رغم الفوضى التي تشهدها شركة تويتر منذ استحوذ إيلون ماسك عليها، إلا أن التساؤلات بشأن مستقبل منصة التواصل الاجتماعي لا تتوقف، وربما يكون أهمها: هل تويتر أفضل لقضايا العرب من فيسبوك؟
كانت لماسك تغريدة شهيرة في أبريل/ نيسان الماضي، عندما أعلن لأول مرة عن صفقة استحواذه على شركة تويتر مقابل 44 مليار دولار، قال فيها إن "حرية التعبير هي حجر الزاوية للديمقراطية"، مضيفاً أنه يريد أن يجعل "تويتر أفضل مما هو عليه الآن، من خلال إضافة خصائص وإمكانيات جديدة، وجعل خوارزميات المنصة متاحة للجميع من أجل تعزيز الثقة".
جرت في النهر مياه كثيرة منذ أبريل/نيسان حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول، عندما تمت الصفقة أخيراً واستحوذ ماسك على المنصة بشكل فعلي، لكن قرارات أغنى رجل في العالم تسببت في فوضى عارمة في تويتر، ووضعت ماسك نفسه في مأزق بسبب أفكاره الخاصة بحرب أوكرانيا وأزمة تايوان.
إعادة ترامب إلى تويتر
يعيش إيلون ماسك أياماً صعبة بالفعل، فالرئيس جو بايدن يطالب بتحقيق فيدرالي بشأن "علاقاته مع دول أخرى"، وفقد مؤخراً عشرات المليارات من ثروته دفعة واحدة، لكن الملياردير الأمريكي البالغ من العمر 51 عاماً، لا يزال يحتل صدارة قائمة أثرياء العالم، ويمتلك ويدير بشكل مباشر أكبر شركة لإنتاج السيارات الكهربائية، وهي تسلا، كما يمتلك ويدير شركة سبيس إكس للفضاء، والتي تعتبر أكبر الشركات التي سهّلت السفر للفضاء وجعله مربحاً للغاية، إضافة إلى إنتاج وتشغيل عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية.
لكن حتى شركة تويتر لا تمر بأوقات جيدة منذ دخلها ماسك، حاملاً "حوض المطبخ" بين يديه، في إشارة، على ما يبدو، إلى أنه ينوي "تنظيف" منصة التواصل الاجتماعي الأكثر تفضيلاً بين المشاهير والسياسيين حول العالم.
فعشرات الآلاف من المشاهير قرروا مغادرة تويتر، بعضهم اعتراضاً على قرار ماسك تسريح 50% من العاملين في شركة تويتر حول العالم، وبعضهم من قرر الرحيل اعتراضاً على فرض ماسك رسوماً على علامة التوثيق الزرقاء للحسابات، كما انهار دخل تويتر من الإعلانات بعد أن أوقفت الشركات الكبرى حملاتها الإعلانية على المنصة بسبب كل تلك الفوضى المحيطة بها.
لكن رغم كل ما يحدث، بدأ ماسك في إعادة بعض أبرز المشاهير الذين كانوا قد تعرضوا لحظر دائم لحساباتهم الشخصية على تويتر، أبرزهم على الإطلاق بطبيعة الحال هو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
كان إيلون ماسك قد أعاد تفعيل حساب ترامب على تويتر، يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن أيدت أغلبية ضئيلة في استطلاع للرأي نظمه مالك تويتر نفسه، حيث أظهرت نتائج الاستطلاع، الذي شارك فيه نحو 15 مليون شخص من متابعي صفحة ماسك على تويتر، أن 51.8% وافقوا على إعادة تفعيل حساب الرئيس السابق.
وقال ماسك في تغريدة على تويتر: "الناس قالت كلمتها. ستتم إعادة تفعيل حساب ترامب". وكانت إدارة "تويتر" إلى جانب منصات إلكترونية أخرى، قررت حظر حساب ترامب بشكل دائم، بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في واشنطن يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021.
من جهته، قال ترامب إنه ليس مهتماً بالعودة إلى تويتر. مضيفاً أنه سيظل يستخدم منصته الجديدة تروث سوشيال وهو التطبيق الذي طورته شركته للإعلام والتكنولوجيا المعروفة باسم ترامب ميديا آند تكنولوجي. وأوضح أن المنصة لديها تفاعل من المستخدمين أفضل من تويتر وتؤدي "بشكل جيد للغاية".
ماذا تعني تغييرات ماسك في تويتر؟
قال ماسك، الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني، إنه يتوقع تقليص دوره في إدارة شركة تويتر والعثور في نهاية المطاف على قائد جديد للإمساك بزمام الأمور في شركة التواصل الاجتماعي، مضيفاً أنه يأمل في إتمام عملية إعادة الهيكلة التنظيمية هذا الأسبوع.
وعلى هامش الإدلاء بشهادته في محكمة بولاية ديلاوير للدفاع ضد مزاعم بشأن حزمة مكافآت قيمتها 56 مليار دولار من شركة تسلا بعد تحقيق أهداف أداء سهلة تمت الموافقة عليها من قبل مجلس إدارة يذعن لرغباته، قال ماسك: "هناك حاجة إلى اتخاذ بعض التدابير في مرحلة ما بعد الاستحواذ لإعادة تنظيم الشركة.. ولكن بعد ذلك أتوقع تقليل وقتي في تويتر".
ماسك قال أيضاً إن بعض مهندسي تسلا يقدمون يد العون في تقييم فرق الهندسة في تويتر. وفي تغريدة لاحقاً في اليوم نفسه، أعلن مالك تويتر أنه ستتم إعادة إطلاق الاشتراك في خدمة علامة التحقق الزرقاء في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، في تأخير طفيف عن جدوله الزمني المبدئي لإعادة الخدمة على منصة التواصل الاجتماعي.
وكتب ماسك في تغريدة على تويتر: "تأجيل إعادة إطلاق علامة التحقق الزرقاء حتى 29 نوفمبر/تشرين الثاني للتأكد من أنها قوية للغاية". وقال ماسك إنه في الإصدار الجديد، سيؤدي تغيير الاسم الذي تم التحقق منه إلى فقدان العلامة الزرقاء "حتى يتم تأكيد الاسم من قبل تويتر للوفاء بشروط الخدمة".
وكانت علامة التحقق الزرقاء محجوزة سابقاً للحسابات التي تم التحقق منها للسياسيين والمشاهير والصحفيين وغيرهم من الشخصيات العامة. ولكن تم طرح خيار الاشتراك، المتاح لأي شخص على استعداد للدفع، في وقت سابق من الأسبوع الحالي لمساعدة تويتر على زيادة الإيرادات، بينما يكافح ماسك للاحتفاظ بالمعلنين.
التفاصيل كثيرة ومتلاحقة والفوضى تبدو عارمة في تويتر دون شك، لكن كيف ومتى قد تستقر الأمور؟ وكيف سيكون تويتر في شكله أو إصداره الجديد الذي يسعى ماسك إليه؟ تظل كلها أسئلة مفتوحة ولا أحد يمكنه التكهن بإجاباتها بطبيعة الحال.
لكن السؤال الأهم هنا، بالنسبة لمستخدمي منصة تويتر من العرب، ربما يكون هو: كيف يمكن أن تؤدي التغييرات الجديدة إلى حدوث انفراجة حقيقية في حرية التعبير بشأن القضايا العربية؟ مثل الموقف من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين على سبيل المثال.
وعلى الرغم من أن إجابة هذا السؤال ستظل معلقة هي الأخرى، إلا أن الخطوة التي تعهد ماسك باتخاذها، وهي جعل خوارزمية تويتر مصدراً مفتوحاً ومتاحاً للجميع للاطلاع عليه، ستكون مؤشراً إيجابياً للغاية بطبيعة الحال.
مقارنة بين "تويتر ماسك" وفيسبوك زوكربيرغ
الخوارزميات هي أساس عمل منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام، وفي هذا السياق نجد أن عملاق منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك يقوم بتغيير قواعد عمل خوارزمية فحص المحتوى المنشور عبر منصاته بصورة شبه أسبوعية، دون الإفصاح عن بعض تلك التغييرات من الأساس أو نشرها بصورة معقدة لا يستوعبها أغلب المستخدمين، الذين يجدون حسابهم محظوراً بشكل مؤقت أو حتى دائم دون أن يعرفوا السبب.
وزادت تلك التغييرات من تعقيد الأمور بالنسبة للمستخدمين وزيادة الغموض المحيط بطريقة تعامل فيسبوك مع المحتوى، فالقواعد تتغير نحو 2000 مرة كل عام، بحسب معلومات فيسبوك نفسه، ما يزيد من حجم المحتوى الذي يتم تصنيفه "مخالفاً" بصورة ضخمة يومياً، بحسب دراسة حول خطوة تأسيس مجلس المشرفين ومدى جدواها.
وبعد أن قام فيسبوك بإنشاء مجلس المشرفين، أصدر المجلس، الذي تولى النظر في الاتهامات الموجهة للشركة بالانحياز إلى إسرائيل، حكمه أخيراً، وجاء في صورة "توصيات" بإجراء تحقيق مستقل في تلك الاتهامات بالتحيّز، في تأكيد ضمني لها.
وكان عدد كبير من النشطاء العرب على منصات التواصل الاجتماعي، وبصفة خاصة فيسبوك وتويتر، قد تعرضوا إما لإنذارات بالحظر أو حظر مؤقت أو إغلاق لحساباتهم بسبب مناصرتهم لفلسطين وانتقادهم للعدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021، ثم تكررت نفس الشكوى -ولا تزال- من جانب كثير من المستخدمين العاديين لتلك المنصات.
ولا شك أن انحياز فيسبوك في هذه القضية المحورية للعرب أصبح أمراً ليس محل شك، لكن هناك قضايا أخرى، مثل المثلية والجدل الدائر بشأنها، تمثل كابوساً حقيقياً لمستخدمي فيسبوك من العرب، حيث قد يجد المستخدم حسابه محظوراً بشكل مؤقت أو دائم، لتعبيره عن رأيه، حتى دون أن تكون هناك شبهة تحريض أو حض على الكراهية، ولا يعرف المستخدم سبباً لما تعرض له حسابه.
وعلى الرغم من أن الشكاوى نفسها قد تنطبق بشكل عام على تويتر، لكن المؤكد أنها ليست بنفس الحدة، ليس فقط بسبب كون فيسبوك الأكثر انتشاراً بين العرب عموماً، لكن لأن قواعد عمل تويتر فيما يتعلق بحرية التعبير أكثر وضوحاً من نظيرتها في فيسبوك.
وفي هذا السياق، فالمؤكد أن تنفيذ ماسك لتعهداته بشأن "حرية التعبير المطلقة" في تويتر، ونشر الخوارزميات المنظمة للمحتوى على المنصة لتكون متاحة للجميع، يمثل إضافة مهمة للغاية تجعل تويتر أكثر ملاءمة للمستخدمين العرب للتعبير عن آرائهم وعرض وجهة نظرهم بحرية أكبر، فهل يصبح تويتر أكثر انتشاراً من فيسبوك بين العرب؟