يبلغ عدد سكان العالم 8 مليارات نسمة خلال أيام بصورة رسمية، وهو حدث يراه مسؤولون أمميون "مهماً للبشرية"، لكنه أيضاً يطرح تساؤلات: هل هذا العدد أكبر من استيعاب كوكب الأرض مساحة وموارد؟
أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 سيشهد وصول عدد السكان في العالم إلى 8 مليارات نسمة، واعتبرت مديرة الصندوق، ناتاليا كانيم، أن هذا الأمر يعتبر "حدثاً مهماً للبشرية"، فماذا تقصد بالتحديد؟ وهل هناك سبب أو أسباب تدعو للاحتفال بالوصول إلى الرقم 8 مليارات نسمة؟
كم يزيد سكان الأرض كل عام؟
تظهر إحصاءات صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك في المتوسط 96.6 مليون مولود جديد كل عام، مقابل نحو 40.5 مليون حالة وفاة سنوياً، أي أن سكان الأرض يزيدون بمعدل نحو 50 مليون نسمة كل عام، وتشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان الكوكب سيبلغ نحو 9.7 مليار نسمة عام 2050.
وتبلغ المساحة الإجمالية لكوكب الأرض أكثر قليلاً من 510 ملايين كيلومتر مربع، أكثر من 361.6 ألف كيلومتر مربع منها تشغله البحار والمحيطات والأنهار، والباقي هو مساحة اليابسة. ويبلغ متوسط الكثافة السكانية إجمالاً (أي عدد البشر بالنسبة لمساحة الكرة الأرضية، نحو 52 شخصاً لكل كيلومتر مربع).
لكن بطبيعة الحال لا تعكس تلك الأرقام الموقف الفعلي لتوزيع الكثافة السكانية حول العالم، فهناك مناطق تبلغ فيها الكثافة السكانية 25 ألفاً لكل كيلومتر مربع (مثل موناكو، بحسب إحصائيات عام 2021)، بينما غرينلاند وجزر فوكلاند هي أقل المناطق، إذ تقل فيها الكثافة السكانية عن 0.2 فرد لكل كيلومتر مربع، أو بمعنى آخر متوسط الكثافة السكانية هو شخص واحد لكل 5 كيلومترات مربعة.
كما تعطي هذه الأرقام الإجمالية انطباعاً بأن رقم 8 مليارات نسمة في حد ذاته ليس رقماً كبيراً مقارنة بمساحة كوكب الأرض، لكن القصة لها أبعاد كثيرة ومتشعبة، كما أن البشر لا يتصرفون من منطلق "مصلحة الجنس البشري" على الإطلاق، وهذا ما يقوله أغلب الخبراء والمحللين، بل تطغى النزعة الفردية أو القومية، إن جاز التعبير.
هل 8 مليارات نسمة يجعل الكوكب مزدحماً؟
ناتاليا كانيم، من جانبها، ترحب بالزيادة في متوسط الأعمار المتوقع وانخفاض معدل وفيات الرضع والأمهات، وترى أنه "مع ذلك، أدرك أن هذه ليست لحظة يحتفل بها الجميع بالضرورة. يشعر البعض بالقلق من عالم مزدحم بعدد كبير جداً من السكان، وموارد غير كافية للعيش على أساسها"، لكنها دعت إلى عدم "الخوف" من العدد.
لكن العديد من الخبراء يرون أن السؤال في حد ذاته خطأ، إذ قال جويل كوهين من جامعة روكفلر في نيويورك، لموقع دويتش فيله الألماني: "كثير جداً بالنسبة لمن؟ كثير جداً بالنسبة لماذا؟ إذا سألتني إذا كنا أكثر من اللازم، فإني لا أعتقد ذلك".
ويضيف روكفلر: "أرى مسألة عدد الأشخاص الذي يمكن أن تتحمله الأرض كسؤال ذي شقّين: قيود أو حدود طبيعية، والخيارات التي يتخذها البشر".
أما من ناحية الموارد التي يحتاجها البشر حالياً، فشبكة "غلوبل فووتبرنس نتوورك" والصندوق العالمي للطبيعة يرون أنه كي تتم تلبية احتياجات البشرية بطريقة مستدامة، لابد من وجود 1.75 كوكب أرض ليستوعب الـ8 مليارات نسمة، أي قرب ضعف المساحة الحالية تقريباً.
ومن ناحية المناخ، يشير أحدث تقرير لخبراء المناخ التابعين للأمم المتحدة إلى أن النمو السكاني هو أحد المحركات الرئيسية لزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن تظل مساهمة النمو السكاني في تلك الكارثة أقل من مساهمة النمو الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، ترى جينيفر سكيوبا، الباحثة المقيمة في مركز أبحاث ويلسون، أن "تأثيرنا على الكوكب يحدده سلوكنا أكثر بكثير من عددنا"، وتضيف: "الاستمرار في تسليط الضوء على الزيادة السكانية مضر ويعكس كسلاً فكرياً"، مشيرة إلى خطر أن تقوم الدول الغنية بدلاً من تغيير سلوكها بإلقاء اللوم على الدول النامية التي تدفع النمو السكاني.
لكن حتى مسألة الزيادة السكانية، أو النمو السكاني، فهي مسألة نسبية تماماً، بل ويتناقض طرحها والتعامل معها من منطقة لأخرى ومن دولة لأخرى. فعلى سبيل المثال، نجد أن دولة كمصر، يبلغ تعدادها الرسمي أكثر من 104 ملايين نسمة، تسعى جاهدة للحد من الزيادة السكانية وإقناع مواطنيها بالاكتفاء بطفل واحد أو طفلين، بينما تواجه الصين، يبلغ تعدادها 1.48 مليار نسمة، معضلة كبرى سببها انخفاض أعداد المواليد، رغم إلغاء سياسة "طفل واحد" قبل سنوات وفتح الباب على مصراعيه أمام مواطنيها للإنجاب دون جدوى.
الأمم المتحدة، من جانبها، تفسر الأمر على أنه نظراً للعدد الكبير من الشباب، فإن جزءاً كبيراً من النمو سيحدث، حتى لو انخفض منذ الآن معدل الخصوبة في البلدان ذات أعلى المعدلات إلى طفلين لكل امرأة. لكن مسألة الخصوبة مرتبطة مباشرة بحقوق المرأة، وهو أمر يوافق عليه حتى من يميلون إلى الإجابة "بنعم" على سؤال: "هل هناك الكثير منا على هذه الأرض؟".
أما المنظمة غير الحكومية "Population Matters"، فتدعو إلى خفض عدد سكان العالم، لكن "فقط بوسائل إيجابية وطوعية وتحترم الحقوق"، وفق ما أوضح مديرها روبين ماينارد لوكالة فرانس برس، معارضاً أي "سياسة تنظيم" للولادات تفرضها الدولة.
ويقترح مشروع "بروجكت دروداون" أن التعليم وتنظيم الأسرة أحد الحلول للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، ويقول: "على الصعيد العالمي، من شأن وجود عدد أقل من السكان بمستويات استهلاك مستدامة أن يقلل الطلب على الطاقة والنقل والخامات والغذاء والموارد الطبيعية".
الإفراط في استنفاد موارد الأرض
يرى كثير من الخبراء أن طريقة استهلاك الموارد البيولوجية، من غابات وأسماك وأراضٍ وغيرها، تمثل مشكلة كبيرة، لأن ما يحدث حالياً هو أن الاستهلاك أكثر بكثير من قدرة تلك الموارد على التجدد كل عام، إضافة إلى أن الاستهلاك المفرط خاصة للوقود الأحفوري، يؤدي دائماً إلى مزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسؤولة عن الاحترار، ومن ثمّ التداعيات الكارثية للتغير المناخي.
وعن ذلك يقول جويل كوهين، خبير البيئة والمناخ، أن ما يحدث يدل على "أننا غالباً ما نكون أغبياء نفتقر إلى الرؤيا. نحن شرهون، هذا مكمن المشكلة والخيارات"، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى عدم اعتبار الإنسانية "طاعوناً".
وهناك إجماع بين الخبراء على أن الدول الغنية تتحمل الجانب الأكبر من هذه المشكلة، إذ إنه وفق شبكة "غلوبل فووتبرنس نتوورك" والصندوق العالمي للطبيعة، إذا عاش جميع سكان الكوكب في نفس مستوى معيشة سكان الهند، تكون البشرية بحاجة فقط إلى موارد تقل بنسبة 20% عن الموارد المتاحة على كوكب الأرض.
لكن إذا عاش سكان الكوكب بنفس الطريقة التي يعيش بها سكان الولايات المتحدة الأمريكية، يصبحون بحاجة إلى 5 أضعاف الموارد المتوفرة على الكوكب. القصة إذاً لا ترتبط كثيراً بعدد السكان في حد ذاته، سواء كان عدداً كبيراً أم لا، فإن المليارات الثمانية من البشر موجودون بالفعل وسيستمر عددهم في النمو.
فانيسا بيريز، المحللة في معهد الموارد العالمية غير الحكومي، قالت إن "كل شخص يولد على هذه الأرض يضيف ضغطاً إضافياً على الكوكب". وتضيف لفرانس برس: "كان عددنا كبيراً بالفعل منذ سنوات"، لكن "هذا سؤال حساس للغاية"، رافضة أن "تستغل النخب هذه السردية لتطالب بوضع سقف للنمو السكاني في دول الجنوب". وهي تفضل أن تركز على "الإنصاف" و"توزيع" الموارد، ولا سيما الغذاء.
ويتفق معها جويل كوهين الرأي ويشدد أنه رغم وجود ما يكفي من الغذاء من الناحية الحسابية لسد حاجات 8 مليارات نسمة، إلا أن "800 مليون شخص، أي واحد من كل 10 أشخاص على هذا الكوكب، يعانون من سوء التغذية المزمن. فكرة أننا أكثر مما ينبغي تصرف الانتباه عن قضايا حقيقية تتعلق برفاهية النوع البشري والأنواع التي نتشارك معها الكوكب".