يبدو أن إيلون ماسك لا يعيش أفضل أيامه على الإطلاق، فالرئيس جو بايدن يطالب بتحقيق فيدرالي بشأن "علاقاته مع دول أخرى"، وفقد أكثر من 62 مليار دولار من ثروته دفعة واحدة، فهل هي "لعنة تويتر؟".
وماسك، الملياردير الأمريكي البالغ من العمر 51 عاماً، يحتل صدارة قائمة أثرياء العالم، ويمتلك ويدير بشكل مباشر أكبر شركة لإنتاج السيارات الكهربائية، وهي تسلا، كما يمتلك ويدير شركة سبيس إكس للفضاء، والتي تعتبر أكبر الشركات التي سهّلت السفر للفضاء وجعله مربحاً للغاية، إضافة إلى إنتاج وتشغيل عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية.
ثم استحوذ الرجل على شركة تويتر، وهي منصة التواصل الاجتماعي الضخمة والمفضلة للسياسيين والمشاهير حول العالم، بعد دراما شغلت العالم شهوراً، منذ تقدم، في أبريل/نيسان الماضي، بعرض قيمته 44 مليار دولار لشراء تويتر، ثم تراجع عن الصفقة، ووصلت الأمور إلى ساحة القضاء لإجباره على إكمالها، ليعود مرة أخرى وبشكل مفاجئ ليكمل الصفقة.
متى بدأت قصة "التحقيق" الأمريكي بشأن ماسك؟
بدأ الحديث عن وجود تحقيقات بشأن إيلون ماسك وعلاقته بدول أخرى الشهر الماضي، عندما نشرت وكالة Bloomberg الأمريكية تقريراً نقلت فيه عن مصادر داخل إدارة بايدن، وصفتها بالمطلعة، أن الإدارة الأمريكية تدرس إجراء تحقيق في أنشطة إيلون ماسك، للتأكد من مدى تطابقها مع مصالح الأمن القومي الأمريكي.
تقرير الوكالة، المنشور يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول، أرجع السبب إلى قلق الإدارة الأمريكية إزاء تلميحات ماسك إلى إمكانية وقف تمويل منظومة "ستارلينك" للاتصال في أوكرانيا، بالإضافة إلى بعض الأمور الأخرى، التي جعلت الإدارة تعتبر أن مواقف ماسك بشأن النزاع في أوكرانيا "تتجه إلى تأييد الموقف الروسي"، وأن رؤيته للتسوية هناك "تناسب القيادة الروسية".
كان إيلون ماسك قد طلب، الإثنين، 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من متابعيه على تويتر، الذين يزيد عددهم على 107 ملايين شخص، أن يبدوا رأيهم في خطته لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، المستمرة منذ 24 فبراير/شباط الماضي، وذلك من خلال عرض وجهة نظره على صورة استفتاء.
خطة ماسك ضمّت عدة نقاط، منها الاعتراف رسمياً بشبه جزيرة القرم، التي استولت عليها موسكو في عام 2014، على أنها روسية، وضمان إمدادات المياه للقرم، وأن تظل أوكرانيا محايدة. كما اقترح إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا، المدن الأربع التي أجرت فيها موسكو الاستفتاءات، وأعلن بوتين ضمها رسمياً، الجمعة، 30 سبتمبر/أيلول الماضي.
وكتب ماسك في تغريداته قائلاً: "سترحل روسيا إذا كانت هذه هي إرادة الشعب"، طالباً من مستخدمي تويتر التصويت بنعم أو لا على الخطة. وخلال أقل من 24 ساعة، هي المدى الزمني لاستفتاء ماسك، شارك أكثر من مليونين و157 ألف شخص برأيهم، وافق أكثر من 58% منهم على خطة ماسك، بينما رفضها نحو 41%.
وأضاف ماسك أيضاً نقطة أخرى لمقترحه في تغريدة بقوله: "لنجرب هذا بعد ذلك: يجب أن يقرر الأشخاص الذين يعيشون في دونباس وشبه جزيرة القرم بإرادتهم ما إذا كانتا جزءاً من روسيا أو أوكرانيا".
وعلى الرغم من أن ما عرضه ماسك لا يختلف كثيراً عما كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كسنغر، قد طرحه قبل أشهر، فإن الواضح أن إدارة الرئيس جو بايدن، الداعم الرئيسي لأوكرانيا، انزعجت من تغريدات ماسك وقررت التحقيق في أنشطته التجارية، ومدى تأثيرها على الأمن القومي الأمريكي، بحسب ما نشرت بلومبيرغ.
لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، سارعت بنفي تقرير بلومبيرغ وأكدت أن الإدارة الأمريكية لا تجري أي تحقيقات في أنشطة ماسك، بعد تصريحاته بشأن أوكرانيا، وقالت جان بيير للصحفيين: "أعرف أن هناك اهتماماً كبيراً بذلك. ونحن اطلعنا على تلك الأنباء، لكنها لا تتطابق والواقع".
وأكدت أن "إجراء أي تحقيق متعلق بالأمن القومي غير صحيح… وليس لدي ما أقوله أكثر من ذلك بهذا الخصوص وبشأن إيلون ماسك وما يقرر أن يقوم به أو ألا يقوم به".
بايدن يناقض نفي البيت الأبيض بشأن ماسك
لكن يبدو أن ذلك النفي الذي أصدره البيت الأبيض لم يكن دقيقاً، إذ إن الرئيس جو بايدن نفسه قال إنه يريد إجراء تحقيق فيدرالي بشأن "علاقات ماسك مع الدول الأخرى، بحسب تقرير لصحيفة NY Post، مساء الأربعاء، 9 نوفمبر/تشرين الثاني، حمل تغطية لمؤتمر صحفي عقده الرئيس للحديث عن الانتخابات النصفية وقضايا أخرى.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان يعتقد أن ماسك يمثل تهديداً للأمن القومي، وما إذا كان ينبغي أن تحقق الحكومة الأمريكية في استحواذه على تويتر، قال الرئيس الأمريكي إنه يعتقد أن علاقات إيلون ماسك، رئيس شركة تويتر، بالدول الأخرى تستحق أن يُنظر فيها.
"أعتقد أن تعاون إيلون ماسك و/أو علاقاته الفنية بدول أخرى تستحق أن يُنظر فيها. أنا لا أشير إلى ما إذا كان يفعل أي شيء غير ملائم. أنا أقول إنها تستحق أن يُنظر فيها".
وعندما يأتي هذا التصريح من الرئيس نفسه، فإنه يشير بلا شك أن التقرير الأولي الخاص ببلومبيرغ كان صحيحاً، وأن نفي البيت الأبيض وقتها لم يكن كذلك.
ماسك لم يكتفِ بإبداء رأيه في ضرورة إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، بل دخل أيضاً على خط أزمة جيوسياسية كبرى أخرى، وهي الأزمة بين الصين وتايوان. فبعد أيام قليلة من تلك الفكرة بشأن كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا، عرض الملياردير الأمريكي فكرة أخرى بشأن إمكانية نزع فتيل الأزمة بين الصين وتايوان مقترحاً "تسليم بكين بعض السيطرة على تايوان".
لم يغرد ماسك في تلك المرة، وإنما جاء اقتراحه بشأن تايوان خلال مقابلة له مع صحيفة Financial Times البريطانية، قال فيها: "اقتراحي يتعلق بتحديد منطقة إدارية خاصة لتايوان، وهذا أمر مستساغ بشكل معقول، وربما لن ينال رضا الجميع".
ونقلت الصحيفة عن ماسك قوله: "من الممكن، وأعتقد أنه من المحتمل في واقع الأمر، أن يكون لديهم ترتيب أكثر تساهلاً من (المطبق في) هونغ كونغ"، مضيفاً أنه يعتقد أن اندلاع صراع بشأن تايوان أمر حتمي، محذراً من تأثيره المحتمل ليس فقط على "تسلا"، لكن أيضاً على شركة "أبل" وعلى الاقتصاد (الأمريكي) على نحو أوسع نطاقاً؛ إذ تمتلك تسلا واحداً من أكبر مصانعها في مدينة شنغهاي الصينية، كما يتم تجميع أغلب إنتاج شركة أبل في الصين أيضاً.
خسارة عشرات المليارات أيضاً.. "لعنة تويتر"؟
يقول المثل العربي "المصائب لا تأتي فرادى"، ويبدو المثل منطبقاً على إيلون ماسك بصورة لافتة هذه الأيام. فكأن الحديث عن احتمال فتح تحقيق فيدرالي يتعلق بأنشطته مع "دول أخرى"، وهو بلا شك أمر مزعج بالنسبة لأعماله على أقل تقدير، ليس كافياً في حدّ ذاته، لتأتيه ضربة أخرى، تخص أعز ما يملكه الأغنياء وهي ثروته.
إذ انخفض صافي ثروة ماسك لتنخفض عن 200 مليار دولار، الثلاثاء، 8 نوفمبر/تشرين الثاني، مع تخلص المستثمرين من أسهم شركة تسلا بسبب مخاوف من أن يكون الرئيس التنفيذي لأغلى شركات صناعة السيارات الكهربائية وأكبر مساهم فيها مهتماً أكثر بدوره الجديد، أي المدير التنفيذي لشركة تويتر.
وقالت مجلة فوربس إن ثروة ماسك تبلغ الآن 194.8 مليار دولار، ويأتي جزء كبير منها من حصته البالغة نحو 15% في تسلا التي تبلغ قيمتها السوقية 622 مليار دولار. وخسرت الشركة نصف قيمتها السوقية تقريباً وانخفضت ثروة ماسك الصافية 70 مليار دولار منذ قدم عرضاً لشراء تويتر في أبريل/نيسان الماضي.
وهرب المستثمرون في بادئ الأمر من تسلا بسبب مخاوف من أن يبيع ماسك أسهمها، وباع ماسك أسهما بقيمة 15 مليار دولار في الشركة. وأتم ماسك الشهر الماضي صفقة شراء تويتر التي تبلغ قيمتها 44 مليار دولار، مول 13 مليار دولار منها عن طريق قروض و33.5 مليار دولار في صورة تعهدات تمويلية.
وتخشى وول ستريت الآن أن يكون ماسك قد استنزف موارده في الوقت الذي تكثف فيه شركة صناعة المركبات الكهربائية الإنتاج وتواجه منافسة متزايدة. غاي هيتفيلد بشركة إنفراستراكتشر كابيتال مانجمنت، قال لتويتر: "يبدو أن إيلون ماسك يخصص 100% من وقته لتويتر، وكما تعرفون ربما تحتاج مزيداً من رأس المال".
ومنذ شراء تويتر لم يغرد ماسك كثيراً عن تسلا، وهو أمر ساعده في النجاح على منصة التغريدات القصيرة. واستخدم تويتر بدلاً من ذلك في إعلان خطط شركة التواصل الاجتماعي مثل الاشتراك للحصول على العلامة الزرقاء مقابل ثمانية دولارات شهرياً.
لكن حتى تويتر لا تمر بأوقات جيدة منذ دخلها المالك الجديد، حاملاً "حوض المطبخ" بين يديه، في إشارة، على ما يبدو، إلى أنه ينوي "تنظيف" منصة التواصل الاجتماعي الأكثر تفضيلاً بين المشاهير والسياسيين حول العالم.
فعشرات الآلاف من المشاهير قرروا مغادرة تويتر، بعضهم اعتراضاً على قرار ماسك تسريح 50% من العاملين في شركة تويتر حول العالم، وبعضهم من قرر الرحيل اعتراضاً على فرض ماسك رسوماً على علامة التوثيق الزرقاء للحسابات، كما انهار دخل تويتر من الإعلانات بعد أن أوقفت الشركات الكبرى حملاتها الإعلانية على المنصة بسبب كل تلك الفوضى المحيطة بها.
الخلاصة هنا هي أن ماسك يمر بأوقات صعبة للغاية منذ قرر شراء منصة التواصل الاجتماعي، وازدادت الصعوبات وتوالت المصائب منذ استحوذ عليها بالفعل، فهل أصابته "لعنة تويتر"، أم أنها مرحلة انتقالية سيتمكن بعدها من إعادة الأمور إلى نصابها، سواء في تويتر أو ثروته الشخصية؟