هي أول حكومة إسرائيلية منذ عقود تثير كل هذا الجدل وكل هذه المخاوف داخل وخارج إسرائيل.
تحالف بنيامين نتنياهو مع اليمين المتطرف والصهيونية الدينية أظهر للعالم المدى الذي وصله تطرف المجتمع الإسرائيلي في الهوس الديني والعداء للعرب.
وعندما تسلم خطاب التكليف بتشكيل الحكومة نهض بنيامين نتنياهو وصافح الرئيس الإسرائيلي، ثم قال للصحفيين: إن "الشعب اتخذ قراراً واضحاً لصالح تشكيل حكومة برئاستي".
لكن العالم كله ينظر بقلق لهذه الماكينة الديمقراطية التي أفرزت الحكومة "الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، وأثارت كثيراً من المخاوف في الداخل والخارج.
إسرائيل تقف الآن على أعتاب ثورة دينية استبدادية يقودها اليمين المتطرف، هدفها تدمير أسس الديمقراطية التي بُنيت عليها الدولة، بتعبير افتتاحية هآرتس.
حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته يائير لابيد اعتبر وصول نتنياهو للسلطة على هذا النحو "يوماً أسود للديمقراطية، وعودة بدولة إسرائيل إلى الوراء".
واعتبره الكاتب الأمريكي توماس فريدمان نهاية إسرائيل التي عرفناها، تحت حكم "تحالف من القادة الأرثوذكس المتشددين والسياسيين القوميين المتطرفين، ومتطرفين يهود عنصريين معادين للعرب".
لماذا يخشى العالم من تبعات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة؟
وما الذي ينتظر العرب مع صعود اليمين الإسرائيلي؟
وفي أي اتجاه تتحرك القضية الفلسطينية، تهدئة وحديث عن تفاوض، أم إعصار جديد من المواجهات مع غزة وفصائل المقاومة، بتأثير هؤلاء "العنصريين المعادين للعرب"؟
هذا التقرير محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، مع استعراض أهم أجندات وبرامج الأحزاب الأربعة التي تشكل منها الحكومة الجديدة، وأهم التوقعات للمستقبل القريب.
الخوف على الهوية
مشاركة العرب واليسار الإسرائيلي في حكومة بينيت أثارت مخاوف الشارع، وسرعت عودة اليمين لحكم إسرائيل
بدأ تحول إسرائيل نحو اليمين بعد سنوات قليلة من إعلان الدولة.
وتسارع بعد الانتفاضة في أوائل القرن الحادي والعشرين، ثم مع نجاح حماس وفصائل أخرى في بناء وسائل للردع، لم يكن الرأي العام الإسرائيلي سعيداً بالكشف عنها.
طوال هذه السنوات نجح بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من اليمينيين المتطرفين في استغلال التهديدات المزعومة للهوية اليهودية لإسرائيل، والمخاوف من تزايُد دور العرب في الحكومة.
زادت مشاعر الخوف على هوية إسرائيل اليهودية بعد الاضطرابات العرقية التي وقعت في منطقة اللد ومناطق أخرى بين اليهود والعرب صيف 2021، وأثرت على توجهات الناخبين الإسرائيليين.
الناخبون الذين أصيبوا بالقلق أيضاً لمشاركة تحالف أحزاب عربية في حكومة يائير لابيد.
كانت حكومة الوحدة الوطنية التي ضمت اليمينيين مثل بينيت، بالإضافة إلى الإسلاميين العرب بمثابة براغماتية سياسية، استغلها اليمين ليخيف يهود الدولة العبرية من "الوحوش" العربية التي تقترب من صناعة القرار السياسي في دولتهم.
أحد إعلانات اليمين الانتخابية كان يحمل أربع كلمات: كفى! لقد طفح الكيل.
ويحمل صورة رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد مع شريكه في الائتلاف منصور عبّاس، رئيس القائمة العربية الموحَّدَة بالكنيست.
وعبّاس يعترف بدولة إسرائيل، وبالأهمية الكبيرة للمحرقة، وهو ما يعتبره مراقبون واقعية سياسية ومهارة في التعامل مع الواقع السياسي الإسرائيلي.
لكن ناخبي اليمين المتطرف اعتبروا هذا التوجه خيانة، لأن مشاركة حزب عربي في الحكومة الإسرائيلية تهديد خطير للطابع اليهودي للدولة.
لم يكن وجود العرب في المشهد السياسي المصدر الوحيد لمخاوف الناخب اليميني، بل وجود أصوات إسرائيلية من تيارات يسارية وعلمانية، رأى فيها المتطرفون تهديداً لمفهوم "دولة الشريعة اليهودية" التي يسعون لترسيخ أركانها بالتدريج.
من هنا يأتي اليمين المتطرف ببرامجه السياسية
بدأت ملامح اليمين المتطرف تتشكل عقوداً مع حركات الاستيطان العنيفة، مثل "غوش إيمونيم" و"كاخ".
اليمين المتطرف الذي بات يحكم إسرائيل يمثل كافة التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، وهو الأب الروحي للمشروع الاستيطاني في فلسطين التاريخية، والركن الداعم لإسرائيل كدولة يهودية.
الأساس الأيديولوجي والفكري للصهيونية الدينية يأتي مباشرة من "التوراة"، كأساس يمنح اليهود "الحق" في إقامة وطن قومي بفلسطين.
ويستند أتباع الصهيونية الدينية إلى مواعظ الحاخامات، وما تنتجه المدارس والمراكز الدينية اليهودية المنتشرة بالضفة والقدس من "تحريضات متشددة" ضد العرب.
إنه الفكر الذي يغذي الاستيطان هناك.
وتختلف أحزاب اليمين المتطرف عن اليمين التقليدي بدعوتها لفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، والإعلان عن الدولة اليهودية في كل فلسطين التاريخية.
يتميزون أيضاً برفضهم منح أي درجة من الاستقلال الذاتي للفلسطينيين.
يستند اليمين المتطرف في شعبيته الانتخابية على المستوطنين، الذين بلغ تعدادهم حوالي المليون بالضفة والقدس، فهو يدعو إلى تكريس المشروع الصهيوني على هذه الأراضي، دون الالتفات للحساسيات الخارجية والموقف الأمريكي والأوروبي.
هناك الآن حوالي 60% من اليهود الإسرائيليين يميلون لأفكار اليمين السياسية، حسب تحليل حديث أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.
ترتفع النسبة إلى 70% بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاماً.
تغريدة: تهديد متطرفين على باصات فلسطينية، الطرد أو القتل
الجنون الجديد في أفكار اليمين المتطرف
التشدد الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين يتصاعد الآن عبر هذه الأحزاب الدينية، ويتحول إلى ظاهرة جديدة.
يتحول إلى نوع من القوميَّة المغالية في التشدد، ترفض أي فكرة لدولة فلسطينية كما كان الحال دائماً، لكن ترى أيضاً أن كل العرب الإسرائيليين إرهابيون محتملون.
هؤلاء "الإرهابيون المحتملون" يمثلون 21% من سكان إسرائيل.
ونحو 20% من الأطباء.
و25% من الممرضين.
ونحو نصف الصيادلة.
التغيير الأكبر في أفكار اليمين المُتشدد هو التحول من سؤال الهوية السياسية بالتركيز على العدو في الخارج، وهم الفلسطينيون.
إلى "العدو في الداخل"، وهم عرب 48.
لهذا السبب ركّز نتنياهو وحلفاؤه المتطرفون في حملاتهم الانتخابية على مهاجمة المؤسسات المُستقلة الحيوية، التي تدعم الديمقراطية الإسرائيلية، والمسؤولة عن حقوق الأقليات. مؤسسات مثل نظام المحاكم العادية ووسائل الإعلام، والمحكمة العليا يريد نتنياهو وحلفاؤه إخضاعها للسيطرة السياسية لليمين.
ائتلاف نتنياهو يريد تحجيم أي مؤسسة تحمي حقوق الأقليات، ولا أقليات مستهدفة في ذلك البلد سوى أصحابه الأصليين في كل أراضي فلسطين التاريخية.
عقيدتهم: الوجود اليهودي هنا فريضة دينية
يمثل اليمين المتطرف كافة التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، وتختلف أحزابه سياسياً وأيديولوجياً عن اليمين التقليدي، بدعوتها لفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، والإعلان عن الدولة اليهودية في كل فلسطين التاريخية، ورفض منح أي درجة من الاستقلال الذاتي للفلسطينيين. هنا أبرز ملامح "عقيدتهم" تجاه الفلسطينيين.
الشعب اليهودي ليس عادياً مثل مختلف الشعوب، حتى لو انتهى "الشتات"، وإنما هو "شعب الله المختار الفريد والمقدس".
أرض إسرائيل مقدسة، اختيرت حتى قبل اختيار الشعب لتشكل جزءاً من الميثاق الإلهي بين الرب واليهود.
"أرض إسرائيل" في ظل سيادة دولة إسرائيل فريضة دينية تسبق في الأهمية باقي الفرائض الدينية، ويحظر تأجيلها بعد أن بدأ "الخلاص" مع الجيل الحالي.
الشعب الفلسطيني يشكّل خطراً على إسرائيل كدولة يهودية "ما يوجب ترحيله بالقوة"، وهو ما يعكس أيديولوجية عنصرية تتسم بالكراهية للفلسطينيين والعرب لدى حزب "عظمة يهودية" وحركة "كاخ".
يجب تهجير الفلسطينيين بأقصى سرعة، قبل أن يصبحوا أغلبية ويشرّعوا القوانين للقضاء على إسرائيل.
على الفلسطينيين الرحيل عن "أرض إسرائيل"، أو الخضوع المطلق للحكم اليهودي، أو الحرب.
أفكار الرباعي المتطرف الذي يحكم الدولة العبرية
كان على نتنياهو أن يصل للأغلبية عن طريق التحالف بين حزبه الليكود، وثلاثة أحزاب أخرى يمينية متطرفة. في السطور التالية نتعرف على أهم أهداف الخطاب السياسي لهذا الرباعي.
1 الليكود: الحفاظ على أرض "إسرائيل"
تقليدياً يعدّ الليكود- تأسس عام 1973- أكثر الأحزاب دعماً لإقامة المستوطنات في الأرض المحتلة.
يؤمن بحق إسرائيل في كامل أرض إسرائيل التاريخية: فلسطين وشرقي الأردن وفق التصور اليهودي.
السلام مع العرب يتم عبر مفاوضات مباشرة.
التأكيد على الاقتصاد الحر، والحد من تدخل الدولة.
2 تحالف الصهيونية الدينية: ترحيل العرب واحتلال الأقصى
يتكون تحالف الصهيونية الدينية من أحزاب تمثل الصهيونية اليمينية الفاشية، حرّضها نتنياهو على دعم معسكره الانتخابي مقابل منحها مناصب وزارية، أبرزها حزبا تكوما، وعوتسما يهوديت.
الاتحاد الوطني- تكوما
ترحيل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وضم مناطق "ج" في الضفة.
حل السلطة الفلسطينية، وبناء مزيد من المستوطنات في الضفة.
يدير الحزب جمعية متطرّفة تلاحق الفلسطينيين في الضفة والداخل المحتل.
حزب عوتسما يهوديت
طرد فلسطينيي 48 إلى سوريا، وترحيل فلسطينيي الضفة إلى أي مكان حتى لو على نفقة إسرائيل.
التخلص من السلطة الفلسطينية.
فتح المسجد الأقصى للمصلين اليهود، والسماح بالطقوس اليهودية فيه.
إعدام الأسرى الفلسطينيين والتضييق عليهم بكل الوسائل.
3 شاس: العرب حشرات يجب إبادتها
تأسس في 1984 على يد الحاخام عوفاديا يوسف، الذي وصف العرب بأنهم ثعابين وديدان، ينبغي إبادتهم بالصواريخ.
يرفض وقف الاستيطان.
يرفض التفاوض حول مستقبل مدينة القدس.
يطالب الدول العربية بتعويض اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم بعد هجرتهم.
يؤكد على قدسية السبت والأعياد اليهودية، ويرفض تجنيد الفتيات في الجيش.
4 يهدوت هتوراة: لا تفاوض مع العرب
تشكَّل رسمياً عام 1992 من ثلاث حركات تنتمي لطائفة اليهود الحريديم الأشكيناز المتشددة.
يطالب بدولة تقوم على تعاليم التوراة، وتحكمها القوانين الدينية.
ويرفض المفاوضات مع الفلسطينيين.
بن غفير: وعود انتخابية وسموم ودعوات للقتل
اليميني المتطرف إيتمار بن غفير قد يكون نجم المرحلة الراهنة في السياسة الإسرائيلية، بعد مشاركته في التحالف الذي يقوده نتنياهو.
هو صاحب الظهور الإعلامي المتكرر والدعوات إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً ضد الفلسطينيين.
يجذب الكثير من المعجبين، ليس فقط في مستوطنات الضفة الغربية، حيث يعيش ويُعَدُّ من الأبطال القوميين، ولكن أيضاً بين الناخبين الشباب، بما في ذلك العديد من جنود الاحتلال وبعض الناخبين العلمانيين في تل أبيب نفسها، حيث وصل نفوذ الرجل إلى الحي الليبرالي الذي شهد رفع أنصاره لافتات تؤيده.
ونال تحالف "الصهيونية الدينية" الذي يقوده كلٌّ من إيتمار بن غفير وشريكه بتسلئيل سموتريتش 14 مقعداً. وتُعَدُّ هذه الأرقام أحدث علامة على الانحراف اليميني للسياسة الإسرائيلية.
مولود في القدس عام 1976 لمهاجرين من العراق، وفي مراهقته كان ناشطاً عنيفاً في حركة كاخ العنصرية، التي أسسها الإرهابي مائير كاهانا.
لمزيد من التفاصيل تابع هنا