انتهت الانتخابات العامة في ماليزيا بخسارة مهاتير محمد وفوز منافسه أنور إبراهيم بنحو 82 مقعداً، وبحسب نتائج الانتخابات، فإن أياً من الكتل الحزبية لن تستطيع تحقيق الحكومة بمفردها، فيما قال ائتلاف الجبهة الوطنية الحاكم لماليزيا إنه يتقبل قرار الشعب بعد الانتخابات، ولكنه أحجم عن الاعتراف بالخسارة، بحسب ما نقلت رويترز.
وأظهرت النتائج المبكرة من لجنة الانتخابات أن الجبهة جاءت في المرتبة الثالثة بحصولها على نحو 30 مقعداً، بعد ائتلاف زعيم المعارضة أنور إبراهيم، وتحالف محيي الدين ياسين، رئيس الوزراء السابق، الذي حصل على 73 مقعداً.
ويسعى الآن أنور إبراهيم لتشكيل ائتلاف حكومي بعد حصول حزبه على 82 مقعداً وهو أكبر مكسب بين الكتل المتنافسة. وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، استدعى ملك ماليزيا قادة الأحزاب الفائزة التي لم تحسم الأغلبية، على رأسهم أنور للتباحث في تشكيل الحكومة الجديدة، بحسب وكالة bernama الماليزية.
لا اتفاق على تشكيل إئتلاف حكومي بين أنور وياسين
لكن بينما لا يزال أنور إبراهيم بحاجة إلى الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، فإن الفوز بالمقاعد تلك يضعه في موقع مميز لتشكيل تحالف حكومي إذا تم التوافق مع القوى الأخرى.
ويخوض أنور ومنافسه رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، سباقاً من أجل الحصول على دعم كافٍ من الأحزاب الأخرى بعد أن أسفرت الانتخابات في نهاية الأسبوع عن برلمان مُعلّق لأول مرة في تاريخ ماليزيا.
زعم كل من أنور وياسين أنهما استمعا لعدد كافٍ من المشرعين لتشكيل حكومة، لكن بعد الاجتماع مع الملك سلطان عبد الله أحمد شاه، رفض ياسين احتمال العمل مع منافسه أنور زعيم تحالف الأمل في حكومة وحدة عبر الائتلاف كما طلب ملك ماليزيا، وذلك بعد أن استقبل زعيما الائتلافين لمدة ساعة في القصر يوم الإثنين 22 نوفمبر 2022، حيث لم يكن هناك زعيم قادر على تجميع أغلبية بسيطة.
وإذا حصل التوافق لاحقاً بين الطرفين، أو نجح أحدهما باستمالة كتلة نجيب (30) مقعداً، قد يشكل تولي أنور إبراهيم رئاسة الوزراء لحظة حاسمة في مسيرته السياسية التي استمرت لعقود. فقد كان على وشك تولي منصب رئيس الوزراء من مهاتير محمد بعد أن تحالف الاثنان معاً للفوز في انتخابات 2018، والإطاحة بـ"الجبهة الوطنية" بعد ستة عقود في السلطة. ومع ذلك، أرجأ مهاتير مراراً تسليم السلطة، ما تسبب في انقسامات داخل الكتلة الحاكمة وأدى في النهاية إلى انهيارها.
الانتخابات الماليزية تطيح بمهاتير لأول مرة.. ما الذي حدث؟
قبل أربع سنوات فقط، قاد مهاتير تحالفاً إصلاحياً للفوز في الانتخابات البرلمانية، لكن يبدو أنه حتى رجل الدولة الأكبر سناً في السياسة الماليزية وصاحب الشعبية المعروفة، لم يكن في مأمن من الناخبين الغاضبين من عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
واشتهر مهاتير بإطاحة الحزب الذي كان يتزعمه ذات مرة ثم ركز على فضيحة "1MDB" التي تقدر بمليارات الدولارات والتي أدت إلى سجن الزعيم السابق نجيب رزاق، لكن فقد مهاتير زخمه هذه المرة بسبب قلق الناخبين الشباب لأول مرة بشأن الوظائف وارتفاع تكاليف المعيشة، كما يقول تقرير لوكالة بلومبيرغ.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، كان مهاتير قد وضع حزبه الوليد Pejuang كبديل للائتلافات الثلاثة الرئيسية المتنافسة في الانتخابات. ووعد مهاتير قبل يوم من التصويت بتشكيل حكومة خالية من الفساد وسرقة الأموال الحكومية، ودعا الناخبين لاختيار Pejuang لمنع وقوع البلاد في "الفوضى والكارثة".
لكن لم يفز حزب Pejuang، وحصل مهاتير، الذي كان يدافع عن مقعده في لانكاوي في منافسة خماسية في مسقط رأسه في ولاية كيداه في شمال ماليزيا، على 10٪ فقط من الأصوات وفقد بعد ذلك فرصة الدخول للبرلمان. فيما لم يعلق الزعيم الماليزي على خسارته.
كيف صعد مهاتير للسلطة، وما قصة خلافه مع أنور إبراهيم؟
بدأت مسيرة مهاتير السياسية في عام 1964، وتميز صعوده إلى السلطة بدفع سياسات لصالح الملايو وغيرهم من السكان الأصليين الذين يشكلون غالبية سكان ماليزيا البالغ عددهم 33 مليون نسمة.
أسس مهاتير مدفوعاً بطموح لتحويل ماليزيا إلى دولة متقدمة، شركة تصنيع سيارات مملوكة للدولة، بروتون، في عام 1983 والتي منحت إعفاءات ضريبية. وبدأت الشركة في تجميع ما يسمى بالسيارات الوطنية التي تعمل بالطاقة من قبل شركة ميتسوبيشي.
كما ساعد في وضع ماليزيا على خريطة العالم، من خلال مشاريع بناء طموحة مثل أطول مبنى مكاتب في العالم، وأحد أكبر السدود في العالم، وأكبر مطار في جنوب شرق آسيا. وقد قدم "سياسة التطلع إلى الشرق" لدفع ماليزيا إلى محاكاة الأداء الاقتصادي وثقافة العمل لبلدان المنطقة، وخاصة اليابان، كوسيلة للابتعاد عن الغرب.
من المؤكد أن الفترة الأولى التي قضاها مهاتير كرئيس للوزراء لم تكن خالية من الجدل. خلال ذروة الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998، انخفض الرنجيت بنسبة 35٪، وتضاءلت الاحتياطيات وانهارت سوق الأسهم وفقدت نصف قيمتها. حيث تجاهل مهاتير المستشارين بمن فيهم نائبه ووزير المالية في ذلك الوقت، أنور إبراهيم، ورفض خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي لصالح فرض ربط العملة وضوابط على رأس المال.
أقال مهاتير نائبه أنور إبراهيم من الحكومة في غضون أسبوع بعد اتهامه بجريمة أخلاقية، مما دفع أنصاره إلى تنظيم أكبر تجمع مناهض للحكومة منذ تولي مهاتير منصبه. وقد برأت المحكمة أنور من التهم المنسوبة إليه بعد سجنه عدة سنوات. وقد عارض أنور بعض السياسات التي يتبناها مهاتير، كما كان أنور من المطالبين بإقرار قانون الفساد.
لكن لم يؤثر ذلك على مشوار مهاتير، حيث حصل على فترة ولايته الخامسة كرئيس للوزراء في تصويت وطني أجري بعد عام، مدعوماً باقتصاد أقوى ساعد في التأثير على الناخبين الصينيين إلى جانبه.
مهاتير صانع الملوك
في عام 2003 قال مهاتير إنه سيتنحى عن منصبه عن عمر يناهز 78 عاماً "لتفادي الضغوط المتزايدة من أعضاء الحزب" الذين أرادوا منه أن يخدم مدى الحياة. لكنه حافظ على وجوده في السياسة من خلال معارضته لخليفته، عبد الله أحمد بدوي.
واقترح مهاتير أن يحل نجيب رزاق، الذي سيتم إرساله لاحقاً إلى السجن لدوره في فضيحة فساد "وان إم دي بي"، مكان عبد الله. لكن بعد فترة وجيزة من تولي نجيب منصبه في عام 2009، انقلب مهاتير عليه أيضاً، مشيراً إلى تدهور العلاقات العرقية وبيئة الأعمال الأكثر صرامة. واستمرت الهجمات لسنوات، خاصة مع تنامي فضيحة "وان إم دي بي".
في عام 2016، استقال مهاتير من تحالف "باريسان ناسيونال"، التحالف الذي حكم ماليزيا لأكثر من 60 عاماً، للانضمام إلى المعارضة. بالنسبة لانتخابات 2018، قدم مهاتير نفسه كمرشح لرئاسة الوزراء عن ائتلاف معارضة من أربعة أحزاب بينما جلس إبراهيم أنور، الزعيم الفعلي، في السجن، ووعد بالتنحي في النهاية والسماح له بتولي المنصب إذا فازوا. آتت المناورة ثمارها عندما حققوا انتصاراً مفاجئاً، منهياً فترة حكم "باريسان ناسيونال" لأكثر من ستة عقود.
انحسار شعبية مهاتير وصولاً إلى خسارته
هيمنت على عودة مهاتير معركته ضد الفساد. وركز على فضيحة 1MDB التي تقدر بمليارات الدولارات والدور الذي لعبه نجيب في اختلاس حوالي نصف مبلغ 8 مليارات دولار الذي جمعه الصندوق في مبيعات السندات.
لكن شعبية مهاتير تضاءلت لأنه أخفق في الوفاء بوعوده مثل إلغاء رسوم الطرق وخفض تكاليف المعيشة بحسب بلومبيرغ. وانخفضت نسبة التأييد له من 83٪ إلى 37٪. ومع تصاعد التوترات مع أنور إبراهيم بشأن توقيت الخلافة، استقال مهاتير فجأة في عام 2020 وسعى إلى تقوية يده من خلال تشكيل حكومة وحدة خارج السياسة الحزبية، والتي جاءت بنتائج عكسية.
في نهاية المطاف، عيّن الملك اليد اليمنى لمهاتير، محيي الدين ياسين، كرئيس للوزراء، مما مهد الطريق للتحالف الذي قاده نجيب ذات مرة للعودة إلى السلطة. بعد أن هبط إلى المعارضة مرة أخرى وشعر بالخيانة، شكل مهاتير حزبه الجديد بيجوانغ لمحاولة الإطاحة به، بينما أصر على أنه لا يريد أن يصبح رئيساً للوزراء مرة أخرى.
ويقول أوه إي صن، الزميل الأول في معهد سنغافورة للشؤون الدولية: "رغم أن مهاتير ما زال يحتفظ بدرجة متبقية من النفوذ بين الملايو، لقد تُرك لوحده بدون آلية حزبية قوية، لا يمكن تضخيم هالته السياسية بما يكفي لكسبه مكاسب انتخابية كبيرة."