الصينية وكأنها لا تقهر، ترأس الرئيس شي جين بينغ مؤتمر الحزب الشيوعي الذي بدا أنه يعزز حكمه ويقلل من تأثير القادة السابقين وأي منتقدين قد يكونون داخل الحزب نفسه.
وتم طرد الرئيس الصيني السابق هو جينتاو فجأة إلى خارج الجلسة الختامية للمؤتمر، وكان موقفاً محرجاً للزعيم السابق، ولكنه قدم مؤشراً قوياً على سلطة الرئيس الصيني الحالي المطلقة.
وبعيداً عن مبالغات الإعلام الغربي، فمن الواضح بالفعل أنأن الاستمرار في سياسة صفر كوفيد بدا واضحاً أنه يخنق الناس، وأصبح ينظر له على أنه أداة للقمع السيريالي على طريقة الأفلام الأمريكية التي تتحدث عن طغاة المستقبل الرقميين.
فهناك شعور قد يكون صادقاً أو كاذباً بأن الحكومة تبقي على سياسة صفر كوفيد لتعزيز سيطرتها على الرأي العام وعزل البلاد.
وفي الوقت ذاته، فإن أي إشارة أو تنازلات في اتجاه إنهاء سياسة صفر كوفيد ستكون بمثابة إشارة ضعف من قبل الرئيس الصيني لشعبه ونظامه، وتدفع لمزيد من المطالبات التخفيفية، وقد تفتح الباب لتدخل غربي.
وغالباً ما كانت معجزة الصين الاقتصادية وصعودها إلى موقع القوة الأقوى في العالم مرتبطاً بالنظام والسيطرة الشديدين اللذين ميّزا النظام الصيني، واللذين يمثلان جمعاً بين الصرامة الشيوعية والدأب والانضباط الآسيويين.
ولسنوات بدا أن انضباط الصين وصرامتها يعطيان نتيجة أفضل من حرية الولايات المتحدة بل فوضويتها أحياناً، ظهر ذلك واضحاً في المراحل الأولى والوسطى لجائحة كورونا، حيث بدا أن الصين تتعامل مع تفشي المرض "بشكل أفضل" من الغرب.
ولكن المشكلة أن الانضباط الشديد الذي يميز الصين وتحكم الدولة والحزب في كل شيء بطريقة تشبه الساعة الدقيقة، قد يعني أن أي اهتزاز قد يكون له تأثير مضاعف، عكس المجتمعات الأكثر انفتاحاً مثل الغرب وتركيا والهند، حيث يكون الجدل والخلاف والأزمات جزءاً أسياسياً من الحياة اليومية ومن السياسة.
المفارقة أن جزءاً من التحدي الذي يواجه الحزب الشيوعي الصيني في تحقيق المعجزة الصينية، فالنمو الاقتصادي الهائل وتحسن مستويات التعليم والدخل يعني أن الصينيين باتوا أكثر انفتاحاً على العالم من قبل مهما فرض عليهم من قيود، كما أن نمو الطبقة الوسطى وتحسّن دخلها يعني أنها تتطلع لتمارس حقوقاً سياسية مثل أقرانها في الغرب ولا تريد فقط ثمرة التنمية الاقتصادية.
كما أن طول فترة المعجزة الاقتصادية الصينية التي بدأت جذورها في ثمانينات القرن العشرين، يعني أن الجيل الذي عاش أيام الفقر قبل بداية هذه المعجزة قد بدأت نسبته تتضاءل بين السكان، بينما الأجيال التي وُلدت خلال النمو الاقتصادي، والتي تعتبر الرخاء أمراً بديهياً في تزايد.
كما أن الصين وصلت لمستوى دخل فوق المتوسط، وهذا يعني أن النمو الاقتصادي بدأ يفقد زخمه لاسيما المتعلق بالتوظيف، وتفاقم سياسة صفر كوفيد ذلك.
ولكن لا يمكن استبعاد أن يكون هناك مبالغة غربية في توصيف الاستياء الشعبي الصيني ضد النظام، كما أنه هناك على الأغلب استيناء شعبي صيني حقيقي من موقف الغرب الداعم لاستقلال تايوان، وهو أمر في صالح الحزب الشيوعي.
وبالطبع لا يجب الاستهانة بقدرة الحزب الشيوعي على التعامل مع التطورات، خاصة في ظل استمرار الطابع المؤسسي للحزب، الذي يعد أكبر منظمة سياسية في العالم، وغالباً الأكثر اتباعاً للمنهجية العلمية.
ولكن هل تؤدي هذه المظاهرات لدفع الحزب الشيوعي لإعادة النظر في خطه المتشدد في مجال الحريات بما فيها صفر كوفيد أم أنها قد تدفعه لمزيد من الصرامة والرقابة على مواطنيه.