كادت قمة المناخ تتعرض بشرم الشيخ للفشل بسبب الخلاف حول مسألة التعويضات للدول النامية عن الخسائر المناخية، ولكن في الساعات الأخيرة للمؤتمر تحقق اختراق تاريخي بالاتفاق على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار المناخية لدعم الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ، رغم عدم الوضوح بعد بشأن من سيساهم فيه ومن سيستفيد منه.
واحتفلت الدول النامية، صباح أمس الأحد، مع اختتام محادثات قمة المناخ الحاسمة، بـ"الاتفاق التاريخي" بشأن أهم أهدافها المناخية بعد أن وافقت الدول المشاركة البالغ عددها نحو 200 دولة على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار المناخية، الذي سيقدم مساعدات مالية للدول الفقيرة المنكوبة من تغير المناخ؛ مما يعني أنه في الوقت ذاته أنه لأول مرة على الإطلاق، ستدفع الدول الغنية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأكثر تلويثاً للعالم، ثمن أضرار تغير المناخ التي لحقت بالدول الفقيرة، حسبما ورد في تقرير لموقع Market Watch.
وتم الترحيب بالصفقة باعتبارها نقطة تحول محتملة تعترف بأوجه عدم المساواة الهائلة في أزمة المناخ، كما يضع الاتفاق حداً لمقاومة أبدتها الدول الغنية، التي تسببت انبعاثاتها في تغير المناخ، على مدى عقود لإنشاء صندوق من هذا القبيل.
ومع ذلك، كانت الصفقة بعيدة عن الكمال، مع وجود العديد من العناصر الرئيسية المعيبة أو المفتقدة؛ حيث قالت بعض الدول إن الالتزامات المتعلقة بالحد من درجات الحرارة إلى أعلى 1.5 درجة مئوية فقط من مستويات عصر ما قبل الصناعة لا تمثل أي تقدم عن مؤتمر كوب 26 في جلاسكو العام الماضي، وأن اللغة الخاصة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري كانت ضعيفة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
وقال محمد أدو، مدير الطاقة والمناخ في مركز الأبحاث Power Shift Africa: "لقد فعل Cop27 ما لم يحققه أي Cop آخر وأنشأ صندوقاً للخسائر والأضرار لدعم المجتمعات الأكثر تأثراً بتغير المناخ. لقد كان هذا شيئاً ما دعت إليه الدول الضعيفة منذ قمة الأرض في ريو عام 1992.
ما هي الفكرة التي يقوم عليها صندوق الخسائر والأضرار المناخية؟
منذ ما يقرب من ثلاثة عقود تسعى البلدان النامية للحصول على مساعدة مالية للتعويض عن الخسائر والأضرار المناخية -الأموال اللازمة لإنقاذ وإعادة بناء البنية التحتية المادية والاجتماعية للبلدان التي دمرها الطقس القاسي.
لكن الدول الغنية رفضت حتى الآن، وقدمت نقوداً محدودة بدلاً من ذلك لمساعدتها على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبناء دفاعات ضد الطقس القاسي.
وفي محادثات المناخ التي تجريها الأمم المتحدة، تشير عبارة "الخسائر والأضرار" إلى تكاليف الخسائر التي تسببت فيها بالفعل الظواهر المناخية المتطرفة أو تداعياتها، مثل ارتفاع مستويات سطح البحر.
ويركز تمويل المناخ حتى الآن على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مسعى للحد من ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، وذهب ما يقرب من ثلثه لمشاريع تهدف لمساعدة المجتمعات على التكيف مع آثاره مستقبلاً.
وسيكون تمويل الخسائر والأضرار مختلفاً، خاصة في تغطية التكاليف التي لا تستطيع الدول تجنبها أو التكيف معها، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز.
إلا أنه لا يوجد اتفاق حتى الآن بشأن ما الذي يجب تصنيفه "خسائر أو أضراراً" ناجمة عن تغير المناخ -وهو ما قد يشمل البنية التحتية والممتلكات المتضررة، فضلاً عن أشياء لا تقدر بثمن؛ مثل النظم البيئية الطبيعية أو الأصول الثقافية.
وقدّر تقرير صدر في يونيو حزيران الخسائر المجمعة المرتبطة بالمناخ على مدار العقدين الماضيين في 55 دولة معرضة للخطر بنحو 525 مليار دولار، تمثل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لها جميعاً. وتشير بعض الأبحاث إلى أن مثل هذه الخسائر قد تصل بحلول عام 2030 إلى 580 مليار دولار سنوياً.
وتقول الدول المعرضة للخطر والناشطون إن الدول الغنية التي تسببت في الجزء الأكبر من تغير المناخ بانبعاثاتها على مدار التاريخ يجب أن تدفع الآن.
وحتى انعقاد مؤتمر كوب 27، رفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذا الطرح خشية الدخول في دوامة من الالتزامات.
وقدم عدد قليل من الحكومات التزامات تمويل محدودة نسبياً ورمزية من أجل الخسائر والأضرار، وهي الدنمارك وبلجيكا وألمانيا واسكتلندا إضافة إلى الاتحاد الأوروبي. ولم تتعهد الصين بأي مدفوعات.
ويساعد بعض التمويل القائم من الأمم المتحدة وبنك التنمية الدول على مواجهة الخسائر والأضرار، رغم أنه غير مخصص رسمياً لهذا الهدف.
كما يتبقى العمل على التفاصيل المتعلقة بالدول المؤهلة للحصول على تعويض أو الكوارث التي يجب التعويض عنها.
مفاوضات متوترة
المؤتمر الذي استمر أسبوعين في شرم الشيخ تمت إطالة أمد انعقاده أكثر من 36 ساعة عن الموعد النهائي الذي كان مقرراً يوم الجمعة، واتسم بالانقسام الصارخ والكلمات القاسية بين الأغنياء والفقراء، حسب وصف صحيفة The Guardian.
في مراحل عديدة، بدا من المستحيل التوصل إلى صفقة. في الساعات الأخيرة، خاضت الدول الجدل حول كلمات فردية في قضايا عدة؛ مثل هدف ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من 1.5 درجة مئوية عن ما قبل عصر الصناعة، والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، واحتياجات وحقوق السكان الأصليين، وحماية الطبيعة، وكيفية هندسة "الانتقال" إلى الطاقة النظيفة لأولئك الذين يعتمدون اقتصادياً على الوقود الأحفوري بشكل عادل.
ولكن بعد مفاوضات متوترة استمرت طوال الليل، أصدرت الرئاسة المصرية في وقت مبكر من يوم الأحد مسودة نص لاتفاق شامل، ودعت في الوقت نفسه إلى جلسة عامة لتمريرها باعتبارها الاتفاق النهائي الشامل لقمة الأمم المتحدة.
ووافقت الجلسة على بند النص الخاص بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار المناخية لمساعدة البلدان النامية على تحمل التكاليف الفورية للأحداث التي يغذيها تغير المناخ مثل العواصف والفيضانات.
لكنها أطلقت العديد من القرارات الأكثر إثارة للجدل بشأن الصندوق في العام المقبل، من خلال تشكيل لجنة انتقالية ترفع" توصيات للدول لاعتمادها بعد ذلك في قمة المناخ COP28 في نوفمبر 2023.
أسباب الخلاف
خلال مدة الأسبوعين التي استغرقها المؤتمر، رفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مطالب الدول الفقيرة بإنشاء صندوق جديد لمعالجة الخسائر والأضرار المناخية، بحجة أنه ينبغي إعادة توجيه الأموال الموجودة لهذا الغرض.
كما سعت الدول الغنية إلى المجادلة بأن الاقتصادات سريعة النمو مثل الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم (والتي ما زالت مصنفة نامية) ومنتجي النفط مثل المملكة العربية السعودية والدول النفطية الأخرى يجب أن تساهم في الأموال بدلاً من تلقيها لإصلاح "الخسائر والأضرار" المناخية.
موقف أوروبي أنقذ قمة المناخ من الفشل
في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة، اتخذ الاتحاد الأوروبي منعطفاً، للموافقة على صندوق بشرط أن الاقتصادات الكبيرة والجهات المصدرة للانبعاثات الكبيرة لا تزال مصنفة على أنها دول نامية بموجب قواعد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي يعود تاريخها إلى عام 1992 ، ينبغي إدراجها كمانحين محتملين، واستبعادها كمتلقين.
ورأى العديد من الدول الفقيرة والنشطاء في ذلك محاولة لفصل الدول النامية الأكثر احتياجاً عن الاقتصادات الأكبر مثل الصين والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وقاوموا ذلك بشدة.
هل تشارك الصين في تمويل صندوق الأضرار والتعويضات المناخية؟
ويدعو الاتفاق إلى أن تأتي الأموال من مجموعة متنوعة من المصادر المتاحة حالياً، ومنها مؤسسات مالية، بدلاً من الاعتماد على الدول الغنية للدفع فقط، ووفقاً للاتفاق، فإن الصندوق سوف يسحب مبدئياً مساهمات من الدول المتقدمة وغيرها من المصادر الخاصة والعامة مثل المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
في حين أن الاقتصادات الناشئة الرئيسية؛ مثل الصين لن تضطر إلى المساهمة تلقائياً (أي ستكون مساهمتها طوعية)، يظل هذا الخيار مطروحاً على الطاولة، لأن هذا مطلب رئيسي من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين يجادلان بأن بكين وغيرها من الملوثين الكبار المصنفين حالياً على أنهم دول "نامية" لديها القدرة المالية والمسؤولية لدفع ثمن التغير المناخي، حسب تقرير لموقع Market Watch.
وسيكون هدف الصندوق الذي تم الاتفاق على إنشائه خلال قمة الأمم المتحدة في مصر هو مساعدة البلدان النامية "الأكثر عرضة" لتغير المناخ. وهذه هي الصياغة التي تريدها الدول الغنية لضمان أن الأموال تذهب إلى الحالات الأكثر إلحاحاً مع الحد من مجموعة المتلقين المحتملين، من الدول النامية القوية اقتصادياً.
وبالتالي سوف يستهدف الصندوق إلى حد كبير الدول الأكثر ضعفاً، على الرغم من أنه سيكون هناك مجال للبلدان متوسطة الدخل التي تضررت بشدة من الكوارث المناخية للحصول على المساعدة.
لكن نص الاتفاق لم يحسم عدداً من التفاصيل التي سيتم العمل عليها في العام المقبل وما بعده، ومنها من سيساهم في الصندوق ومن سيستفيد.
وتشمل الأفكار الأخرى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لفرض ضريبة عن الأرباح الاستثنائية لشركات الوقود الأحفوري من أجل جمع التمويل.
واستغرق هذا الخلاف معظم الوقت المتبقي للتفاوض يومي الجمعة والسبت، ولم تشر الولايات المتحدة إلا إلى موافقتها على الصندوق يوم السبت. لكن الحل الوسط، الذي بموجبه سيتم إعطاء الأولوية للضعفاء، وفتح الباب للمساهمات الطوعية من قبل البلدان التي لا تزال مصنفة على أنها نامية رغم قوتها الاقتصادية- تم الاتفاق عليه في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد، حسب صحيفة the Guardian.
ويحدد الاتفاق خارطة طريق لاتخاذ القرار في المستقبل، مع توصيات ستُقدم خلال قمة الأمم المتحدة للمناخ العام المقبل لاتخاذ قرارات؛ منها من سيشرف على الصندوق وكيف سيتم توزيع الأموال والجهات المستفيدة.
وهناك أيضاً، حتى الآن، أموال قليلة للصندوق، حيث قدم عدد قليل من الدول تعهدات نقدية كبيرة مقابل الخسائر والأضرار.
وقال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن الصندوق يمثل "خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة" للدول الفقيرة التي لم تفعل شيئاً يذكر للتسبب في أزمة المناخ، لكنها تعاني أسوأ آثارها، غير أنه استدرك قائلاً "إنه لن يكون كافياً.
وأشادت وزيرة المناخ الباكستانية شيري رحمن، التي شاركت ضمن حملة الدول النامية لتحقيق هدف الاتفاق على إنشاء الصندوق، بالقرار التاريخي ووصفته بأنه "بداية للعدالة المناخية". كان مشاركة الوزيرة باعتبارها سيدة وممثلة لباكستان التي تعرضت لموجة فيضانات مدمرة مؤخراً ذات مغزى كبير ومحل اهتمام دولي لافت.
انتقادات للمؤتمر
احتوى النص النهائي لـ Cop27 على بند لتعزيز "الطاقة منخفضة الانبعاثات"، قد يعني ذلك أشياء كثيرة، من مزارع الرياح والطاقة الشمسية إلى المفاعلات النووية، ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم والمزودة باحتجاز الكربون وتخزينه. يمكن تفسيره أيضاً على أنه يعني الغاز الطبيعي، الذي يحتوي على انبعاثات أقل من الفحم، لكنه لا يزال وقوداً أحفورياً رئيسياً.
تقول صحيفة الغارديان البريطانية: "جاء العديد من الدول في مؤتمر COP27، خاصة من إفريقيا التي لديها احتياطيات كبيرة من الغاز، إلى شرم الشيخ على أمل إبرام صفقات غاز مربحة".
كانت هناك انتقادات لضعف لغة قرار المؤتمر المتعلقة بالوصول لأن يكون ارتفاع درجة حرارة الأرض، أقل من 1.5 درجة أعلى من عصر ما قبل الصناعة، وسط محاولات من قبل بعض الدول النامية، للتخلي عن هذا الالتزام الذي تحقق في كوب 26.
كما كانت هناك التزامات تم إدارجها، ثم تم إلغاؤها بناءً على طلب من البلدان النامية ومنتجي الوقود الأحفوري بأن "ذروة الانبعاثات يجب أن تكون بحلول عام 2025″، كما أن متابعة التخفيض التدريجي لم تدرج.
كما أجهضت الدول المنتجة للنفط في المحادثات اقتراحاً من الهند ينص على التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري، وتم تخفيفه إلى التخلص التدريجي من الفحم، وهو ما يعكس بالضبط الالتزام الذي تم التعهد به في غلاسكو من قبل.
وقالت فانيسا ناكاتي، ناشطة شابة من أوغندا: "كان من المفترض أن يكون Cop27 هو مؤتمر إفريقيا، لكن احتياجات الأفارقة تمت إعاقتها طوال الوقت. الخسائر والأضرار في البلدان الضعيفة لا تُستهان الآن، لكن بعض الدول المتقدمة هنا في القمة قررت تجاهل معاناتنا".
وأضافت: "لم يتمكن الشباب من إسماع صوتهم في Cop27 بسبب القيود المفروضة على الاحتجاج، لكن حركتنا تنمو وبدأ المواطنون العاديون في كل بلد في مساءلة حكوماتهم بشأن أزمة المناخ".
وتعرض المضيفون المصريون لانتقادات شديدة حول أساليبهم في التوسط في صفقة، من خلال عرض مسودات النص النهائي على بلدان مختارة بشكل فردي، بدلاً من السماح للجميع بالعمل معاً. وصف أحد المندوبين المخضرمين الأسلوب بأنه "غير شفاف ولا يمكن التنبؤ به وفوضوي"، حسب ما نقلت عنه صحيفة The Guardian البريطانية.
واستمرت جلسة التفاوض الماراثونية الأخيرة لوقت طويل حتى الليل، بعد الموعد النهائي المحدد بالساعة 6 مساءً بالتوقيت المحلي يوم الجمعة. قام العمال بتفكيك المقاهي والأكشاك والأجنحة؛ مما جعل من الصعب العثور على الطعام والشراب بينما لم تكن هناك صيغة محددة للاتفاق وفي بعض الحالات بدا المندوبون وكأنهم يتفاوضون بناء على نصوص مختلفة.
كانت هناك مخاوف من اضطرار العديد من الحاضرين إلى المغادرة للحاق برحلاتهم الجوية، وإذا حدث ذلك على نطاق واسع، فقد لا يكون نصاب المؤتمر مكتملاً بموجب قواعد الأمم المتحدة.
ولكن كانت هناك أيضاً لحظة نادرة إيجابية، عندما قامت الولايات المتحدة والصين بشكل غير متوقع بتصحيح الخلاف الدبلوماسي بينهما وإحياء شراكة مشتركة من شأنها أن تعني تعاون اثنين من أكبر الدول المنتجة للانبعاثات في العالم، وأكبر اقتصادات، على طرق لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.