كشف مسؤولون دفاعيون كبار في أوروبا عن أن نقص الأسلحة لدى حلفاء أوكرانيا الغربيين يتفاقم، ما يجبرهم على إجراء محادثات صعبة حول كيفية موازنة الدعم المقدم لأوكرانيا، والمخاوف من أن تستهدفهم روسيا بعد ذلك.
ويناقش أعضاء الناتو، الذين أرسلوا أسلحة ومعدات بمليارات الدولارات لأوكرانيا، مستويات المخزون التي يحتاجون إليها للوفاء بالتزاماتهم بموجب معاهدة الدفاع المشترك. لكن قد يكون للقرارات التي تواجههم الآن عواقب على أمنهم وعلى أوكرانيا، في حربها لصد الغزو الروسي المستمر منذ تسعة أشهر.
شهية أوكرانيا للأسلحة تستنزف الغرب
يقول رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، الأدميرال روب باور، بحسب ما نقل موقع defense news الأمريكي: "عندما تستمر في التخلي عن الذخيرة لأوكرانيا، عليك تقييم المخاطر التي تتعرض لها من أجل استعدادك الخاص، وسيتعين عليك مراعاة التهديد".
وقال روب باور، في منتدى هاليفاكس الدولي للأمن، الذي عُقد يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني، إن الضغط على مخزونات الناتو "شامل"، وهو حاد بشكل خاص بالنسبة للذخيرة. وفي السنوات التي سبقت تبرع بعض البلدان لأوكرانيا، احتفظت المخزونات بنصف طاقتها، أو أقل، لأنهم رأوا القليل من المخاطر أو لم يكن بإمكانهم تحمل المزيد، واتبعوا نهجاً مفاده أنه "في الوقت المناسب، سيكون لدينا ما يكفينا من الصناعات الدفاعية".
لكن يقول باور إنه في حين أن الخسائر الروسية في ساحة المعركة للجنود والدبابات والطائرات جعلتها أقل خطورة، يتعين على حلفاء أوكرانيا إجراء حسابات معقدة حول القدرة والسرعة التي يمكن لروسيا إعادة تشكيل قواتها بها وتشكيل تهديد للغرب. وأضاف: "الروس لديهم نفس المشاكل التي نواجهها من حيث مخزونهم".
أوكرانيا تخشى تباطؤ تسليحها
في حديثه إلى منتدى هاليفاكس الدولي للأمن عبر الفيديو، حذّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من منح روسيا استراحة الآن. وسط انقسامات بين مؤيدي أوكرانيا حول ما إذا كان ينبغي على أوكرانيا الدخول في محادثات سلام، وقال: "وقف الحرب في حد ذاته لا يضمن السلام. روسيا تبحث الآن عن هدنة قصيرة، فترة راحة لاستعادة القوة. قد يسميها البعض نهاية الحرب، لكن مثل هذا التوقف سيزيد الأمور سوءاً".
وفي دليل على حجم الأزمة والأرق الذي تعانيه الجيوش الغربية، قال رئيس أركان الدفاع الكندي، الجنرال واين إير، إن "تحقيق التوازن بين احتياجات أوكرانيا من المساعدات الفتاكة وغير الفتاكة، وما يحتاجه الجيش الكندي هو أمر يبقيني مستيقظاً في الليل".
وأضاف الجنرال الكندي في منتدى هاليفاكس: "إنها عملية حسابية مستمرة فيما يتعلق بما يمكننا تقديمه، وما نحتاج الاحتفاظ به لتوليد القوة لدينا للطوارئ المستقبلية، وما يمكن أن تنتجه الصناعات الدفاعية".
نظراً لانخفاض لمستويات الذخيرة في كندا بعد أن تبرعت أوتاوا بمدافع هاوتزر M777 وأكثر من 25000 طلقة مدفعية في وقت سابق من هذا العام لأوكرانيا، قال آير إنه زار شركتي "جنرال ديناميكس أوردينانس" و"أنظمة تكتيكال" في وقت سابق من هذا الشهر لمعرفة ما هو ممكن لتعزيز إنتاج ذخيرة عيار 155 ملم.
وأضاف: "ليس الأمر سهلاً عندما تتعامل مع خطوط إنتاج تحتاج إلى إعادة تجهيز كبيرة للحصول على المعدات المختلفة، ليس الأمر سهلاً عندما يكون لديك سلاسل إمداد معقدة للغاية، خاصة بالنسبة للأجزاء المكونة للذخائر المطلوبة لمختلف الأسلحة".
ماذا عن الدول التي شهدت انخفاضاً في الصناعات العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية؟
هناك أزمة كبيرة أخرى بالنسبة للدول التي شهدت جيوشها انخفاضات عسكرية وصناعية دفاعية متكررة منذ نهاية الحرب الباردة، وهي تواجه اليوم منعطفاً حاداً في الطريق. مثل السويد التي أثار طلبها الانضمام إلى الناتو هذا العام مخاوف من انتقام روسي.
وقال القائد الأعلى للجيش السويدي، الجنرال ميكائيل بيدين: "في القوات المسلحة التابعة لنا، عملنا لمدة 30 عاماً في وضع يتسم بالتخفيضات والتقليص العسكري، الآن الطموحات موجودة، الميزانية تسابق الزمن، لكن الوقت أمامنا محدود جداً".
وبحسب بيدين، فإن أحد التحديات أمام الغرب الآن هو أن كل دولة غربية تقريباً تتطلع إلى تكثيف الصناعات الدفاعية لديها لتلبية احتياجاتها الدفاعية في وقت واحد.
وقال الجنرال السويدي: "إذا انتهى بك الأمر بعيداً جداً في الصف، فلن تحصل على ما تحتاجه، ولن تحصل على شحنات أسلحة وذخيرة، احتياجاتنا أكبر من من أي شيء آخر".
ويناقش البنتاغون مع الشركات الصناعية الضخمة كيفية زيادة إنتاج الأسلحة الجديدة والتنسيق بين الحلفاء الغربيين. حيث ضغط وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على الحلفاء في اجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسل الشهر الماضي "للدفع بشكل أكبر لتوفير قدرات عسكرية إضافية".
سباق مع الزمن
وهذا تحدٍّ كبير لبعض أصغر أعضاء الناتو، مثل هولندا، التي كانت تجهد حتى قبل تبرعها بأكثر من 800 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا، للوفاء بالتزاماتها في الناتو. وقال الجنرال أونو إيشلسهايم، رئيس الدفاع الهولندي، إن "المخزونات الهولندية كانت غير ممتلئة عندما اختارت هولندا إرسال ذخيرة هاوتزر عيار 155 ملم وصواريخ دفاع جوي إلى أوكرانيا".
وقال إيشلسهايم، بحسب موقع defense news: "لقد أخذنا ذخيرة من مخزونات غير مكتملة، لم تكن جاهزة تماماً، ولم يكن لدينا كل العتاد لدعم ما نحتاجه لحلف الناتو، هذا يعني أنه يتعين علينا ملء مخازننا فوراً عن طريق الحصول على عقود مع الصناعات الدفاعية".
محاولة الاعتماد على الذات بعيداً عن الولايات المتحدة
يحاول الحلفاء الأوروبيون تنسيق خطط شراء الأسلحة طويلة الأجل الخاصة بهم لتحفيز زيادات الإنتاج، وكيفية تحديد أولويات عمليات التسليم بناءً على الدولة التي تحتاج إلى سلاح أكثر من غيرها. ويتمثل أحد الأهداف في بناء صناعة الدفاع في أوروبا وعدم الاعتماد كثيراً على الولايات المتحدة.
ويقول الموقع الأمريكي إن الحلفاء الأوروبيين يفضلون التنسيق داخل القارة الأوروبية بشكل أفضل، إذ يرون أنه يتعين عليهم تحقيق اكتفاء ذاتي استراتيجي في أوروبا، ولا يمكنهم الاعتماد فقط على الولايات المتحدة أو على شركاء آخرين إذا كانت الحاجة عالية.
وأصبحت المنطقة الرمادية بين شركات الدفاع والحكومات التي تنفق الأموال فعلياً جزءاً من محادثات ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتحاول وزارات الدفاع الغربية دفع هذه الشركة نحو توسيع صناعاتها بعدما زاد أعضاء الناتو الميزانيات العسكرية، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
ونتيجة لارتفاع الطلب وتأخر الطاقة الإنتاجية عن الطلب، ارتفعت الأسعار. ونتيجة لذلك، بدأت هذه الجيوش دفع المزيد مقابل نفس الطلبيات، بحسب الموقع الأمريكي.
ويقول الأدميرال روب باور إنه، بالإضافة إلى الطلبات المتزايدة، يتعين على الحلفاء الغربيين إيجاد طرق لتمويل صناعة الدفاع، وتعزيز سلاسل التوريد، وكذلك إشراك الموردين العسكريين في مناقشة "القيم" حول دورهم في حماية النظام الدولي القائم على القواعد.