للمرة الأولى منذ تأسيس الكنيست الإسرائيلي في عام 1949، سيعقد جلسته الثلاثاء المقبل، بدون مشاركة اليسار الإسرائيلي بعد إخفاق حزب ميرتس في الحصول على أية مقاعد في الانتخابات الأخيرة.
فحزب ميرتس، الذي تأسس عام 1992، كان الحزب اليساري الأخير بالكنيست، وقد أخفق بحجز مقاعد له في الكنيست في أحدث انتخابات عامة مطلع الشهر الجاري، علماً بأن حزب العمل أعرق أحزاب اليسار الإسرائيلي هو الذي أسس الدولة العبرية، ورسمت في عهده الطابع الاستعماري الاستئصالي الذي مازال يمثل السمة الرئيسية لإسرائيل حتى الآن.
اليسار الإسرائيلي فشل في الوصول إلى نسبة 3.25 % من الأصوات
وبحسب معطيات لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، حصل حزب ميرتس على 150 ألف صوت، أي ما يعادل 3.18 بالمئة من عدد الأصوات الصحيحة.
وبلغت نسبة الحسم في الانتخابات أو الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لدخول الكنيست 3.25 بالمئة من عدد الأصوات الصحيحة، وهو ما ترك حزب ميرتس للمرة الأولى منذ تأسيسه خارج البرلمان الإسرائيلي.
وفي حديث خاص للأناضول، أكد عضو الكنيست من حزب ميرتس موسي راز، أنها "المرة الأولى التي يكون فيها الكنيست بدون حزب يساري".
ويهيمن اليمين الإسرائيلي على الكنيست الـ25، يليه الأحزاب الوسطية، و3 أحزاب عربية لديها 10 مقاعد من أصل 120 في الكنيست.
واستناداً إلى معطيات لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، التي حصلت عليها الأناضول، فإن "ميرتس" حصل في الانتخابات التي جرت عام 2021 على 202 ألف صوت، وهو ما يعادل 4.59 بالمئة من عدد الأصوات الصحيحة آنذاك.
ميرتس أخفق بسبب دعمه لإقامة دولة فلسطينية ولأن تكون القدس عاصمة للدولتين
ومثّل عدم نجاح "ميرتس" صدمةً للكثيرين، لا سيما أنه تزامن مع النمو الملحوظ للأحزاب اليمينية الدينية والقومية.
واعتبر راز أن ثمة عدة أسباب أدّت لتراجع الحزب، من بينها دعمه لحلّ سياسي مع الفلسطينيين يقوم على أساس إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين، دون وجود تأييد لهذا الطرح.
راز نفسه برز كناشطٍ داعم للفلسطينيين ضد الاستيطان في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، وأيضاً ضد ممارسات المستوطنين في الضفة الغربية.
وقال راز، مفسراً سقوط حزب "ميرتس": "هناك عدة أسباب، أولاً الديموغرافية، فأنت تعلم أن الناس المتديّنين هم عائلات كبيرة، والجيل الشاب متديّن جداً ولا يدعم اليسار".
وأضاف: "ثانياً، نحن، نوعاً ما، في حالة حرب مع الفلسطينيين، وهناك من يدعم الحرب وليس حلّ المشكلة سياسياً كما ندعو نحن، يقولون إنه إذا ما ضربني الفلسطيني فسأضربه".
وتابع: "ثالثاً، الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية ضعيفة جدًا حاليًا في كلّ العالم، وهذا مثلما حدث في إيطاليا وفرنسا والسويد وبريطانيا وغيرها".
كما أن لابيد سحب الأصوات منه بدعمه لتأسيس دولة فلسطينية
وأكد راز الاتهامات لزعيم حزب "هناك مستقبل" الوسطي رئيس الوزراء يائير لابيد، بأخذ أصوات من "ميرتس" بعد أن أعلن دعمه حلّ الدولتين مع الفلسطينيين، في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول.
وعلّق راز على ذلك بالقول: "هذا صحيح، ولكنني سعيد أنه دعم حلّ الدولتين".
ولدى ذكر أن ذلك أدّى لخسارة حزب ميرتس في الانتخابات، أجاب راز: "نعم هذا صحيح أيضاً".
وكان حزب "هناك مستقبل" قد نجح في رفع عدد مقاعده بالكنيست من 17 في انتخابات عام 2021 إلى 24 مقعداً بالكنيست الجديد.
وعلى الرغم من حديثه عن دعم حلّ الدولتين، فإن لابيد لم يحوّله إلى برنامج سياسي في الانتخابات.
فشل محاولات التحالف مع حزب العمل
وجرت محاولات للتحالف ما بين "ميرتس" وحزب "العمل" الوسطي قبل الانتخابات، لكنها أخفقت في ظلّ رفض هذا التحالف من قبل زعيمة حزب "العمل" وزيرة المواصلات ميراف ميخائيلي.
كما جرت محاولات لخفض نسبة الحسم بالانتخابات لضمان فوز حزب ميرتس، لكن لابيد لم يدعمها، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وقالت رئيسة حزب ميرتس زهافا غالؤون، في مقطع فيديو وجّهته لمؤيّديها: "إن نتائج الانتخابات هي كارثة بالنسبة لميرتس وكارثة للبلاد وكارثة شخصية بالنسبة لي".
وأضافت: "انتصار اليمين بشركائه العنصريين والقمعيين ليس انتصاراً حقيقياً، هناك عدد متساوٍ من الإسرائيليين من جهة، ومن جهة أخرى يؤمنون بالمساواة وحقوق الإنسان وإنهاء الاحتلال والعدالة الاجتماعية".
وتابعت: "انظروا إلى ما يحدث في جميع البلدان في العالم التي تمرّ الآن بموجة من الفاشية الجديدة، إنهم يواجهونها بروح إنسانية عظيمة تصرّ على أن بني البشر متساوون".
وشدّدت غالؤون على أن "لا كاهاني ولا فاشي ولا عنصري أو شوفيني معادٍ للمثليين سوف يطفئ هذه الروح".
هل يتم تأسيس حزب يساري جديد؟
ولكن خسارة حزب ميرتس لمقاعده في الكنيست تفقده الكثير من أدوات التأثير على مؤسسات الدولة، كما تفرض عليه الاستعداد للانتخابات القادمة من أجل محاولة العودة من جديد للكنيست.
وليس من الواضح إن كان الكنيست الحالي سيصمد طويلاً بعد أن شهدت السنوات الأربع الماضية 5 عمليات انتخابية.
وقال راز: "أعتقد أنه يجب أن ننشئ حزباً جديداً أو تحالفاً جديداً بين أحزاب اليسار".
وردًا على سؤال إن كان يطمح لأن ينضمّ حزب "العمل" الوسطي إليه، قال راز: "سأكون سعيداً إذا ما انضمّ حزب العمل".
المتشددون لن يجرؤوا على تنفيذ أجندتهم
ورأى راز أن تعاظم قوة اليمين المتشدد في الكنيست الإسرائيلي يفرض تحديات، لا سيما في حال وجود زعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، وزعيم "القوة اليهودية" إيتمار بن غفير في الحكومة القادمة.
ويطالب سموتريتش بحقيبة الدفاع في الحكومة التي سيشكلها نتنياهو، فيما يطالب بن غفير بحقيبة الأمن الداخلي المسؤولة عن الشرطة.
وعلّق راز قائلاً: "إنهم متشددون، وعلينا أن ننتظر لنرى، ولكن آمل أنهم لا يعنون ما يقولون، فالكثير من الأمور التي يتحدثون عنها سيخشون تطبيقها".
وأضاف: "أعني بذلك على سبيل المثال عقوبة الإعدام أو الحد من قوة المحاكم في إسرائيل وأموراً أخرى من هذا القبيل".
ويدعو اليمين الإسرائيلي المتشدد إلى فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين المدانين بقتل أو محاولة قتل إسرائيليين.
واستبعد راز، وهو معارض شديد للاستيطان، أن ينجح اليمين الإسرائيلي في تمرير ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية.
وقال بشأن فرص تطبيق الضم: "لا، لن يقوموا بذلك".
أما عن دعوات اليمين المتشدد للسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، فقال راز: "لا أعتقد أنهم سيفعلون، ولكن قد نرى المزيد والمزيد من اليهود الذين يدخلون الأقصى، وشاهدنا ذلك فعلاً في السنوات الأخيرة".
وكانت السنوات الأخيرة، والعام الحاليّ تحديداً، شهدت تصاعداً في أعداد المقتحمين للمسجد الأقصى.
حزب ميرتس يؤيد فصل الدين عن الدولة والزواج المدنى
وأبرز من ترأس حزب ميرتس هم: شولاميت ألوني، يوسي ساريد، يوسي بيلين، حاييم أورون، تمار زاندبرغ، نيتسان هووروفيتس، ورئيسة الحزب حالياً زهافا غلؤون.
ويشير حزب ميرتس على موقعه الإلكتروني، إلى أنه عمل منذ تأسيسه في جميع المجالات الاجتماعية.
ووفق الموقع، "عمل حزب ميرتس على تعزيز حقوق الإنسان، الحقوق المدنية، مكافحة العنصرية، والسياسة الاقتصادية الاجتماعية الديمقراطية، فصل الدين عن الدولة، ويسعى لإنهاء الاحتلال وتطبيق السلام على أساس حلّ الدولتين".
ويضيف الحزب عبر موقعه: "عمل ميرتس باستمرار على تعزيز الحرية والمساواة والسلام من منظور عالمي للمساواة بين البشر".
وتابع: "حزب ميرتس في طليعة الكفاح ضد الضم ومن أجل السلام، وهو ضد الإكراه الديني، وله مساهمات وقوانين لتعزيز ذوي الإعاقات، ومنع القوانين التي تمسّ بحقوق للمثليين، ويشجع المواصلات العامة في يوم السبت والزواج المدني".