أمراض القلب هي السبب الأول للوفيات في جميع أنحاء العالم، رغم أن عمليات زراعة القلب متاحة بنجاح منذ عقود، لكن تكمن المشكلة في توفر "القلب" نفسه، فهل اقتربنا من عصر "القلب الاصطناعي"؟
ففي الولايات المتحدة وباقي دول العالم أيضا، تتسبب أمراض القلب في وفاة الملايين من البشر سنوياً، وفي أغلب الحالات، تكون عملية استبدال قلب المريض بقلب آخر معافى عن طريق الزراعة هي أفضل الطرق لإنقاذ حياة الشخص، ومنحه فرصة للعيش حياة أطول وأفضل صحة.
لكن لسوء الحظ، ليس هناك ما يكفي من القلوب المتاحة لتلبية الطلب على عمليات زراعة القلب؛ إذ إن حوالي 20% من المرضى الذين يحتاجون إلى الخضوع لعملية زراعة القلب، يموتون بينما لا يزالون على قوائم الانتظار، فضلاً عن أن كثيرين حتى إذا تمكنوا من الحصول على قلب جديد من متبرع، قد يواجهون مضاعفات محتملة، مثل رفض الجسم عملية زراعة القلب.
وفي هذا السياق، كانت كلية الطب بجامعة ميريلاند الأمريكية قد أعلنت، مطلع العام الحالي، نجاح جراحين أمريكيين في زرع قلب خنزير معدل وراثياً في مريض بشري، في أول عمليّة من نوعها.
وعلى الرغم من أن تلك الجراحة تعد علامةً بارزةً في العلوم الطبية، لكن اتباع هذا النهج بصورةٍ أوسع، أثار مخاوف أخلاقية كبيرة، علاوة على المخاوف المتعلِّقة بالسلامة الخاصة بالمرضى، خاصة في ضوء التاريخ المتقلب والمثير للقلق لكثير من العمليات المشابهة، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ما الحل إذن لمشاكل القلب؟
أحد الحلول المحتملة لهذه المشكلة تتمثل في تجاوز عملية زراعة قلب بشري أو حيواني برمتها، وذلك عبر صناعة قلوب بشرية اصطناعية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد أو الطرق الأخرى عندما يحتاج أحد المرضى إلى عملية زراعة عضو ما.
وألقى تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي، عنوانه "البشر قد يمتلكون قلوباً اصطناعية في المستقبل"، الضوء على تفاصيل قصة القلب الاصطناعي هذه. فمن خلال تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، يطور الباحثون تقنيات لطباعة الخلايا على سقالات لتصنيع أجزاء من القلب أملاً في الوصول في قادم الأيام إلى تصنيع قلب بشري كامل. كذلك توجد طريقتان أحدث يجري تطويرها لتصنيع قلب اصطناعي تشبه الطباعة ثلاثية الأبعاد، ولكنها قد تحمل مميزات هائلة.
يمكن لأي من هذه المشروعات أن يُحدث ثورة في مجال الصحة القلبية الذي نعهده. ولكن قبل كل شيء، يجب عليهم إثبات قدرة هذه المشروعات على العمل بنجاح.
إن قدوم الطباعة ثلاثية الأبعاد هو شيء يتطلع إليه باحثو الأعضاء عن كثب، ولديهم أسبابهم الوجيهة وراء نظرتهم هذه. فإذا تمكنَّا من طباعة قلوب بشرية سليمة هيكلياً باستخدام خلايا قلبية حقيقية، فيمكننا إذن أن نصنع شيئاً خصيصاً للمريض ولا يتطلب أي تبرع بالأعضاء على الإطلاق. ويمكن أن تنخفض احتمالات رفض الجسم عملية الزراعة.
لكن مهمة تصميم قلب بشري من الصفر أصعب مما يمكن أن يتخيله المرء. يعد قلب الإنسان الأشد تعقيداً من بين أعضاء الجسم التي تطورت على الأرض، والسبب في الأساس يُعزى إلى آلياته الفريدة من نوعها.
فالقلب في جوهره مضخةٌ لمرور الدم عبر الرئتين كي يُحمَّل بالأوكسجين، ثم ينتقل إلى بقية أجزاء الجسم كي يمد كل الخلايا بذلك الأوكسجين. لكن هذه المضخة لا تنقبض وتنبسط بكل بساطة. بل إنها تلتوي وتنثني بينما تنقبض من أجل السماح بإطلاق مزيد من الدم. يمنح هذا الالتواءُ القلبَ عزمَ التواءٍ، يشبه عصر الملابس المبللة. فإذا كان الباحثون سوف يصنعون قلباً بشرياً يعمل بنجاح، سوف يحتاجون إلى تقليد هذه الوظيفة التي يؤديها القلب.
هل يمكن "صناعة" قلب أصلاً؟
قضى كيت باركر، المهندس الحيوي في جامعة هارفارد، أغلب أوقاته خلال العقدين الماضيين في العمل على تطوير الأنظمة الضرورية لصنع قلوب بشرية اصطناعية. وفي وقت سابق من هذا العام، كشف النقاب عن إحراز تقدم كبير: وهو عبارة عن طريقة جديدة لخلق بطين (وهو أحد نوعي الحجرات الموجودة في القلب) تختلف في الواقع عن الطباعة ثلاثية الأبعاد الاعتيادية. تسمى هذه الطريقة "الغزل النفاث الدوّار المركز" (Focused Rotary Jet Spinning – FRJS)، وتستطيع إنتاج بطين بوتيرة أسرع بكثير.
تنطوي طريقة FRJS على غزل بوليمر سائل بدفقٍ نفاثٍ وجعله يُجمع على سقالة، حيث يصير في حالة صلبة ويتحول إلى ألياف. وبهذه التقنية، يستطيع باركر استنساخ هيكل حلزوني للقلب يسمح له بالالتواء والانثناء. وحينئذ تستطيع السقالة المؤقتة، التي سوف تُذاب في نهاية المطاف، أن تستقبل طبقة من خلايا القلب.
الخلايا هي التي تسمى بـ "الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات"؛ مما يعني أنه يمكن صنعها عن طريق أخذ بعض خلايا الجلد من أي مريض، وإعادتها إلى حالة الخلايا الجذعية، ثم معالجتها لإنتاج خلايا القلب. نظراً إلى أن خلايا الجلد الأصلية التي تُستخدم، تأتي بصورة مباشرة من المريض، فإن عملية الزرع لا يرفضها الجسم مثلما قد يحدث عندما تأتي من متبرع ما.
قال باركر في حديثه مع موقع The Daily Beast: "إنك تريد أن تشعر هذه الخلايا أنها في قلب حقيقي. يجب عليك أن تصنع بيئة مكروية أو سقالة تصنع نفس نوعية شروط الحدود الهندسية ونفس نوعية شروط الحدود الكيميائية. وذلك هو ما يمكننا أن نفعله بهذه الألياف".
يقول باركر إن الأمر قد يستغرق أسابيع لإنتاج صمام قلب بشري قابل للحياة من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد. لكن تقنية الغزل النفاث الدوّار المركز (FRJS) يمكنها أن تفعله في ساعة واحدة. وذلك النوع من الإطار الزمني يمكن أن يشكل الحد الفاصل بين الحياة والموت بالنسبة لأي مريض يكون في حاجة إلى الصمام، فكل دقيقة تمر تكون ذات أهمية بالنسبة إليه.
متى يمكن أن يتحول الأمر إلى واقع؟
ويعتقد باركر أننا قد نتمكن من استخدام تقنية FRJS لإنتاج أجزاء من القلب للمرضى خلال سنوات معدودة، وقد نتمكن من استخدامها لإنتاج قلوب كاملة خلال حوالي عقد من الزمن. تعني نموذجية تقنية FRJS أيضاً أنها يمكن استخدامها لعلاج مشكلة محددة، بدون الحاجة إلى انتظار قلب كامل من متبرع إذا كان من الممكن استبدال نسيج محدد من العضو أو جزء ما منه.
قال باركر: "ما نحاول استيعابه الآن هو (سؤال) هل تبني هذا بأسلوب نموذجي وتجمعه مثل لعبة ليغو، أو هل تبنيه كله مرة واحدة؟ يحتمل أنها ستكون نسخة ما من قلب نموذجي".
ولكن لا يزال هناك الكثير من الاختبارات واستكشاف الأخطاء وإصلاحها، التي تحتاج إنهاءها قبل تطبيق استخدام تقنية FRJS، أو أي طريقة أخرى لبناء قلب اصطناعي، على مريض حقيقي.
قال آدم فاينبرج، مهندس الطب الحيوي في جامعة كارنيغي ميلون في مدينة بيتسبرغ الأمريكية، خلال حديثه مع موقع The Daily Beast: "إننا نتعلم كيف تُنظَّم الخلايا وتشكل نسيجاً عضلياً. إننا ندرك كيف يشكل الجنين القلب، غير أن ذلك ليس الطريقة التي نحاول أن نفعله بها. إننا نحاول صنع قلب كامل الحجم. لا نستطيع المرور عبر عملية النمو الطبيعية؛ إذ إن جزءاً منه يكون صنع أوعية دموية في القلب. وإننا نتعلم كيفية القيام بذلك".
يتمثل أحد الموضوعات التي يواجهها الباحثون عند محاولة تصنيع القلوب، في الوقت والمال الذي يستغرقه إنتاج خلايا قلبية. يحتوي القلب البشري على أنواع مختلفة من الخلايا -بدءاً من الخلايا العضلية وصولاً إلى خلايا منظم ضربات القلب- وقد قال فاينبرج إن إنتاجها يعد عملية مرهقة.
أوضح فاينبرج: "أي قلب كامل لشخص بالغ سيحتوي على الأرجح على عدد خلايا يتراوح بين 10 مليارات و50 مليار خلية. باستخدام التكنولوجيا الحالية، يمكن أن يكلف ذلك بين 100 ألف و 150 ألف دولار من أجل الخلايا فقط، وسوف تستغرق شهرين إلى ثلاثة أشهر كي تنمو"، قبل أن توضع معاً لتشكل قلباً. يعني ذلك أننا حتى عندما نصير قادرين على إنتاج قلب بشري، لن يستطيع غالبية الناس تحمل ثمن قلب مصمم خصيصاً لهم.
لكن فاينبرج يعتقد أن التكلفة سوف تقل نسبياً بسرعة عندما تصير التكنولوجيا أكثر شيوعاً. فمع تزايد استخدام التكنولوجيا، سوف تتوسع سلاسل التوريد وتصقل العملية، ومن ثم يقل السعر.
قال فاينبرج: "أعتقد أننا في المدى القريب لن نجدها متاحة بقدرٍ كبير، ولكني أعتقد أننا في المدى البعيد -ربما بعد عشر سنوات من ظهورها- سوف نشهد إتاحتها على نطاق واسع".