يبدو أن التزام الصين الصارم بسياسة "صفر-كوفيد" سيكون له تأثير على مباشر على أجهزة آيفون، أو بمعنى أدق على مدى توافرها في الأسواق، فمتى قد تنتهي تلك السياسة؟ وما مدى تأثيرها على سلاسل الإمداد العالمية؟
كان الرئيس شي جين بينغ قد أعلن عن سياسة "صفر-كوفيد" قبل أكثر من عامين ونصف، ولا تزال بكين متمسكة بتلك السياسة، على الرغم من أن دول العالم قد تعايشت مع جائحة فيروس كورونا منذ أكثر من عام تقريباً.
كانت جائحة فيروس كورونا قد تفشت أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية، ثم انتشرت حول العالم منذ الربع الأول من عام 2020، لكن شي أعلن من ووهان في مارس/آذار من ذلك العام انتصار بكين على الوباء، قبل يوم واحد من إعلان منظمة الصحة العالمية كورونا كجائحة.
وتسبب كورونا في توتر شديد في علاقات الصين مع الغرب، في ظل الاتهامات الموجهة لبكين بالتستر على الوباء في بدايته، وهو ما فاقم الأزمة الصحية الأسوأ في تاريخ العالم على مدى قرن من الزمان، لترد بكين بعنف رافضة الاتهامات وملقية باللوم على الولايات المتحدة. وحتى اليوم لم يتوصل العالم بشكل قاطع إلى أصل الفيروس، وما إذا كان طبيعياً أم تسرب من أحد المعامل البيولوجية سواء في الصين أو في أمريكا.
ما علاقة آيفون بسياسة "صفر-كوفيد"؟
أكبر مصنع في العالم لتجميع أجهزة آيفون، التي تنتجها شركة آبل الأمريكية، يوجد في الصين، وهو مصنع "فوكسون" ويوجد في مدينة تشنغتشو بالتحديد، ويوصف بأنه أكبر منشأة لتجميع "آيفون" في العالم. ووفقاً لتقديرات نشرتها وكالة بلومبيرغ، فإن المصنع يتم فيه تجميع 80% من أجهزة "آيفون 14" الجديدة، بما في ذلك أكثر من 85% من أجهزة "آيفون 14 برو".
وأظهرت بيانات رسمية، الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني، ارتفاعاً في عدد إصابات كورونا في المدينة، التي تعتبر مركز التصنيع العالمي، والتي يبدو أنها في طريقها لأن تصبح أحدث بؤرة لتفشي الفيروس في الصين، مما يمثل اختباراً لقدرة المدينة على تجنب إغلاق كامل، على غرار ما تعرضت له مدينة شنغهاي في أبريل/نيسان الماضي.
فقد سجلت مدينة تشوانغتشو 2377 حالة إصابة محلية جديدة بفيروس، الإثنين 7 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك ارتفاعاً من 1971 حالة إصابة مسجلة في اليوم السابق. وتمثل هذه قفزة كبيرة من زيادات لا تتجاوز المئة حالة قبل أسبوعين.
وبهذا العدد من الإصابات، صارت المدينة الجنوبية مترامية الأطراف، مركز التصنيع العالمي، بؤرة تفشي الفيروس في الصين. وفرضت العديد من مناطق قوانغتشو مستويات متفاوتة من القيود والإغلاق. لكن حتى الآن، لم تفرض المدينة إغلاقاً شاملاً مثل ذلك الذي شهدته شنغهاي.
وأصدرت شركة آبل، الأحد، قبل أن تقفز حالات الإصابة في مقر المصنع، بياناً صحفياً قالت فيه إن "قيود كوفيد-19 المؤقتة أثرت مؤقتاً على منشأة تجميع آيفون 14 وآيفون 14 برو في تشنغتشو بالصين. وتعمل المنشأة الآن بطاقة إنتاجية محدودة للغاية. وكما فعلنا خلال جائحة كوفيد-19، نجعل صحة وسلامة العاملين في سلسلة إمدادنا أولوية لنا".
وأضاف بيان آبل أن الشركة الأمريكية "تشهد طلباً كبيراً على أجهزة آيفون 14 وآيفون 14 برو وآيفون 14 ماكس، لكننا نتوقع شحنات من تلك الأجهزة أقل مما كنا نعتقد، وسوف ينتظر العملاء وقتاً أطول من المتوقع حتى يتسلموا طلبياتهم. إننا نعمل عن قرب مع خط الإمداد كي نعود إلى مستويات الإنتاج المعتادة، مع المحافظة على صحة وسلامة العاملين في الوقت نفسه".
كانت شبكة CNN الأمريكية قد نشرت تقريراً الأسبوع الماضي ذكرت فيه أن العاملين في المصنع بالصين "يهربون" من المنشأة الخاضعة لقيود كورونا الصارمة.
ماذا يحدث في الصين؟
من يطالع هذه الأنباء لا بد أن يصاب بالدهشة بطبيعة الحال، إذ تراجعت الأزمة الصحية العالمية بشكل كبير منذ أكثر من عام، واختفت مصطلحات "الإغلاق" و"القيود" و"الحجر الصحي" و"العزل" التي ظلت على مدى عامين تتصدر تقريباً نشرات الأخبار حول العالم، مما يثير السؤال: ماذا يحدث في الصين؟
والقصة هنا تتعلق بسياسة "صفر-كوفيد" التي يصر عليها الرئيس شي ويطبقها المسؤولون الصينيون بمنتهى الصرامة. فرغم أن عدد الحالات المسجلة هناك منخفض للغاية وفقاً للمعايير العالمية، إلا أن بكين لا تزال تتمسك بسياسة "صفر-كوفيد" الصارمة التي تتضمن عمليات إغلاق وحجراً صحياً واختبارات متكررة للكشف عن المرض وتراجعاً كبيراً في التنقل الداخلي.
وطبقاً لهذه السياسة فإن ظهور ولو حالة إصابة واحدة في مبنى سكني، على سبيل المثال، يجعل مسؤولي الصحة المحليين يفرضون رقابة مستمرة على السكان ويتابعون الموقف أولاً بأول، مع فرض عزل على الحالة المصابة بطبيعة الحال، وإجراء فحوصات دورية للمخالطين، إلى آخر نفس الإجراءات التي كانت متبعة حول العالم عندما تفشت الجائحة، والطريقة الصينية كانت هي الأكثر صرامة بين جميع دول العالم.
وإذا ظهرت حالة أو حالات أخرى في نفس المبنى السكني، تبدأ على الفور إجراءات الإغلاق، سواء جزئياً أو كلياً، فيمنع السكان من مغادرة المبنى إلا في أوقات محددة ولأغراض محددة، وهكذا. هذه الإجراءات يتم تطبيقها على الشارع بأكمله أو على الحي بأكمله أو على المدينة، وربما المقاطعة ككل، على حسب حالات الإصابة المكتشفة… وهكذا.
فيتم تقييد حركة المواصلات العامة والخاصة، ويحظر السفر خارج المدينة أو إليها، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. وكان ذلك ما حدث في شنغهاي، المركز المالي للصين ككل.
فمع استمرار انتشار متحوِّر أوميكرون في جميع أنحاء الصين، دافع المسؤولون عن استخدامهم لعمليات الإغلاق واسعة النطاق والقاسية، دافعين بسردية انتصارهم على فيروس كوفيد، ويقولون إن الحكومة الصينية هي فقط التي لديها الإرادة لمواجهة الفيروس والقضاء عليه.
لكن منذ بدء إغلاق شنغهاي، انتقد السكان هناك الإجراءات القاسية، التي أدت إلى نقص الغذاء، وتأخر الرعاية الطبية، وظروف الحجر الصحي الرديئة، وحتى إقامة سياج حول منازل السكان. استجاب المسؤولون بنهجهم المعتاد، وفرضوا رقابةً على المنشورات الناقدة، وأغرقوا وسائل الإعلام الحكومية بقصص إيجابية وألقوا باللوم على القنوات الأجنبية في تأجيج القصص الكاذبة، بحسب تقرير لشبكة CNN وقتها.
متى تنتهي سياسة "صفر-كوفيد"؟
أصبح هذا السؤال سيد الموقف الآن بطبيعة الحال، خصوصاً أنه قد مرت ثلاث سنوات تقريباً دون أن يختفي كورونا، وتشير جميع التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وأغلب المؤسسات الصحية حول العالم، إلى أن الفيروس بسلالاته وتحوراته، سيظل موجوداً وإن خفت حدته.
وسيختبر التفشي الجديد الحاد، الذي وصل إلى تشنتغتشو مركز التصنيع العالمي وليس فقط مصنع آيفون، مدى قدرة الصين على إبقاء إجراءات مكافحة كورونا الخاصة بها دقيقة وموجهة، في ظل أن ذلك يمكن أن يضعف آمال المستثمرين في أن يخفف ثاني أكبر اقتصاد في العالم القيود قريباً.
ففي بكين، سجلت السلطات 64 إصابة محلية جديدة، وهو ارتفاع طفيف مقارنة بتشنغتشو، لكنه كاف لإثارة موجة جديدة من الفحوص للعديد من سكانها وإغلاق المزيد من المباني والأحياء.
ونشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً عنوانه "لا نهاية وشيكة لسياسة "صفر-كوفيد" المكلفة في الصين"، انتقد بكين بشدة بسبب ما وصفته الشبكة بـ"الإحباط المتزايد بين السكان الصينيين" جراء تلك السياسة الصارمة.
لكن بعيداً عن مدى دقة التقارير المتعلقة بإحباط الصينيين وغضبهم من سياسة "صفر-كوفيد"، المؤكد أن المستثمرين الأمريكيين والغربيين عموماً قلقون أكثر بشأن تأثير الإغلاقات والقيود الخاصة بكورونا على المصانع وسلاسل الإمداد في الصين، ومدى تأثير ذلك على حركة التجارة العالمية، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي يعاني بشدة، سواء بسبب تأثيرات الجائحة أو بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا والارتفاعات القياسية في أسعار النفط والغاز.
لكن على أية حال لا يبدو بالفعل أن المسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني بزعامة شي جين بينغ قد يقررون تخفيف تلك السياسة، على الرغم من الانتقادات الموجهة لها. فقد فعلوها في شنغهاي، وبالتالي إذا ما استمرت الحالات المسجلة في الارتفاع في مدينة تشنغتشو، مركز التصنيع العالمي، فإن فرض الإغلاق الكامل يصبح هو السيناريو المتوقع بالفعل، فهل يجد عشاق آيفون صعوبة في الحصول عليه؟ الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.