في أحد أزقة بلدة نابلس القديمة، يعلّق أحمد قنديل، أمام متجر بقالة، صور عشرات المقاتلين من أبناء مجموعة "عرين الأسود" الذين قُتِلوا مؤخراً على يد الجيش الإسرائيلي. يقول قنديل: "أريد أن يتذكرهم الناس ويتحدثون عنهم"، وأعرب عن شعوره بأنَّ "الروح المعنوية لمجتمع البلدة القديمة عادت مرة أخرى"، بعد موجة النشاط المسلح الأخيرة، حيث يستهدف شباب العرين، بشكل شبه يومي، أبراج المراقبة ونقاط التفتيش التي تحيط بنابلس، أو يخرجون للتصدي للقوات الإسرائيلية التي تداهم بلدتهم.
مدينة نابلس تحتشد خلف "عرين الأسود"
يقول موقع Middle East Eye البريطاني، الذي رصد حالة الالتفاف الشعبي خلف مجموعة "عرين الأسود" في مدينة نابلس بعد اغتيال الاحتلال معظم قادتها، إن أسواق نابلس ومتاجرها تتزين بصور مقاتلي "عرين الأسود" وشعارات المجموعة المسلحة النشأة.
ويقول صاحب متجر فاكهة، يُدعى أبو هيثم قمحية: "هذه المجموعة نظيفة. وهم شباب شرفاء وصالحون. نحن نعرفهم". تعكس هذه الصور المنتشرة في جميع أنحاء البلدة القديمة الشعبية الواسعة للموجة الجديدة من المقاتلين المحليين، التي ارتفعت ارتفاعاً حاداً منذ أول ظهور رسمي علني لجماعة "عرين الأسود" في 2 سبتمبر/أيلول.
في مقاطع فيديو عديدة، يمكن رؤية عشرات من الرجال المسلحين، كلهم يرتدون ملابس وقبعات سوداء وملثمين بالكامل وبنادقهم مربوطة بقطعة قماش حمراء. يتكون شعارهم من بندقيتين وقبة الصخرة والخريطة الكاملة لفلسطين التاريخية.
وقالت المجموعة التي تأسست حديثاً، في أول بيان صحفي لها: "في ضوء الثورة المستعرة لشعبنا في القدس وغزة وجنين، وصلنا لنعلن أنَّ الشرارة قد بدأت للتو من مدينة نابلس القديمة".
الظهير الشعبي لـ"عرين الأسود"
يقول باسل كتانة، الذي يدير نزلاً في البلدة القديمة في نابلس: "عندما سمعنا نحن -أصحاب الأعمال في البلدة القديمة- لأول مرة عن الجماعة المسلحة، كنا متشككين".
ويشير إلى أنَّ شريحة من سكان البلدة القديمة كانت تتساءل لماذا كان هؤلاء الشباب يتسكعون – يعتقد البعض أنَّ وجودهم أمر خطير؛ نظراً لاحتمال العمليات الإسرائيلية باعتقالهم أو قتلهم.
يقول كتانة: "بعد مقتل جندي إسرائيلي، والحصار [الإسرائيلي] على نابلس، تغيرت الأمور تماماً". في 11 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق "عرين الأسود" النار على ضابط إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وقتلته.
وفجأة أدرك سكان البلدة القديمة في نابلس أنَّ الجماعة المسلحة جادة، وصاروا داعمين لها على الرغم من الأضرار الاقتصادية والأمنية التي لحقت بهم نتيجة لذلك. وصرح كتانة لموقع Middle East Eye: "شعر الناس أنهم رجال مقاومة حقيقيون".
الحملة القمعية زادت شعبية الجماعة
في أعقاب إطلاق النار في 11 أكتوبر/تشرين الأول، فرضت إسرائيل حصاراً عسكرياً على نابلس. وانخفضت حركة المرور انخفاضاً ملحوظاً، وصار سوق البلدة القديمة أقل ازدحاماً من المعتاد. وأغلقت جامعة النجاح الوطنية، وهي الجامعة الرئيسية في المدينة، حرمها وانتقلت إلى العمل عبر الإنترنت لأكثر من أسبوع.
مع بداية الحصار، ارتفعت شعبية المجموعة. وتردد دوي أغاني ثورية في أزقة البلدة القديمة في نابلس. وبدأ الشباب والأطفال في ارتداء الملابس والقلائد التي تحمل صور المقاتلين، والتي يزداد الطلب عليها الآن وتُباع في العديد من متاجر الهدايا التذكارية.
وتحولت الأماكن التي قُتِل فيها أفراد "عرين الأسود" وجهات شعبية للعديد من الفلسطينيين، صغاراً وكباراً. يقول أدهم خالد، الذي كان يجلس مع أصدقائه في البلدة القديمة: "الناس متعطشون لهذا النوع من المقاومة. لقد أصبحت قضية وطنية الآن، بما في ذلك نابلس وقراها ومخيمات اللاجئين".
بالنسبة لخالد، فإنَّ أبرز دليل على الشعبية المذهلة لـ"عرين الأسود" كان قد شوهد في 18 أكتوبر/تشرين الأول، بعد منتصف الليل، عندما طلبت الجماعة المسلحة من سكان نابلس أن يهتفوا من فوق أسطح منازلهم، وأن يسيروا في الشوارع.
لم يكن سكان نابلس المحاصرة وحدهم هم من نزلوا إلى الشوارع؛ فقد استجاب آلاف الأشخاص من العديد من مناطق الضفة الغربية لهذه الدعوة.
مصدر إلهام رغم الانتكاسات
في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، خفّفت إسرائيل جزئياً القيود المفروضة على الحركة في نابلس، وهي خطوة أعادت بعض الحياة إلى المدينة. وجاء القرار الإسرائيلي في أعقاب اغتيال بعض كبار أعضاء "عرين الأسود"، وظهور مزيد من الأنباء عن تسليم مقاتلين أنفسهم للسلطة الفلسطينية.
وسلّم عضوان بارزان من "عرين الأسود"؛ وهما محمود البنا ومحمد طبنجة، نفسيهما للسلطة الفلسطينية، ولا يزالان محتجزَين في سجونها.
وكتب البنا، المطلوب لدى إسرائيل، في منشور على فيسبوك: "بعد التشاور مع رفاقي، اتفقت مع إخواننا في الأجهزة الأمنية على تسليم أنفسنا؛ حتى يحموننا من المحتل".
وبحسب محافظ نابلس إبراهيم رمضان، عادةً ما تنتهي العملية بالحصول على عفو إسرائيلي عنهم، وإحالتهم لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وشراء أسلحتهم.
ونتيجة لذلك، أصدرت جماعة "عرين الأسود" بياناً تقول فيه: "جماعة عرين الأسود لم تطلب من أي مسؤول أو جهة أمنية، مع كل التقدير، تولي أمر أيٍ من مقاتليها. أي فرد من مقاتلينا يسلّم نفسه، فهذا قراره الشخصي واختياره. مخطئ من يعتقد أنَّ المجموعة ستنتهي".
أثارت هذه التطورات الشكوك والقلق حول نابلس، وطرحت سؤالاً حول ما إذا تفكّكت جماعة "عرين الأسود" أم لا. وبغضّ النظر عن الحقيقة، يعتقد سامر عنبتاوي، المحلل السياسي المقيم في نابلس، أنَّ نموذج عرين الأسود "خلق مفهوماً، وأنها ليست مجرد ظاهرة".
يقول عنبتاوي: "هؤلاء شباب عابرون للأحزاب السياسية، جرّونا مرة أخرى من ساحة المفاوضات إلى ساحة مقاومة الاحتلال"، مشيراً إلى الطبيعة المستقلة للموجة الفلسطينية المسلحة الحالية.
وبالنسبة لنواف العامر، الصحفي والكاتب المقيم في كفر قليل، جنوب شرقي نابلس، فإنَّ القمع الإسرائيلي المستمر لنشطاء الجماعة لن يؤدِّ إلا إلى تعزيز جاذبيتهم".
ويرى العامر: "استمرار الاغتيالات قد يجذب الشباب ويشجعهم على الانضمام. لقد صاروا مصدر إلهام لجيل الشباب الذي لم يرَ سوى بنادق الاحتلال في وجوههم وهجمات المستوطنين".
مجموعات مسلحة جديدة على غرار "عرين الأسود"
في الأسابيع القليلة الماضية، بدأت مجموعة مسلحة جديدة تسمى "كتيبة بلاطة"، ومقرها في مخيم بلاطة للاجئين شرقي نابلس، بنشر تصريحات عبر تطبيق تليغرام حول حوادث إطلاق نار على أهداف إسرائيلية.
واستُشهد أحد أفراد المجموعة في 9 نوفمبر/تشرين الثاني أثناء مواجهته للقوات الإسرائيلية، التي أغارت على نابلس. كما ظهرت مجموعة أخرى أصغر تسمى "كتيبة جبع"، متمركزة في قرية جبع شمالي نابلس.
بالإضافة إلى ذلك، هناك صعود مستمر للأجنحة المسلحة التي تنتمي إلى الأحزاب السياسية الفلسطينية التقليدية؛ مثل فتح وحماس والجهاد الإسلامي، التي تنشط في مخيم جنين.
وبينما يبدو المستقبل القريب ضبابياً، ستبقى بلدة نابلس متوترة، مع احتمال أن تشهد الأسابيع المقبلة اغتيال أو اعتقال الإسرائيليين لاثنين على الأقل من ناشطي عرين الأسود المتورطين في قتل جندي إسرائيلي – وهو الشخص الوحيد الذي قتلته الجماعة حتى الآن. في البلدة القديمة، سيراقب الناس ما يحدث، وينتظرون مستعدين لمتابعة جيل جديد من المقاومة.