بينما تعصف الفوضى التي تسبب فيها إيلون ماسك بشركة تويتر، تثار تساؤلات بشأن مستقبل منصة التواصل الاجتماعي الأكثر تفضيلاً للسياسيين والمشاهير، فما تداعيات تلك الفوضى على مستوى العالم؟
لا يعيش إيلون ماسك أفضل أيامه حالياً، فالرئيس جو بايدن يطالب بتحقيق فيدرالي بشأن "علاقاته مع دول أخرى"، وتقلصت ثروته إلى ما دون 200 مليار دولار، لكن الملياردير الأمريكي البالغ من العمر 51 عاماً ما زال يحتل صدارة قائمة أثرياء العالم، ويبدو أنه سيواصل ما يفعله في تويتر، أياً كان ما يريده، بغض النظر عن تداعياته السلبية.
كان ماسك قد استحوذ على شركة تويتر، وهي منصة التواصل الاجتماعي الضخمة والمفضلة للسياسيين والمشاهير حول العالم، بعد دراما شغلت العالم شهوراً، منذ تقدم في أبريل/نيسان الماضي، بعرض قيمته 44 مليار دولار لشراء تويتر، ثم تراجع عن الصفقة، ووصلت الأمور إلى ساحة القضاء لإجباره على إكمالها، ليعود مرة أخرى وبشكل مفاجئ ليكمل الصفقة.
تويتر والقلق بشأن حقوق الإنسان
التداعيات السلبية لتلك الفوضى التي يشهدها تويتر منذ دخل ماسك مقر الشركة حاملاً "حوض مطبخ" بين يديه لا تتوقف فقط عند حدود فصل آلاف الموظفين بجرة قلم، أو فرض رسوم على مستخدمي المنصة مقابل علامة توثيق الحساب "العلامة الزرقاء"، لكن الآثار السلبية أكثر عمقاً مما يظهر الآن.
ونشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً عنوانه "الفوضى التي أثارها إيلون ماسك في تويتر ستكون أسوأ حالاً في الخارج"، يرصد جانباً أكثر خطورة لتلك الفوضى المستمرة، والتي قد لا تنتهي قريباً.
فليس من المعتاد أن يكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة رسالة إلى المالك الجديد لشركة تكنولوجيا، لكن الأسبوع الماضي كان هذا بالضبط ما فعله فولكر تورك.
في خطاب مفتوح إلى إيلون ماسك، بعد أيام من استحواذه على تويتر، وضع تورك ستة مبادئ، حثّ ماسك على الالتزام بها في إدارته للموقع، كان من بينها حماية حرية التعبير، ومنع الكراهية والعنف، ورفع كفاءة الإشراف على المحتوى المكتوب باللغات الأخرى غير الإنجليزية.
وكان تورك محقاً في قلقه، ففي اليوم السابق لإرساله الخطاب سرّح ماسك نصف العاملين في تويتر على مستوى العالم- حوالي 3700 شخص- وكان من بينهم فريق حقوق الإنسان كاملاً، وفقاً لتغريدة من مستشارة حقوق الإنسان في الشركة، شانون راج سينغ.
ووفقاً لتقارير محلية، فصل ماسك معظم العاملين في تويتر في الهند، وتفيد التقارير بأن أول مكتب لتويتر في إفريقيا في العاصمة الغانية أكرا قد انتهى قبل مرور أقل من عام على افتتاحه، وبعد أيام من اجتماع الموظفين شخصياً لأول مرة.
ماسك، الذي يمتلك ويدير بشكل مباشر أكبر شركة لإنتاج السيارات الكهربائية، وهي تسلا، كما يمتلك ويدير شركة سبيس إكس للفضاء، والتي تعتبر أكبر الشركات التي سهّلت السفر للفضاء وجعله مربحاً للغاية، إضافة إلى إنتاج وتشغيل عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية، هو رجل أعمال في نهاية المطاف، دافعه الأول هو تحقيق الربح بطبيعة الحال.
وحتى عندما عبَّر عن آرائه بشأن أزمات العالم الكبرى، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، أو أزمة تايوان والصين، فقد تعرَّض لانتقادات حادة بأن تلك الآراء دافعها الرئيسي هو مصالحه التجارية الخاصة حول العالم، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. ووصلت تلك الانتقادات إلى مرحلة أكثر تطوراً، إذ تدرس الإدارة الأمريكية حالياً ما إذا كانت "علاقات ماسك مع دول أخرى" قد تمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، بحسب تقارير إعلامية أكدها الرئيس جو بايدن، بعد أن كان البيت الأبيض قد نفاها.
هل تتغير علاقة تويتر بالحكومات حول العالم؟
تُقدَّر أعداد مستخدمي تويتر حول العالم بمئات الملايين، ورغم أن هذا أقل بكثير من أعداد مستخدمي المواقع المنافسة مثل فيسبوك ويوتيوب وتيك توك، فإن تويتر يؤدي دوراً كبيراً في رسم اتجاه الحوار العالمي؛ إذ يستخدمه قادة العالم والهيئات الحكومية والمعارضون والنشطاء والصحفيون، وفي كثير من الحالات ضد بعضهم بعضاً.
وفي الماضي، كان تويتر يدافع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان ويتصدى للحكومات الساعية لقمع هذه الحقوق. ففي الهند، رفع تويتر دعوى قضائية على الحكومة لمطالبتها بإغلاق العديد من الحسابات.
وفي نيجيريا، حُظر تويتر لسبعة أشهر بعد أن حذف تغريدة لرئيس الدولة، محمد بخاري، فُسِّرت على أنها تهدد بالعنف بحق المتظاهرين. (الموقع عاد للعمل مطلع هذا العام، بعد أن تعهد تويتر بإنشاء مكتب وتعيين ممثل له في الدولة).
ديفيد كاي، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا، والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة، المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، قال لفورين بوليسي: "تويتر على مدار السنوات الماضية اشتهر بتصديه لمطالبات الحكومة، ورفض الطلبات التي تبدو في نظره غير متوافقة مع القانون المحلي أو قانون حقوق الإنسان، أو قيم الشركة".
لكن في الوقت الحالي ينصبّ تركيز ماسك حتى الآن على استنزاف أموال المستخدمين لتعويض عائدات الإعلانات المنخفضة، وإضافة إمكانات الدفع الرقمية إلى تويتر، وإعادة الموظفين إلى عملهم من المكاتب، لكنه لم يناقش كيف سيتعامل الموقع مع بعض القضايا الشائكة التي تواجهه عن المعلومات المضللة وأمن الانتخابات والقمع الحكومي وخطاب الكراهية.
وقالت ميشي تشودري، المحامية والناشطة الحقوقية التي أسست الفرع الهندي لمركز قانون حرية البرمجيات، للمجلة الأمريكية: "ماسك لم يُبد اهتماماً كبيراً بمستخدمي تويتر أو الموظفين خارج الولايات المتحدة. وبين مزاعم حرية التعبير المطلقة والامتثال للقوانين، من الواضح أن الملياردير سيواجه صعوبة بالغة".
كان تويتر سبّاقاً في التصدي لانتشار المعلومات المضللة، وحظر بشكل دائم حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في أعقاب اقتحام أنصاره الكونغرس الأمريكي، يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، لمنع التصديق على نتائج الانتخابات التي خسرها لصالح جو بايدن.
ماذا يحدث في تويتر على مستوى العالم؟
تعرّض أداء تويتر في الإشراف على المحتوى وحماية المستخدمين العرضة للخطر، لانتقادات حادة يوم الخميس 10 نوفمبر/تشرين الثاني، بالتزامن مع رحيل كبير مسؤولي أمن المعلومات ومدير الخصوصية ورئيس قسم الثقة والأمان من الشركة.
وكثيراً ما اتُّهم موقع تويتر وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي بأنها لا تفعل ما يكفي للقضاء على خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على مستوى العالم، وخصوصاً في دول مثل إثيوبيا وميانمار وسريلانكا وأجزاء من الشرق الأوسط.
لكن عملاق التواصل الاجتماعي فيسبوك كان الهدف الأول لتلك الانتقادات، وفي جميع تلك الحالات وغيرها كان المقصود بنشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة وتقديم الربح على المصلحة العامة هو "المارد الأزرق" الخاص بمارك زوكربيرغ.
وكان عام 2021 عاماً سيئاً بالنسبة لصورة فيسبوك، وسط تزايد ملاحقته قضائياً والمطالبات بتفكيك الإمبراطورية التي أسسها مارك زوكربيرغ. فتطبيقات فيسبوك المتعددة، واتساب وإنستغرام ومسنجر، التي يستخدمها نحو 3 مليارات شخص، كانت قد أصيبت بعطل عالمي، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، تم التعامل معه خلال ساعات، لكنها كانت كافية لإحداث ضجة ضخمة وضعت العملاق الأزرق تحت دائرة الضوء بصورة سلبية.
وتزامَنَ ذلك العطل مع تسريبات واتهامات وجّهتها مديرة سابقة في عملاق منصات التواصل الاجتماعي للشركة، بأنها تسعى للربح على حساب سلامة المستخدمين، ما أعطى زخماً لحملات السعي لتفكيك إمبراطورية زوكربيرغ، الذي قام بتغيير اسم الشركة من فيسبوك إلى "ميتا".
أما تويتر فكان يتخذ في بعض الحالات مواقف قوية لحماية حرية التعبير، إذ رفض، على سبيل المثال، حذف مئات الحسابات العام الماضي بناءً على طلب من الحكومة الهندية، خلال الاحتجاجات على القوانين الزراعية المثيرة للجدل.
ومثّلت اللغات مشكلة معقدة لمواقع مثل فيسبوك وتويتر، إذ تجد صعوبة في رقابة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية في مناطق مختلفة من العالم.
سمير جاين، مدير السياسات في مركز الديمقراطية والتكنولوجيا في واشنطن العاصمة، قال لفورين بوليسي: "الإشراف على المحتوى المكتوب بلغات أخرى غير الإنجليزية أضعف بكثير من المكتوب باللغة الإنجليزية، وذلك لنقص الخبرة اللغوية لدى الأشخاص في هذه الشركات، وكذلك لأن الأدوات الآلية التي تساعد في الإشراف على المحتوى تعمل بكفاءة أقل بكثير مع "اللغات غير الإنجليزية". والخوف أن تزداد تدهوراً".
ويشير الخبراء أيضاً إلى ثغرات أخرى في عمليات الشركة الدولية، نتجت عن نشاطه التجاري، فماسك يمتلك إلى جانب تويتر شركة صناعة السيارات الكهربائية تسلا، وشركة سبيس إكس للأقمار الصناعية، وهذا قد يمنح الحكومات مزيداً من النفوذ ضد تويتر. ولو حدث ذلك فلا يبدو أن ماسك- الذي قال إنه يؤمن بحرية التعبير طالما أنها "تتطابق مع قانون" البلد- سيتخذ موقفاً يُذكر.
يقول كاي لفورين بوليسي: "يعمل على فتح وبناء أسواق لتسلا في الهند، فكيف يؤثر ذلك في رغبته في أن يكون أكثر تجاوباً مع مطالب الحكومة؟ الأمر كله مثير للقلق بطريقة لم أتوقعها أبداً قبل أسبوعين فقط".