جدل واسع في قمة المناخ بشرم الشيخ أثير بسبب تأخر سداد مبلغ الـ100 مليار دولار المخصصة لـ"تمويل المناخ" المستحق على الدول الغنية للدول النامية؛ حيث تبين أن بعض دول العالم شديدة الثراء دفعت نسباً من حصصها تبدو مثيرة للسخرية، رغم أنها تتحمل المسؤولية الأكبر في تلويث الأرض وتهديد مستقبلها.
وتعد قضية تمويل المناخ حاسمة لإحراز تقدم في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (Cop27)، التي بدأت يوم الأحد 6 نوفمبر/تشرين الثاني في مصر.
وتأتي فلسفة تمويل المناخ من حقيقة أن الدول النامية لم تفعل الكثير للتسبب في حالة الطوارئ المناخية؛ مما جعل التمويل من الدول الغنية حيوياً لخلق الثقة اللازمة للعمل العالمي المشترك.
وتقبل البلدان الغنية واقع أنَّ البلدان الضعيفة تواجه "حالة حياة أو موت"، وتحتاج إلى أكثر من 100 مليار دولار؛ (نظراً لأن كثيراً منها الأكثر تعرضاً لآثار التداعيات المناخية).
لكن تسليم أموال تمويل المناخ كان مثيراً للجدل وبطيئاً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
كيف يمكن للعالم الثالث الاستفادة من عملية تمويل المناخ؟
قال سامح شكري، وزير الخارجية المصري ورئيس مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، إنه يدعو المشاركين في "كوب 27" لوقفة للمصارحة حول حقيقتين، هما أولاً: أن جهود تغير المناخ على مدى العقود الماضية اتسمت بقدر ملحوظ من الاستقطاب. وثانياً: الحالة الراهنة للحشد والتمويل أمامها الكثير، وأن الالتزام الدولي بتوفير الـ100 مليار دولار لم يجد بعد سبيلاً للتنفيذ.
كان الهدف من التمويل بقيمة 100 مليار دولار هو دعم خفض انبعاثات الكربون، والعمل على تكييف المجتمعات مع الطقس الذي يزداد قسوة الناتج عن الاحتباس الحراري. ومع ذلك، كشفت سلسلة من التقارير، الأسبوع الماضي، عن مدى قرب الكوكب من كارثة المناخ، مع "عدم وجود مسار موثوق [لخفض الكربون] إلى 1.5 درجة مئوية"، وهو الحد الأقصى المتفق عليه دولياً لدرجة الحرارة؛ لتجنب أسوأ سيناريوهات الأزمة المناخية.
ويتسبب التأخر في تمويل خطة تمويل المناخ في رفع الضغوط على الفقراء؛ لأن تغير المناخ قد يؤدي إلى سقوط ما يزيد على 130 مليون شخص في دائرة الفقر بحلول عام 2030، وإلى هجرة أكثر من 200 مليون شخص بحلول عام 2050، ولذلك من الضروري الاستثمار في أنشطة التكيف مع تغير المناخ؛ لمساعدة البلدان والشركات على أن تصبح أقدر على الصمود ومجابهة الصدمات.
كيف يتم قياس حصة كل دولة في تمويل المناخ؟ وما هو موعد السداد؟
أظهرت التحليلات أنَّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا كانت في مقدمة الدولة المتخلّفة عن الالتزام بـ"نصيبها العادل" من تمويل المناخ للبلدان النامية بمليارات الدولارات، حسبما ورد في تقرير The Guardian.
ويقارن التقييم الذي أجرته منظمة Carbon Brief بين حصة التمويل الدولي للمناخ التي تقدمها البلدان الغنية مع حصتها من انبعاثات الكربون حتى الآن، وهو مقياس لمسؤوليتها عن أزمة المناخ.
تعهدت الدول الغنية بتقديم إجمالي 100 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2020، ولكن لم يتم تحقيق هذا الهدف.
أمريكا دفعت مبلغاً من المال مثيراً للسخرية مقارنة بحصتها
حصة الولايات المتحدة من عملية تمويل المناخ، بناءً على انبعاثاتها السابقة، 40 مليار دولار، لكنها قدمت 7.6 مليار دولار فقط في عام 2020، وهو آخر عام تتوافر عنه بيانات. بينما قدمت أستراليا وكندا حوالي ثلث التمويل المشار إليه في التحليل، وقدمت المملكة المتحدة ثلاثة أرباع التمويل، لكنها لا تزال متخلّفة بمقدار 1.4 مليار دولار.
ويغطي تحليل جديد دول "الملحق الثاني" الـ24 من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ -وهي الدول الصناعية الكبرى- التي تمثل 40% من الانبعاثات التاريخية، وهي ملزمة بتقديم تمويل خاص بالمناخ بموجب المعاهدة، بما في ذلك جميع الاقتصادات الكبرى لمجموعة السبع. ويُظهِر التحليل أنَّ بعض الدول أعطت أكثر من نصيب 100 مليار دولار الذي أشارت إليه انبعاثاتها السابقة.
كان تمويل سويسرا أعلى بأكثر من أربعة أضعاف، وكان تمويل فرنسا والنرويج أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ. وقدمت اليابان، وهي من أكبر مقدمي التمويل، 13 مليار دولار، أي أكثر من ضعف المبلغ المحدد.
ومع ذلك، كان التمويل من اليابان وفرنسا إلى حد كبير في شكل قروض، في حين كان التمويل من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة في الغالب مِنحاً. وتفضل البلدان النامية المنح بشدة؛ لأنها غالباً ما تحمل بالفعل مستويات عالية من الديون.
500 مليار دولار خسائر دول العالم الثالث بسبب التغير المناخي
قال محمد نشيد، الرئيس السابق لجزر المالديف: "تتطلب العدالة الأساسية أن يقدم المسؤولون الأكبر عن التسبب في أزمة المناخ الدعم المالي لأولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم في الخطوط الأمامية لتغير المناخ.. كل عام نرى العواصف تزداد قوة والأمواج ترتفع".
وقال نشيد لصحيفة The Guardian: "وجد تحليلنا لمجموعة الدول العشرين الأكثر عرضة لمخاطر التغير المناخي أنَّ بلداننا قد عانت بالفعل من خسائر بقيمة 500 مليار دولار بسبب التأثيرات المناخية".
وأضاف نشيد: "نواجه حالياً أزمة ديون؛ لأنَّ الكثير من الأصول التي اقترضناها لسدادها تتعرض للتدمير بسبب تغير المناخ.. خففوا عبء الديون ويمكننا جميعاً الاضطلاع بدورنا". وتمثل مجموعة العشرين هذه 1.5 مليار شخص في 58 دولة ضعيفة.
وقال نافكوت دابي، رئيس سياسة تغير المناخ في منظمة أوكسفام الدولية: "يُظهر هذا التحليل الجديد أنَّ الدول الغنية لا تزال تفشل في الوفاء بتعهدها الطويل الأمد البالغ 100 مليار دولار سنوياً. ويصير هذا الفشل أكثر فجاجة عندما تفكر في أنَّ مبلغ 100 مليار دولار هو مبلغ ضئيل مقارنة بما هو مطلوب لمعالجة أزمة المناخ".