لا يذكر التغير المناخي إلا وتذكر معه "الطاقة النظيفة" كطوق النجاة الأهم في إنقاذ الأرض من كوارث الطقس المتطرف، فأين يقف العالم اليوم من مصادر الطاقة المتجددة؟
مصطلح التغير المناخي معنيّ بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية للأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسبّبة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها، ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة أضرار ضخمة وخسائر على جميع المستويات.
وتشهد مدينة شرم الشيخ المصرية فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغير المناخ (كوب 27)، الذي بدأ رسمياً 6 نوفمبر/تشرين الثاني بحضور نحو 200 دولة، وتختتم أعماله أواخر الشهر، وسط آمال كبيرة تعلقها الدول الأكثر تضرراً من التغير المناخي في أن تجد قضية "التعويضات عن الخسائر والأضرار" حلولاً فعلية.
ماذا تعني "الطاقة النظيفة"؟
الطاقة النظيفة، كما يشير المعنى الحرفي للمصطلح، تعني مصادر الطاقة التي لا تنتج عنها مواد تتسبب في تلويث الغلاف الجوي للكوكب، وارتبط بها مصطلح آخر هو "الطاقة المتجددة"، ومصادرها الأساسية هي أشعة الشمس والرياح والمياه.
ويرجع تاريخ استخدام الإنسان تلك المصادر إلى أكثر من ألفي عام، فكانت عجلات المياه، في صورتها البدائية بطبيعة الحال، تستخدم في بعض الأغراض منذ ما قبل التقويم الميلادي بنحو 200 عام، ثم ظهرت طواحين الهواء في هولندا في القرن الخامس عشر.
لكن اكتشاف البخار واستخدام الفحم لتوليد الطاقة، ثم النفط والغاز، وجميعها تسمى الوقود الأحفوري غيرت المعادلة تماماً، وأصبح الاعتماد على تلك المصادر هو المحرك الأساسي للتقدم الصناعي والتكنولوجي وجميع الأنشطة الاقتصادية البشرية في العصر الحديث.
لكن الحديث عن ضرورة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة أو المتجددة عاد ليطل برأسه بقوة، مع ظهور مشكلة الاحتباس الحراري، التي تسببت في إحداث ثقب في أوزون الغلاف الجوي، ثم أصبحت مشكلة التغير المناخي الكارثة التي تهدد الكوكب وتستحوذ على اهتمام الجميع، بعد أن أصبحت الفيضانات والسيول والجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة وغيرها من ظواهر الطقس المتطرف عرضاً مستمراً لا يتوقف في جميع أنحاء الكرة الأرضية.
والآن تتزايد المخاوف بشأن احتمال عدم القدرة على الالتزام بهدف إبقاء ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية، ويقول علماء إن تجاوز هذا الحد قد يدفع الكوكب نحو نقاط تحول لا رجعة فيها، وأن تجاوز هذا الحد أصبح يعتبر مرجحاً مع ارتفاع الانبعاثات العالمية.
فمنذ نهاية العصر الجليدي الأخير قبل نحو 12 ألف عام وتطور الحضارات البشرية، لم يتغير قط متوسط درجة حرارة هواء الكوكب على المدى الطويل أكثر من 1.5 درجة فوق متوسط مُستقر عند 14 درجة مئوية.
لكن في غضون عقد من الزمن، من المتوقع أن تؤدي انبعاثات الوقود الأحفوري المتراكمة في الغلاف الجوي واحتباس المزيد من طاقة الشمس إلى تجاوز حرارة الكوكب لهذا الحد البالغ 1.5 درجة مئوية، بحسب تقرير لرويترز، على هامش مؤتمر "كوب 27" في شرم الشيخ.
وفي تقرير نشرته مجلة ساينس في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، قال علماء إن من المرجح بلوغ "نقاط تحول" لا رجعة فيها في الكوكب، من ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند، مما يدشن ارتفاعاً يبلغ سبعة أمتار في مستوى سطح البحر، إلى انبعاث غاز الميثان الذي يسرع بارتفاع درجة الحرارة مع ذوبان الجليد الدائم.
وحذر علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من احتمال أن يكون لهذا تأثيرات وخيمة على حياة الإنسان والحيوات الأخرى على هذا الكوكب، مع ارتفاع معدلات النوبات المناخية المتطرفة وارتفاع مستوى البحار وضعف الأمن الغذائي والمائي.
وقال يوهان روكشتروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا، في الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) في مصر "يمكنني القول بدرجة عالية من اليقين أن الحضارات يمكنها الازدهار في عالم درجة حرارته 14 – لكن لا أحد يستطيع إخبارنا بأي درجة من اليقين أنه يمكننا الازدهار في عالم (درجة حرارته أعلى بكثير) لأننا لن نكون هناك أبداً".
ما نسبة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة؟
لكن رغم كل هذه المخاطر التي تحيق بالكوكب، ورغم أن الحديث عن التحول للطاقة النظيفة مستمر منذ عقود، بصورة أقرب إلى المسلسلات الدرامية الطويلة، إلا أنه حتى اليوم، يتم توليد الكهرباء في الغالب من الفحم الذي يُطلق عليه الوقود القذر، فيما يأتي بعد ذلك الغاز الطبيعي الذي يعتبر أنظف لكنه في الوقت نفسه يلوث الهواء، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.
إذ تؤدي عملية إحراق الوقود الأحفوري بكافة أنواعه إلى إطلاق الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى ارتفاع في درجة حرارة الأرض ومن ثم تكرار حدوث ظواهر الطقس المتطرفة.
وتبلغ نسبة توليد الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية والطاقة المائية، أقل من 40% على مستوى العالم.
وارتفعت حصة الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء على مستوى العالم بوتيرة عالية خلال العقد الماضي، فيما انخفضت حصة الطاقة النووية في ذلك المزيج. ورغم ذلك، ظلت حصة الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء ثابتة دون تغير.
كان العقدان الماضيان قد شهدا ارتفاعاً في الطلب على الكهرباء خاصة في البلدان التي شهدت وتيرة سريعة في ارتفاع مستويات المعيشة مثل الصين والهند. وعلى وقع ذلك، أقدمت الحكومات على زيادة استخدام الفحم لتوليد الكهرباء في المناطق الريفية والمدن الكبرى مترامية الأطراف وربطها بشبكات الكهرباء لأول مرة.
أما في البلدان الغنية التي حققت طفرة في توليد الكهرباء من الطاقة النظيفة مثل الولايات المتحدة وبلدان أوروبية، فقد تحولت المجتمعات إلى إنتاج الكهرباء من الغاز كمصدر رئيسي للكهرباء بدلاً من الفحم.
وإجمالاً، ينتج العالم ربع احتياجاته من الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية.
ورغم أن الأبحاث تفيد حتى الآن أن موجات الحر والفيضانات والأعاصير المدارية ستزداد عنفاً إذا فشل العالم في التحول إلى إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة النظيفة، إلا أن الهدف الذي اتفق عليه قادة العالم في قمة المناخ عام 2015، لم يتحقق حتى اليوم.
فخلال قمة باريس تلك، قطعت قرابة مئتي دولة على نفسها تعهداً بإبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض عند حدود 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، لكن بعد مرور سبع سنوات على التعهد، ما زالت الحكومات تتبنى سياسات طاقة من شأنها أن تزيد الاحترار العالمي بمعدل ضعف المتوسط العالمي.
هل يمكن أن تنافس الطاقة النظيفة النفط والغاز؟
يُتوقع أن تزداد نسبة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة خلال الأعوام القادمة خاصة مع تركيب المزيد من محطات الألواح الشمسية وتوربينات الرياح بسبب التقدم الكبير في مجال الطاقة المتجددة التي جعلها أكثر كفاءة وأقل ثمناً.
فقد انخفضت تكاليف توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بشكل كبير بمعدل يجعلها قادرة على منافسة الوقود الأحفوري، إذ إنه في معظم بلدان العالم، بات سعر بناء مزرعة شمسية جديدة لتوليد الكهرباء أقل من تكلفة محطة وقود أحفوري، لا سيما الفحم.
وقد ساهمت المحطات الجديدة في خفض التكلفة، بيد أن التكاليف لا تشمل تكلفة تخزين الكهرباء في الأيام التي تسودها غيوم كثيفة أو ندرة في الرياح لتوليد الكهرباء أو حتى التكلفة الصحية الناجمة عن إحراق الوقود الأحفوري.
توقعت الوكالة الدولية للطاقة أن يصل حجم الإنفاق على الطاقة النظيفة إلى 1.4 تريليون دولار في نهاية العام الجاري، لكن البيانات تظهر أن هذه الطفرة في الإنفاق تحدث في الغالب في بلدان غنية والصين في ضوء انخفاض تكاليف بنى تحتية جديدة.
وفيما يتعلق بالبلدان ذات الدخل المتوسط، فإنها تجد نفسها مضطرة إلى انفاق المزيد من الأموال لخدمة الديون، فضلاً عن سعيها للحصول على قروض لتنفيذ مشاريع جديدة. فعلى سبيل المثال، تواجه بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى صعوبة في الحصول على تمويل، رغم أن 600 مليون شخص من السكان في حاجة إلى الكهرباء.
كانت دول الشمال قد تعهدت، عام 2010، بتقديم مئة مليار دولار سنوياً لمدة عشر سنوات لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار ظاهرة تغير المناخ، بما يشمل تزويد المزارعين في البلدان النامية بمحاصيل لمقاومة للجفاف أو دفع تكاليف إقامة منشآت لصد الفيضانات.
أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي ترصد عملية التمويل، إلى أن الدول الغنية دفعت عام 2020 قرابة 83 مليار دولار في معدل أعلى من عام 2019 بنسبة 4%، لكن المساهمة المالية كانت أقل من التعهد المتفق عليه.
وأكد تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن مجموعة "تعقب العمل المناخي" و"معهد الموارد العالمية" أن العالم يشهد تزايداً في حصة مصادر الطاقة منخفضة الكربون.
ورغم ذلك، يتعين ارتفاع هذه الحصة بمعدل ستة أضعاف من أجل تمهيد الطريق أمام وضع العالم على المسار الصحيح للحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
وفي سياق متصل، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته هذا العقد. لكن اللافت أنه من أجل خفض الانبعاثات بسرعة كافية، يتعين تزايد المحطات التي تولد الكهرباء من مصادر طاقة نظيفة بمعدل الضعف مع نهاية العقد، فيما سيتوجب على البلدان الغنية الوصول إلى كهرباء خالية من الكربون بنسبة 100% بحلول عام 2035، وبعد ذلك بخمس سنوات ينبغي على بقية دول العالم تحقيق هذا الهدف.