سقط صاروخ في بولندا متسبباً في مقتل شخصين، فقرر حلف الناتو عقد اجتماع طارئ، وسط غموض بشأن الصاروخ نفسه: هل هو روسي أم أوكراني؟ فما القصة؟
القصة بدأت مساء الثلاثاء، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عندما أعلنت وزارة الخارجية البولندية أن صاروخاً سقط على قرية بريفودوف البولندية، بالقرب من الحدود الأوكرانية، في الساعة 3:40 مساء بالتوقيت المحلي، وتسبب انفجار الصاروخ في مقتل شخصين.
بولندا، المجاورة لأوكرانيا، حيث الحرب المستمرة منذ 24 فبراير/شباط الماضي، هي إحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو، ومن ثم فاستهداف أراضيها يمثل استهدافاً للحلف العسكري الغربي، ويستوجب رداً على الدولة المعتدية.
هل أطلقت روسيا الصاروخ على بولندا؟
الدولة المعتدية هنا، أو بمعنى أدق المشتبه بها هي روسيا، العدو التاريخي للحلف، والتي تُواصل ما تسميه "عملية عسكرية خاصة" على الأراضي الأوكرانية، أو ما يصفه الغرب بأنه غزو غير مبرر.
البيان الأول الصادر عن بولندا بشأن سقوط الصاروخ قال إنه "صاروخ روسي الصنع"، وعلى الفور رفعت بولندا حالة التأهب لقواتها العسكرية، وتم عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي بالبلاد.
خرج الرئيس البولندي، أندريه دودا، بعد الاجتماع الطارئ قائلاً لوسائل الإعلام إن "الصاروخ روسي الصنع"، لكن بلاده لا تملك أدلة ملموسة حول من أطلق الصاروخ بالفعل على بولندا.
واستدعت وزارة الخارجية البولندية السفير الروسي في وارسو، وطالبته بتقديم توضيحات بشأن الحادث.
لكن روسيا، من جانبها، نفت أن تكون مسؤولة عن إطلاق الصاروخ على الأراضي البولندية. وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، إن تصريحات وسائل الإعلام والمسؤولين البولنديين حول سقوط صواريخ روسية في منطقة برزيودوف الحدودية في بولندا "بمثابة استفزاز متعمد يهدف إلى التصعيد"، حسبما نقل موقع قناة "روسيا اليوم".
وأكدت الوزارة في بيانها أن الجيش الروسي "لم يستهدف أية مواقع بالقرب من الحدود الأوكرانية البولندية"، مشيرة إلى أن الحطام الذي نشر في وسائل الإعلام من موقع الأحداث في بولندا "لا علاقة له بالأسلحة الروسية".
هل فعلتها أوكرانيا؟
وكالة أسوشيتد برس الأمريكية للأنباء نشرت تقريراً، الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، ذكروا أن النتائج الأولية تشير إلى أن الصاروخ الذي ضرب بولندا أطلقته القوات الأوكرانية لاعتراض صاروخ روسي.
لكن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، سارع بتوجيه الاتهام إلى روسيا بإطلاق صواريخ على بولندا، معتبراً ذلك "تصعيداً كبيراً" في الهجوم على بلاده، وقال إن "إطلاق الصواريخ على أراضي الناتو هو هجوم روسي على الأمن الجماعي، هذا تصعيد كبير جداً، يجب أن نتحرك"، بحسب تقرير لموقع فرانس24.
أما وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، فقد ذهب خطوة أبعد بقوله إن المزاعم بأن أحد الصواريخ الأوكرانية سقط في بولندا هي "نظرية مؤامرة". وكتب كوليبا في تغريدة: "روسيا تروج الآن لنظرية مؤامرة، تزعم أن صاروخاً (أطلقه) سلاح الجو الأوكراني سقط في أراضي بولندا، هذا الأمر غير صحيح، يجب ألا يصدق أحد الدعاية الروسية أو ينشر رسائلها".
وطالبت كييف بعقد قمة طارئة على الفور لحلف الناتو، للتباحث بشأن الرد على ما وصفته بأنه "اعتداء روسي صارخ" على أحد أعضاء الحلف العسكري الغربي.
لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه قال إن الصاروخ ربما لم يُطلق من روسيا، وذلك بعدما أجرى محادثات مع زعماء غربيين حلفاء، وسط مخاوف من احتمال امتداد الصراع في أوكرانيا إلى الدول المجاورة.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يحترم تصريحات موسكو بأنه لم يتم إطلاق صواريخ روسية على الأراضي البولندية، مضيفاً أنه يعتقد أن موسكو "ليس لها يد في هذا".
وقال أردوغان في مؤتمر صحفي خلال قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا "روسيا قالت إنها ليس لها يد في هذا، وقال (الرئيس الأمريكي جو) بايدن إن الصواريخ ليست روسية الصنع، وهو ما يظهر أنه لا علاقة لروسيا بالأمر". وأضاف أن هناك حاجة لإجراء تحقيق، وأنه سيتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يعود إلى تركيا.
الناتو وأوروبا يستعدان
لكن وسط هذا الغموض بشأن من أطلق الصاروخ على بولندا، ورغم تبادل الاتهامات وشيوع التهمة- حتى الآن- بين روسيا وأوكرانيا، انطلق قطار الاجتماعات الطارئة هنا وهناك، وبدأ رفع حالة الاستعداد للجيوش في بعض الدول الأوروبية.
ففي بولندا، عقد مجلس الأمن القومي اجتماعاً طارئاً آخر الأربعاء، وأبلغ دودا الصحفيين: "ليس لدينا أي دليل قاطع في الوقت الحالي على من أطلق هذا الصاروخ، على الأرجح هو صاروخ روسي الصنع، لكن كل شيء ما زال قيد التحقيق في الوقت الحالي".
ودعا رئيس الوزراء ماثيو شمورافيتسكي إلى اجتماع عاجل للجنة الحكومية لشؤون الأمن القومي والدفاع. وعقب الاجتماع قال المتحدث باسم الحكومة البولندية، بيوتر مولر، إن وارسو رفعت مستوى تأهب جزء من وحداتها العسكرية، مضيفاً "اتُّخذ قرار برفع مستوى تأهب بعض من الوحدات القتالية وغيرها من الأجهزة… وحداتنا على الأرض حالياً لتحديد ما الذي حصل".
ومن بولندا إلى بالي بإندونيسيا، حيث قمة مجموعة العشرين، إذ عقد زعماء غربيون اجتماعاً طارئاً أيضاً للتباحث بشأن إطلاق صاروخ على الأراضي البولندية، وشارك في الاجتماع زعماء الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وهولندا واليابان وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة.
وعقب الاجتماع قال بايدن للصحفيين إن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي يتحرون الانفجار، لكن المعلومات الأولية تشير إلى أنه ربما لم يكن ناجماً عن صاروخ أُطلق من روسيا.
ورداً على سؤال حول مزاعم ارتباط الانفجار بروسيا، قال بايدن "هناك معلومات أولية تعارض ذلك، لا أريد أن أقول ذلك حتى نحقق في الأمر بالكامل، لكن من غير المرجح أنه أُطلق من روسيا نظراً لمساره، لكننا سنرى".
وأجرى بايدن محادثة هاتفية مع نظيره البولندي، أكد فيها تقديم "كل الدعم والمساعدة للتحقيق البولندي"، وفق البيت الأبيض. كما أجرى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، محادثات هاتفية مع بايدن.
وفي وارسو، قال مجلس الأمن القومي البولندي، جاسيك سوييرا، في منشور على تويتر "يعكف المجلس حالياً على تحليل الترتيبات التي اتخذت حتى الآن مع القادة ورؤساء الأجهزة والحلفاء".
العديد من القادة عبّروا على الفور عن تضامنهم مع بولندا، وكتب المتحدث باسم المستشار الألماني، أولاف شولتز، على تويتر: "اتصل المستشار للتو بالرئيس البولندي دودا، وأعرب عن تعازيه، وأن ألمانيا تقف إلى جانب بولندا الشريكة لنا في حلف شمال الأطلسي".
رئيس المجلس الأوروبي قال إنه سيدعو إلى اجتماع عاجل للقادة الأوروبيين المشاركين في قمة مجموعة العشرين، بعدما أكد لرئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي دعم الاتحاد، وكتب ميشال في تغريدة "تحدثتُ للتو مع (مورافيتسكي). أكدتُ له وحدة صف الاتحاد الأوروبي وتضامنه الكامل دعماً لبولندا. سأقترح اجتماعاً تنسيقياً الأربعاء مع قادة الاتحاد الأوروبي المشاركين في (قمة) مجموعة العشرين هنا في بالي".
كما عبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في وقت متأخر الثلاثاء، عن "انزعاجها" من التقارير بشأن وقوع انفجار في بولندا. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، بات رايدر، إن الولايات المتحدة "تتحقق من" تقارير صحفية تفيد بسقوط صاروخ روسي في بولندا.
ماذا لو كان الصاروخ من أوكرانيا وليس روسيا؟
فرنسا تحديداً تحدثت عن هذا السيناريو بشكل مبطن، إذ دعت باريس إلى توخي "أقصى درجة من الحذر" بشأن مصدر الصاروخ الذي سقط في بولندا، مع إعلان "دول عدة" في المنطقة تمتلك النوع نفسه من السلاح، محذرة من "خطر تصعيد كبير". وأكدت الرئاسة الفرنسية أنه "نظراً للرهانات، من المنطقي أن نتعامل مع المسألة بأقصى درجة من الحذر"، مذكرة بوجود "مخاطر تصعيد كبيرة في المنطقة".
وأشار أحد مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون إلى أن "هناك الكثير من المعدات في المنطقة، وتركز كبير للأسلحة، عدد كبير من الدول يمتلك النوع نفسه من الأسلحة، وبالتالي فإن تحديد نوع الصاروخ لا يعني بالضرورة تحديد الجهة التي أطلقته".
وصرح مستشار آخر للرئيس، أنه "يجب النظر إلى الوقائع بدقة كبيرة، النظر إلى المعلومات وخرائط السماء ورؤية بيانات الأقمار الاصطناعية. هذه قضية لا يمكن أن نخطئ فيها"، مضيفاً: "لو كان صاروخاً أوكرانيا (…) لما كان الأمر بطبيعة الحال هو نفسه سياسياً، لأنه لا يمكن أن نتصور أن أوكرانيا تعمدت إطلاق صاروخ على بولندا".
أما رئيس ليتوانيا، جيتاناس ناوسودا، فقد صرح بأن "أنباء حدوث انفجارين على الأقل" كانت "مقلقة". وكتب في تغريدة على تويتر "الحفاظ على اتصال وثيق مع أصدقائنا البولنديين، تقف ليتوانيا في تضامن قوي مع بولندا، يجب الدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو".
من جهته قال رئيس وزراء لاتفيا، كريسيانيس كارينس، إن حكومته ستعقد اجتماعاً طارئاً الأربعاء، وقال في تغريدة على تويتر مساء الثلاثاء: "غداً، في الساعة 10:00 صباحاً، دعوت إلى اجتماع حكومي طارئ للاستماع إلى تقارير الوزارات والمؤسسات المسؤولة عن الوضع الأمني في المنطقة، والاستعداد لمزيد من الإجراءات".
وأشار نائب رئيس وزراء لاتفيا، أرتيس بابريكس، إلى أن الوضع "غير مقبول"، وقد يدفع حلف الناتو إلى توفير المزيد من الدفاعات المضادة للطائرات لبولندا وأوكرانيا.
وقال الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا على تويتر "يجب الدفاع عن كل شبر من أراضي حلف شمال الأطلسي".
الخلاصة هنا هي أنه، وحتى إثبات الدولة التي أطلقت الصاروخ على بولندا، ستظل الأمور في أقصى درجات التوتر والقلق، فهل الصاروخ روسي أم أوكراني؟ لأن رد الفعل سيختلف بشكل جذري بحسب إجابة السؤال.